التنظيمات المغربية بكافة تلويناتها وإيديولوجياتها ومراجعها الفكرية والدينية والسياسية، كلها نور على نور، بدءا من التيارات اليسارية ومرورا برديفتها الشيوعية والماركسية، ومرورا بالتنظيمات الليبرالية والرأسمالية ومن على شاكلتها، ووصولا إلى التنظيمات الإسلامية بكافة أطيافها السلفية، الوهابية، الإصلاحية والداعشية حتى.. كل هذه التنظيمات نور على نور لأنها مجتمعة تخدم مصلحة البلد، وتحب الخير للوطن وتدافع عن ثوابته ومقدساته، وبالتالي يحق لها أن تعيش مؤتلفة فيما بينها لا يعكر صفوها أي تنظيم آخر ولا يزاحمها أي تيار من شأنه أن يقلقها. وعلى هذا الأساس فإن التنظيمات سالفة الذكر بالرغم من تناقضات مرجعياتها وفلسفاتها وإيديولوجياتها من حقها أن تبقى آمنة من أي (خطر) آخر قد يهدد مصالحها.. مناسبة هذا الكلام ما أثير من ضجيج هذه الأيام في جل وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية على خلفية ما اعتبروه تجاوزا من قبل السلطات الاقتصادية بالمملكة إثر منح هذه لأخيرة تصريحا لإحداث شركة تحمل اسم: (مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر) بمدينة طنجة المغربية، إذ ضاقت هذه الصحف ومعها تلك التنظيمات ذرعا وتحسرت ألما على هذا الخرق السافر الذي مارسته السلطات الاقتصادية المغربية عبر ترخيصها لإنشاء شركة تحمل اسما لم تستسغه هذه التيارات والتنظيمات التي سارعت إلى التنديد بهذا الإجراء الخطير. الكثيرون اعتبروا هذا الأمر سابقة في تاريخ المغرب الحديث، ومن شأن هذا أن يقوض أمن البلد وينتهك سيادته ويخرب عقيدة مؤمنيه ومؤمناته... إن الأمر خطير جدا يا سادة.الشيعة المغاربة خطر فاحذروهم ... إنهم خطر محدق بأمن البلاد... ! أما الباقين فهم مصلحون ومحافظون على أمن هذا الوطن وعقيدة مواطنيه... من بين تلك التصريحات الخطيرة هي ما نسب للسيد حسن الكتاني الشهير، لكن حسن الكتاني هذا مع الأسف الشديد لم يقتف أثر والده المرحوم برحمة الله الدكتور مولاي علي المنتصر الكتاني أحد أعمدة الفكر الإسلامي والدعوى بالمغرب وفي العالم، ولمن لا يعرف الدكتور مولاي علي المنتصر الكتاني فهو من أسس الجامعة الإسلامية الدولية ابن رشد بقرطبة في اسبانيا، ولأن مولاي علي رحمه الله كان عالما بحق، فإنه كان يتعامل مع كافة الأطياف السنية والشيعية، وخلال افتتاحه مسجد قرطبة التاريخي أوائل تسعينيات القرن الماضي تصادف زمن الافتتاح مع زيارة وفد سياحي يظم الألمان والإيطاليين من النساء والرجال، لقرطبة، وبما أن الأوروبيين يرغبون دوما في اكتشاف كل ما هو جديد خاصة إذا تعلق الأمر بالتاريخ والآثار فقد هم الوفد السائح دخول المسجد وكانت المناسبة صلاة العصر. بعض – المسلمين – أرادوا منع السواح الإيطاليين والألمانيين وعددهم تسعة من دخول المسجد على اعتبار أنهم مشركون وكفار، لكن مولاي علي المنتصر الكتاني صاحب هذا المشروع الرائد التمس من المسلمين أن يسمحوا للوفد بدخول المسجد على اعتبار أنه لا يوجد نص قرآني يحرم هذا وبطبيعة الحال كن النساء الغربيات (متبرجات) فدخلن أيضا مع الرجال... أدى المسلمون صلاة العصر بينما كان الوفد الغربي بنسائه ورجاله في الخلف صامتين يترقبون انتهاء لحظة العبادة هذه، انتهت الصلاة فألقى د/ مولاي علي محاضرة بمناسبة افتتاح مسجد قرطبة من جديد... الوفد الإيطالي الألماني ظل أفراده جامدين يستمعون بخشوع لمضامين المحاضرة التي كانت تترجم إلى لغاتهم بعد المحاضرة أعلن ثلاث نساء إسلامهن وأعلن اثنان من الرجال إسلامهم خمسة من أصل تسعة أسلموا /أسلمن ..