موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه خلفيات خروج الشيعة المغاربة إلى العلن
نشر في المساء يوم 05 - 04 - 2015

طالما اعتقد الشيعة اعتقادا راسخا أن المغاربة كانوا شيعة عبر التاريخ، ويستعينون بالكثير من المراجع والكتابات التي نشرت في الموضوع، لإثبات أن المغاربة «ناحوا وبكوا» على مقتل الحسين بن علي، ونظموا القصائد في رثائه، في الأندلس كما في المغرب وباقي بلدان المغرب العربي.
تعج مكتبات إيران بكتابات لكتاب من دول العالم الإسلامي السني التي تنتصر لأطروحة أن دول المغرب العربي وعلى رأسها المغرب، كانت شيعية، فالدولة الإدريسية في المغرب مثلا كانت دولة شيعية، بل ويرى أئمة إيران أن المغاربة مازالوا يحتفظون بالكثير من معالم التشيع، كاحتفالهم بعاشوراء واحتفائهم بآل البيت.
ويشير الكاتب المغربي عبد اللطيف السعداني الذي درس في إيران وأجاد اللغة الفارسية بأنه حتى الأندلس كان شيعتها ينظمون القصائد في رثاء الحسين، وانتقل ذلك من الأندلس إلى المغرب ومنه إلى باقي دول المغربي العربي.
لقد شكل الاعتقاد القائل أن المغاربة تاريخيا كانوا شيعية وقودا لأزمات اندلعت أكثر من مرة بين المغرب وإيران في عهد الراحل الحسن الثاني كما في عهد محمد السادس، كما تسبب ذلك في ملاسنات بين علماء المغرب وبين رجال الدين في إيران.
ولعل آخر فصل من فصول ذلك ما وقع بعد أن حصل «الخط الرسالي» الذي يمثل الشيعة المغاربة المعتدلين، على ترخيص من أجل العمل بطريقة قانونية من خلال مؤسسة للدراسات سيكون مقرها بمدينة طنجة بعد أن تم نقله من مدينة فاس، إذ انتفض السلفيون ضد هذا الخروج العلني للشيعة في المغرب.
«الخط الرسالي» الذي يتزعمه عصام حميدان المحامي المغربي، حصل من المحكمة التجارية على ترخيص، من أجل إنشاء مؤسسة «الخط الرسالي للدراسات والنشر»، بعد أن رفضت وزارة الداخلية في أكثر من مناسبة الطلب الذي تقدم به هذا الأخير رفقة مجموعة من المواطنين المغاربة لأجل تأسيس كيانهم التنظيمي، استنادا لظهير الحريات العامة لسنة 1958.
لكن بالرغم من أن الأمر، لا يعدو كونه مجرد ترخيص لدار نشر ذات صبغة ثقافية وعلمية، إلا أن ذلك لم يمنع من تسجيل حملة مازالت لم تهدأ بين رموز السلفية في المغرب والشيعة المغاربة.
وينطلق سلفيو المغرب من أن الشيعة المغاربة يدينون بالولاء للحوزات العلمية بكل من العراق وإيران، وينتسبون لمرجعيات مشائخية شرقية، يبقى أهمها الشيخ المرجع فضل الله، إلى جانب عدد كبير من الشيعة المغاربة الذين يرفضون فكرة المرجعية ويمارسون تشيعا عقديا وثقافيا مستنيرا..
يتكاثرون في صمت داخل الأوساط المثقفة وخاصة بشمال المملكة، واستفاد العديد منهم من منحات دراسية بلبنان أو العراق وإيران، كما لا يتردد الشيعة المغاربة في حضور المناسبات الاحتفالية السنوية للشيعة بالشرق. وفي مقابل هذه الحملة التي انبرى لها مشايخ ودعاة السلفية، استنكرت مؤسسة «الخط الرسالي»، في بيان لها، ما وصفته بحملات التكفير والتحريض التي طالتها من طرف بعض الشيوخ المغاربة، وكل الخطابات التي تدعو إلى الكراهية، وزرع بذور الفتنة والتفرقة بين المواطنين» وفق تعبيرها.
ويشير المختص في الحركات الإسلامية عبد الله الرامي أن عودة المتشيعين بفعالية بمدينة طنجة وإعلان استعداداتهم العلنية لإجراء أنشطة ثقافية ودينية، دون ضغط أو منع أو حصار من السلطات كما هو معهود، يمكن أن نعتبرها نوعا من التطبيع مع المتشيعين المغاربة وترجمة عملية لإعادة العلاقة مع إيران..ونعتقد أنه لولا جرأة المتشيعين الزائدة عن الحد وما صاحب ذلك من تغطية إعلامية واسعة وضغط الجماعات الإسلامية، وعلى الخصوص السلفيين لتساهلت السلطات مع أنشطة المتشيعين وغضت الطرف، وربما لمكنتهم من ممارسة بعض الأنشطة بطريقة شرعية وقانونية.
في هذا الملف تعيد «المساء» إلقاء الضوء على خلفيات خروج شيعة المغرب إلى العلن، وتنبش في الكتابات التاريخية التي يعتمدها الإيرانيون لتبرير استهدافهم للمغرب بالمد الشيعي، كما تحاور شيعة المغرب وثلة من المختصين.
ما هي تداعيات هذا الترخيص على الشيعة المغاربة؟ وكيف كان التفاعل مع التطبيع معهم؟ أسئلة ضمن أخرى يحاول الملف التالي ملامستها.
الشيعة المغاربة.. بكوا مقتل الحسين ونظموا القصائد في رثائه
السلفيون المغاربة ينتفضون لمواجهة خروج المتشيعين للعلن
أمام الاصطفاف الطائفي والمذهبي الذي تعرفه منطقة الشرق الأوسط، واستحالته إلى بؤرة توتر عقدي دموي بين كل من السنة من جهة وبين المد الشيعي من جهة أخرى. بات المغرب يعرف تجاذبا قويا بين العديد من الشيوخ السلفيين وبعض المنتسبين للتيار الشيعي، وذلك بسبب منح السلطات القضائية بمدينة طنجة رخصة لإحداث مؤسسة «الخط الرسالي للدراسات والأبحاث» ذات التوجه الشيعي الواضح.
وبلغ الاصطفاف ذروته من خلال التلاسن الذي أخذ منعطفا حادا بين الفريقين، حيث استنكرت مؤسسة «الخط الرسالي للدراسات والأبحاث»، في بيان لها، ما وصفته بحملات التكفير والتحريض التي طالتها من طرف بعض الشيوخ المغاربة، وكل الخطابات التي تدعو إلى الكراهية، وزرع بذور الفتنة والتفرقة بين المواطنين»، مضيفة في بيانها أن خطابات الكراهية والعنف، لا تمت إلى الإسلام بصلة، ولا تتماشى ومقتضيات الدستور، وتناقض القانون»، موجهة سهام نقدها لمن أسمتهم بالشيوخ دون ذكر أسمائهم في ما وصفته ب «تحريضات» يقومون بها تعتبر تجاوزا لحدودهم، وتحريضا على فئة من المواطنين بتكفيرهم، والدعوة لحرمانهم من حقوقهم المدنية «.
فقد سبق واعتبر الشيخ حسن الكتاني، أحد رموز السلفية بالمغرب، أن ترخيص السلطات لمؤسسة «الخط الرسالي للدراسات والأبحاث» يعد تطورا خطيرا، وذلك لأن مؤسسة مثل هذه تقوم على نشر الفكر الشيعي غير الموجود أصلا في المغرب، مؤكدا على أن وجود السنة إلى جانب الشيعة خلق فتنا عظيمة ظل المغرب في منأى عنها.
