يفيد الجذر اللغوي(ت ب ع ) في المعاجم العربية، السير في أثَرِ الشَّيْءِ. تَبِعَ تَبَعاً وتِبَاعاً في الأفعال. واتَّبَعَهُ وتَتَبَّعَهُ، قَفَّاه وتَطَلَّبَهُ. وتَبِعْتَ الْقَوْمَ تَبَعاً وتَبَاعَةً، بالفتح، إذا مَشَيْتَ خَلْفَهُمْ أَو مَرُّوا بك فَمَضَيْتَ مَعَهُم. والتِّبَاعَةُ : مثل التَّبِعَةُ والتَّبَعَةُ، قال الشاعر : أَكَلَتْ حَنِيفَةُ رَبَّهَا * زَمَنَ التَّقَحُّمِ وَالمَجَاعَهْ لَمْ يَحْذَرُوا مِنْ رَبِّهِمْ * سُوءَ الْعَوَاقِبِ وَالتَّبَاعَهْ وَتَابَعَ بين الأمور مُتَابَعَةً وتِبَاعاً: وَاتَرَ وَوَالَى، وتَابَعْتُهُ على كذا مُتَابَعَةً وَتِبَاعاً. وَالتِّبَاعُ: الْوَلاَءُ. وَتَتَابَعَتْ الأشياء: تَبِعَ بعضها بعضا. وَتَابَعَهُ بمال أي: طلبه. والتَّبِيعُ: الذي يتبعك بحق يطالبك به وهو الذي يتبع الغريم بما أحيل عليه. والتَّبِيعُ: التَّابِعُ. ومنه قوله تعالى :( فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) الإسراء/69. والاِتِّبَاعُ يكون عن مَحَبَّةِ، وَرِضاً، وهو علامة صدق المُتَّبِعَ لما أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ، كما له مكانة كبيرة، ومتميزة في الدين. قال تعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران/31. وقد جاء المفهوم في كتاب الله عز وجل (174مرة) تدل على ثَرَائِهِ وَغِنىَ مضامينه التربوية. وبتتبعنا لمفهوم الإتباع في السور المكية وجدناه يتكرر(105 مرة)، وفي السور المدنية(69 مرة)، مما يعطينا صورة عن قيمة الإتباع، وكيفية السير على المنهج الذي رسمه الله تعالى للإنسان. ولأهمية الدين في بناء المجتمع الإسلامي، وقيمة العقيدة فيه، تكرر بتلك القوة (105مرة)، لتكون دلالته في اتباع رضوان الله عز وجل. قال تعالى: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ) آل عمران/162. والنص بدلالته يشير إلى نفي المساواة أو الموازنة بين الضدين بالهمزة الاستفهامية، وهو استفهام إنكاري(أَفَمَنِ)، يُنْكِرُ المماثلة بين الذي هو في رضا الله بإيمانه، وبين من يعيش في سخط الله سبحانه بِكُفْرِهِ، وتشكيكه أو بِاتِّبَاعِ شهواته، وهو تباين للمنزلتين، وافتراق للحالتين. والناس في مفهوم الإتباع أصناف: -الصنف الأول: في اتباع الشيطان. يقول تعالى: (لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف/18. فالتعبير القرآني جاء بكلمة(تَبِعَكَ) بدون تشديد فيها، لسلاسة هذا الإتباع الذي يوحي إليه الشيطان مع ما يزينه للإنسان من أفعال، فيكون المَلْأُ المُشدَّد(لَأَمْلَأَنَّ) في جهنم. -الصنف الثاني: في اتباع الهوى. يقول تعالى: (فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى)طه/16 ، فاتباع الهوى، ينشا عنه التكذيب بكل شيء، ويكون صاحبه في شرود تام عن الحق، ومن آفاته العمى القلبي لفساد الفطرة التي يَنْتُجُ عنها السُّقوط والرَّدَى. -الصنف الثالث: في اتباع الآخر. يقول تعالى:( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) البقرة/145، والآخر بمعرفته العميقة بالدين، لا تعوزه الأدلة على صدق رسالة الإسلام، لكنه يتعامى عنها، والمسألة لديه في العمل على اتباع المسلم مِلَّةَ هذا الآخر وترك ما هو عليه من الحق. قال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة/ 120. -الصنف الرابع: في اتباع هُدَى الله تعالى. يقول الله عز وجل: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) طه/123. إنه الإتباع الحق وثمراته المتجلية في عدم الضلال والشقاء. وهو مفهوم أساس في بناء الشخصية المسلمة، ولا بد من إحيائه في القلوب، بتحرير الناس من التبعية للباطل وأهله، بما فيه من الاستعباد والتبعية المنحرفة. والإتباع بمفهومه القرآني صفة من صفات المؤمنين الصادقين، وعلامة على تقوى القلوب. وهذا الصنف المتبع لمنهج الله، هو الذي على الكمال الإيماني والمعرفي، لديه من المقومات الروحية والعملية ما تيسر له سبل الخير دون عناء، في انشراح واستقامة على الطريق، فَيُؤْتَى سُؤْلَهُ من رَبٍّ كَرِيمٍ، مَوْصُولاً بِرَحْمَتِهِ وَجَمِيلِ عَطَائِهِ.