الرسالة الاستعطافية التي وجهها الصحافي العراقي فيصل عبد الحسن إلى جلالة الملك محمد السادس، حول موضوع إغلاق المدرسة العراقية التكميلية الموجودة في قلب العاصمة الرباط، أثارت استغرابا كبيرا في الأوساط الأكاديمية و السياسية والدينية، بسبب المنحنى السياسي و الحمولة الإيديولوجية للرسالة، فالكاتب العراقي المقيم في المغرب أراد تحويل قضية تربوية، تتعلق بالمناهج المعتمدة في المدرسة العراقية و الإشكال المذهبي الواقع بين مديرة المدرسة و أحد أولياء التلاميذ إلى قضية سياسية بين المغرب والعراق البلدين العربيين الشقيقين، فالمغرب تعامل في الماضي و يتعامل في الحاضر مع الشعب العراقي بكل أطيافه و مذاهبه شيعة و سنة و أكردا و كلدانا و آشوريين و صابئة دون تمييز أو تدخل أو تحيز لمذهب على حساب الآخر. لذلك فمحاولة التشويش على هذه العلاقات الأخوية القديمة و الجيدة، و اختزالها في قضية بيداغوجية هي مغالطة و تضليل للرأي العام العربي، ترمي في الواقع إلى الإيقاع بين العراق و المغرب و خلق جو من التوتر المجاني، وتقدم في الوقت نفسه خدمة لإيران الباحثة عن دور إقليمي في المنطقة العربية. تصرف تحركه أيادي صفوية معروفة، تجندت مباشرة بعد إعلان المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع بلاد فارس، و عزمه على التصدي للتغلغل الشيعي السياسي في المغرب، بغية حماية و صيانة الأمن الروحي للبلاد و العباد. فمواجهة "التشيع السياسي" الوافد علينا من إيران و من جهات شيعية عربية أخرى، هو قرار سيادي و إجراء منطقي و عقلاني، الهدف منه مقاومة كل أساليب البحث عن الهيمنة و كل أشكال التسلط الفكري التي تصدرها ثورة الملالي في إيران ومحاولة شق وحدة أبناء المغرب المقيمين في الخارج لنية في نفس يعقوب. فالمغرب لا يقف في وجه المذهب الشيعي العروبي كمذهب ديني، و لكن يتصدى إلى التشيع ألصفوي واستعمالاته الإيديولوجية و السياسية و أهدافه و أدواته الجيوستراتيجية المعروفة – الهيمنة الصفوية-. إنها الثوابت السياسة نفسها التي عالج بها المغرب ظاهرة التيار السلفي ألجهادي السني، فكل خطاب سياسي داخل المملكة يتقاطع مع منهجية قرار وزارة التربية الوطنية هو عمل مشبوه و ملغوم، يقصد من وراءه التحريض و جر العراق الحبيب إلى خندق الملالي ضد المغرب، الملالي الذين تسربوا إلى كل مفاصل الدولة ومؤسسات المجتمع العراقي، و حولوا هذا البلد العربي الشامخ إلى منصات إيديولوجية، لتصدير أفكار الثورة الخمينية إلى عمق الأمة، قصد زرع بذور الفتنة الطائفية السياسية في كل الأقطار العربية. فالعراقيون بجميع مشاربهم و انتماءاتهم المذهبية و السياسية، يشتكون من توجيهات و تعليمات وممارسات فيلق القدسالإيراني القمعية و يتألمون من سيطرة المخابرات الإيرانية على مواردهم الطبيعية و الفكرية و الثقافية ومؤسساتهم التربوية والجامعية ،فقد انشأ الصفو يون عدة دور للنشر في العراق و لبنان و سوريا كواجهات لنشاطهم الإستخباري، كما غيروا كل مناهج التعليم في العراق باتفاق مع الاحتلال الأمريكي برئاسة بريمر و بتواطؤ مع الصهيونية العالمية. هكذا إذن تم حذف كل إشارة إلى عروبة العراق و تم طمس كل تعايش مذهبي، مستعملين الآلاف من كتائب فرق الموت والميليشيات المؤطرة داخل حسينيات