وتساءل الكتاني، في تصريح سابق، أين سنصل؟ لقد سمعت أن أهل طنجة يقومون بتوزيع عرائض تطالب بالحل الفوري لهذه المؤسسة، ويستنكرون الترخيص لها أصلا، لا يمكن أن نقبل بهذا الفكر الدخيل علينا، فهو فكر منحرف وضال يقوم على سب الصحابة وأئمة الإسلام، معبرا عن خشيته من أن يكون قرار الترخيص للخط الرسالي وراءه إرادة دولية لما وصفه بمواجهة النمو السني، وهذا ليس في مصلحة أحد على كل حال.
وفي السياق ذاته، نظمت جمعية التقدم للتربية والثقافة بمدينة الشماعية ندوة تحت شعار: «خطر التشيع على الفرد والمجتمع». التي أطر أعمالها الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي، متحدثا عن أهم معتقدات الشيعة الروافض، ذاكرا ادعاءهم تحريف القرآن، وتأويلهم له تأويلا باطنيا.
كما تكلم عن قولهم بعصمة الأئمة وادعائهم علم الغيب وتفضيلهم على الأنبياء والملائكة عليهم السلام، وذكر شيئا من ضلال المتصوفة وأنهم امتداد للتشيع، ثم تحدث عن تكفير الرافضة للصحابة رضي الله عنهم.
وبعد ذلك تحدث الشيخ المصطفى لقصير عن أسباب انتشار التشيع، فذكر تبني حكومة إيران لمشروع نشر التشيع في البلدان السنية، ونبه إلى خطأ اعتقاد البعض أن هذه العقائد قد بادت واندثرت، كما أشار إلى المتعة وتهافت الشباب الجاهل عليها، وذكر الإغراء بالمال.
حذر الشيخ المغراوي والشيخ لقصير والشيخ أبي طلحة-جميعهم- من «خطر التشيع على الفرد والمجتمع».
مشيرين إلى انزلاق وثناء بعض الجماعات على ثورة إيران وتسميتها إسلامية، وتظاهر الشيعة بمعاداة أمريكا واليهود، مؤكدين على كون الفرقة الشيعية تتلاعب بالتفسير بغية إثبات ولاية الأئمة في القرآن، بالرغم من تظاهرهم بنصرة قضايا المسلمين، وإيهامهم الناس أن خلافهم إنما هو مع السلفيين أو الوهابيين وليس مع عموم المسلمين.
هذه خلفيات الترخيص لمؤسسة للنشر والطباعة خاضعة لقانون الشركات
اعتبر عديد من الباحثين والمتتبعين، أن الخروج العلني لممثلي تيار «الخط الرسالي» بصفته ذراعا حركيا لأتباع العالم الشيعي اللبناني الراحل حسين فضل الله بالمغرب، والذي يقوده المحامي الطنجاوي عصام احميدان، ما هو إلا تجسيد للذكاء القانوني الذي يتمتع به أصحاب هذا التيار، حيث أن المراد منه هو «إثبات الذات» و»صناعة حدث إعلامي» بغية تجاوز حالة الإحباط التي أصابتهم جراء المنع المتكرر لوزارة الداخلية لحقهم في الوجود القانوني، والذي كان آخره منعهم من تأسيس جمعية تحت اسم «التقدميون الرساليون» في أكتوبر 2013.
وكانت وزارة الداخلية قد خرجت ببيان لنفي الترخيص للفصيل الشيعي بالعمل في مدينة طنجة، وأكدت الداخلية عبر بلاغ لولاية طنجة أن السلطات المحلية بطنجة تنفي نفيا قاطعاً الترخيص للخط الرسالي بممارسة أي نشاط للطباعة والنشر بمدينة طنجة، فيما أكد مصدر مسؤول داخل الخط الرسالي ما ورد في بلاغ وزارة الداخلية حول عدم الترخيص لهم بممارسة أنشطتهم بمدينة طنجة، موضحا أن الترخيص الذي حصل عليه الخط الرسالي من أجل العمل من خلال مؤسسة للنشر والطباعة يخضع لقانون الشركات.
وشدد الملاحظون للشأن الديني، على التقليل من أهمية هذا الموضوع، باعتباره أمرا عاديا لا يرقى لمستوى الضجة التي أحدثها على المستوى الوطني، وذلك لكون هذا الظهور يدخل في إطار تسجيل مؤسسة بحثية في المحكمة التجارية، وهو عمل إداري عادي تقوم به كتابة الضبط بالمحكمة بناء على القواعد المسطرية الجاري بها العمل في هذا المجال، حيث أكد أن الأمر يعتبر تضخيما إعلاميا لا علاقة له بمعطيات الحالة الشيعية بمدينة طنجة والتي يجب توصيفها ب»حالة التشيع»، مادام أن الوجود الشيعي بمعناه العقائدي و»الطقوسي» لم يتشكل في المغرب كحالة طائفية واجتماعية عادية، مضيفين أن هذا التيار يعبر عن حالة ثقافية نخبوية في وسط متشيعي طنجة الذين تندرج ضمنهم فئات أخرى، من أتباع ياسر الحبيب المعبرين عن أنفسهم في موقع الإلكتروني الموسوم ب«هيئة الإمام الشيرازي».
في السياق ذاته، رفض الباحث المختص في الشأن الديني شعيري منظور ربط منح الترخيص لإنشاء هذه المؤسسة باعتراف الدولة ب «الشيعة المغاربة»، أما بخصوص رد فعل باقي مكونات المجتمع حول هذا الموضوع، فأكد المتدخل ذاته، أنه لا يمكن الحديث عن إمكانية حدوث توتر بين السلفيين وبين الشيعة في طنجة، لأن الحالة الشيعية في طنجة والمغرب عموما تبقى معزولة، وتبقى مجرد قضية أفراد تبنوا توجها مذهبيا إسلاميا، ولا يقومون بالاستفزاز العلني لعقيدة معظم المغاربة في احترام الصحابة والترضي عليهم، وفقا لما تقتضيه عقيدتهم السنية المالكية…
وكان المحامي عصام أحميدان، قد أعلن عن تحديده لتاريخ 21 فبراير 2015، كموعد للإعلان الرسمي عن إطلاق مؤسسة تحمل اسم «الخط الرسالي»، وهي نفس تسمية تيار فكري ينشط أعضاؤه في الديار البلجيكية، ويضم بين صفوفه عددا كبيرا من المواطنين المغاربة، جلهم من الأعضاء المؤسسين.
ويُعرف عصام أحميدان، في حوار سابق مع صحيفة عراقية، تيار الخط الرسالي بأنه «بمثابة نواةٍ لتيار ثقافي إسلامي مغربي، يؤمن بالحوار والتعايش مع الآخر، ملخصا أهدافهم في ثلاثة مستويات هي التنوير التغيير والتحرير».، حيث أكد أنه «على مستوى التنوير، فسترفع المؤسسة شعار «مواجهة التخلف والتطرف»، وعلى مستوى التغيير، سترفع شعار «مواجهة الفساد والاستبداد»، أما على مستوى التحرير، فستنادي ب «استكمال الوحدة الترابيّة وتعزيز استقلالية القرار الوطني».
يذكر كذلك، أن المجموعة الشيعية «الخط الرسالي للدراسات والنشر» حصلت على الترخيص بالنشر عقب رفض وزارة الداخلية المغربية أكثر من مرة لطلب الترخيص. وبالمقابل، استطاعت المؤسسة أن تحصل على الترخيص من المحكمة التجارية، من أجل إقامة مؤسسة اقتصادية تخضع لقانون الشركات.