وحكى لي الدكتور رحمه الله تعالى أن إحدى النساء بدأت تحاول أن تطيل ثيابها القصيرة لأنها استحيت أن تتواجد في مكان كهذا بلباس غير محتشم... والقصة طويلة، وقد استشهدت بمطلعها هنا فقط لأسأل السيد حسن لم لا يقتدي بوالده العالم والمفكر الذي انتدبته رابطة العالم الإسلامي في رحلة للولايات المتحدةالأمريكية وأوربا الغربية (قبل الوحدة الأوروبية) لإنجاز دراسة عن الأقليات الإسلامية هناك فأنجز كتابا في جزءين توقع فيه رحمه الله ما حدث منه الكثير بعده، لم لا يقتدي بالتسامح الذي كان الوالد يجسده على أرض الواقع، كان صديقا لمحمد خاتمي ونواز شريف، وكان صديقا للعلماء من الفريقين وكان دائم الحضور في مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية وفي بداية حرب الخليج الثانية استقال من منصبه كأستاذ في إحدى الجامعات السعودية لأنه رفض أن يدخل في ترهات السياسة حيث كانت دول الخليج وفي مقدمتها – السعودية – تحشد العلماء لتوقيع بيانات وإصدار فتاوى تجرم جهة ما في الحرب ومناصرة جهة أخرى، تنازل عن مقعده في الجامعة، وعن مهنته في إدارة هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية/ من أجل أن يبقى حرا وأمينا في أدائه العلمي والفكري. أما أن يأتي حسن في نهاية المطاف فيطلق العنان للسانه وقلمه ويدلي بتصريحات تحرض على فئة من المواطنين المغاربة ويطالب باستئصالهم فهذا ما استغربت له والأغرب من هذا أنه يبلع لسانه حين يتعلق الأمر بأي تيار آخر غير التيار الشيعي المسكين في هذا البلد.نعلم ويعلم معنا حسن الكتاني أن الذين اتهموا بتفجيرات السادس عشر من مايو (2003) ليس بينهم شيعي واحد، ويعلم حسن أن جماعة داعش الإجرامية لا تضم في صفوفها شيعي واحد ويعلم هداه الله للحق والصواب أن كافة التنظيمات المتشددة في العالم تنهل من معين ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأن تنظيم القاعدة وطالبان وداعش صناعة وهابية بامتياز.. وكلهم نهلوا من مدارس دينية سلفية متشددة تتعامل مع النصوص الدينية بعقلية جامدة ومتحجرة،إن الذين يشكلون خطرا على أمن البلاد واستقرارها إنما هم هؤلاء الأميين الذين غادروا بلادهم وأضحوا عبيدا في منظمة أبوبكر البغدادي الإرهابية التي تعيث فسادا في الأرض، وتسفك الدماء بغير وجه حق، ولا يوجد ضمن المغاربة الذين سافروا برا وبحرا وجوا إلى دولة البغدادي الوهمية والمزعومة لا يوجد بينهم شيعي أو متشيع واحد، وكلهم ينتمون إلى ما يسمى بالتيارات السلفية والوهابية هؤلاء فهموا الدين بطريقة خاطئة لسبب وحيد يعزى إلى أميتهم وجهلهم، لأنهم تربوا في أحضان هؤلاء الذين يؤلبون الدولة على فئة من المواطنين ويحرضون المواطنين على الدولة حينا آخر، لأنهم يكيلون بمكيالين . ندع السيد حسن، ابن العالم الكبير مولاي على المنتصر الكتاني يفكر بهدوء.. أما السيد الفيزازي فلا لوم لنا عليه فقد دخل السجن بعقل وخرج منه بعقل آخر، قبل دخوله السجن كان يفكر بعقل وفي مرحلة السجن وضع عقله السابق في مكان ما (....) وخرج بعقل آخر فكربه كيف يخرجه من سجنه وحينما خرج للدنيا من جديد اتسعت مدارك عقله الجديد فأضحى يبجث عن أي شيء يمكن أن يساعده على المزيد من الظهور والنجومية ..واستنادا إلى ذلك،فإننا قد نجده قريبا يشارك السفارة الإيرانية بالرباط احتفالاتها ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو في ذكرى عاشوراء...مثل ما كان يفعل من قبل سلفيين مثله ...