لم يُصَفّ أحمد رضا بنشمسي كامل أنشطته بالمغرب رغم إعلانه عن استقالته من منصب كمدير للنشر وكاتب رأي بمجلة "تِيلْ كِيلْ" الفرانكوفُونية، وكذا بيعه حصّته المحدّدة في 20% من المقاولة الإعلامية "بْرِيسْ دِيرِكْتْ" المُصدرة لذات المجلّة ونسختها العربية "نِيشَان" المتوقفة عن الصدور، إذ لا زال بنشمسي متشبثا بالمقاولة الإشهارية "أنُونْسْ دِيرِيكْتْ" التي تحقق سنويا رقم معاملات جدّ محترم. وأفادت مصادر جدّ مطلعة بأنّ تخلي أحمد رضا بنشمسي عن مجلتي "نيشان" و "تيل كيل"لم يأت فقط بسبب حملة التضييق التي وقفت وراء إقفال المجلة العربية، وهدّدت نسختها الفرنسية بذات المصير، بل خضع لحسابات الربح والخسارة كمحدّد لاتخاذ القرار.. واستُشهد بتشبّث بنشمسي ب "أَنُونْسْ دِيرِيكْتْ" كدليل على صحّة هذا المعطى. من جهة أخرى، أفاد الصحفي علي لمرابط فوق جداره الفيسبُوكِي بأنّ رقم معاملات شركة "أنُونْسْ دِيرِيكْتْ"، التي أنشأها بنشمسي وزوجته مريم العلوي عام 2006، يصل إلى 25 مليونا من الدراهم (ملياران ونصف المليار من السنتيمات)، وأنّ هذا الرقم يعود على بنشمسي وزوجته بزهاء ال5 ملايين من الدراهم سنويا (500 مليون سنتيم) نتيجة اقتطاع نصيب الشركة المحدد في 20% من قيمة الإعلانات الإشهارية. هذا وشغل خروج أحمد رضا بنشمسي، الجسم الصحافي المغربي، حيث كتب مصطفى الخلفي مدير "التجديد" وتوفيق بوعشرين مدير "أخبار اليوم" مقالين في وداع بنشمسي. وكان بنشمسي قد كتب آخر افتتاحية له في "تيل كيل" بعنوان "وداعا وشكرا" يوم 25 دجنبر الجاري بأنه سيستقيل من منصبه ابتداء من مطلع السنة الميلادية الجديدة. وداع "التجديد" مصطفى الخلفي، مدير يومية "التجديد" كتب في ركن "مع الحدث" ، تعليقا بعنوان "في وداع بنشمسي" واصفا إياه ب"الصديق اللدود"، وهي كلمة كانا يستعملانها عندما يلتقيان. مدير تحرير التجديد تأثر كثيرا لرسالة الوداع التي حررها بنشمسي بعد أزيد من عشر سنوات من التدافع والصراع في الموقف من قضايا شائكة متعلقة بالأمة المغربية. واعتبر الخلفي أن قرار المغادرة يحمل في طياته خسارة للنقاش السياسي والفكري ببلادنا رغم لجوء بنشمسي في بعض الحالات إلى الإثارة والاستفزاز. وتطرق الخلفي إلى أهم نقط الخلاف والإثارة، كالدعوة إلى ترسيم الدارجة المغربية بدلا من اللغة العربية المنصوص عليها في الدستور، وقضية الحريات الفردية في مخالفة الأغلبية بالإفطار العلني في رمضان وحرية الشذوذ الجنسي. وقال الخلفي "إن اللجوء إلى الدارجة لحل المشكل اللغوي سيكون الجواب الخطأ عن السؤال الصحيح، وإن الحل يقوم على انتهاج سياسة لغوية عقلانية ومنسجمة مع مقتضيات العلم والهوية المغربية وضمنها اعتبار الدارجة لغة وسيطة تمكن من تسيير التداول العام للفصحى، وأن المطلوب هو تجسير العلاقة وربط الصلة بتقوية الفصحى بما ينتج عبر الدارجة وتفصيح الأخيرة بما ينتج عن التجسير". أما في قضية الحريات الفردية فاعتبر الخلفي أن الخلاف كان قائما مع بنشمسي ومن معه حول حدود العلاقة بين الفضاءين الخاص والعام في ممارسة الحريات، وعند اصطدام ممارسة الأقلية للدعوة لاختياراتها بالقانون المنظم للفضاء العام والسقوط في استفزاز شعور الأغلبية. طاجين "أخبار اليوم" أما صحيفة "أخبار اليوم" التي يديرها توفيق بوعشرين، فكتبت افتتاحيتها بعنوان "طاجين بنشمسي الذي احترق" . واعتبرت "أخبار اليوم" أن اكتشاف بنشمسي لغياب الشروط الدنيا للممارسة الصحافية بمهنية وحرفية واستقلالية لم تعد متوفرة اقتناع يشترك فيه معه عدد من الصحافيين المستقلين الذين ما زالوا يقبضون على الجمر ويأملون في التغيير. وقالت "أخبار اليوم" "بالأمس قتلت مجلة لوجورنال بطريقة الذبح الناعم، وقبلها أعدمت "أخبار اليوم" بطريقة خشنة، وبعدها دفعت "الجريدة الأولى" إلى الإفلاس عن طريق الحصار الاقتصادي، وهو نفس المصير الذي لقيته "نيشان".. لم تعد هذه البلاد بكل تاريخها وحضارتها وحراكها السياسي وتضحية الأجيال السابقة قادرة على "التسامح" مع أقلام صحفية لا تقول سوى ما يفكر فيه الناس وما يتحدث به همسا رواد صالونات النخبة السياسية في الرباط والدار البيضاء".