هناك تعامل جديد ومواقف جديدة. لكني أؤكد أن هناك معطيات تدفع هذه العلاقات إلى التوتر، خاصة قضية التشيع، التي لم تصبح بالنسبة للمغرب قضية مذهبية فقط، وإنما أصبحت قضية أمنية... *** ماهي الأسباب التي دعت إلى قطع العلاقات بين المغرب وإيران؟ ما ينبغي استحضاره العلاقات الإيرانية المغربية منذ 1979 هو أنها لم تكن على ما يرام، لأن المغرب استضاف الشاه بعد الثورة على نظامه. إضافة إلى أن إيران كانت تؤاخذ على المغرب مساندته للعراق في حربها ضده. ثم هناك مسألة مهمة وهي فتوى العلماء المغاربة بتكفير الإمام آية الله الخميني. وهكذا فبالرغم من ربط علاقات دبلوماسية في سنة ,1991 فإن المغرب ظل متوجسا من طهران، خاصة فيما يخص سياسات إيران الرامية إلى نشر مذهبها الشيعي.هذا يعني أنه لم تكن في الأصل أرضية صلبة لبناء علاقات دبلوماسية جيدة. وطبعا فإن الهدف من قطع المغرب لعلاقاته مع إيران يتضمن توجيه رسالتين: الرسالة الأولى موجهة إلى نشطاء التيار الشيعي في المغرب الذين بدأوا يتحركون بكامل الحرية ويتجهون نحو تشكيل جمعيات شيعية، مع أن الدولة لم ترخص لهم، كما حدث مع جمعية أنوار المودة في طنجة، أو جمعية اللقاء الإنساني في وجدة. أما الرسالة الثانية فهي تفيد أن المغرب لم يكن ينظر بعين الرضى إلى تطور السريع في العلاقة بين طهران والجزائر، وهو يعتبر أن هذا التطور قد يضر بالمصالح المغربية مستقبلا، إذ أن المغرب كان ينتظر أن تنهج طهران سياسات متوازنة تجاه بلدان المغرب العربي.. هناك من يرى أن هذا القرار سبقته إشارات سابقة على ما حدث بشأن البحرين، مثل عدم استقبال نائب الرئيس الإيراني خلال الحرب على غزة من لدن الملك محمد السادس، إضافة إلى أنه خلال الحركية الدبلوماسية الأخيرة تم استثناء إيران من تعيين سفير مغربي جديد بها، ما رأيكم؟ لا ينبغي أن نربط العلاقة بين قطع العلاقات الدبلوماسية وبين ما جرى بشأن البحرين، لأن ترسبات في العلاقة بين البلدين كما سبق وأن أشرت، لذلك قلت منذ البداية أن العلاقات لم تكن مبنية على أساس صلب، لان هناك ترسبات تجعل إمكانية قطع العلاقات ممكنة في أية لحظة مهما كان الحدث بسيطا. وفي قضية البحرين ينبغي أن نذكر بأن القضية قضية بروتوكولية محضة، حيث اعتبرت الخارجية المغربية التصرف الايراني متنافيا مع الأعراف الدبلوماسية، لهذا سحب المغرب القائم بالأعمال المغربي في طهران لمدة أسبوع في انتظار أن توضح طهران مواقفها بشأن ذلك. وواضح أن السلطات المغربية اعتبرت ذلك مسّا بكرامة المغرب وإهانة للمؤسسات المغربية. لكن أؤكد أن العلاقات كانت أصلا متوترة، و المغرب كان دائما المغرب حذرا تجاه إيران. وخلال الحرب على غزة فإن الملك محمد السادس لم يستقبل أحد كبار المسؤولين الإيرانيين عند زيارته للبلدان المغاربية حيث استقبل من قبل رؤساء دولها جميعا إلا المغرب، وهذا ما اعتبرته إيران رغبة في التحفظ في علاقاتها معها، هناك إذن مجموعة من الأسباب يتداخل فيها ما هو سياسي يما هو مذهبي.. قطع العلاقات بين المغرب وإيران يأتي في وقت بات تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، كما يأتي في وقت بدأ الغرب يغير سياساته تجاه إيران أيضا، وأمريكا بدأت تمد يدها إليها بالحوار غير المباشر أو دعوتها رسميا إلى مؤتمر دولي حول أفغانستان، هل تتوقع مستقبل هذه العلاقات بين إيران والمغرب؟ هذه مفارقة، إذ في اللحظة التي عبرت فيها الكثير من الدول المعروفة بمناهضتها لإيران عن إشارات لبداية تعاملها الايجابي معها، فإن حلف البلدان العربية ممثلا في مصر والسعودية، ما فتئت توجه اتهامات إلى إيران، من قبيل أن الحرب في جنوب لبنان أو حتى في غزة هي حرب تقوم بها حماس أو حزب الله نيابة عن إيران، والأنظمة في العالم العربي تتخذ مواقف سلبية من إيران، وربما سيتم تفسير الموقف المغربي في هذا السياق. وإذا كانت الإدارة الأمريكيةالجديدة تتحدث عن منحى جديد في التعامل مع إيران، فإنها تشدد على ضرورة حرمان إيران من الطاقة النووية، غير أن هناك تعامل جديد ومواقف جديدة. لكني أؤكد أن هناك معطيات تدفع هذه العلاقات إلى التوتر، خاصة قضية التشيع، التي لم تصبح بالنسبة للمغرب قضية مذهبية فقط، وإنما أصبحت قضية أمنية.