هناك بعيدا في اليابان، تعمل الآلة الانفصالية لجبهة البوليساريو على الترويج لمغرب "مستعمر" و"مستبد"، حيث صدر حديثا كتاب "الصحراء آخر المستعمرات" لإحدى الصحافيات اليابانيات، وهي هيراتا اتسوكو، وهو المؤلف الذي يتحدث عن الصحراء المغربية ك"آخر مستعمرة" في القارة الافريقية، وعلى أن البوليساريو هي "حكومة المنفى"، في وقت تتحدث فيه التقارير اليابانية والدولية عن وجود علاقات بين أعضاء من الجبهة وتنظيم القاعدة المتطرف. الخبير المغربي، المصطفى الرزرازي، الأستاذ المحاضر بجامعة سابورو غاكوين باليابان، توقف عند مضمون الكتاب المذكور وعند السياق الذي تعمل فيه البوليساريو دوليا لتسويق منتوجها الانفصالي بشتى الوسائل، وهو السعي الذي يرى خلاله الرزرازي أنه جاء في لحظة تعيش فيها الجبهة والجزائر صدمة مزدوجة، تتمثل في الانتصار الدبلوماسي الذي حققه المغرب في تعاطيه مع ملف الصحراء، وفي فضيحة سرقة المساعدات الدولية من طرف قيادات البوليساريو، التي كشف عنها تقرير المكتب الأوربي لمكافحة الغش. ويرى نائب رئيس الفريق الدولي للدراسات العابرة للأقاليم والأقاليم الصاعدة بطوكيو، ضمن حوار مطول مع هسبريس، أن الوقت قد حان لتفكيك ما وصفها ب"خرافة الجمهورية الصحراوية"، بتوصيفها بما يليق بها وهو تنظيم الجمهورية الصحراوية ORASD ، على منوال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام OSIL، أو تنظيم جمهورية تركستان الشرقية ORET. وفيما يلي نص الجزء الأول من حوار هسبريس مع الدكتور المصطفى الرزرازي: نرحب بك الأستاذ المصطفى في هسبريس، ونود بداية التعرف عن تقييمك لصدور كتاب معادي للمغرب لصحفية يابانية عن الصحراء، وهو المؤلف الذي يروج لمقولة أن الصحراء "آخر المستعمرات بإفريقيا"؟ فعلا صدر أخيرا كتاب باللغة اليابانية للصحفية اليابانية هيراتا اتسوكو، ويحمل عنوان "الصحراء آخر المستعمرات"، لكن الكتاب على درجة عالية من التبسيط وهو أشبه ما يكون بمانيفستو دعائي منه إلى عمل جاد في التناول لملف الصحراء. لكن وباختصار شديد، ومن خلال قراءة أولية لهذا الكتاب يمكننا أن نبدي ملاحظات أساسية، تتعلق أولاها بمضمون الكتاب، الذي جاء تحصيلا لكل المفاهيم التي حاولت البوليساريو ومن ورائها الجزائر الترويج له خلال السنوات الخمس الأخيرة بكل من آسيا وأمريكا اللاتينية وهي: مفهوم الصحراء آخر مستعمرة، المفهوم الثاني يتم فيه تقديم منظمة الجمهورية الصحراوية كحكومة المنفى. وجب القول إن كل هذه المفاهيم مغلوطة، لأنه إذا كان لأحد أن يتحدث عن الإقليم كآخر المستعمرات الاسبانية بالقارة السمراء فهو المغرب الذي ناضل على كل الجبهات من اجل استرجاع الإقليم و إعادة سيادته للوطن الأم منتصف السبعينيات، وفق منطوق اتفاقية مدريد، و المسيرة الخضراء، و الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ثم وفق منطق التدرج الذي طبع استرجاع المغرب لكافة ترابه من الاستعماريين الفرنسي و الاسباني. وبالنسبة لمفهوم "حكومة المنفى"، فقد سبقت محاولات الترويج له بشكل مكثف خاصة عام 2010، و كانت كلها محاولات فاشلة تصدى لها فقهاء القانون الدولي و الخبراء والناشطين. وهل تجد تلك المفاهيم المروجة من يقبلها في المحيط الدولي بما فيه الوسط الياباني؟ الواقع أنها مفاهيم كلها تستعمل من طرف لبوليساريو استعمالا تضليليا وسياسيا، علاوة على أنها لا تحظى بإجماع دولي في تفسير معناها، على اعتبار أن أشكال تقرير المصير متعددة، و معقدة على المستوى العملياتي الميداني، إضافة إلى ان خيار الاستفتاء بات متجاوزا من الناحية الفنية لاستحالة تنزيله على مستوى الواقع. هناك مفاهيم فرعية يحاول الكتاب الترويج لها كحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره كحل لإنهاء معاناة سكان مخيمات تندوف، أو الجدل التقليدي حول حقوق الإنسان، أو ادعاء عدم أحقية المغرب في استغلال الثروات الطبيعية للإقليم الصحراوي. واليوم حان الوقت اليوم لتفكيك خرافة الجمهورية الصحراوية، بتوصيفها بما يليق بها وهو تنظيم الجمهورية الصحراوية ORASD ، على منوال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام OSIL، أو تنظيم جمهورية تركستان الشرقية ORET. وكيف تفسر من وجهة نظرك إقدام صحافية يابانية على الترويج لأطروحات انفصالية ضد المغرب في بلد آسيوي مثل اليابان؟ يجب الإشارة هنا إلى توقيت نشر الكتاب المذكور، وهي اللحظة الزمنية التي تعيش فيها منظمة البوليساريو وخلفها الجزائر صدمة مزدوجة، تتمثل في الانتصار الدبلوماسي الكبير الذي حققه المغرب في تعاطيه مع ملف الصحراء، و إفشاله لمحاولات بعض الأوساط الأممية الدفع نحو تغيير وظائف ومهام بعثة المينورسو وإقحام ملف مراقبة حقوق الإنسان ضمن صلاحياتها. أما الصدمة الثانية، فهي فضيحة سرقة المساعدات الدولية من طرف قيادات البوليساريو، التي كشف عنها تقرير المكتب الأوربي لمكافحة الغش، المعروف بتقرير أولاف OLAF، العام الماضي، بما لا يدع الشك أمام الرأي العام الدولي. إلى جانب نشر هيئة الاستخبارات المدنية اليابانية التابعة لوزارة العدل، في تقريرها عن الإرهاب في العالم لعام 2011 و 2013 و 2014 ، لإشارات واضحة عن تورط عناصر البوليساريو في أنشطة إرهابية، و هو ما كان قد أثار جدلا واسعا في الصحافة اليابانية حول شرعية زيارة قادة البوليساريو لليابان ولقائهم بمسئولين حزبيين أو حكوميين. لكن رغم ذلك، فقد تمكنت تلك الصحافية من الحديث عن مغرب ك"آخر المستعمرات"؟ وهذه هي ملاحظتي الثالثة، المتعلقة بشخصية مؤلفة الكتاب، الصحفية هيراتا إتسوكو، وهي محسوبة منذ السبعينيات على اليسار المتطرف، ومعروفة بمواقفها المتطرفة وهوسها بالدفاع عن القضايا الشاذة وتأليفها عنها، من ضمنها انعراجها في السنوات الأخيرة نحو الدفاع عن قضايا خاسرة مثل دفاعها عن صدام حسين و معمر القذافي. وباستثناء كتابين قديمين للصحفية، الأول عن الراحل عرفات الذي جاء في مرحلة كانت القضية الفلسطينية قضية إجماع بين كل أطياف المثقفين في العالم خاصة منهم اليساريون، فإن كتابها عن مصطفى الوالي تم استعماله كعنوان دعائي مثير بعد أن ألصقت به روايات وقصص روج لها الانفصاليون بعد قتله أو مقتله، على خلفية رفضه تقديم الولاء للنخبة الحاكمة بالجزائر. السيدة إتسكو هيراتا، ارتبط اسمها منذ حوالي سبع سنوات بموضوعين هما: مديح الجزائر وسب المغرب، وهي تختص في الكتابة عنهما لصالح إحدى المجلات اليابانية الإلكترونية.. وهي مواصفات كافية في رأيي لتكشف للرأي العام الياباني أن الكتاب مدفوع الأجر مسبقا، كما أستبعد أن ينال هذا الكتاب الدعائي من حكمة ونزاهة وذكاء القارئ الياباني. لنحاول الابتعاد قليلا عن الكتاب ومؤلفته، ونتحدث عن استمرار في الترويج لأطروحتها الانفصالية التي ظلت لعقود راكدة ولم تتجدد؟ لقد ظل البوليساريو للأسف سجين تصورات تقليدية لم تعد تستساغ ولا تقبل داخل النمط الجديد للتفكير القانوني الدولي، أما الجزائر، وتحديدا نخبها العسكرية فإنها تجد نفسها مهددة في مصالحها، لأنها تخشى عدوى رياح الانفتاح الديمقراطي، و خاصة إذا ما بدأ المغرب تنفيذ مشروعه الكامل المتعلق بالجهوية الموسعة. يجب التذكير هنا، بأن الداعمين لأطروحة البوليساريو، أمثال الناشطة هيراتا إتسوكو، يميلون إلى إخفاء وتفادي الحديث عن مشروع الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كأرضية للتفاوض مع البوليساريو من أجل التوصل لحل سياسي لمشكلة الصحراء، رغم أن ديباجة المشروع واضحة في هذا الشأن، ووهو مشروع بلغ من النضج اليوم ما يؤهله لكي ينتقل إلى التنفيذ ، بعد أن حظي بإجماع مختلف فعاليات المجتمع المدني و السياسي المغربي، علاوة على دعمه و استحسانه من طرف أغلب مكونات المجتمع الدولي كأرضية للتفاوض من أجل حل سياسي. هذا بالإضافة إلى انخراط المجتمع الأكاديمي والخبراء في مناقشته، مما جعل منه أكثر من مجرد مقترح. ولعل الطرفان الوحيدان اللذان لم يقبلا النظر في المشروع هما الجزائر و البوليساريو، لأنهما أحرجا بجرأة المغرب، و نيته الحسنة التي أبداهما بعرضه هذه المبادرة. لكن يبقى من الهام جدا اشتغال المختصين المغاربة على هندسة المفاهيم القانونية، وربطها ربطا نظريا وميدانيا بما يجري على أرض الواقع. هناك اتهامات موجهة للمغرب في سعيه لإلصاق علاقة بعض مقاتلي البوليساريو بالإرهاب، هل تتفق مع وجود هذه العلاقة؟ تثير مسألة وجود العلاقات بين تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الجهادية وجبهة البوليساريو جدلا واسعا في أوساط المختصين والإعلاميين وأجهزة الاستخبارات الدولية، فبعد توجيه الجزائر اتهامات للمغرب بوقوفه وراء حملات دعائية تستهدف إلصاق تهمة الإرهاب بالبوليساريو، بدا اليوم أن التهمة لها من الأسس والأدلة ما يكفي من افتراض وجود مؤشرات قوية على وجود تقاطعات واختراقات وتبادل مصالح بين التنظيمات الإرهابية والجبهة. و قبل أن أن أتحدث عن مضمون التقرير الياباني، وجبت الإشارة إلى أن منظمة جبهة البوليساريو هي تصنف مبدئيا اليوم من منظور السوسيولوجيا السياسية كمنظمة تدعو إلى العنف، حيث ترفع الجبهة لشعار العودة إلى الكفاح المسلح كلما حقق المغرب انتصارا دبلوماسيا، مما يضعها ضمن المنظمات المؤمنة بالعنف السياسي، غير المحترمة لمطالب المجتمع الدولي بخلق مناخ الثقة من اجل التفاوض البناء. وقد كانت أخطر بادرة من هذا النوع هي مخرجات دورات التكوين ببومدراس العام الماضي حيث أبدت الجبهة برعاية جزائرية ، التي كشفت بوضوح عن هويتها المتطرفة بالدعوة إلى خلق قلاقل بالمملكة المغربية ، مما يدفعنا من منظور القانون الدولي وضعها في قائمة التنظيمات الخطرة و تعريض الجزائر عادة للمسائلة القانونية استنادا إلى مبدأ قانون مسئولية الدول State Responsibility Law . باعتبار الجزائر الدولة الراعية والداعمة والممولة لهذا التنظيم، و من تم فهي التي تتحمل المسئولية القانونية لكل تهديد للأمن القومي لأي بلد أخر. حدثنا عن التقرير الياباني الذي ذكرته، والصادر عن الاستخبارات المدنية اليابانية عن علاقة بعض مقاتلي البوليساريو بالإرهاب، هل هي علاقة مبنية على وقائع أم هي مجرد تخمينات أو تخوفات؟ وجب التنبيه بداية إلى أن دراسة المقاييس اليابانية في تحليل وتصنيف المنظمات المهددة للأمن القومي الياباني، تنبني على مقياسيين، الأول يهم مقياس المنظمات المتورطة في أعمال إرهابية Acte Terroriste داخل أو خارج التراب الياباني، والثاني مقياس التنظيمات المتورطة في أنشطة إرهابية Activité Terroriste. وما جاء في تقرير جهاز الاستخبارات اليابانية يعكس هذه الروح التي عبرت عنها وكالة استخبارات الأمن العام اليابانية التابعة لوزارة العدل في تقاريرها على التوالي خلال أعوام 2011، و 2013، ثم 2014، حيث نجد إشارات واضحة تضع تندوف ضمن المناطق غير الآمنة والخطرة بعد عدد من الاختطافات التي حدثت بتندوف خاصة اختطاف عاملين أجانب في منظمات إنسانية . فجاء تقرير 2014 لوكالة استخبارات الأمن العام اليابانية تكملة لتقرير عام 2013، والذي تحدث عن وجود علاقات بين أعضاء من جبهة البوليساريو وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم قاعدة بالغرب الإسلامي، وهي خلاصات تسير في نفس الاتجاه التي سار عليها التقرير الاستخباراتي في نسختهِ لِعام 2011، والذي صنف بوضوح كامل البوليساريو ضمن لائحة المنظمات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي الياباني. إذا، هذا يزكي بعض التقارير الدولية التي ذهبت إلى النتائج ذاتها تقريبا؟ فعلا، فتورط البوليساريو في أنشطة إرهابية أو داعمة للإرهاب لم يقتصر على إفادات التقرير الياباني، بل تم رصدها في مناسبات و تقارير أخرى صادرة بأوروبا و الولاياتالمتحدةالأمريكية و المغرب و دول إفريقية عدة، مثلما أشارت إلى ذلك دراسة الخبير الدولي المرموق أنتوني كردسمان وبوبي روشان في دراستهما عن الإرهاب وحركات التطرف في منطقة الشرق الأوسط الصادرة عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (2005) ثم جاءت تحذيرات صحيفة (واشنطن بوست) في بداية العام 2014 واضحة عن التواطؤ القائم بين الجماعات الإرهابية التي تنشط بشمال إفريقيا والساحل مع أعضاء (البوليساريو)، مشيرة إلى تنامي التهديدات الإرهابية لتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة الموالية لها بالمنطقة؛ حيث أكدت جينفير روبان، كاتبة المقال، أن "القاعدة تنتشر كالنار في الهشيم بشمال إفريقيا"، مبرزة أن تنامي قوة هذا التنظيم الإرهابي تعززت عبر تصاعد الهجمات العنيفة بالمنطقة خلال سنة 2013 . وقبل ذلك صدر تقرير عن المركز الدولي للدراسات حول الإرهاب ( صدر عام 2013) ، التابع لمجموعة التفكير الأمريكية، بوتوماك إنستيتيوت فور بوليسي ستاديز، الذي يرصد علاقات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بعناصر من بوكو حرام، وأنصار الدين، والحركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا، والشباب، و مقاتلين التحقوا بمخيمات تندوف، التي تديرها البوليساريو . وفوق كل هذه الأدلة، سيأتي الوقت يوما للكشف عن تصريحات لأحد منظري تنظيم القاعدة عن تندوف ومقاتلي جبهة البوليساريو كجبهة جديدة ونقطة قوة أخرى تضاف إلى جيوب المجاهدين، حيث لا يتردد هذا المنظر في ترشيح تندوف لتكون النواة الأولى لدولة الخلافة القادمة.