شبه عسكرية لإسكات كل رأي وطني عروبي مخالف أو حر. كما أحدث عملاء المخابرات الإيرانية المتواجدين بكثافة في العراق عدة محطات فضائية وإذاعية ومواقع الكترونية موجهة إلى البلدان العربية و أوروبا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية. كلها أدوات ديماغوجية تسوق أطروحاتهم و أفكارهم، التي هي في الواقع حرب معلنة على المذهب السني المالكي. ثقافة فارسية محضة، الغاية منها زعزعة الاستقرار الروحي و المذهبي في أكثر من بلد عربي. و في هذا السياق، تم إغلاق المدرسة العراقية التكميلية بالرباط بقرار إداري، صادر من وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي.وقد عللت الوزارة الوصية على التعليم ألخصوصي قرارها، بمخالفة المدرسة العراقية المناهج التعليمية المعتمدة، طبقا لمقتضيات النظام الأساسي للتعليم المدرسي ألخصوصي في المغرب، قانون يخضع كافة المؤسسات التربوية لضوابط بيداغوجية و قانونية صارمة، خدمة لمصلحة التلاميذ و المدرسين على حد سواء، و إن كل انحراف أو زيغ عن المقررات المصادق عليها و الملتزم بها، يعد مساسا لهوية الأمة و مذهبها و كيانها و تاريخها والمحصلة أنه يتعارض مع مقتضيات المصلحة العامة ؛ عندها تخضع أية مؤسسة مخالفة للقانون إلى الإغلاق. إن تدخل السلطات المغربية في إغلاق هذه المدرسة هو إعلان واضح للمغرب عن تشبثه و حرسه على مجابهة المد الشيعي السياسي، المتغلغل عبر قنوات التربية والتعليم و المنشورات و ألنت، مراعية خطورة و مقاصد و غايات انتشار هذا المذهب السياسي في صفوف الأطفال على المدى البعيد، خاصة و أن أغلبية التلاميذ المسجلين بهذه المؤسسة العراقية يعتنقون المذهب السني المالكي (450 تلميذ). و لقد أوضحت الوزارة المعنية أن قرار الإغلاق جاء على إثر نتائج تقرير اللجنة البيداغوجية، المكونة من مفتشين و أساتذة و علماء. و بعد يومين من التفتيش و البحث و التحليل و التمحيص، خلصت اللجنة إلى أن برامج هذه المؤسسة و مقرراتها مخالفة للمناهج المعتمدة في المؤسسات التربوية الوطنية المغربية ، و تتعارض مع مقتضيات القانون 06-00، المتعلق بالنظام الأساسي للتعليم ألخصوصي بالمغرب. أما الإشكال الثاني، فيتجلى في استغلال مؤسسة تربوية عراقية في محاولة لنقل الفتنة الطائفية السياسية التي انتشرت في العراق إلى المغرب بطريقة غير منظورة .لكنها انكشفت بعد أن تقدم مواطن عراقي، في بداية مارس الجاري بشكاية إلى الشرطة القضائية المغربية، ضد مديرة هذه المؤسسة التعليمية العراقية بتهمة طرد ثلاثة من أبناءه لأسباب طائفية و مذهبية، و استغلال المدرسة لنشر مذهب ديني معين ( المذهب الشيعي السياسي). وبعد تقصي المعلومة وثبات صدقيتها كان قرار الوزارة له ما يبرره، فهو إجراء معقول و تنظيمي له علاقة عضوية مع الضرر الذي أحدثه، و ليس له أية خلفيات سياسية مسبقة. و في هذا الإطار و بسرعة وحزم، أعلنت وزارة التربية الوطنية، أنه حفاظا على مصلحة تلاميذ المدرسة العراقية التي تم إغلاقها، تقرر توزيعهم حسب اختياراتهم على مؤسسات تعليمية نموذجية بالرباط. و حلت بذلك جل المشاكل بطريقة حكيمة و عملية، بعيدة عن كل تسييس أو تشويش أو ضجيج إعلامي، عكس ما تروج له بعض المنابر الإعلامية المعادية للمغرب و بعض الحسينيات في