وكان التيار قد لمح بداية سنة 2014 إلى توجه للعمل القانوني والتوسع في كافة المدن المغربية، وهو القرار الذي لقي الكثير من الترحاب من قبل أتباع هذا التيار داخل وخارج المغرب، لكن القطيعة الدبلوماسية بين المملكة وإيران، وحرب الداخلية ضد هذا المذهب أَجل الخطوة.
وتأسس الخط الرسالي بالمغرب في 19 يناير من سنة 2012 من قبل عصام الحسني أحميدان، الذي تجنب في حوار على موقعه نشر يوم 31 يناير 2015، الحديث عن «الترخيص» الذي حصلت عليه المؤسسة الجديدة بشكل واضح، رغم تقديمه كأنه «رئيس تحرير موقع الخط الرسالي وعضو مجلس إدارة مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر ومدير مركز الخط الرسالي للدراسات والأبحاث».
هذه هي أهم أفكار «الخط الرسالي» بالمغرب…
يعرف الخط الرسالي وفقا لوثيقته المرجعية «الميثاق الرسالي» أنه: «خط عقائدي ينتصر لنمط من التدين لأجل تحقيق العبودية لله تعالى في كافة مناحي الحياة»، ويقدم نفسه بالمغرب ك «تيار وطني مستقل في إمكاناته وقراراته، يستند إلى المرجعية الإسلامية، ويعتبر أن طبيعة الصراع القائم بين الخط الرسالي وباقي الخطوط حضاريا ذا جوهر ثقافي، تمثل فيه السياسة والاقتصاد أدوات للهيمنة الثقافية».
ووضع «الخط الرسالي» مبادئ للعمل في الداخل المغربي وهي:
أولا: احترام وحدة المذهب السني المالكي كاختيار عام وعدم الإضرار به والدعوة لحيادية واستقلالية المؤسسة الدينية الرسمية عن كل الحركات والأحزاب والجماعات، وعدم السماح لأفراد التيارات الدينية والسياسية باختراق الحقل الديني الرسمي وتوظيفه لفائدة طرف ضد آخر، ولتكون المؤسسة الدينية الرسمية معبرة عن عموم المغاربة.. كما تؤكد الوثيقة نفسها، على ضرورة احترام حرية المعتقد وضمانه لكافة المواطنين، لكونه مبدءا أصيلا في ديننا {لا إكراه في الدين}، ومنسجما مع العهود ولمواثيق الدولية وكل المرجعيات الكونية لحقوق الإنسان.
ثانيا: المذهب حالة فردية وليس مشروعا مجتمعيا يفتت المجتمع عصبيا وطائفيا، وبالتالي فلا ينبغي تحويل «الدين» و»المذهب» إلى محددات للهوية الجماعية وقاعدة للعمل المدني والسياسي.
ثالثا: دولة الإسلام مفهوم نسبي ما دامت السلطة غير مقدسة وفهم الدين وتنزيله على الواقع أمر بشري قابل للنقد والتقويم، وبالتالي فدولة الإسلام هي دولة مدنية ذات وظيفة رسالية.. وشعار «دولة الإنسان طريقنا نحو دولة الإسلام»، لا يعني أننا لسنا في دولة إسلامية –تقول الوثيقة-، بل يقصد منه، أن المشروع الإسلامي اختيار شعبي لا يمكن فرضه بالقوة أو بطريقة انقلابية، وإلا فإنه وإن كان شرعيا فإنه لا يستوفي شرط المشروعية إلا إن حاز على ثقة الجماهير.
رابعا: العمل من داخل المجتمع المدني والسياسي بالمغرب حق دستوري وقانوني لكل مواطن مغربي، وممارسة العمل المدني والسياسي يتم من خلال المشروع المجتمعي على قاعدة المواطنة لا من خلال الهوية الدينية أو العرقية أو القبلية، وهو مثبت في قانون الجمعيات والأحزاب السياسية بالمغرب.
ويقول رئيس تحرير موقع الخط الرسالي وعضو مجلس إدارة المؤسسة: إن مؤسسة الخط الرسالي هي مختصة في الدراسات والأبحاث وبالنشر والتوزيع، وهي في خدمة الباحثين جميعا، مما من شأنه أن ينعش الحركة الثقافية المغربية، إلى جانب العديد من المراكز البحثية المختصة بالمغرب.
ويضيف عصام الحسني أحميدان، بأن المؤسسة لا تتدخل في الشأن الديني والمذهبي، بل تنشط على المستوى الفكري النخبوي باعتبارها حركة القراءة والبحث، والدليل على ذلك أن المؤسسة مستعدة للتعاون مع مختلف الباحثين من كل الأطياف الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
ولكنه يعتقد: «أن الخط الرسالي بات اليوم أمل جل أتباع أهل البيت النبوي في المغرب؛ لأنه يدافع عن حرية المعتقد ويناضل من أجلها ويسمع الآخرين صوت الإسلام الأصيل المنفتح، بعيدا عن التحجر العقائدي.. فهذا الخط أنسب لهذا الوطن من جهة انفتاحه واستقلاليته وهما شرطان ضروريان لنجاح أي خط».
وعينت المؤسسة ممثلين لها بعدد من المدن المغربية، ففي مدينة طنجة كان هناك خالد بنتحايكت، ومحسن البقالي، وعصام أحميدان الحسني «عضو مجلس الإدارة»، وفي مدينة فاس يمثل المؤسسة عبد الحفيظ بلقاضي، وفي مدينة مكناس يمثل المؤسسة عبدو الشكراني، وفي مدينة الرباط يمثل المؤسسة سليمان الهواري، وفي مؤسسة مدينة الدار البيضاء يمثل المؤسسة كل من نور الدين أبو ريحانة، ومحمد محمدي الحموشي، وفي مدينة واد زم يمثل المؤسسة الحبيب الغايثي.
«أئمة شيعة»: المغاربة بكوا مقتل الحسين ونظموا القصائد في رثائه
يبدو لافتا ما تنشره تقارير إعلامية بين الفينة والأخرى عن استهداف إيران للمغرب وباقي بلدان المغربي العربي دون غيرها من باقي الدول المحسوبة على التيار السني حتى التي تتمركز فيها أقلية شيعية، غير أن بحثا بسيطا في بعض الكتابات التاريخية يظهر سبب التركيز على المغرب ودول المغرب العربي.
الشيعة لطالما اعتقدوا اعتقاد راسخا أن المغاربة كانوا شيعة، ويستعينون بالكثير من المراجع والكتابات لإثبات أن المغاربة ناحوا وبكوا على مقتل الحسين بن علي، ونظموا القصائد في رثائه، في الأندلس كما في المغرب وباقي بلدان المغرب العربي.
يأتي الاهتمام الإيراني أو الشيعي بالمغرب على الخصوص ودون غيره من باقي الدول بسبب اعتقاد الشيعة أن التاريخ يظهر أن المغرب كان دوما دولة شيعية، ويستند الشيعة على معطيات تاريخية في محاولة نشرهم التشيع في المغرب، فهم يعتقدون أن الدولة الإدريسية كانت دولة شيعية، والخطاب الشيعي الحالي الذي لا يتردد أئمة إيرانيون في الجهر به بالرغم من تحفظ ساستهم يعتبر المغرب بلدا شيعيا بالتاريخ وسنيا بالجغرافيا فقط»، الأمر الثاني الذي يقوي من الرغبة الشيعية في المغرب هو الجذور الأمازيغية للمغاربة، وينطلق العديد من المدافعين عن نشر التشيع في المغرب من منطلق أنه مادام التشيع استطاع أن ينتشر في بيئة فارسية وهي إيران ويتقوى فيها، فذلك يعني أنه له أسباب الانتشار في بيئة أمازيغة غير عربية، وأسباب الانتشار هذه هي أقوى بكثير من بعض البلدان السنية الأخرى حتى التي توجد فيها أقليات شيعية.
