من قلب مساجد الشيعة المغاربة في بلجيكا، تكشف «المساء» في هذا التحقيق، حقائقَ مثيرة عن مهاجرين مغاربة اعتنقوا التشيّع ودرسوا في الحوزات الدينية في إيران، وتحاور آخرين لا يرون أي تعارض بين الإسلام المغربي والتشيّع، كما تنقل آراء خطباء مغاربة سنيين يقولون إن التشيع أخطر على المغرب من الصهيونية.. الجمعة، 14 محرم 1433. أربعة أيام مضت على ذكرى عاشوراء، التي يُخلّدها الشيعة بالبكاء والنحيب ولطم الخدود وجلد الذات.. حزنا على الحسين، ابن علي، الذي قُتِل في كربلاء في العراق يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة. خطيب الجمعة في مسجد الغفران في منطقة أندرلخت في العاصمة البلجيكية بروكسيل يقول: «إن خطر الشيعة والتشيع على الأمة الإسلامية وعلى أبناء الجالية المغربية أشدّ من خطر اليهود الصهاينة»!.. لا حديث في مقاهي شارع «ستالينغراد»، الذي يعج بمحلات المغاربة من مقاهٍ ومطاعم ومكتبات، إلا عن خطبة الجمعة هاته. مسجد ليس كبقية المساجد «المساء» اختارت أن تحضر صلاة الجمعة في قلب مسجد الرحمان، الشيعي في شارع «جورج مورو»، غير بعيد عن مقر القنصلية العامة للمملكة المغربية في بروكسيل. سأل مبعوث «المساء» شيخا ستينيا بلباس مغربي عن المسجد الشيعي للمغاربة، فأشار بأصبعه إلى نهاية الشارع، وهو يقول: «هادوك راهوم مْخارْبة ماشي مْغاربة».. في مدخل المسجد، لافتة كتب عليها «السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين». في قاعة الصلاة، مصلون يؤدون تحية المسجد، بعضهم يسجدون فوق حجر صغير وآخرون يضعون جباههم مباشرة فوق البساط الأخضر. «من غير الجائز في الدين أن يضع مسلم جبهته، أثناء السجود، فوق ما يُؤكل وما يُلبَس، والزرابي مصنوعة مما يُلبس»، يشرح مهاجر شيعيّ من تطوان، ويعلق فؤاد أحيدار، وهو برلماني بلجيكي من أصول مغربية، عن الحزب الاشتراكي الفلاماني، مازحا: «أن تسجد على حجر خاص بك خير من السجود فوق «موكيط» تفوح منه رائحة الأرجل».. أسفل المنبر، جلس القرفصاء شيخ ثمانينيّ بجلباب أبيض، بدأ يُحدّث المُصلّين في انتظار قدوم الخطيب، قال بدارجة مغربية: «إن اثنتين من نساء الرسول، صلى الله عليه وعلى آله، قد تزوجتا بعد وفاته، رغم أن القرآن يقول: «وما كانَ لكم أن تُؤذوا رسولَ اللهِ ولا أن تَنكِحوا أَزواجَه مِن بعدِه أبداً إنّ ذلكم كان عندَ اللهِ عظيما»، أما الزوجة الثالثة فلن أتحدث عنها، وأنتم تعرفون ما الذي فعلتْه». كان يقصد زوجة الرسول عائشة بنت أبي بكر. صعد الخطيب إلى المنبر فعاد الشيخ بين صفوف المُصلّين. المنبر عبارة عن شرفة نصف دائرية تَحُفُّها لافتة سوداء كُتِب عليها بالأحمر: «يا حسين». على يسار المنبر، نقش بجبص مُذهّب: «إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس آل البيت ويُطهّركم تطهيرا». لم تخْلُ خطبة الجمعة التي ألقاها الخطيب محمد بلخيضر، وهو فقيه مغربي من مدينة طنجة، من حثِّ المصلين على «فضح كل المنافقين الذين عاشوا قريبين من الرسول، صلى الله عليه وعلى آله، ثم ما فتئوا أن انقلبوا على آل بيته وقتلوهم». كان الشيخ محمد بلخيضر ينفعل في بعض المقاطع فينطق بدارجة شمالية قحة: «راهوم كيْعطيو لْولادنا القرقوبي وكيعلموهومْ بزّاف د الكذب والمغالطات». مَن هؤلاء الذين يخدرون أبناء المغاربة والمهاجرين ب «القرقوبي»؟ لا يجيب الشيخ محمد ولكنه يستطرد قائلا إن مثل «هؤلاء الذين يُزوّرون التاريخ الإسلامي هم الذين تسببوا للعديد من المسلمين في ترديد مقولة ماركس: «الدين أفيون الشعوب». يصمت الشيخ محمد لبرهة، ويعود ليشعل المسجد حماسا وهو يردد: «صلّوا على رسول الله وآله»، فيُردّد المُصَلّون بصوت واحد وبنبرة شرقية: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد». ينتقل الشيخ محمد إلى مرحلة إقناع مستمعيه بأن «فضح المنافقين وقتلة آل البيت واجب شرعي على كل مسلم، ويؤكده القرآن من خلال الحديث عن زوجة نوح، التي عصت زوجها، وزوجة لوط وأبناء النبي يعقوب، الذين حاولوا قتل أخيهم يوسف». مَن هؤلاء القتلة والمنافقين في تاريخ الإسلام الذين يستوجب فضحهم، تسأل «المساء» الشيخ محمد بن خيدر، بعد انتهاء الصلاة فيجيب: «هم الفئة الباغية التي تَحدّث عنها الرسول في حديثه إلى عمار بن ياسر حين قال: ستقتلك الفئة الباغية يا عمار». ومن هو زعيم هذه الفئة الباغية؟ يجيب خطيب مسجد الرحمان، بدم بارد: «هو معاوية بن أبي سفيان»!.. حكى الشيخ محمد بلخيضر خطيب مسجد الرحمان الشيعي، الذي صعد المنبر بجلبابه المغربي، ل«المساء» قصة تشيعه، بقوله: «لقد جئت من المغرب إلى بلجيكا سنة 1983 سُنّيا، ووجدت التشيع في تكويني وثقافتي المغربية، فأمي كانت تذهب بي إلى مولاي عبد السلام بن مشيش لحفظ القرآن، وعندما درستُ سيرة هذا الولي وجدتُه من آل البيت، كما كانت أمي تأخذني إلى ضريح الإمام إدريس، ل«الزيارة». عندما جئت إلى بلجيكا، سنة 1983، كان والدي قد سبقني إلى هنا. كان والدي عضوا في رابطة علماء المغرب، بقيادة المرحوم الشيخ المكّي الناصري، كما كان صوفيا من أتباع الشيخ بنعجيبة. ولم يمض وقت طويل حتى أخذتُ أنوب عن والدي في الخطابة، فكنت متأثرا بعلماء بلدتي في طنجة من آل الصديق، وهم الحافظ سيدي أحمد والحافظ سيدي عبد الله والحافظ سيدي الحسن.. بدأت أتحدث عن آل البيت وفضائلهم فوجدت من يرميني بالتشيّع، وهذا كان دافعي إلى دراسة الشيعة وفكرهم، بخلفية أنه إذا كان هؤلاء الناس على حق فنحن أَولى بإظهار هذا الحق، وإذا كانوا على باطل فالمنبر يدعونا إلى إماطة اللثام عن الباطل، لكي لا نترك أبناء جاليتنا ينساقون وراءه. جعلني هذا البحث الذي قمت به أعطف على الشيعة، وسرى بين الناس أنني شيعي». يرفع الشيخ محمد بلخيضر من نبرة صوته ويستطرد في الحديث: «المغاربة يدرسون الفكر الإسلامي، فلماذا لا يدرسون فكر الشيعة، وهم أقرب إلى فكر الشيعة منهم إلى فكر ابن تيمية وأمثاله؟.. المغاربة، إذا جاءت مسألة الزيارة ومسألة الذكر الجماعي وحب آل البيت.. كل هذا يتفق مع المدارس الشيعية وهو موجود في المغرب. أنا أعتبر أن كل مسلم مغربي مُرحَّب به في مسجدي، سواء كان صوفيا أو مالكيا أو وهابيا، وأقول لشباب الجالية المغربية: أنا أعلّمكم كيف تصلون إلى الحق ولا ألقّنكم ما أعتقد به، لذلك لن تستطيع أن تأتيني بشخص يقول إنني شيَّعته أو جعلته سُنّيا، لأنني أعمل بالمنطق الصيني: لا تُعطِني سمكة ولكنْ علّمني كيف أصطادها». يود أن يقول شيئا ثم يعذل عنه، قبل أن يضيف: «نحن في بلد يحكمه الفكر الليبرالي، وإذا كنتم ترون في المغرب أن هناك تزايدا في أعاد المتشيعين هنا في بروكسيل ومنها يدخل التشيع إلى المغرب، كما يقال، فإننا لا نرى الأمر كذلك، لأننا وجدنا هنا الباب مفتوحا لخيارات عدة، وليس محددا في مذهب بعينه، كما هو الشأن في المغرب، لذلك اخترنا أن نكون سُنّيين لكنْ متشيعين للنصوص الواردة في آل البيت». أما الشيخ محمد التجكاني، رئيس رابطة الأئمة في بلجيكا، وخطيب مسجد الخليل بحي مونلبيك في بروكسيل، والذي يعتبر من أقدم الخطباء المغاربة السنة في بلجيكا، فقال، في لقائه ب«المساء»، إنه كان شاهدا على البدايات الأولى لتحول أفراد من الجالية المغربية في بلجيكا نحو التشيّع وإنه لا يعتبر أن الأسباب الأولى لتشيّع المغاربة في بلجيكا هي محبة آل البيت، بل كانت دوافع سياسية. «بعد انتصار الثورة الإيرانية سنة 1979، التي رفعت شعار الثورة الإسلامية وليس الثورة الشيعية، تعاطف معها المغاربة على اعتبار أنها ثورة بديلة جاءت ضد قوى الاستكبار الغربية، بقيادة أمريكا التي أطلقت عليها إيران لقب «الشيطان الأكبر»، وضد الاتحاد السوفياتي، وأنها جاءت لإعلاء كلمة الإسلام وتحرير فلسطين. وقد كان ذلك تشيّعاً عاطفيا».. المرحلة الثانية من تشيع المغاربة في بلجيكا بدأت باستقطاب بعض مثقفي وفقهاء السنة بالمال». عن هذا الأمر حكى ل«المساء» خطيب بارز في بروكسيل، التمس عدم ذكر اسمه، كيف أن جهات شيعية عرضت عليه، في أواسط الثمانينيات، مبالغ مالية جد مغرية مقابل إعلان تشيّعه: «كانت لي مع شيعة بروكسيل سجالات طويلة، خاصة في بداية ظهور هذا التيار، إلى أن بدؤوا يرسلون إلي وفودا لأجْل «استقطابي» إلى التشيع. كنتُ، حينها، أتقاضى ما مقداره 7000 فرنك بلجيكي، مقابل خطابتي في أحد مساجد بروكسيل، فعرضوا عليّ مبلغ 100 ألف فرنك بلجيكي كراتب شهري، أي ما يعادل الآن 3000 أورو، وكان هذا المبلغ حينها كفيلا بشراء منزل في بلجيكا.. لكنني رفضت وكان رفضي مبدئيا، لأنني أعرف الدوافع التي تقوم عليها المذاهب الشيعية، وأخطرها أنها تستبيح دماء السُّنّة، بل تعتبر قتل السنّي أحبَّ إلى الله من قتل الصهيوني.. وهذا مدون في كتاب «الكافي»، الذي هو بمثابة صحيحي البخاري ومسلم عندنا، نحن السنة.. وعندهم، أيضا، أن دماء أهل السنة أحطّ من دماء حيوان».. والخطير، يضيف هذا الفقيه، هو أن «الشيعة يستدرجون الناس بداية بمحبة آل البيت، ثم يتدرجون إلى القول إن آل البيت ظُلِموا، ثم يخلصون إلى أن معاوية سلب المُلك من عليّ، ويَصِلون إلى أن يقولوا عن الصحابة إنهم مُرتدّون، باستثناء عدد قليل منهم. ثم ينتهون إلى أن القرآن مُزوَّر وإلى أن المصحف الفاطمي هو الذي لم يطله التزوير، وهذا المصحف، حسبهم، لن يظهر إلا بظهور الإمام المهدي، الذي يعتقدون أنه وُلِد واختفى في السرداب، وينتظرون ظهوره كل يوم جمعة».. الشيخ عبد الله الدهدوه، وهو وجه شيعيّ بارز في بروكسيل، يتفق، على ربط ظهور التشيع في بلجيكا بانتصار الثورة الإيرانية، مع الشيخ التجكاني، السني، أكثر مما يتفق مع زميله في التشيّع، محمد بن خيدر، الذي يركز على أن انتشار التّشيُّع وسط الجالية المغربية في بلجيكا مرده إلى محبة آل البيت. يقول الدهدوه: «نحن كبرنا هنا في بلجيكا، ولم تكن لنا ثقافة مالكية أو صوفية، كما هو عليه الأمر في المغرب.. صحيح أننا كنا سنة «بالوراثة»، إلا أنه مع انتصار الثورة الإيرانية في بداية الثمانينيات، لم يكن أكثر المغاربة الذين تشيّعوا يعرفون أي شيء عن ولاية الفقيه. لكنهم انحازوا إلى إيران، لأن الثورة أنشأت الجمهورية الإسلامية وليس الجمهورية الشيعية». ثم يضيف: «كان المغاربة الذين تشيعوا بداية من الثمانينيات بُسطاء في تفكيرهم، لم يكونوا يفقهون في المذهب المالكي، وكان تشيعهم ردَّ فعل على التهميش والإقصاء والظلم، كما هو الأمر بالنسبة إلى الشباب الذين يعتنقون المذاهب السلفية الآن في المغرب. القيٍّمون عن الشأن الديني في المغرب يقولون إن الشعب مع المذهب المالكي؟ إنهم يكذبون، فالعديد من المغاربة يتّبعون هذا المذهب من دون معرفة ولا اختيار». الشيخ محمد بلخيضر، خطيب مسجد الرحمان الشيعي، يقول إن انتصار الثورة الإيرانية لم يكن ليؤثر في الإسلام المغربي، لأن المغرب سابق على إيران في ما يتعلق بمحبة آل البيت، ويستشهد بلخيضر على ذلك بما قاله المرجع الشيعي الإيراني الشيخ النعماني: «عندما استدعى الملك الحسن الثاني الأستاذَ النعماني، وهو تلميذ للإمام الخميني، لإلقاء درس حسني كان عنوانه «إنما يريد الله ليُذهِب عنكم الرجس آل البيت ويُطهّركم تطهيرا»، قال الأستاذ العماني حينها للملك الحسن الثاني: «هذه بضاعتكم رُدّت إليكم»، يقصد الحسن الثاني والعلويين المتحدرين من آل البيت. ثم يضيف الشيخ بلخيضر: «بالمناسبة، أقول للذين يريدون الاصطياد في الماء العكر: نحن لدينا أمير لا يخشى من الشيعة، فقد استدعى تلميذا للخميني وأجلسه أمامه وأمام القوى السياسية للبلاد وقادة الجيش واستمع إلى تشيُّعه».. التشيع الثاني يحكي الشيخ عبد الله الدهدوه، الذي التقته «المساء» داخل «مسجد الرضا»، الشيعيى، الكائن في شارع الدكتور ديميسمان في قلب بروكسيل: «تشيّعتُ وعمري 23 سنة، وبعد أربع سنوات، ذهبت للدراسة في قم في إيران، وهناك اطّلعتُ على الفكر الشيعي بعمق». «تصدير الشباب للدراسة في إيران» يعتبره الشيخ السني محمد التجكاني أخطرَ أشكال الاستقطاب، حين يقول: «السبب الأخطر هو استدعاء بعض الشباب للدراسة في مدارس الشيعة في إيران وسوريا ولبنان وتأمين النفقات والمِنح لهم في دراستهم، إضافة إلى السكن وزواج المتعة.. هذا الاستقطاب يؤرق المخلصين لهذه الأمة، خصوصا عندما يرَوْن أن هناك ميزانية خاصة للترويج للفكر الشيعي بين أبناء الجالية في أوربا، أمام شبه غياب لدعم المحور السنّي». بين رؤية الفقيه السني ونظيره الشيعي، استقت «المساء» وجهة نظر سياسية. البرلماني فؤاد أحيدار عن الحزب الاشتراكي الفلاماني، الذي قارب مسألة انتشار التشيع في بلجيكا من منظور حقوق الإنسان، يقول: «في بلجيكا لا مانع في أن يمارس الناس مجموعة من الطقوس والممارسات التي تدخل في إطار معتقداتهم، ما دامت لا تؤدي إلى أعمال إرهابية. السؤال المطروح هو: هل المغرب بلد ديمقراطي يحترم طابع التعدد الثقافي والعقدي أم إننا سنقول إن الدين الأصح قطعا هو الإسلام والمذهب الأصح قطعا هو السنة.. هذا شيء خاطئ، بالفعل هناك تغليب للمذهب السني في المغرب، لكنْ هناك فئة من الناس لا يجدون أنفسهم في المذهب السني ويميلون إلى المذهب الشيعي، أنا شخصيا لا أرى أي سوء في هذا الأمر، فما هي إلا ممارسات دينية عقدية. في بلجيكا لا يمكن أن ننكر أن هناك العديد من المساجد، سواء السنية أو الشيعية. هنا يحظى الجميع بحرية اختيار العقيدة وممارستها علنا، فإضافة إلى الشيعة، يعيش الأحمديون، الذين يتمتعون بكافة حقوقهم رغم أنهم أقلية، وهؤلاء لم يكونوا يستطيعون الجهر بمذهبهم في المغرب. في بلجيكا، لا ضير في أن تمارس معتقداتك، بكل حرية، شريطة عدم المساس بحريات الآخرين أو التطرف أو الإرهاب». أنواع التشيع في بلجيكا
أول من استقبل «المساء» في «مسجد الرضا»، الشيعي، كان حسين. رجل في الستينات من العمر، ببنية جسدية ضخمة، يعلق فوق صدره سلسلة واسعة الحلقات يتدلى منها سيف طوله حوالي 15 سنتمترا، يرمز إلى سيف علي بن أبي طالب. تتوزع أصابعَ حسين ستة خواتم، قال: «كلها تحمل آيات قرآنية، إلا واحدة إذا دخلت بها على أي جبار يلين قلبه».. يتحدر حسين من مدينة تطوان، التي غادرها سنة 1972 نحو جبل طارق، ثم إلى برشلونة، قبل أن يصل، في 1978، إلى بروكسيل، التي بقي فيها إلى اليوم. استضاف حسين، الذي يشتغل في مطبخ مسجد الرضا، مبعوث «المساء» ومرافقيه الاثنين على طريقة المغاربة: حضَّر القهوة والحلويات وجلس يحكي قصة تشيعه: «في سنة 1994، تعرفتُ على مغربي شيعيّ أعطاني كتابا اسمه «طريق الهدى»، قرأته فاهتديتُ إلى مذهب آل البيت، وبعدها، درستُ كتبا أخرى، فترسخ المذهب في عقلي وقلبي».. يؤكد حسين أنه «لا يكفي أن يكون الإنسان دارسا لكي يهتدي إلى المذهب الشيعي، بل يجب أن يميل قلب المؤمن إلى محبة آل البيت وحقيقة ما جرى لهم». ضرب حسين مثالا على هذا بأحد أقربائه في مدينة تطوان: «صهري حاصل على الإجازة في الشريعة من كلية تطوان، وكثيرا ما ناقشتُ معه المذهب الشيعي ومددْتُه بعدة كتب في الموضوع، لكنني وجدت أنه كان يضعها بين الرفوف من دون أن يقرأها، وعندما كنت أواجهه بحقائق عن صحة التشيّع، لم يكن يسعه إلا أن يؤيّدني في قولي، لكنه لا يفعل أي شيء، لذلك لم أعد أعطيه أي كتاب». عندما تسأل «المساء» حسين عن ذكرى عاشوراء وكيف أحيوها هنا في «مسجد الرضا»، يعود إلى «بداية الفتنة»، التي حدثت بعد وفاة الرسول. وهنا يبدو واضحا على حسين أنه يتحدث بتحفظ أمام شخص عرف أنه صحافي، يقول حسين: «لقد تركوا الرسول، صلى الله عليه وعلى آله، بدون غسل ولا كفن (يقصد الخليفتين أبا بكر وعمرا) وذهبا لمنازعة عليّ، عليه السلام، في الخلافة، التي هي من حقه.. ثم قتل بعضهم فاطمة، عليها السلام، وهي حامل». يُطرق طويلا ويضيف: «والنتيجة ماذا؟ يقال إن عمر قتل أبا بكر بوضع السم له.. وعمر قتله غلامه، الماجوسي. أما عائشة فقد ثبت في السنة أن الرسول قام يخطب ثم أشار إلى بيتها وقال: «ها هنا الفتنة ثلاثاً من حيث يطلع قرن الشيطان».. دخل الشيخ عبد الله الدهدوه إلى المطبخ، فاستأذن حسين وغادر.. لم يرد الشيخ الدهدوه الخوض في الموقف من الصحابة، فهو يقول إن الشيعة من أصول مغربية لا تكون لهم حمولة نفسية تجاه الصحابة حتى يتناولوهم بالسب والقذف والتجريح، وهذا راجع إلى أسباب تاريخية، «لكن هذا لا يمنعنا من أن نقول، بإثبات طبعا، إن فلانا من الصحابة قد أخطأ في المسألة الفلانية، وهذا لا نقوله حصرا على أبي بكر وعمر وعثمان، بل إن العديد من صحابة الرسول قد أخطؤوا، ونحن لا نُخفي ذلك عندما يتطلب الأمر قوله. طبعا، نحن نقوله مع الدراسة الموضوعية العميقة». تترك «المساء» الشيخ الدهدوه، الذي درس في إيران ويتعمَّم بعماماتها كواحد من آيات الله الشرقيين، وتعود لتسأل الشيخ محمد بلخيضر، الذي درس في المغرب ويتحدر من أسرة صوفية ويرتدي الجلباب المغربي. يقول بلخيضر: «أنا معروف في بلجيكا بأنني الفقيه الأول الذي أدخل ثقافة الحوار والنقاش، وحتى هؤلاء الذين تتحدث عنهم، أي الغلاة الذين يسُبّون الصحابة ونساء الرسول، لا يقوون على فعل ذلك أمامي، لأنهم بدؤوا معي قبل أن ينسحبوا ويصبحوا غلاة في الدين، لأنهم يعرفون أنني قوي الحجة». تسأله «المساء» حول ما إذا كان انسحاب هؤلاء الغلاة من حوله نتيجة لأنه لم يستطع إقناعهم، فيجيب: «لا. المسألة مسألة حظ، ويستشهد بالآية القرآنية: «وما يلقاها إلا الذين آمنوا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم»، وهؤلاء لم يكونوا محظوظين وأصبحوا شواذا فكريا، والإنسان عندما يشذ لا يمكنك أن ترده، لأنه تصبح فيه علة ويرى أن فهمه هو المعنى الحقيقي للتديّن، أما نحن فلا نقول بتفوقنا، بل نعتمد التفسير، الذي يخدم وحدة الأمة الإسلامية ووحدة المغاربة». فما هو «التشيع» أو التفسير الذي يخدم الأمة الإسلامية ووحدة المغاربة، والذي اختاره محمد بلخيضر وأصدقاؤه في مسجد الرحمان؟ يجيب: «لا يمكن أن نأخذ التشيع كما هو مطروح في إيران أو لبنان أو العراق. نحن ننتقي من الفكر الشيعي ما يُلائم خصوصيتنا، كما ينتقي السياسيون من الفكر الليبرالي ما يخدم توجهاتهم. نحن لدينا الليبرالية في تراث الأمة، فالشيخ الكتاني المغربي، صاحب كتاب «الرسالة المستطرفة»، كان يتوضأ على مذهب مالك ويصلي على مذهب الشافعي». يُقسّم الشيخ محمد بلخيضر التشيع الموجود في بلجيكا إلى نوعين، ف«الناس الذين تشيّعوا لآل البيت صنفان: صنف تعصّبَ للطائفة والمذهب والرجال، وصنف تعصَّبَ للأحاديث والنصوص القرآنية التي نزلت في آل البيت، لذلك لا عيب في أن يكون المغربي شيعيا وسُنيا في نفس الوقت، أي مناصرا للنصوص التي اهتمّت بآل البيت. الإمام إدريس كان يقول للأمازيغ المغاربة: «اذهبوا أينما شئتم فإنكم لن تجدوا الحق إلا عندي».. الفقيه السني، الشيخ محمد التجكاني، له تقسيم آخر لشيعة بلجيكا، فهو يُقسّمهم إلى ثلاثة أصناف: «صنف موظف، وهؤلاء قد يصِلون إلى درجة قذف الصحابة وسبّهم، وبالخصوص معاوية، رضي الله عنه، لكنهم لا يصِلون إلى القول بتحريف القرآن. أما الصنف الثاني فهم أولئك الذين تربَّوا في إيران على فكر «الروافض»، وهم شباب من الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين، وهؤلاء قد يصلون إلى سب أبي بكر وعمر وعائشة. والأمر الخطير هو أن الكثير من كل هؤلاء «الروافض» الغلاة يتّهمون السيدة عائشة بما اتهمها به المنافقون، ويقولون بإنه عندما سيأتي الإمام المهدي سيُخرجها من قبرها ويقيم عليها الحد»!.. الصنف الثالث من المغاربة الشيعة في بلجيكا هم المقلّدون، وهؤلاء، يقول الشيخ التجكاني، «هم الأغلبية ويُنظّمون لهم رحلات إلى إيران وغيرها ويُمتّعونهم بالنساء، في إطار زواج المتعة، فتلتقي شهوتهم مع هذا التيار. لكنْ، إذا قلت لواحد من هذا النوع من الشيعة المغاربة تعال، زوجني ابنتك أو أخت فلن يرضى، فهو قد يستسيغ رغبة في قضاء شهوته، في إطار زواج المتعة، لكنه لن يرضى ذلك لأخته أو ابنته.. هؤلاء مثل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وهذا هو الأخطر في صنف المقلّدين، فقد يكون الإنسان ملحدا، لكنْ لديه عقل وغير خاضع للتوجيه الخارجي، فيكون أهون لأنه يتصرف بعقله». أرقام متضاربة أمام عدم قيام الدولة البلجيكية بإعلان أي أرقام حول عدد المنتسبين إلى الأديان والمذاهب المتواجدة فوق أراضيها، يصبح الأمر صعبا على الباحثين في هذا المجال للوصول إلى إحصائيات دقيقة حول عدد الشيعة من أصل مغربي في بلجيكا، ومع ذلك يتحدث العديدون عن أن عدد الشيعة في بلجيكا هو 30 ألفا، يوجد أغلبهم في مدينة بروكسيل، ويشكل المتحدرون من أصول مغربية أغلبَهم. يسخر الشيخ عبد الله الدهدوه من هذا الرقم ويعتبره مُبالَغا فيه وغيرَ ذي أهمية علمية. مقابل اللبس الحاصل حول أعداد الشيعة المغاربة في بلجيكا، هناك آراء متناقضة في ما يتعلق بتمويل المساجد والحسينيات والمراكز الثقافية والتربوية والأنشطة الإشعاعية الشيعية التي يقوم بها الشيعة هنا. عندما حضرت «المساء» صلاة الجمعة في «مسجد الرحمان»، لاحظتْ أن إمامه، محمد بن خيدر، وبمجرد ما انتهى من الصلاة، دعا المصلين إلى المساهمة من أجل إصلاح المسجد، وسيصرّح بن خيدر، لاحقا، ل»المساء» قائلا: «نحن لا نتلقى أي دعم من أي جهة أو دولة، بل نُنفق على المسجد من مالنا الخاص ومن مال المحسنين». الشيء نفسه أكده عبد الله الدهدوه، المسؤول عن «مسجد الرضا»، الشيعي، حين نفى أن يكون المسجد والمركز التابع له يتلقيان أموالا من إيران أو من جهة أخرى. لكن الشيخ محمد التجكاني، الفقيه السني، قال إن المساجد والمؤسسات الثقافية والتربوية الشيعية في كل أوربا تتلقى دعما من جهات تدعم التشيع، وهو دعم مادي ومعنوي لا يتوفر للمساجد والمؤسسات الدينية السنية. ويضيف الشيخ التجكاني قائلا: «مقابل الدعم الإيراني للمذاهب الشيعية، كان هنا في بلجيكا دعم للتيار الوهابي السعودي، لكنه لم يكن ممنهجا بل كان يدعم خطابا لا يمكن أن يستوعب الأمة، لأن الخطاب الذي يمكنه أن يقوم بهذا الدور هو الخطاب المعتدل، لكنه لا يملك نفس الدعم والسند». ما لذي يمنع المغرب، إذن، من رعاية الخطاب الاعتدالي لضمان «الأمن الروحي» لأبناء جاليته، الذين يتطلعون إلى دراسة علوم الدين؟ يجيب الشيخ التجكاني: «ذات مرة، في سنة 2004 أو 2005، حضرتُ أحد اجتماعات المجلس العلمي الأعلى والتمستُ، خلال هذه المناسبة، باسم خطباء أوربا، ضرورة فتح الجامعات المغربية للشباب المقيمين بأوربا، لتقوية محبة الوطن والوسطية والاعتدال».
عاشوراء بطعم البكاء «لقد أحييْنا عاشوراء بالحزن والبكاء ودراسة فلسفة عاشوراء، كما نظّمنا محافل لتلقّي العزاء لمدة 10 أيام، بداية من فاتح محرم»، يؤكد الشيخ عبد الله الدهدوه. نفس الشيء يقوله الشيخ محمد بن خيدر، الذي يضيف أن «البكاء على الحسين سُنّة مؤكدة، وإذا لم تحزن فأنت، إذن، ترفض الحديث». ويستدل خيدر على ذلك بالقول «لقد حزن الرسول، صلى الله عليه وعلى آله، كثيرا على سبطه عندما دخلت عليه مرضعة الحسين، عليه السلام، واسمها أم الفضل، فوجدته يبكي، فقالت: مم بكاؤك يا رسول الله؟ فقال: جبريل أتاني فأخبرني أن أمتي ستقتل ولدي.. لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة». وحول المعتقد الشيعي الذي سمعت «المساء» العديد من شيعة بروكسيل المغاربة يرددونه، والذي يقول إن السماء أمطرت دما يوم مقتل الحسين، أجاب الشيخ بن خيدر قائلا: «نحن في المغرب نعتقد أن محمدا الخامس كان يُرى في القمر، فلماذا عندما يتعلق الأمر بالحسين يعتبر الأمر ممنوعا؟.. هذا منطق السلفية والنواصب (النواصب: الذين ناصبوا آل بيت الرسول العداء). ثم إنني لا أدخل هذا في الدين، لأن مسألة الكرامات تبقى شخصية». يصمت الشيخ لبرهة ويكتلم «المريد» عبد اللطيف من مدينة فاس، وهو رجل خمسيني حرص على أن يبقى صامتا طيلة مدة لقاء «المساء» بشيخه، وحتى عندما كان يُسأل، كان يجيب: «نحن لا نتقدم أمام شيخنا سيدي محمد».. في مسألة عاشوراء، تكلم عبد اللطيف وقال: «لقد كانت العادة عندنا في فاس هي توزيع الماء على المارّين، دلالة على موت الحسين عطشاً، وكنا نوقف الاحتفال في الأعراس حتى تنقضي عاشوراء». وتابع عبد اللطيف: «لقد غادرت المغرب في السبعينيات، ولا أعرف التحولات التي حدثت فيه، لكنني بدأت أسمع أن عاشوراء أصبحت مناسبة للفرح وشراء الحلويات واللعب.. ولستُ أدري سبب هذا التحول داخل مجتمع يُقدّس آل البيت؟» الجواب عند الشيخ عبد الله الدهدوه، الذي يقول: «هناك أيادٍ خفيّة اشتغلت، تحت جنح الظلام، على تحويل عاشوراء في المغرب إلى يوم فرح.. ولا أستبعد أن تكون هناك يد للحركة الوهابية، التي انتشرت بقوة في المغرب. لقد تحولت عادات المغاربة كليا مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، فبعدما كان المغاربة يُحرّمون الاحتفالات في عاشوراء ويَحْرِمون أنفسَهم من اللباس الفاخر، أصبحنا أمام احتفالات تعُمّ كل أرجاء البلاد».. وبانفعال زائد، يتعجب الشيخ محمد بن خيدر: «هل من المنطق أن يتخذ المرء يوم وفاة الرسول عيدا؟ الحديث يقول: «الحسين مني وأنا من الحسين»، ونحن نقول أيها المؤمنون التزموا بسنة نبيكم في حزنه على سبطه». نائبة رئيس «هيأة مسلمي بلجيكا» ل« المساء »: كنت مسيحية ووجدت في التشيع نموذجا حياتيا إيزابيل سمية: الإسلام في المغرب ذو أصل شيعي - كيف اعتنقت الإسلام؟ ولماذا وقع اختيارك على المذهب الشيعي؟ أنا أتحدر من أسرة مسيحية، ولا يخفى على أحد أن الأديان، عامة، تعرضت لمجموعة من التحريفات والتحولات، فمن خلال بحث روحي رافقني منذ طفولتي، وجدتُ في الإسلام، بشكل عام، وفي التشيع، بشكل خاص، نموذجا حياتيا، أخلاقيا، يحرر المرأة والإيمان، وهو نموذج للتوازن بين التقليد النبوي والحداثة، وقد مكّنني اطّلاعي ودراستي لمجموعة من المراجع المختلفة من أن أسلط الضوء على استمرارية الرسالة السماوية على يد آل بيت رسول الإسلام، النبيل. -كيف تقيمين حضور المسلمين الشيعة في بلجيكا؟ وهل لديك إحصائيات تتعلق بعدد الشيعة المغاربة المقيمين في بلجيكا؟ بلجيكا لا تسمح بتعداد رسمي للجماعات والأقليات، خصوصا بعد أهوال الماضي وكذلك تجنّبا للتمييز، لذلك يتعذر عليّ إعطاء رقم مضبوط. ولكنْ، حسب الكتاب الأخير للبروفيسور فيليس داسيتو، الذي نُشِر قبل أسابيع قليلة في بروكسيل، والذي يحمل عنوان «القزحية والهلال.. بروكسيل والإسلام في مواجهة الإدراج المشترك»، يذكر الكتاب أن وجود الشيعة في بروكسيل محدود نسبيا في العدد، لكنه متنوع جدا: لبنانيون وعراقيون، باكستانيون وإيرانيون، مغاربة وأتراك، أفغان، وبلجيكيون اعتنقوا الإسلام.. -يشهد المغرب تزايدا لنشاط الفكر الشيعي، ومرد هذا، حسب بعض الباحثين، إلى الحضور القوي للشيعة المغاربة في بلجيكا.. إلى أي حد تتفقين مع هذا الطرح؟ هناك معلومة غير معروفة كثيرا في المغرب، نظرا إلى تغافل التاريخ عن ظهور الإسلام في المغرب، الذي كان الفضل فيه لهجرة إدريس الأول إلى المغرب، وبالتالي فالإسلام في المغرب ذو أصول شيعي، الشيء الذي يُمكّننا من فهم وجود مجموعة من الممارسات التقليدية الشيعية في المغرب، وهي أمور اطّلعتُ عليها بنفسي منذ أكثر من 20 سنة خلال أسفاري إلى المغرب. على سبيل المثال، رغم أن البعض يحتفلون الآن ب«بابا عاشورا»، هناك الكثير من الناس يوزعون على الأطفال الصغار قُللا صغيرة من الطين، مملوءة بالماء، إحياء لذكرى مأساة عاشوراء. تسمية الملك الحالي للمغرب «أمير المؤمنين» هي التسمية التي أطلقت على الإمام علي، خليفة الرسول وصهره، وهي كذلك تعبير عن اعتراف رسمي بهذه الحقيقة. أنا أشعر بالتوتر حُيال هذه المسألة، لكنّ الأمر ما هو، ببساطة، إلا رجوع إلى الإسلام الأصلي، ولأصالة التاريخ المغربي الذي يستحق أن يعاد فيه النظر ويعاد اعتماده لتجنب أي تشويش. -ما هو الدور الذي تقومين به من داخل «المجلس التنفيذي للمسلمين في بلجيكا» من أجل تقديم الدعم المالي والسوسيو -ثقافي للمذهب الشيعي في بلجيكا؟ شخصيا، لقد شاركتُ دائما من أجل الدفع بالاعتراف للمسلمين عامة في بلجيكا بحقوقهم في الهوية، مع احترام تعدديتهم واحترام كل مكونات المجتمع الإسلامي في بلجيكا، بدون أي تمييز.