الخارج. فالقرار الذي أؤكد هنا، أنه قرار إداري قابل للطعن أمام القضاء الإداري و مؤسسات حقوقية أخرى، كديوان المظالم و المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى غير ذلك، تماشيا و مفهوم دولة الحق و القانون التي تكفل الدفاع عن كل متضرر من أي شطط مهما كان مصدره، فالمغرب ليس بجمهورية موزية حديثة العهد بل دولة المؤسسات الديمقراطية و حقوق الإنسان. و لتنوير الرأي العام العربي، يمكن الجزم أن المدرسة العراقية التكميلية مرت بمرحلتين أساسيتين في تطورها في المغرب، المرحلة الأولى الممتدة من عام 1977 إلى غاية احتلال بغداد يوم 9 /4 / 2003، وسقوط النظام السياسي ألبعثي، كانت المدرسة علمانية، تقف على مسافة واحدة من كل المذاهب و الإيديولوجيات المختلفة، فلم يحاول الإطار التربوي العراقي، خلال هذه الفترة، القيام بأية أنشطة سياسية أو دعوية، و كانت إدارة المدرسة محط إعجاب وزارة التربية الوطنية وتحظى بتقدير أهالي الرباط و الدبلوماسيين، ولعل إطار التدريس و الإدارة، خاصة الشيعة منهم، كانا يطبقان الواجب الوطني بمفهومه الواسع، و كانا يعيشان في روح وطنية متجانسة و بعضهم كان أكثر بعثية من المدرسين العراقيين السنة، الأمر الذي لم يثر بتاتا انزعاج السلطات المغربية، التي كانت توفر لهم جميع التسهيلات و أسباب النجاح في عملهم التعليمي المحايد و الشريف. المرحلة الثانية تبدأ من سنة 2003، فقد شهدت المدرسة تحولا مرحليا مدروسا في أسلوب و سلوك بعض المدرسين و الإداريين الشيعة، فتحول "الكتمان في ممارسة التقية إلى نصف ظهور" و ذلك بالتدرج و بطرق ملتوية و خفية – التطور المرحلي لمنهج التقية عند الشيعة-. فالتغيير الذي طرأ على مقررات مواد التربية الإسلامية و التاريخ خير دليل على ذلك ، و الأمثلة كثيرة في هذا المجال: عدم التركيز على الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والمس بشخصياتهم، و إبراز سيدنا علي و زوجته فاطمة الزهراء و الإمام الحسين رضي الله عنهم جميعا كضحايا للسلف، كما عرفت المدرسة شحنات جديدة و غريبة في طقوس و رموز أعياد محرم و عاشوراء، فالتغيير الذي حصل في المناهج وممارسة السلوك لم يكن ايجابيا و أنما كان فقها و قضاء في وضعية تلبس ، كما أقره الصحافي فيصل عبد الحسن في رسالته المفتوحة إلى جلالة الملك، فالحذف لم يشمل رموز النظام السابق فقط، بل تعداه و مس بطريقة مقصودة المقررات الأساسية في مادتي التاريخ و الدين ، فما رأي السيد فيصل عبد الحسن في التبديلات التي طرأت في المناهج التعليمية بعد الاحتلال و التي تم تطبيقها في المدرسة العراقية كالتمجيد بحزب الدعوة و التيار الصدري و الثورة الإسلامية في إيران و الإمام الخميني والشهيد الصدر وأخته العلوية و حزب الله؟ و ما هو موقفه من بعض المدرسين الشيعة الذين عندما يذكر الخلفاء الراشدين يشار إليهم بمسميات لا تليق بمقامهم ومكانتهم ودورهم العظيم في خدمة الإسلام إلى غير ذلك من التشوهات الدينية، التي وقعت على بعض المقررات التي أصبحت مع الأسف تلبس لباسا سياسيا صفويا. كل هذه المخالفات لمقررات وزارة التربية الوطنية . استغلت مبادئ حرية التعبير و الرأي و الاعتقاد المنصوص عليها في الدستور المغربي، فعلاقات العراق مع المغرب يا أخي فيصل