ولا يرتبط المد الشيعي في المغرب بالثورة الإسلامية في إيران، بل إن الأمر يعود إلى ما قبل ذلك، وهو ما يشير له الكاتب المغربي عبد اللطيف السعداني الذي كتب أن «نشر التشيع في المغرب سابق عن الثورة الإيرانية ب15 سنة»، وقد كتب السعداني الكثير من المقالات والكتب التي تلقفها الإيرانيون بكثير من الاحتفاء ونشروها على نطاق واسع، كما تظهر العديد من المنشورات الإيرانية سواء الناطقة باللغة العربية أو اللغة الفارسية التي كان السعداني يجيدها بحكم دراسته في إيران وتخصصه في الأدب الفارسي، السعداني ولد في 15 شتنبر 1939 بفاس. حصل على الدكتوراه في الأدب الفارسي. اشتغل أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، نشر مجموعة من المقالات باللغتين العربية والفارسية وذلك في مجلتي دعوة الحق والبحث العلمي وفي صحف إيرانية.
ويستشهد الإيرانيون كثيرا بكتابات عبد اللطيف السعداني وغيره من الكتاب العرب الذين تطرقوا إلى انتشار التشيع في كل من الأندلس وبلدان المغرب العربي.
وفي عددها الثاني من سنتها الأولى نشرت مجلة «الهادي» الإيرانية التي تنشر باللغة بالعربية في منطقة «قم» مقالا لعبد اللطيف السعداني بعنوان «حركات التشيع في المغرب ومظاهره» مشيرا إلى أثر التشيع في الأندلس وانتقاله فيما بعد من الأندلس إلى المغرب، وإقامة مأتم الإمام الحسين الشهيد عليه السلام فيه»، وفي المقال الموجود بكثرة على مواقع الإنترنيت الإيرانية الناطقة بالعربية يقول الكاتب المغربي « ومن حسن حظنا هذه المرة أن أحد أعلام المفكرين في القرن الثامن الهجري، لسان الدين ابن الخطيب، أسعفنا بإشارة ذات أهمية كبري، والفضل في ذلك يعود إلى إحدى النسخ الخطية الفريدة من مؤلفه التاريخي «أعلام الإعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام» التي حفظتها لنا خزانة جامعة القرويين بمدينة «فاس» من عاديات الزمن، وبهذه الإشارة تنحل العقدة المستعصية، وينكشف لنا ما كان غامضا من قبل، أي ما أغفل الحديث عنه المؤرخون مثل ما كان يجري في الأندلس من أثر التشيع، ذلك أن ابن الخطيب عند حديثه عن دولة يزيد بن معاوية انتقل به الحديث إلي ذكر عادات الأندلسيين خاصة في ذكرى مقتل سيدنا الحسين من التمثيل بإقامة الجنائز، وإنشاد المراثي. وقد أفادنا عظيم الفائدة حيث وصف إحدى هذه المراسيم وصفا حيا شيقا، حتى ليخيل أننا نرى إحياء هذه الذكري في بلد شيعي. وذكر أن هذه المراثي تسمى الحسينية، وأن المحافظة عليها بقيت من قبل تاريخ ابن الخطيب إلى أيامه، ونبادر الآن إلى نقل هذا الوصف على لسان صاحبه: لم يزل الحزن متصلا على الحسين، والمآتم قائمة في البلاد، يجتمع الناس ويحتفلون بذلك ليلة يوم قتل فيه، سيما بشرق الأندلس. فكانوا على ما حدثنا به شيوخنا من أهل المشرق – يعني مشرق الأندلس – يقيمون رسم الجنازة حتى في شكل من الثياب، يستجني خلف سترة في بعض البيت، ويحتفل بالأطعمة، ويجلب القراء المحسنين ويوقد البخور، ويتغنى بالمراثي الحسنة وفي عهد ابن الخطيب كان ما يزال لهذه المراثي شأن أيضا؛ فإنه في سياق حديثه السابق زادنا تفصيلا وبيانا عن الحسينية وطقوسها، قبل أن يتطرق الكاتب إلى وصف الحسينية فيكتب «والحسينية التي يستعملها إلى اليوم المسمعون، فيلوون لها العمائم الملونة، ويبدلون الأثواب، كأنهم يشقون الأعلى عن الأسفل بقية من هذا لم تنقطع بعد، وإن ضعفت. ومهما قيل الحسينية أو الصفة لم يدر اليوم أصلها، وفي المغرب اليوم ما زال أولئك المسمعون الذين أشار إليهم ابن الخطيب يعرفون بهذا الاسم، وينشدون، وكثرت في إنشادهم على الأخص المدائح النبوية. كما أن الأغنية الأندلسية الشائعة اليوم في بلاد المغرب تشتمل في أكثرها على مدائح النبوة أيضا» انتهى كلام السعداني.
عبد اللطيف السعداني ذهب أبعد من ذلك، وألف كتاب «حركات التشيع في المغرب» أقر فيه أن المد الشيعي في المغرب ليس وليد الثورة الإيرانية، بل إنه يمتد إلى أكثر من خمس عشرة سنة قبل ثوار الخميني.
مغاربة يحجون سنويا للعراق لإحياء أربعينية الحسين
أن تتحول إلى المذهب الشيعي يعني أن تغير ما اعتدته في المذهب السني، كيفية إقامة الصلاة، التعامل مع صحابة الرسول، العلاقة بأهل السنة والجماعة، النظرة إلى كتب الحديث المعتمد في العالم السني كصحيح البخاري ومسلم، غير أن مثل هذه الأمور لا تتطلب ممارسات علنية تظهر الشيعي من السني، إلا أن هناك أمورا أخرى يتطلبها المذهب الشيعي لعل أبرزها زيارة كربلاء.
فرغم عدم إقامتهم لطقوس شيعية في العلن إلا أن شيعة المغرب على اختلافهم يحرصون على إقامة كل ما يتميز به المذهب الشيعي، ويقومون بشد الرحال إلى العراق كل سنة لإحياء أربعينية الحسين في مدينة كربلاء، ولا تعد زيارتهم السنوية إلى كربلاء العراقية وليدة اليوم، بل تعود إلى السنوات الأولى لبداية ظهور أفراد تشيعوا، خاصة في أوساط الجالية المغربية في بعض الدول الأوربية حيث الاحتكاك بالشيعة.
وإذا كانت رحلات الشيعة المغاربة في السنوات الأخيرة بدأت تظهر للعلن وتنشر تفاصيلها في تقارير وسائل الإعلام الدولية منها والمحلية، في وقت أصبح الشيعة المغاربة أكثر جرأة في توثيق لحظات من تشيعهم اليومي ونشرها في المواقع، كما أصبح هؤلاء أكثر انفتاحا في تشيعهم وإظهاره للملأ، فإن الأمر كان مختلفا سنوات قبل ذلك، إذ كان الشيعة المغاربة على قلتهم يلتزمون السرية في ما يظهر تشيعهم، كما أن المغاربة الشيعة الذين كانوا يتوجهون من المغرب إلى كربلاء العراقية لإحياء الأربعينية يتنقلون هناك عبر طريق ثالث تجنبا لمشاكل مع الأجهزة الأمنية بعد العودة إلى المغرب.
