[زراعة الأعضاء وقضايا النسب] تعتبر زراعة الأعضاء من القضايا الجديدة التي طرحت مجموعة من الإشكالات والتي كانت مثار اجتهاد وبحث من طرف الكثير من العلماء. وقد اشترط العلماء لجواز عملية زراعة الأعضاء الشروط التالية: 1. أن لا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضررا يخل بحياته العادية؛ لأن القاعدة الشرعية أن الضرر لا يزال بضرر مثله ولا بأشد منه، ولأن التبرع حينئذ يكون من قبيل الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وهو أمر غير جائز شرعا؛ 2. أن يكون إعطاء العضو طوعا من التبرع دون إكراه؛ 3. أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض المتبرع؛ 4. أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققا في العادة أو غالبا[1]، وهناك شرط خامس لم يذكره كثير من العلماء وهو أن لا يكون العضو المراد زرعه مما يحرم زراعته كالخصية والمبيض[2]. 1. العلة من تحريم زراعة الخصي والمبيض أولا: زراعة الخصي تعتبر زراعة الخصي من الناحية الشرعية حراما حتى ولو كانت من أخ توأم. فرغم أن الشخصين يعتبران من الناحية المناعية وكأنهما شخص واحد، إلا أنهما من الناحية الشرعية والقانونية شخصان منفصلان تماما، ويترتب عن زرع الخصية من شخص لآخر انتقال الحيوانات المنوية من المتبرع إلى المتلقي. ذلك أن الصفات الوراثية الموجودة في الحيوانات المنوية الناتجة في الخصية المزروعة إنما تتبع الشخص المتبرع لا الشخص المتلقي، ولا تتغير الصفات الوراثية الموجودة في الخصية بعد زرعها بحيث إنها تعود إلى الشخص المتلقي، بل تبقى تلك الصفات الوراثية تعود إلى الشخص المتبرع، لأن المورثات (الجينات) تكون مبرمجة منذ البداية وبرغم أنها انتقلت إلى بيئة جديدة، وتتغذى من مصادر مختلفة عما كانت عليه[3]. ثانيا: زراعة المبيض من المعلوم أن الجهاز التناسلي للمرأة يتكون من قسمين: الأول: الجهاز التناسلي الداخلي؛ الثاني: الجهاز التناسلي الخارجي.. ويتكون الجهاز التناسلي الداخلي من مبيضين أحدهما على اليمين والآخر على اليسار ومن قناة فالوب ومن القناة الرحمية والرحم والمهبل[4]. ومن الحقائق التي يمدنا بها علم الأجنة أن المبيض يبدأ تكوينه في الأنثى عند الأسبوع الثامن والثاني عشر للجنين وهي في بطن أمها، ويتكون من الحمل الناتج من إخصاب حيوان منوي يحتوي على الصبغ السيني مع البويضة التي تحتوي أيضا على الصبغ السيني ثم يبدأ بعد ذلك تخليق باقي الجهاز التناسلي للمرأة بعد ولادة الطفلة الأنثى تبدأ البويضة داخل المبيض مراحل النضج لتكوين البويضة الناضجة الصالحة للإخصاب في الفترة ما بين الولادة وبلوغ الأنثى سن البلوغ، ثم تبدأ البويضات الناضجة في النزول شهريا من المبيض، فإذا ما لقحت يحدث الإخصاب والحمل، أما إذا لم تلقح يحدث ما يسمى بالطمث الشهري نتيجة للتغيرات الهرمونية، ومن هنا يتضح أن عدد البويضات التي تكون داخل مبيض كل أنثى قد تم تحديده قبل ولادة الأنثى من بطن أمها، ولذلك إذا قمنا بنقل المبيض من أنثى إلى أنثى أخرى فإننا بهذا قد نقلنا المبيض بما يحتويه من بويضات تحمل الصفات الوراثية التي ورثتها الأنثى المنقول منها المبيض من والديها إلى أنثى أخرى التي تم نقل المبيض لها، وبالتالي فإن الأنثى المنقول لها المبيض تقوم بتوريث أي صفة من صفاتها الوراثية إلى الجنين الناتج منها بعد ذلك. وهكذا يتبين أن زراعة الأعضاء التناسلية محرم مطلقا نظرا لما يفضي إليه من اختلاط الأنساب ولكون ثمرة الإنجاب غير وليدة من الزوجين الشرعيين المرتبطة بعقد الزواج[5]. يتبع في العدد المقبل… ——————————————————– 1. انظر قرار المجمع الفقهي في دورته الثامنة المنعقدة عام 1405 ه. 2. ونشير إلى أنه يعتبر جائزا بطريق الأولوية الحالات التالية: أ. أخذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان آخر مضطر إليه بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفا وقد أذن بذلك حال حياته. ب. أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقا، أو غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه. ج. أخذ جزء من جسم الإنسان لزرعه أو الترقيع به في جسمه نفسه، كأخذ قطعة من جلده أو عظمه لترقيع ناحية أخرى من جسمه بها عند الحاجة إلى ذلك. د. وضع قطعة صناعية من معادن أو مواد أخرى في جسم الإنسان لعلاج حالة مرضية فيه كالمفاصل وصمام القلب وغيرهما فكل هذه الحالات جائزة شرعا بالشروط السابقة. انظر قرار المجمع الفقهي في دورته الثامنة المنعقدة عام 1405 ه. 3. جريدة أخبار العالم الإسلامي، العدد 1163، السنة الخامسة والعشرون، ص: 10. 4. محمد علي البار، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص: 35. 5. جريدة أخبار العالم الإسلامي، مرجع سابق، ص: 6. جريدة المسلمون، مرجع سابق، ص: 3. قصة حياة حامل، مرجع سابق، ص: 259. وقد قرر المجمع الفقهي بالنسبة للأعضاء التناسلية غير الناقلة للصفات الوراثية أنه يجوز زرعها، استجابة لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية.