يبدو أن الاصطفاف الطائفي والمذهبي الذي تعرفه منطقة الشرق الأوسط وحولها إلى بؤرة تطاحن دموي بين السنة من جهة وبين المد الشيعي من جهة أخرى قد بدأ يرخي بظلاله على المغرب من خلال بروز تجاذب قوي بين العديد من الدعاة والشيوخ السلفيين وبعض المنتسبين للتيار الشيعي ببلادنا على خلفية منح السلطات بمدينة طنجة رخصة لإحداث مؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والأبحاث" ذات التوجه الشيعي الواضح. وبلغ الاصطفاف ذروته من خلال التلاسن الذي أخذ منعطفا حادا بين الفريقين، حيث استنكرت مؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والأبحاث" ، في بيان لها، ما وصفته بحملات التكفير والتحريض التي طالتها من طرف بعض الشيوخ المغاربة، وكل الخطابات التي تدعو إلى الكراهية، وزرع بذور الفتنة والتفرقة بين المواطنين" ، مضيفة في بيانها أن خطابات الكراهية والعنف، لا تمت إلى الإسلام بصلة، ولا تتماشى ومقتضيات الدستور، وتناقض القانون"، موجهة سهام نقدها لمن أسمتهم بالشيوخ دون ذكر أسمائهم في ما نعتته ب "تحريضات" يقومون بها تعتبر تجاوزا لحدودهم، وتحريضا على فئة من المواطنين بتكفيرهم، والدعوة لحرمانهم من حقوقهم المدنية ". وتعليقا منه على الموضوع، اعتبر الشيخ حسن الكتاني،أحد رموز السلفية بالمغرب، أن ترخيص السلطات لمؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والأبحاث" يعد تطورا خطيرا، وذلك لأن مؤسسة مثل هذه تقوم على نشر الفكر الشيعي غير الموجود أصلا في المغرب ، مؤكدا على أن وجود السنة إلى جانب الشيعة خلق فتنا عظيمة ظل المغرب في منأى عنها. وتساءل الكتاني،في تصريح للعلم، أين سنصل؟ لقد سمعت أن أهل طنجة يقومون بتوزيع عرائض تطالب بالحل الفوري لهذه المؤسسة، ويستنكرون الترخيص لها أصلا، لا يمكن أن نقبل بهذا الفكر الدخيل علينا، فهو فكر منحرف وضال يقوم على سب الصحابة وأئمة الإسلام،معبرا عن خشيته من أن يكون قرار الترخيص للخط الرسالي وراءه إرادة دولية لما وصفه بمواجهة النمو السني،وهذا ليس في مصلحة أحد على كل حال. من جانبه، أكد الباحث كريم الغزالي، الباحث في الفكر السياسي والإسلامي ، والمسؤول عن موقع المواطن الرسالي، أن الترخيص لمؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والأبحاث" تم بمقتضى القانون التجاري وليس وفق ظهير الحريات المنظم لتأسيس الجمعيات، مؤكدا أنها مؤسسة ذات نفع مادي وليست مؤسسة سياسية أو مدنية أو جمعوية أو نقابية، ولا مبرر لكل هذه الضجة المثارة حولها. وحول سياق التأسيس ودواعيه في هذه الفترة تحديدا،أوضح الغزالي، وهو شيعي مغربي من وجدة، في تصريح للعلم، أن السياق العام الذي جاء فيه إحداث الخط الرسالي هو سياق طبيعي جدا،نافيا أن يكون التصريح لها تم في سياق الحديث عن التقارب المغربي الإيراني، حيث أكد في تصريحه أنه لو كان الأمر كذلك لسلمتنا السلطات الترخيص بإصدار جريدة "صوت المواطن" التي وضعنا بشأنها ملفا لدى السلطات منذ 26 ماي 2014 ولا زلنا لم نتلق أي جواب يذكر. وجوابا على منتقدي ما يسمى بالخط الرسالي، اعتبر الغزالي أن هذه الانتقادات لا تقوم على أي أساس، مشددا على أن الاحتكام الأول والأخير هو للدستور ولقوانين المملكة التي تضمن للمواطن حرية المعتقد وحرية التعبير، مشيرا إلى أن هناك غبش وعدم وضوح في الرؤية لدى المنتقدين، وهو ما يعكس خطابا إقصائيا وتكفيريا حسب وصفه، مضيفا أن كل ما يقال يدخل في إطار إثارة ما وصفها بيالنعرات الطائفية التي يروج لها من نعتهم ب"الدواعش" هنا وهناك. ومن جانبه، عبر منتصر حمادة، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عن اعتقاده بأن الأسئلة المرتبطة باعتراف الدولة الأخير بتيار "الخط الرسالي"، أكبر من الأجوبة والقراءات التي تم تداولها خلال الآونة الأخيرة، بما في ذلك القراءات التي تربط بين هذا الاعتراف والتقارب المغربي الإيراني مؤخراً، أو القراءات التي تربط بين هذا الاعتراف بالتيار والحضور اللافت للتيارات السلفية في شمال مغرب، وخاصة في طنجة وتطوان ومارتيل، أي المدن التي ينحدر منها العديد من "الداعشيين" المغاربة. وأوضح منتصر في تصريح للعلم أن ما يسمى بتيار الخط الرسالي هو تيار متواضع تنظيمياً، ولا يمثل إلا بعض الفاعلين الشيعة المغاربة من الذين ينشطون أساسا في مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من الواقع المادي، كما أنه تيار شيعي يعاني من صراعات حول الزعامة الوجاهة التي يسعى إليها أحد رموزه، وهو المحامي الشيعي عاصم احميدان. كما لاحظ الباحث تبني التيار لخطاب طائفي دون الإفصاح عن ذلك، عازيا مشكل التعامل مع الشيعة والتشيع في الساحة العربية، بالاصطدام بمأزق التقية التي تخول للفاعل الشيعي، عدم الكشف والإعلان عن مواقفه العقدية والمذهبية من أنماط التدين غير الشيعية، من باب الانتصار للمرجعية "الإنسانية" و"الرسالة"، رغم تأكيد أحد رموز التيار (على قلة الأتباع)، أن "الخط الرسالي بالمغرب" يقدم نفسه كحالة إسلامية متنوعة الروافد، بحيث أنه لا يتخندق في التصنيفات الطائفية"، والحال أن رؤية عامة وخاصة المغرب لموضوع التشيع لا تخرج عن التعامل مع ظاهرة دينية طائفية بامتياز، وهذا ما أكدته مواقف شيعة إيران وشيعة العرب من أحداث الساحة العربية خلال السنين الأخيرة (نخص بالذكر أحداث لبنان والعراق وسوريا ومؤخراً اليمن). مضيفا أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار مقتضى الولاء العقدي والمذهبي للشيعة العرب، منذ القِدم حتى اليوم، ونقصد بذلك الولاء المطلق لمؤسسة "ولاية الفقيه" هناك في إيران، وليس الولاء لمصالح الدولة الوطنية، هنا أو هناك في الوطن العربي والعالم الإسلامي، فالشيعي كما يؤكد منتصر ، داخل وخارج إيران، الذي لا يؤمن بمنظومة "ولاية الفقيه" ، لا يعتبر شيعياً من وجهة نظر "آيات الله" هناك في الحوزات الإيرانية والعراقية، منوها إلى أن هذا المأزق العقدي،يعد لوحده عائقاً نفسيا ووجدانيا يحول دون أن يجد هؤلاء الشيعة المغاربة قابلية للانتشار والاحتضان من طرف عامة وخاصة المغاربة، وذلك اعتبارا إلى أن هذه القابلية لعدم احتضان هؤلاء لدى المغاربة، تزداد تضخماً عندما نستحضر قلاقل سب الصحابة وأمهات المؤمنين، ومن هنا دلالات ردود أفعال العديد من الإسلاميين (من التيار السلفي والإخواني) في المغرب، على هامش صدور هذا الاعتراف. وفي تصريح مماثل، استعرض د. محمد البوشيخي، الباحث في ملف التشيع ، كرونولجيا ترصد مسار تطور ما يعرف بالخط الرسالي بالمغرب، منوها إلى أن الأمر يتعلق بموقع الكتروني شيعي أسس في يناير من سنة 2012، حيث أنه خلال مدة الثلاث سنوات الأخيرة حقق الموقع نقلة نوعية على مستوى الخطاب من أجل نيل الاعتراف القانوني وتطبيع موقعه في المجتمع. وأضاف البوشيخي، الذي يتهيأ لإصدار تقرير عن الحالة الدينية بالمغرب، في تصريح للعلم، أن نقلة الخط الرسالي عبر موقعه المذكور تجسدت في الميل نحو التخلص من وطئ المرجعية، وهو ميل لا يبرره فقط رحيل المرجع اللبناني محمد حسين فضل الله سنة 2006، الذي كان ينتسب إليه أعضاؤه المؤسسون، بل أيضا لرغبة الموقع في ضم فعاليات شيعية لا تؤمن بمرجعية فضل الله أو لا تؤمن بالمرجعية أصلا،ناهيك عن ميلهم نحو تقديم أنفسهم كمحبي "آل البيت" بدلا من تسمية "التشيع والشيعة" لما لها من دلالة طائفية بل قدحية لدى عموم أوساط الشعب المغربي لربطها التلقائي بسب الصحابة والعمالة لإيران، مضيفا أن نقلة الخط الرسالي أيضا اتجهت نحو فتح حوار مع عدد من التنظيمات الحزبية للانضمام إلى هياكلها خصوصا حزب "الديمقراطيين الجدد" وحزب "الاشتراكي الموحد". وجوابا عن سؤال الخلفيات الحقيقية التي تقف وراء السماح للخط الرسالي بممارسة نشاطه داخل التراب الوطني،وإن بشكل محتشم، قال البوشيخي أن الترخيص لهذه المؤسسة سيمكن من قياس درجة التفاعل مع الملف الشيعي سواء من لدن السلطة أو من لدن الفعاليات الرافضة لكل تطبيع مع الحالة الشيعية في المغرب البلد السني المالكي، مردفا أنه يمكن قراءة التطور الأخير المتعلق ب "مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر" كإجراء "وسطي" ، فالسلطة سمحت لهم بإطار قانوني يجمعهم، لكنه إطار ينظمه القانون التجاري وليس قانون الجمعيات والحريات العامة، موضحا أن السلطات سمحت لهم بتوظيف تسمية "الخط الرسالي" رغم دلالتها الشيعية فضلا عن تطابقه مع اسم موقعهم الالكتروني، ليخلص إلى أن شيعة الخط الرسالي قد أدركوا قيمة هذه الخطوة مؤخرا بعد أن تم تجاهلها في وقت سابق، إذ أن الترخيص للمؤسسة ليس وليد اللحظة بل يعود إلى فبراير من السنة الماضية وكل ما وقع مؤخرا هو تحويل مقرها من فاس، حيث نالت الترخيص، إلى طنجة التي يتواجد بها غالبية العناصر النشيطة في الخط الرسالي.