وسبق لوكالة فارس الإيرانية أن أشارت في وقت سابق إلى أن عددا من المغاربة يحلون بكربلاء لإحياء الأربعينية، غير أنه في الثلاث سنوات الأخيرة بدأ الشيعة المغاربة لا يخفون توجههم إلى العراق، خاصة من المغاربة المقيمين ببعض الدول الأوربية مثل بلجيكا التي تعرف انتشارا كبيرا للتشيع في أوساط المغاربة.
وقد عجت المواقع الاجتماعية في الفترة الأخيرة بأشرطة فيديو وصور تظهر مغاربة في العراق يلتحفون العلم الوطني في مدينة كربلاء، في مشهد يظهر تغيرا كبيرا في ممارسة الشيعة المغاربة لطقوس مذهبهم.
التقارير الأخيرة تشير إلى توجه ما يفوق 400 شيعي مغربي إلى العراق لإحياء «أربعينية» الإمام الحسين في مدينة كربلاء، حيث شهد ضريحه أخيرا توافد عشرات المواكب تضم الملايين من الشيعة الذين قدموا من 130 دولة عربية وأجنبية وسط إجراءات أمنية مشددة، وقد اتّشحوا بالسواد رافعين الرايات الخضراء والحمراء والسوداء.
وقد نشر فيديو على موقع «يوتوب» يظهر مغاربة في مدينة كربلاء العراقية وهم يلتحفون بالعلم الوطني، وكانت تقارير إعلامية قد تحدثت عن توجه 300 مغربي شيعي خلال ذكرى أربعينية الحسين الأخيرة إلى العراق، وانتشر شريط فيديو لبعضهم وهم يحملون علم المغرب وصور الإمام المغربي الشيعي في بلجيكا عبد الله الدهدوه» في أحد مساجد بروكسيل الذي قتل على يد متعصب سني، حيث أشار بعضهم إلى أنهم قطعوا أزيد من 100 كيلومتر مشيا على الأقدام للوصول إلى ضريح الإمام الحسين.
يشكل الانتقال السنوي لمغاربة الشيعة إلى العراق لإحياء أربعينية الحسين وتوثيقها في أشرطة فيديو وتداولها على نطاق واسع تحولا كبيرا في ممارسة الشيعة المغاربة لمذهبهم، في نوع من التطبيع من أغلبية المغاربة مع وجودهم.
ويشير بعض ممن تحدثوا ل»المساء» إلى أن الشيعة المغاربة استفادوا من تحول تعيشه المملكة بشكل عام، إذ هناك تغيير كبير يشهده المغرب على مستوى الحريات الدينية والحريات الشخصية، وهو ما يفسر بعض خرجات الأفراد الذين يعلنون مواقف متطرفة أحيانا كالإلحاد مثلا، لذلك يجب أن يفهم خروج الشيعة للعلن في سياقه التام.
الحسن الثاني جمع علماء المغرب لاصدار فتوى تكفير الخميني
لإيران والمغرب تاريخ من التجاذب والخلاف والأزمات، بدأ مباشرة بعد إسقاط ثوار الخميني لشاه إيران، ومنذ عهد الملك الرحل الحسن الثاني إلى العهد الحالي، عاشت العلاقات بين إيران والمغرب مدا وجزرا، اختلط فيها السياسي بالديني والمذهبي، وعلى مر تاريخ أزمات البلدين يبدو أن الخلاف الديني أشد كما أن تبعاته أكثر وقعا وتمظهرا، إذ وصل أحيانا حد التكفير.
في سنة 1980 اجتمعت رابطة علماء المغرب بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني، لتصدر فتوى نارية في حق خميني إيران» تكفره فيها وتدعوه إلى التوبة بعدما خرج بتصريح أثار ضجة في العالم الإسلامي بقوله «إن الأنبياء جميعا جاؤوا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا، وحتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية وتنفيذ العدالة لم ينجح في ذلك، وإن الشخص الذي سينجح في ذلك ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم ويقوم الانحرافات هو الإمام المهدي المنتظر».
لم يكن الملك الراحل الحسن الثاني الزعيم العربي المسلم الوحيد الذي انتفض تجاه تصريح الخميني، فقد عمت موجة من السخط والاستنكار بلدان العالم الإسلامي السني.
وأثار تصريح الخميني ضجة في العالم الإسلامي وسارع عدد كبير من مفتيي الدول الإسلامية إلى تكفيره وفي مقدمتهم مفتى المملكة العربية السعودية، يومها طلب الملك الحسن الثاني من رابطة علماء المغرب النظر في ما قاله الخميني، وأصدرت الرابطة فتوى فحواها تقول «… والجديد في الأمر هو أن الخميني تجاوز بهذه الادعاءات الفاسدة كل ما كان معروفا عن الشيعة، وتطاول حتى على مقام الملائكة والأنبياء والمرسلين، حيث جعل مكانة المهدي المنتظر في نظره فوق مكانة الجميع، وزعم أن لا ملاك مقربا ولا نبي مرسلا أفضل منه»، والأخطر من ذلك يضيف نص الرابطة «هو ما زعمه الخميني من أن خلافة المهدي المنتظر خلافة تكوينية تخضع لها ذرات الكون، ومقتضى ذلك أن الخميني يعتبر المهدي المنتظر شريكا للخالق عز وجل في الربوبية والتكوين». ليخلص نص الرابطة إلى أن « هذا كلام مناقض لعقيدة التوحيد يستنكره كل مسلم، ولا يقبله أي مذهب من المذاهب الإسلامية، ولا يبرئ من الشرك والكفر إلا التوبة والرجوع عنه صراحة، والتبرؤ منه، وصدور بيان بذلك، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة».
غير أن فتوى رابطة علماء المغرب لم تكن إلا فصلا من فصول حرب طويلة بين الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يرى نفسه ممثلا لزعماء العالم الإسلامي السني أمام الدول الغربية التي كانت بدورها تقدمه نموذجا للعالم الإسلامي، وبين الخميني المزهو بإنجاح الثورة الإسلامية في إيران ورغبته في نشر التشيع في الدول التي كان يرى فيها تربة خصبة لذلك ومن بينها المغرب.
أربع سنوات بعد ذلك ستندلع أزمة أخرى بين الحسن الثاني والخميني، في الوقت الذي لم تخمد بعد نار سنة 1980 التي كفر فيها علماء الحسن الثاني الخميني.
ففي سنة 1984 بلغت الحرب بين الحسن الثاني والخميني أشدها بعدما أقدم شباب خمينيون على توزيع مناشير مسيئة للملك الراحل الحسن الثاني، وتصفه ب«السفاك»، وهو ما أثار حفيظة الملك الراحل وتوج بخطابه الشهير الذي استعمل فيه كلمة «أوباش» في حق من قام بتوزيع المناشير المسيئة، كان خطابه في 22 من شهر يناير من سنة 1984، حيث توعد الملك في خطابه وهدد أنه لن يخضع لمثل هؤلاء.
غضب الملك الراحل لم يقف عند حد تهديد من قاموا بتوزيع المناشير، بل فترة قصيرة بعد ذلك فجر الحسن الثاني قنبلة ورد الصاع صاعين للخميني وفي جريدة دولية لها صيت كبير في بلد يولي اهتماما كبيرا لكذا مناوشات في العالم الإسلامي وهو فرنسا، فقد قال الملك الراحل الحسن الثاني في حوار مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية « إذا كان الخميني مسلما فأنا لا أدين بدين الإسلام» وأثار ذلك ضجة كبيرة في أوساط العالم الإسلامي، بالرغم من أن الملك الراحل الحسن الثاني قال علانية ما كان يعتقده الكثير من علماء العالم الإسلامي السني «.
فالكثير من علماء السنة يعتقدون أن الخميني خرج عن ملة الإسلام، إلا أنه بالرغم من وجود عديد من علماء الدين في عدد من الدول الإسلامية ممن يعتقدون ذلك، إلا أنه كان نادرا أن يصرح زعيم دولة إسلامية سنية بذلك، وهو ما كان له وقع كبير تسبب في تأزيم القطيعة بين المغرب وإيران التي كانت قد بدأت في سنة 1979.
وفي العهد الجديد لم يسلم الملك محمد السادس من تهجمات خامنئي مرشد إيران، فقد هاجم خامنئي الملك مباشرة على قناة عمومية إيرانية في سابقة لتعامل الزعماء الإيرانيين مع المغرب.
كرونولوجيا الخط الرسالي الإرهاصات الأولية :
تم إطلاق موقع إلكتروني باسم (ملتقى المغاربة) سنة 2001 بعد أحداث 11 شتنبر وأجرى حوارا مع السيد محمد حسين فضل الله، وقد تعرض الموقع للضرب من المغرب والبرازيل.
2003 : إطلاق موقع إلكتروني ثان اسمه (صوت الرسالة( ressali.net ، والذي ظهر عقب العمل الإرهابي في 16 ماي بالدار البيضاء، ونشر الموقع بيانا تنديديا من السيد فضل الله ضد اعتداء الدار البيضاء ومدريد، كما نشر حوارا معه سنة 2004 نفى فيه أن يكون هناك شيء اسمه ( المشروع الشيعي) بديل عن مشروع (المواطنة) الذي يناضل من أجله الشيعة بصفتهم المواطنية، كما نشر الموقع بيانا للسيد فضل الله أدان فيه اختطاف مواطنين مغربيين عاملين بالسفارة المغربية ببغداد من طرف الجماعة الإرهابية للزرقاوي ( التوحيد والجهاد(.
شتنبر 2007: بعد توقف الموقع نهاية سنة 2005 لأسباب ذاتية، تم التقدم بطلب تأسيس جمعية ثقافية في شتنبر 2007 تحمل اسم ( أنوار المودة) والتي امتنعت السلطات عن منحها الإيداع القانوني بعد أن عقدت جمعها العام بطنجة بحضور عون السلطة المحلية .
يناير 2008: التقدم بطلب إصدار جريدة وطنية حملت اسم (رؤى معاصرة) تم الترخيص لها فصدر منها عددان وتوقفت لأسباب ذاتية .
يونيو 2008: إطلاق موقع إلكتروني ثالث (رؤى معاصرة الإلكترونية) والذي استمر إلى نهاية 2009 .
20 مارس 2009 : تعرض رموز ( رؤى معاصرة) وأسرهم إلى جانب غيرهم من الشيعة المغاربة لحملة اعتقالات ومصادرة كتبهم عقب قطع العلاقات المغربية الإيرانية .
سابعا : الاكتفاء بأعمال فردية كنشر مقالات في مواقع ومجلات لبسط الرؤى والتصورات الرسالية خاصة ما تم نشره في جريدة (الدار الكويتية.)
التأسيس الرسالي :
19 يناير 2012 : تم إطلاق موقع ( الخط الرسالي) وتشكيل لجان مختلفة لأسرة الخط الرسالي، فأصبح الموقع منبرا لتمرير أدبياتهم ومواقفهم من مختلف القضايا الوطنية والخارجية .
شتنبر 2013 تقدم ( الخط الرسالي) بطلب تأسيس جمعية وطنية ( جمعية رساليون تقدميون) والذي رفضت السلطات المحلية بطنجة تسليم وصل التصريح بعقد جمع عام بدار الشباب بطنجة .
مارس 2014 تقدم ( الخط الرسالي) بطلب تأسيس مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر وهو ما تم فعلا .
يناير 2015: بعد عودة العلاقات المغربية الإيرانية وتعيين السفير الجديد أثيرت إعلاميا ومن قبل السلفيين ضجة كبيرة حول مؤسسة الخط الرسالي لمنعهم من إقامة احتفال بطنجة، وقد اكتفوا باجتماع واحتفال مصغر.
عصام حميدان *: الخط الرسالي قانوني في وجوده وتجاوز العرقلة الإدارية
أكد أنه لا يجب أن يزج بنا أحد في أي توترات إقليمية بدون سند قانوني من مجلس الأمن
– هل يشكل حصول الخط الرسالي على ترخيص من المحكمة التجارية لإقامة مؤسسة ثقافية بداية اعتراف؟
لابد من التذكير بوجود تناقض صارخ بين النص القانوني والسلوك الإداري، حيث لا يوجد شيء اسمه اعتراف لا في قانون الجمعيات ولا في قانون الأحزاب السياسية، فالمغرب من حيث النص القانوني يعمل بنظام التصريح المسبق وليس بنظام الترخيص، إذ على من ينوي تأسيس جمعية أو حزب سياسي أو إقامة مؤسسة ذات طبيعة تجارية أن يصرح بها ويجب على الإدارة تسليم المصرح وصلا يثبت ذلك..فالنص القانوني إيجابي وديمقراطي لكن السلوك الإداري يفرغ النص القانوني من محتواه حيث تمارس الإدارة شططا في استعمال السلطة فتمنح وصل الإيداع لمن شاءت وتمتنع عن إعطائه لمن شاءت وهذا ليس من حقها، بل من حق القضاء وحده بأن يفتحص مشروعية الجمعية والحزب والمؤسسة التجارية وهو قادر على حلها فيما لو تأكدت مخالفتها للقانون. إن الجمعية والحزب يتم إيداع ملفهما لدى السلطات المحلية التابعة لوزارة الداخلية، لذلك عادة ما تكون هناك عراقيل من هذا النوع، بينما المؤسسات المنبثقة عن القضاء التجاري لا تعاني من ذلك، لأن القضاء يتعامل مع النص القانوني وليس من خلال الهواجس الأمنية، لذلك نستطيع أن نقول إن الخط الرسالي قانوني في وجوده لكنه تجاوز العرقلة الإدارية بأن جعل نفسه تحت ولاية القضاء .
- لقد خلف حصولكم على الترخيص موجة انتقادات من طرف القوى السلفية كيف تنظرون إلى الحملة التي شنتها قوى سلفية ضدكم؟
إننا مغاربة ومواطنون، وليس من حق أي أحد أن يمنعنا من حقوقنا المدنية والسياسية بغض النظر عن معتقداتنا الفردية التي لا نلزم بها أحدا ..لذلك فالحملة التي شنها سلفيون من تيار المغراوي وآخرون ينتمون لحركة التوحيد والإصلاح لا معنى لها، ومن يرى أننا خالفنا الدستور أو القانون فليمارس حقه في الشكاية بطريقة قانونية وليترك منطق إثارة الغرائز الطائفية في الجمهور لأنه أسلوب مفلس يعبر عن ضيق أفق أصحابه.
- ما هو موقفكم من المشاركة المغربية في العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن؟
لم يصدر الخط الرسالي أي بيان أو موقف رسمي اتجاه مشاركة المغرب في الحرب باليمن ..وما أثير إعلاميا هو مواقف شخصية لأفراد من الخط الرسالي وأنا منهم، حيث أعتقد أننا لا يجب أن يزج بنا أحد في أي توترات إقليمية وبدون سند قانوني من مجلس الأمن تحت البند السابع، لأننا لا نريد لبلدنا أن يحارب نيابة عن الغير بذرائع غير واقعية وإرضاء فقط لدولة لها طموحات هيمنية على العرب والجامعة العربية استنادا على المال.
- إذا كنتم ضد الهجوم ألا تعتقدون أن هذا الموقف يضعكم أمام امتحان الولاء للوطن؟
كما قلت لكم ليس لدينا موقف رسمي حتى الآن ولا أجد في المواقف الشخصية أي تعارض مع الولاء للوطن، فهناك أحزاب سياسية لها الموقف نفسه ( الحزب الاشتراكي الموحد، حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، حزب النهج، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تيارات وشخصيات صوفية، فعاليات إسلامية ..) فهل كل هذه الأحزاب والتيارات لا ولاء لها للوطن؟! وهل معارضة الحكومة أمر مناقض للولاء الوطني؟! وهل رفض الشارع المغربي لدعم الملك الحسن الثاني للخليج في حربه على صدام كان منافيا للولاء الوطني؟! وهل رفض الشارع المغربي للعفو الملكي عن مغتصب أطفال بالقنيطرة كان منافيا للولاء الوطني؟! إن الأكثر ولاء للوطن هو من يحرص على عدم الزج بالوطن في معارك الغير، بينما أتباع المذهب الوهابي هم من يحرصون على جعل المغرب تابعا للغير، لأن ولاءهم لذلك الغير لا للوطن.
- هل يمارس الشيعة المغاربة طقوسهم بكل حرية دون مضايقات؟
ينبغي التوضيح هنا، الشيعة المغاربة ينطلقون من الإسلام عقيدة وشريعة، فإن كان المقصود بالطقوس هو زيارة أولياء الله الصالحين فهم في ذلك سواء مع الصوفية ..وإن كان المقصود أنهم يظهرون الحزن في العاشر من محرم على استشهاد سبط رسول الله (ص) فهذا واجب كل المسلمين المحبين لرسول الله وآله.. أما لو كان مقصودكم ضرب الرؤوس والظهور فله ما يماثله لدى بعض الطرق الصوفية (حمادشة) غير أن قسما كبيرا من الشيعة في العالم لا يقومون بهذه الأعمال ويحرم كبار المراجع (التطبير) لما يمثله من إضرار بالنفس وتوهين للمذهب، وحتى من لا يحرمه فلا يوجبه لقولهم إنه لا دليل على كونه ضررا معتدا به يؤدي إلى الهلاك. ونحن من الذين يعتقدون بحرمة ذلك. وباختصار شديد لا يوجد تضييق ولا ترخيص في هذا الجانب وهناك مبالغات وتهويلات يلجأ لها خصوم الشيعة لأجل حرمان المواطن من حرياته الدينية والمدنية والسياسية.
* عضو مجلس إدارة مؤسسة الخط الرسالي
الشيعة المغاربة يصفون «عاصفة الحزم» ب«الضربة الوهابية»
لم يترددوا في انتقاذ الموقف الرسمي للمغرب
انتقد الشيعة المغاربة، ممثلين في الخط الرسالي المشاركة المغربية في العملية العسكرية الدائرة ضد الحوثيين باليمن، ورغم غياب موقف رسمي للخط الرسالي، فقد عبر بعض القياديين داخل التيار نفسه عن استنكارهم الشديد ل»عاصفة الحزم»، التي وصفوها ب»الضربة الوهابية».
واعتبرت القيادات الشيعية ذاتها أن اليزيديين حكموا اليمن منذ 11 قرنا قبل ظهور الدعوة الوهابية بالجزيرة العربية مع مطلع القرن العشرين، ليتم معها تشتيت الوحدة العقائدية للشعوب المسلمة، وضرب الهوية الدينية الصوفية للمجتمع وبث الشقاق والفرقة بين المذاهب والتصورات، وذلك من خلال المخططات الاستخباراتية البريطانية التي كانت جاثمة على المنطقة العربية. كما طالت انتقادات الشيعة المغاربة الدعوة التي أطلقتها مجموعة من جمعيات المجتمع المدني المغربي، من أجل إعادة الشرعية لليمن واصفة إياها بالجمعيات التي تدعو إلى قتل الأبرياء.
وأكدت المصادر ذاتها أن ما يهم الشعوب اليوم ليس الحروب المذهبية أو الطائفية المقيتة، بقدر ما يهمها تشغيل أبنائها وضمان لقمة عيش كريمة في دولة تضمن الكرامة والحرية والعدل والمساواة للجميع في إطار الثوابت الدستورية المتعاقد بشأنها، مضيفة أن مجرد التعبير عن التضامن مع شعب فقير يتعرض للغزو، هو سقوط في امتحان الوطنية والولاء للدولة.
في السياق ذاته، يؤكد الباحث المتخصص في الشأن الديني منتصر حمادة، بأن الحرب الدائرة في اليمن أماطت اللثام عن البعد الطائفي للعديد من الفاعلين الدينيين، وخاصة التيار السلفي والشيعي، فالأول يحرر مقالات تشرعن شن الحرب، والثاني لا يسعه إلى أن يكون معارضاً للحرب، ما دامت هذه الأخيرة تستهدف تنظيما شيعياً أعلن الولاء الاستراتيجي والعقدي لطهران، الشيعة المغاربة والذين ينتمون إلى ما يُسمى «الخط الرسالي» لم يخرجوا عن هذه القاعدة، وبدت مواقفهم صريحة في مواقع التواصل الاجتماعي على الخصوص، سواء كانوا يوقعون بأسماء حقيقية أو أسماء مستعارة، وقد تم إطلاق صفحات تطالب بوقف الحرب على الحوثيين في اليمن، ولو أنه يتم تغليف هذه المبادرات بمواقف سياسية أو أخلاقية. والملاحظ أن التأسيس على هذه المواقف يواجه الشيعة المغاربة قبل غيرهم، خاصة إذا استحضرنا القمع الذي طال الأقلية السنية في إيران، بل إن القمع الذي طال السنة في إيران على عهد الخميني، لا نجد له مثلاً على عهد الشاه، وحتى حدود اللحظة، لم نقرأ لأي تيار شيعي مغربي، أو فاعل شيعي مغربي، في داخل أو خارج المغرب (بلجيكا على الخصوص)، تنديداً بهذا القمع الممتد من ثورة 1979
الخط الرسالي المغربي الذي يراهن كثيراً على خطاب «الأنسنة» و»التقريب بين المذاهب»، طبق الصمت عن هذا القمع، ومقابل ذلك-يضيف منتصر حمادة-، يعارض من منظور طائفي الحرب على الحوثيين في اليمن، ويتحدث اليوم عن إمكانية نقل معركة الاعتراف به إلى الخارج، من أجل الضغط على السلطات المغربية، ومع هذه الوقائع، ومن الطبيعي في هذه الحالة، أن يعلن عن تضامنه مع الحوثيين في اليمن، من داخل المرجعية الطائفية.
المغرب يقصف شيعة اليمن
إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي، يشارك كل من المغرب وباكستان والسودان في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية مع حلفائها ضد الحوثيين في اليمن، ورغم أن هذه الدول تبدو للوهلة الأولى غير معنية على الأقل جغرافيا بهذا النزاع الذي يصفه البعض بالطائفي، إلا أن لكل دولة حساباتها السياسية والاستراتيجية، التي جعلتها تتخذ قرار المشاركة في «عاصفة الحزم.».
