شهدت الثورة البيولوجية المحققة في ميدان البيولوجيا عدة مكاسب، توفر بها العلماء على ثلاثة إمكانيات "للتحكم في الجهاز العصبي" و إمكانيات "التحكم في الإنجاب"، وإمكانية "التحكم في الوراثة"، فبالخصوص في مسألة "التحكم في الإنجاب" سنلاحظ أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسعى إلى للتحكم في ولاداته بدعم فكرة "مشروع الجين " بدون إنجاب، والحث على الإجهاض عندما يحصل تنافي في الصفات المرغوب فيها لذا الجنين، هذا يدعونا إلى فرع من فروع البيولوجيا الطبية المعاصرة، وهو علم الأجنة Embryologie الذي عرف تطورا كبيرا وأصبح يثير نقاشات أخلاقية هامة مند مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ويهتم علم الأجنة أساسا بدراسة تكون ونشأة الكائن البشري مند اللحظة الأولى للإخصاب وحتى لحظة الولادة. إن ما يطلق عليه حاليا ب"التجارب على الأجنة" يحيل إلى كل التعديلات التي تجرى على الجنين وهو في أسبوعه الأول لانتقاء الأجود وإلغاء كما يصح القول "الأسوء"، فإذا انتقلنا من الإنجاب الطبيعي الذي يتم بين زوجين تجمعهما علاقة ورابطة، إلى إنجاب يتدخل فيه شخص ثالث وهو الطبيب، يغير فيه حسب رغبة الوالدين، يضيف جينات ويزيل أخرى تحت الطلب، هذه التقنيات مسماة بالتحكم في الوراثة البشرية. فلقد نشرت مجلة "الطبيعة" "Nature" الشهيرة يوم 15 فبراير 2001 عددا خاصا عن الانتهاء بنسبة %97 من وضع الخريطة الوراثية، وتم التعاقد أن لكل نوع في الطبيعة عددا من الصبغيات (الكروموزومات)، تخصصه وتمنحه صفة النوعية، جسم الإنسان البالغ يتألف من 100 مليار خلية، تحتوي كل واحدة منها 44 صبغيا جسديا وصبغيين جنسين (XX في الأنثى، و XY في الذكر). و يأتي 22 صبغيا جسديا من الأم، إضافة إلى أحد الصبغيين X، أما من الأب فيرث أيضا 22 صبغيا جسديا (تماثل تماما أقرانها من الأم) والصبغي الثاني X في حالة الأنثى، أو الصبغي Y في حالة الذكر. هنالك إذن نوع واحد من البيوض ونوعان من النطاف، إن جينيوم الإنسان يتألف من 22 صبغيا جسديا ومن صبغي جنسي واحد. هذه الخريطة جعلت الأطباء يعتبرون أن هذا الاكتشاف هو بالفعل بمثلبة ثورة في مجال المورثات البشرية، وأبرز إنجاز علمي، مما طرح بالضرورة تقنية طبية تسمى بالتشخيص الذي يسبق زرع الجنين في الرحم"Diagnostic Préimplantatoire" بمعنى يتم إجراء تقني على جنين يوجد خارج الرحم تم توليده اصطناعيا خارج الرحم وتم فحصه وتحليل عيناه داخل أنابيب الاختبار وانتزعت منه بعض الخلايا، لدراستها و فحصها في المختبر. أثناء هذه العملية يتم اكتشاف بعض المورثات التي تحتوي على خلل، لا يزرع الجنين داخل الرحم، ولا يعاد إلى رحم المرأة إلا في الأجنة السليمة و الخالية من العيوب الوراثية، هنا نكون أمام مشكل أخلاقي و هو التخلص من الأجنة، "إذ يكون الجنين شخصا فورا من التحام المشيج الذكري بالبويضة" فلا يحق لنا أن نضع حدا لحياة شخص ما !!! لحد الآن يتم توجيه الفحوص و التحاليل