يقال أنه إذا أردت لعمل فني كيفما كان نوعه أن ينال من الشهرة قسطا رفيعا وانتشارا منقطع النظير ، فيكفي أن تبحث له عن جهة تدينه . وإذا أضفت للإدانة توابل وباهرات التصفية الجسدية ، تكون قد ضمنت للعمل وصاحبه ما لم يحلم به من نجاح حتى في المنام .كثير هي الاعمال الجيدة والهابطة فنيا التي استفادت من هذا النوع من الاشهار . نذكر على سبيل المثال من الاعمال الجيدة رواية حيدر حيدر ،وليمة لأعشاب البحر ، ورواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ . ومن الاعمال الأقل ابداعا رواية آيات شيطانية لسلمان رشدي .أما في مجال السينما ، فقد تعرضت أفلام مغربية ، قبل فيلم نبيل عيوش "الزين اللي فيك "لانتقادات من قبل العديد من المنابر المهتمة بالشأن السينمائي، نذكر من بينها مثلا فيلم "سميرة في الضيعة ّ للحلو . وفيلم ّالباحثات عن الحرية " لإيناس الدغيدي ، وغيرها من الأفلام التي يرى منتقدوها بأن مخرجيها حولوا مشاكل المرأة المغربية والعربية عموما إلى الجنس و البحث عن المال ببيع الجسد وتوفير اللذة للذكور ، خاصة الاثرياء منهم . واليوم وتزامنا مع مهرجان كان الدولي الذي انتهت فعالياته ، ظهر فيلم "الزين اللي فيك " ليثير ضجة ة تقدم اشهارا مجانيا للفيلم . هذه الضجة تسببت فيها الجسارة البديئة التي تناول بها المخرج موضوع اجتماعي شائك ،والذي هو ظاهرة انتشار الدعارة في بلادنا ، وخاصة في مدينة سبع رجال ، مراكش . وككل عمل مثير للجدل ،يطفو النقاش حوله بشكل واسع على سطح كل المنابر الاعلامية سواء المكتوبة أو المرئية. انقسم المغاربة حول الموضوع ، إلى قسمين :من يدين العمل ويرى فيه مجرد عمل هابط سوقي لجأ إلى لغة مستفزة صادمة وعري فاضح ومستوى فني هابط لم يجن منه الفيلم وكل الطاقم العامل فيه سوى شهرة مزيفة وسخط المغاربة ، مع إساءة لا تغتفر للمرأة المغربية التي سوقها الفيلم باعتبارها امرأة فاجرة . كما أن الفيلم أساء إلى الشعب المغربي برمته وهذا الوطن الآمن الذي يحسد على ما يتمتع به من تنمية اقتصادية وحرية في التعبير . وفي الجهة الأخرى هناك من رأى أن الفيلم هو صرخة شجاعة في وجه مجتمع يضع رأسه كالنعامة في الرمل ،حتى لا يرى أمراضه التي تنخر جسده والتي إذا ما استمرت على هذا الحال فإنها ستدمر الذات المغربية تدميرا لا شفاء بعده .وهناك من ذهب بعيدا خاصة الإعلام الاجنبي ، وعلى رأسه الصحيفة الشهيرة ّلومند" ، التي انبرت للدفاع عن فيلم نبيل عيوش لأنه حسب رأيها ، قدم رسالة مهمة وشجاعة تدين نظاما اجتماعيا كاملا . وعرى عن هذا المجتمع ورقة التوت .وجعل من المجتمع المغربي مجتمعا مدانا و منافقا .وأكدت الجريدة أن عيوش في الحقيقة لم يقم سوى بنقل حقيقة تجارة الجنس في مدينة مراكش. إذن كيف يمكننا نحن المغاربة الذين نحاول أن ننظر إلى هذا العمل ،ببرود دم وبعيدا عن أي انفعال ومزايدة وتحيز لمنظومة القيم التي توارثناها أبا عن جد .هل حقا نعيش نحن كمغاربة ، ازدواجية شخصية أو بمصطلحات الطب النفسي ، هل نحن شعب يعاني من الفصام ،أو ما يسمى بالسكزوفرينيا .بحيث أننا ندين العارة ونتعايش في انسجام تام معها .هل نرفض أن الدعارة مستفحلة فينا بدليل أن هناك من صنف المغرب في المرتبة الثانية بعد التايلوند في السياحة الجنسية .هل نسينا كل ما تتناقله الصحافة الوطنية حول ما يقوم به بعض الاثرياء القادمين من الشرق ،الذين بلغهم بأن المتعة متوفرة وبوفرة في المغرب ..هل ..وهل . قد يكون ما أوردت هنا فيه جانب كبير من الصحة ، لكن الطعن في فيلم نبيل عيوش له ما يبرره أيضا .سنسلم لعيوش حتى نكون منصفين بأنه تناول موضوعا يعتبر من الطابوهات ليقي فيه حجرة حتى يحرك الماء العكر .هذا جميل ، لكن وباعتراف اللجنة التي نصبت للسهر على التحكيم في الافلام التي تم عرضها في كان . هذه اللجنة ، أقرت بأن ما ميز الأفلام المتنافسة هذه السنة هو هبوط مستواها الفني ، بما فيها تلك التي نالت الجوائز.بمعنى أن فيلم "الزين اللي فيك " الذي لم يحظ بأي جائزة، ضعيف جدا مقارنة مع هذه الافلام الموشحة بالسعفة الذهبية . أنا مثلي مثل كل المغاربة تقريبا لم أشاهد سوى مقطعين من الفيلم على شبكة التواصل الاجتماعي ، مما قد يجعلنا نحن هدفا لسهام النقد . إذ كيف ننتقد ما لم نشاهده أصلا . لكن تلك المقاطع والتي هي ربما أقوى لحظات الفيلم ،كانت في تقديري المتواضع ، تحمل جملا بعضها أقحمها كاتب السناريو في غير محلها وبديئة بشكل سافر .الابداع يعني فيما يعنيه بأنه أفكار جديدة ومفيدة ومتصلة بحل مشكلات بالتلميح إذا كان يفي عن التصريح . بمعنى أنه لا يجب أن يسقط في السطحية والفجاجة الخالية من أي فنية ، مما يجعل العمل الابداعي لا يحقق الهدف الذي أنجز من أجله . ختما لا ندعو لنبيل عيوش بالهداية كما فعل شباط ، بل ندعوه إلى تأمل جميع الافكار الايجابية والسلبية ، والتحلي بشجاعة النقد الذاتي من أجل أن يكون العمل المقبل أكثر قوة وفائدة .