وقد أثارت مشاركة المغرب في العملية العسكرية «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن جدلا واسعا لدى الأوساط العربية والدولية، التي تساءل البعض منها عن الأسباب التي دفعت المغرب، البعيد جغرافيا، عن اليمن وإيران، إلى خوض غمار هذه العملية، في حين كان بالإمكان الاكتفاء بإعلان التأييد وتقديم الدعم اللوجستي. تساؤل حاولت مجلة «بانورا بوست» المغربية، الإجابة عليه في تقرير أخير سلط الضوء على أبرز الدوافع التي كانت وراء مشاركة المغرب في العملية العسكرية
وتنقسم هذه الأسباب وفق التقرير إلى جزء يشترك فيه المغرب مع الدول الأخرى المشاركة في التحالف وجزء خاص بالداخل المغربي وعلاقته بما يجري في اليمن والمنطقة والاستفزازات الإيرانية بالتحديد.
وعلى غرار مصر وباكستان والأردن ودول الخليج العربي تأتي المشاركة المغربية في عملية «عاصفة الحزم»، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية المغربية «من منطلق دعم الشرعية في اليمن والتضامن مع مناصريها، والالتزام الموصول بالدفاع عن أمن المملكة العربية السعودية، وبقية دول مجلس التعاون الخليجي الذي تجمعه بالمملكة المغربية شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد».
عبد الله الرامي*: لولا ضغط السلفيين وتغطية إعلامية واسعة لتساهلت السلطات مع أنشطة المتشيعين
– ما مدى جدية الحديث عن حضور المد الشيعي في المغرب؟
إن التشيع بالمغرب حالة تعبوية معنوية غير منظمة أو ممنهجة أو مؤطرة، وهي منكمشة على ذاتها ولا تمتلك مرجعية أو قيادة موحدة. إن الظاهرة في أحسن أحوالها شبكة علاقات عقدية وعاطفية غير شكلية أو مجموعات صغيرة تفتقد إلى التنسيق المهيكل. وللتوضيح، فإن القطاع الكبير من النشاط الشيعي المغربي يوجد بالخارج وعلى الخصوص ببلجيكا وهولندا، حيث الحراك هناك منظم وهو في تصاعد ويتشابك مع الحالة الشيعية المحلية ويدعمها.
لكن على الرغم من هذا الوضع، فإن الحالة عرفت في فترات متفرقة بعض المبادرات التنسيقية ومحاولات التجميع من أجل تحقيق موطئ قدم وتنظيم حضور الحالة على الصعيد الوطني. وتعتبر محاولة إنشاء «حزب الله المغربي»في الثمانينيات ثم أواخر التسعينيات من القرن الماضي، ثم «مشروع المودة» الذي طرح في سنة 2006 من أهم تلك المشاريع. فضلا عن بروز مبادرات متواضعة طرحت ابتداء من الألفية الثالثة وجميعها كانت تعتمد على مجهودات فردية، كالمطالبة بإنشاء جمعيات ثقافية ومحاولة دمج العناصر المتشيعة في إطار «حزب الفضيلة الإسلامي» وغيرها من المبادرات.
– هل من رسائل وراء الترخيص التجاري للقضاء المغربي لمؤسسة يسيرها شيعة مغاربة؟
أعتقد أن الجهة التي قدمت الترخيص لا تنبش في الخلفيات العقدية للناس، فهذا الأمر لا يهمها ولا هو وارد في علمها، بخلاف الجهات الحريصة على ذلك، كالسلطات الأمنية مثلا..فبالتالي من الناحية التقنية هذا أمر وارد وحدث طبيعي، لكن عودة المتشيعين بفعالية بمدينة طنجة وإعلان استعداداتهم العلنية لإجراء أنشطة ثقافية ودينية، دون ضغط أو منع أو حصار من السلطات كما هو معهود، هذا الأمر هو الذي يمكن أن نعده كنوع من التطبيع مع المتشيعين المغاربة ونعتبره ترجمة عملية لإعادة العلاقة مع إيران..ونعتقد أنه لولا جرأة المتشيعين الزائدة عن الحد وما صاحب ذلك من تغطية إعلامية واسعة وضغط الجماعات الإسلامية وعلى الخصوص السلفيين، لتساهلت السلطات على أنشطة المتشيعين وغضت الطرف وربما لمكنتهم من ممارسة بعض الأنشطة بطريقة شرعية وقانونية..ما نعلمه من الناحية الاستراتيجية أن المغرب حريص كل الحرص على أن يعيد علاقته بإيران كما سابق عهدها، خصوصا بعد الانفتاح غير المسبوق لأمريكا على نظام الخميني من خلال المفاوضات النووية الجارية، إضافة إلى محاولة دفع الأضرار التي لحقت بالفعل أو من الممكن أن تلحق بالمغرب من جراء ترسخ العلاقة الاسترتيجية بين إيران والجزائر،.. وفي هذا الصدد أشير إلى أن اختراق المخابرات الجزائرية التقني للوزارة الخارجية المغربية يحمل بصمات الخبرة التقنية الإيرانية في هذا المجال…إجمالا إن الحالة الشيعية بالمغرب هي ورقة بيد الدولة من خلالها ترسل إشاراتها إلى النظام الإيراني الذي يمثل العمق الاستراتيجي لكل الشيعة بما فيهم من هم خصوم لها أو لا يتبعون مرجعيتها.
– إلى أي حد يمكن أن ترتبط مواقف الدولة من شيعة المغاربة بالسياق الدولي، مثلا انفراج في ملف النووي الإيراني، مشاركة المغرب في التحالف العربي ضد الحوثيين؟
ينبغي الإقرار في البدء بأن عملية التحول المذهبي و»التبشير» الشيعي، تتم في معظم الأحيان بشكل تلقائي وقد تعتمد على مجهود ذاتي فردي مستقل. إلا أن الظاهرة في عمومها هي حالة مرتبطة عاطفيا ودينيا واستراتيجيا، وإلى حد ما عضويا بمحاور وجهات في الخارج. ومن المنظور الجيوسياسي من المرجح أن إيران تسعى لنشر شبكة تأثيرها على كثير من المساحات في داخل الدول من أجل تعزيز نفوذها الإقليمي أو تصفية حساباتها مع أطراف منافسة..لذا فإدراكا من المغرب لهذا الواقع وللبعد الجيو سياسي للظاهرة الشيعية المستحدثة فهو يقوم بدوره بتوظيفها لمخاطبة المعنيين بالخارج والسعي من خلالها لحلحلة موضوع ما أو الضغط أو الاستثمار، يكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن قطع المغرب العلاقة مع إيران وما صاحبه من ضغط على المتشيعين جاء في أجواء حرب باردة بين أمريكا وإيران وارتفاع سعر البترول في الأسواق بشكل قياسي، وقد اتخذ القرار كما هو معلوم بتنسيق مع السعودية التي كافأت المغرب نتيجة ذلك بالملايين من الدولارات وبراميل البترول..اليوم علاقة السلطات مع المتشيعين المغاربة معلقة بين نتيجة المفاوضات الإيرانية مع الغرب وتداعيات أزمة اليمن على علاقة إيران مع ما يسمى الحلف السني الذي هو في طور التشكيل، ولا ننسى موازين القوى المذهبية والسياسية في كل من العراق وسوريا.. إذن لا توقعات مسبقة لكيفية تعاطي الدولة مع الشيعة ضمن هذا السياق الإقليمي والدولي وسوف ننتظر ما ستتمخض عليه توازنات القوى في الشرق الأوسط لنبني على الشيء مقتضاه.
* باحث سياسي ومتخصص في الحركات الإسلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.