و تخصيصها، فهي لا تهدف إلى وضع خرائط وراثية كاملة بل تهدف فقط إلى العثور على المورثات المسؤولة عن أمراض وراثية موجودة أصلا في سلالات العائلة. فالعالم البيولوجي الفرنسي"جاك تيستار" يعارض "التشخيص السابق على زرع الجنين" وهو يدعو إلى حضر هذا الفحص مبدئيا بسبب ما يفتحه من أفاق خطيرة. وراء الرغبة في الاستفادة من هذا التشخيص مادام سيكون فعالا والمطالبة بالطفل السوي أمرا مشتركا في ظل ما يسمى "بالعلاج الوراثيLa thérapie génitique " كمحاولة لعلاج الأمراض الوراثية من خلال تصحيح عيب موجود في المورثة أو عدة مورثات، وغالبا ما يتم التصحيح بإزالة الجين المعيب و استبداله بجين سليم، وفي بعض الحالات يتم إدماج أحد الجينات الناقصة. إن اللقاء بين الإخصاب خارج الرحم وبين البحث الوراثي لم يؤدي فقط إلى تطور معارفنا، بل فتح الباب أمام التدخل والتعرف على جين معين وعزله وتحليله، والتخلص منه إذا كان به عيب ما. وهذا يتعلق بمعرفة أفاقه(الجين) الذي ننتظره في مستقبله القريب أو البعيد، فبعد عشرات السنين، عبر هذه التقنيات سيكون بذلك زيادة كبيرة جدا لإجراء الإجهاض وذلك حتى ولو كانت العلة هينة. فماذا لو رغب الوالدان في طفل يحمل سمة معينة مثل طول القامة، فهل هذا مقبول ؟ وإذا انتشر ذلك فهل يؤدي إلى تغيير المقاييس الحيوية السوية في المجتمع ؟حيت تصبح الأقلية غير طويلة القامة خارج نطاق السوي وكذا إذا كان الطلب حول البشرة البيضاء، فستصبح الأقلية سمراء أو سوداء، وينظر لهم على أنهم ذو عاهة ويتعرضون للتمييز في العمل أو في الزواج. في هذه المسألة نكون أمام مجتمع ينجب أطفاله حسب المطلوب، وتكون سماتهم صناعية لا طبيعية، وكأن هذه المواليد مصنوعات تصنع حسب المواصفات، لا عطية من الله حسب حكمته ومشيئته للإنسان أصبحنا نرى زوجين يتوجهان إلى أطباء متخصصون في العلاج الوراثي أو بالأحرى التعديل الوراثي بغرض انتقاء طفل حسب رغبتهم، يتخيرون في نوع المورثة المسؤولة عن لون العينين وأيضا المورثة المسؤولة عن شكل الشعر و الرأس، ولون البشرة وغيرها من الصفات، ناهيك أيضا عن جنس الطفل المرغوب فيه الذي أصبح يتحدد انطلاقا من رغبة الوالدين. فلم نعد أمام جنين يتم اختلاط نوعي في جيناته التي مصدرها أبويه، بشكل منصف يتم تحديد الصفات بشكل عشوائي داخل رحم الأم انطلاقا من مجموعة من المورثات الناتجة عن عملية تسمى"الانقسام الاختزالي" méiose، هذا الأخير يعطي للطفل حصته الوراثية من كل أحد الوالدين، فيصبح الطفل نسخة لكل صفة من صفات أبويه، يشوبها اختلاط نوعي بين صفتي الوالدين، لا تعرف إلا بعد ولادة الطفل، ويظهر للوالدين أن كل صفة فيه تشبه إحداهما، وهذه هي مشيئة الله التي أراد بها استخلاف الأجيال، إلا أن الإنسان تحدى هذه المشيئة وأراد أن يصبح هو الخالق، يبدل في الصفات، يغير فيها، يأتي بالبدائل حتى صرنا أمام أجنة معدلة، أي إنسان مصنوع انطلاقا من عمل مخبري شاركت فيه عدة أيادي لاستكماله تحت الطلب.