عبد الحسن علاقات تاريخية منذ الملكية إلى الآن هي علاقات أخوية وثيقة و متميزة، لا يمكن تقزيمها أو اختزالها في قرار إداري له علاقة بالسيادة المغربية، قرار له مبرراته و أدلته و حججه. فالبلدان الشقيقان كانا دائما في خندق واحد، و المغاربة دائما يعترفون بمواقف العراق الرجولية إلى جانب المغرب و عدة مواقف تاريخية تشهد بذلك منذ استقلال المغرب إلى الآن، كما أن العراقيين يتذكرون جيدا ما قام به المغرب ملكا و شعبا أثناء الحصار الظالم على شعب العراق و دوره لتفادي الاحتلال و الغزو الأجنبي. كان هذا واجب المساندة و النصرة لأشقائه العراقيين، و مساهمة في التخفيف من معاناتهم و محنتهم. كما فتح أبوابه للمهجرين و المنفيين، فالعلاقات بين الأشقاء و الإخوة لا تخضع للحساب بل إلى المناصحة و المصارحة يا عبد الحسن. لقد توصلت بالعديد من الرسائل من العراق شيعته و سنته و أكراده و مسيحييه، يعبرون فيها عن مساندتهم و تزكيتهم و تفهمهم لقرار إغلاق المدرسة العراقية المؤسف، بسبب انحرافها الديني و التسرب الفارسي الغير المسؤول، و محاولة استبدالها كغطاء لأوكار مخابراتية سرية سياسية لنشر التشيع ألصفوي، بعيدة كل البعد عن مصلحة العراق و طموحه ووحدته و عزته، و بعيدة كذلك عن سلوك أئمة أهل البيت الشرفاء. فتجيش الحسينيات لمهاجمة المغرب هو تصعيد لن يخدم الشيعة العرب و لا غيرهم وإنما يخدم التشيع ألصفوي المعادي ، فالأحداث التي وقعت في العربية السعودية و في مدينة العوامرية في محافظة القطيف، و الصدامات التي شهدتها مدينة المعامير في البحرين، و أحداث بن ريان في الجزائر، وما يقال عن فلسطين هي أكبر دليل على تأكيد سلوك الملالي في إيران بالعمل على زعزعة استقرار الدول العربية كافة. إنه أمر و لا شك يهدد الأمة بأكملها، فالقرار المغربي الاحترازي المتحسب في اعتقادي كان قرارا حكيما، لأنه قطع الطريق على محاولات خلق التصارع الطائفي و الحرب الأهلية على المدى البعيد كما يخطط له في مدينة قم الإيرانية، و من أراد التأكد من هذه الإستراتيجية الشاملة فليراجع موقع آية الله السيستاني (www.sistani.org) المرجع الشيعي الأعلى في العراق، و كل ما نطق به الشيخ نمر باقر النمر في السعودية، كل هذا الادعاء يدخل في إطار الحرب النفسية الموجهة على أهل السنة و الجماعة، إنها سياسة رفع وتيرة الاستقطاب، التي تهدد بتعميم الفتنة الداخلية في شبه الجزيرة العربية و البحرين و الجزائر و المغرب و مصر و العراق الخ... دون أن ننسى إفريقيا و أمريكا اللاتينية. ختاما، نصيحتي للإخوة العراقيين المقيمين في المغرب، هو الابتعاد عن تسييس الدين و المذاهب والاتهامات المتبادلة حول الأخطاء التاريخية، وأن لا يسمحوا لأي كان أن يكون أداة لخدمة مخططات المخابرات الإيرانية على ارض المغرب ، إن شعب العراق غيور على وطنيته وعروبته وإسلامه وعلاقاته مع أخوته العرب ؛ لذلك فالتعايش ضروري بين أهل القبلة و التوحيد، و أن يحكم الجميع العقل و ألا يتبع الناس كل ناعق من ناعقي الفتنة و التشرذم و الطائفية السياسية، و كما قال صديقي السوداني ذ. عبد الوهاب الأفندي" فليتقدم العقلاء من كل الطوائف لإطفاء الحرائق التي بدأت تشعل هنا و هناك، حرائق مرشحة لأكل الأخضر و اليابس". [email protected]