كان الترام يقطع بي شوارع الرباط حين رن هاتفي معلنا انني توصلت برسالة على بريدي الفيسبوكي، فتحت الانبوكس، كانت الرسالة صوتية بعث بها صديقي اليهودي جوشوا من واشنطن. أخذت سماعاتي، وبدأت أنصت للرسالة... بدا صوت جوشوا لاهثا، ضاحكا، متفاجئا، غاضبا...كل المشاعر المتضاربة نقلها صوته وهو يحكي لي بالانجليزية ما حدث. "كنت أتناول عشائي بمطعم إيراني، حين أثارت انتباهي امرأة ترتدي لباسا صحراويا، تأملتها، وللحظة لم أصدق عيني، إنها هي أميناتو حيدر...كانت تجلس رفقة شاب أسمر، وامرأة بدت أمريكية بيضاء، أخذت كاميرا موبايلي، وتوجهت نحوهم، ثم سألت: عفوا، هل أنت أميناتو حيدر؟ أجابت المرأة البيضاء بعد تردد: "نعم إنها هي" كانت المرأة تبدو مترددة قبل أن تجيبني، كانت تعرف أن سمعة أميناتو حيدر سيئة، لكن يبدو أن شعري الأشقر وملامحي البيضاء جعلها تستبعد أن أكون مغربيا. نظرت إلى أميناتو وقلت لها: "إنه لعار أن أراك هنا...ما هذا الذي تفعلينه بصحرائنا، ومملكتنا؟" قاطعتني المرأة البيضاء قائلة: "رجاء لا نريد أي مضايقات" لم أعرها أي انتباه، وأكملت حديثي لأميناتو، كنت أحدثها بالانجليزية وحاولت أن اوصل لها رسالتي ببضع الكلمات العربية والمغربية التي أعرف، فوجدتني أقول لها: "الصحراء مغربية وأنت مغربية، كيف تسمحين لنفسك بالقيام بهكذا عمل مشين؟" واصلت المرأة البيضاء جملتها: "رجاء لا نريد أي مضايقات" لم تنبس أميناتو حيدر بأي كلمة، بدت مرتبكة وهي تحاول أن تداري ارتباكها بالحديث في الهاتف، حملت نفسي وأنا أقول لها بالمغربية:"حشوما عليكي...حشوما عليكي" شامة...لا أصدق أنني قابلت تلك المرأة...شاهدي الفيديو الذي صورته على صفحتي على فيسبوك، سأحمله على اليوتيوب لأجعل العالم كله يعرف دناء هذه المرأة.انتهت الرسالة... كتبت لجوشوا أقول له:"أريد تفاصيل أكثر، أريد أن أعرف ما الذي دفعك إلى الحديث إليها" كان جوشوا في طريقة إلى الجامعة، رد على سؤالي في رسالة صوتية وقال: "أنا يهودي ولدت بأمريكا، وأهلي تركوا المغرب قبل عهد الحماية، لكن جذوري تبقى مغربية، وأفتخر بانتمائي للمغرب حتى وإن لم أكن أحمل جنسيته، لذلك رؤية هذه المرأة التي تجول العالم منتقدة المغرب، وتدعو إلى فصله عن صحرائه، ومصادفتها في نفس المطعم الذي كنت أتناول فيه عشائي أصابني بالكثير من التقزز... حين تحدثت إليها، أردتها أن تتذكرني، أردتها أن تتذكر أنه في كل مكان تذهب إليه سوف تجد من يقول لها إن ما تفعله بالمغرب وبصحرائه خيانة كبرى، وأنها يجب أن تشعر بالعار مما تقوم به، أردتها أن تعرف أني كيهودي جذوره مغربية أنا متشبث بصحراء المغرب مثلما هو أي مواطن مغربي ولد بالمغرب ويحمل جنسيته. أنا أشعر أنه لا بد لكل واحد فينا أن يكون سفيرا للمغرب، وأن يمثل المغرب بأحسن تمثيل، ويجب علينا أن نكون فخورين بانتمائنا لهذا البلد العريق بتاريخه وثقافته، وأن نظهر لأعداء المغرب أنه قد نختلف في أشياء كثيرة ولكننا لا نختلف في حبنا وفخرنا بالانتماء للمغرب". انتهت رسالة جوشوا الصوتية، لكن التساؤلات التي أثارها موقف جوشوا في ذهني لم تنته... من هو المغربي؟ هل هو ذاك الذي ولد في المغرب وعاش فيه ويحمل جنسيته؟ أم هو الذي يفخر بانتمائه للمغرب حتى وإن كان ولد في بلد اخر ولا يحمل جنسية المغرب؟ من هو المغربي؟ هل هو الذي يستخدم قضية الصحراء لتحقيق مكتسبات خاصة؟ أم ذاك الذي يدافع عن قضية الصحراء دون أن يقصد جني شيء وهو يؤمن أن ما يقوم به واجب تجاه بلد يعشقه حتى وإن لم يحمل جنسيته؟ قد تهمد هذه التساؤلات في ذهني، لكن مواقف جوشوا التي لا تنتهي تجاه المغرب، تجاه المسلمين، وتجاه العدالة الانسانية ستحركها كل مرة يتحدث فيها إلي من واشنطن وهو يقول: "أختي شامة أريد أن أخبرك بأمر" ودوما أمور جوشوا ذو العشرين سنة تكون ملهمة في إنسانيتها وصدقها، وتجعلني أفخر بهذا الفتى الذي التقيته يوما في واشنطن، وأخبرني أنه مغربي حتى لو لم يكن يحمل جواز السفر الأخضر.