نذكر منهم على سبيل الحصر السيد الزمزمي فقيه النوازل الجنسية . والسيد الريسوني فقيه المقاصد الإخوانية وغيرهم كثير في هذه الأرض الطيبة جدا.. كان الكثير من السلفيين يحجون دوما إلى سفارة إيران بالرباط بمناسبة وبدونها وكنت أراهم يتملقون لموظفيها وديبلوماسييها وهم يتناولون بنهم حبات الفستق الإيراني الجميل وحينما قررت المملكة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران سنة 2009 سارع هؤلاء إلى شتم الشيعة ولعن التشيع إلى يوم الدين دون أن يدركوا أنه لا ثوابت في السياسة،وأن المصالح هي التي تتحكم في العلاقات الديبلوماسية بين الدول والأنظمة. الذين يلعنون أتباع مذهب آل البيت يتناسون خلال قرارهم التقرب من السلطات أن الملك الحسن الثاني رحمه الله رعا مؤتمرين كبيرين للتقريب بين المذاهب الإسلامي،بعد ما سبق له أن كفر الخميني من قبل. ويتناسى اللاعنون والمحرضون أن الإمام مالك رحمه الله تتلمذ على الإمام جعفر الصادق الإمام السادس عند الشيعة..أكثر من كل هذا أن هؤلاء يتجاهلون التاريخ كليا حين يتعلق الأمر بذكر المولى إدريس الذي بايعه المغاربة الأمازيغ طواعية وتنازلوا له عن الحكم،بسبب حب المغاربة الأمازيغ لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. الطامة الكبرى عندما يفكر هؤلاء بقطع دابر فئة من المواطنين المغاربة واستئصالهم وتحريض السلطة عليهم واعتبارهم مارقين خارجين عن الدين..نتحدى هؤلاء أن يقولوا نفس الكلام عن اليهود المغاربة مثلا أو الملحدين المغاربة؟؟ أما آن لهؤلاء أن يفكروا بعقولهم ولا يؤجرنها لغيرهم ليفكروا بها نيابة عنهم؟ إن شماعة سب الشيعة للصحابة رضوان الله عليهم لم تعد مجدية الآن لأن من يشتم الصحابة هم فئة من الناس ينتمون إلى مذاهب أخرى لا علاقة لها بالتشيع لكن الذين يشتمون الشيعة ويكفرونهم هم من ينتمون لهذه المذاهب التكفيرية التي أسسها فقهاء الوهابية والسلفية المتحجرة . وإذا عدنا إلى بداية هذه القصة (أي مناسبة هذا الكلام) فإن مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر ليست إلا شركة كسائر الشركات، وضعت قانونها الأساسي لدى السلطات الاقتصادية المختصة، وحصلت على إذن بممارسة نشاطها التجاري والاقتصادي والثقافي لا غير، وأن السلطات المغربية بمختلف أجهزتها قادرة على رصد تحركاتها وتعقب أنشطتها دون أن تحتاج هذه الجهات – الأمنية – لتعليمات من خريجي السجون والمعتقلات الذين يرغبون في ممارسة الوصاية على عباد الله نيابة عن الله، والله لم يعطي توكيلا لأحد لكي يحدد هذا – الأحد – من هو المؤمن ومن هو الكافر. إنه لشيء مخز أن تتحرك أبواق الوهابية من جديد في هذا البلد فينصب أتباعها أنفسهم أوصياء على دين الله، لأن دين الله فوق هذه الأبواق جميعها.إن هذا البلد في حاجة لجميع أبنائه بكافة أطيافهم واتجاهاتهم والبلد في حاجة لكافة مواطنيه ليعملوا سويا على بنائه والارتقاء به تنمويا واجتماعيا وفكريا وسياسيا. دعونا – بكل هدوء – نتناظر على الهواء ليعرف الشعب ولتعرف السلطات من يفكر بعقله ومن يؤجر هذا العقل لغيره، ليفكر به نيابة عنه دعونا نعلن مناظرة أمام الشعب لكي يعرف هذا الشعب حقيقة كل واحد كما هو.. استنادا إلى قاعدة: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وعملا بقول الله الكريم في آية أخرى : فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. دعونا ننبذ وإلى الأبد فكرة التخوين والتكفير والمؤامرة دعونا نتحاور في هدوء بدل الاتهامات المجانية، والتحريضات الجوفاء.دعونا نؤسس معكم ومع غيركم في هذ البلد مغربا جميلا ونموذجيا يتعايش فيه جميع اتباعه، مسلمين ويهود ونصارى وعلمانيين وشيوعيين وماركسيين ووهابيين وسلفيين ،شيعة وسنة، أمازيغ وعرب تجمعنا سقف الدولة المدنية الديمقراطية النموذجية بقيادة ملكية رائدة، نجعلها هي الحكم والفيصل في كل تحركاتنا وأفكارنا ومشاريعنا، والساحة هي الوحيدة التي ستفرز من يرغب بالاستقرار والأمن ومن يسعى للهدم والتخريب ... أفلا يعقلون؟؟ دعوا الشيعة يتكلمون كما يتكلم الجميع، ثم يبقى الحكم للشارع الذي يميز بين الغث والياسمين. سياسة التحريض انتهت وآن الأوان للنقاش الهادئ والفكر المدني المتحضر فهل أنتم مستجيبون؟ ab[email protected]