يكشف تطبيق مقتضيات الدستور المغربي يوما بعد يوم عن وجود إشكاليات معقدة يستعصي معها الاهتداء إلى استخراج قواعد دستورية واضحة تضمن السير العادي للمؤسسات. فكلما طرح تطبيق فصل من فصول هذا الدستور ، و خصوصا فيما يتعلق بالعلاقة بين المؤسسات، إلا و ظهرت تأويلات مختلفة تبتعد في بعض الأحيان عن التحليل القانوني التقني و تصب في خانة تطويع النص الدستوري لمصلحة جهة معينة. مناسبة هذا الحديث هي الإشكالية التي طرحتها إحالة مشاريع القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية على مجلس النواب بشكل مسبق و ليس على مجلس المستشارين ؛ إذ هناك من يرى ، خلافا لما قامت به الحكومة ، أن الفصل 78 من الدستور المغربي ينص على أن مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين. و للإسهام في هذا النقاش ، سنتحدث عن مفهوم الإيداع بالأسبقية وطبيعة النص القانوني المنظم للجماعات الترابية قبل تناول تطبيقات هذا الإيداع بالنسبة لمشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بهذه الجماعات. مفهوم الإيداع بالأسبقية قد يرى البعض أن تناول الإيداع بالأسبقية لمشاريع القوانين التنظيمية لدى مجلس من مجلسي البرلمان ترف فكري و نقاش نظري ، مادام الفصل 84 من الدستور ينص على أن كلا المجلسين يتداولان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد. لكننا لا نشاطر هذا الرأي؛ فلو كان الأمر كذلك لما نصت الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور على قاعدة عامة مضمونها أن جميع مشاريع القوانين تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، وقاعدة استثنائية تفيد أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين. ويعني ذلك أن الإيداع بالأسبقية ليس مسالة شكلية فحسب؛ بل قاعدة دستورية جوهرية في مسطرة التشريع تلزم الحكومة بإحالة مشروعها على مجلس معين بشكل مسبق ، كما أن مخالفتها يعتبر خرقا للدستور من المفروض أن تترتب عنه نتائج قانونية. و لاشك أن المشرع الدستوري يعتبر أن لهذه القاعدة تأثير كبير على مسار كل مشروع قانون ؛ حيث أن المجلس الذي يناقشه بشكل مسبق يضع عليه بصمته قبل أن يصوت عليه و يحيله على المجلس الآخر. و لعل هذا ما يفسر أن الفصل 78 أعلاه يخول لمجلس المستشارين حق النظر بالأسبقية في كل مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية ؛ ذلك أن تركيبته تجعل منه ملما بقضايا هذه القطاعات أكثر من مجلس النواب. و بشكل صريح ، فأسباب نزول هذه القاعدة الاستثنائية تكمن في إعطاء مجلس المستشارين فرصة مناقشة مشروع الحكومة و إدخال التعديلات الضرورية عليه قبل عرضه على مجلس النواب ، مادام من بين أعضائه مستشارين لهم علاقة مباشرة بالشأن المحلي ، فلسنا هنا ملزمين بالتذكير أن الفصل 63 من الدستور ينص على أن ثلاثة أخماس أعضاء مجلس المستشارين يمثلون الجماعات الترابية. كل هذا يجعل من مسطرة الإيداع بالأسبقية قاعدة دستورية تحقق التوازن بين المجلسين و تمكن من خلق حركية تشريعية معقلنة تيسر عملية التداول وتتفادى هدر الزمن التشريعي. طبيعة النص القانوني المنظم للجماعات الترابية حدد الدستور مفهوم الجماعات الترابية من خلال الفصل 135 وحصرها في الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات ، مع إمكانية إحداث جماعات ترابية أخرى عن طريق القانون . و يطرح التساؤل حول طبيعة النصوص القانونية المنظمة لهذه الجماعات ، هل هي قوانين تنظيمية أم قوانين عادية ؟ تعتبر مجالات نظام الجماعات الترابية ومبادئ تحديد دوائرها الترابية ونظامها الانتخابي ومبادئ تقطيع الدوائر الانتخابية ، من بين المواد التشريعية التي يختص بها القانون حسب الفصل 71 من الدستور. في حين ينص الفصل 146 من الدستور على ما يلي " تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة : - شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة ؛ - شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها ، طبقا للفصل 138؛ - شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات ؛ - الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة طبقا للفصل 140؛ - النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى ؛ - مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى، المنصوص عليها في الفصل 141؛ - موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليهما في الفصل 142 ؛ - شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144؛ -المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات، وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه؛ - قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة ." يتضح من خلال قراءة الفصلين أن الدستور المغربي وضع مجالا عاما للقانون من خلال الفصل 71 دون تحديد هل هو تنظيمي أو عادي ، في حين حدد مجالات القوانين التنظيمية صراحة وعلى سبيل الحصر في عدة فصول أخرى. و من هنا نستنتج أن الفصل 146 ، الذي ورد بصيغة أكثر دقة ، يقيد المبدأ العام الذي ورد في المادة 71 ؛ حيث أن جميع المجالات ذات العلاقة بالجماعات الترابية التي عددها الفصل 146 صراحة يجب أن تكون في شكل نصوص قانونية تنظيمية ، في حين يبقى ما لم يجر تعداده في هذا الفصل من مجالات القانون العادي. و إذا كان هذا الاستنتاج يبدو منطقيا ، فان الفقرة الأخيرة من الفصل 135 من الدستور تطرح مسألة عدم التجانس بين مكونات النص الدستوري، حيث تنص على أن إحداث كل جماعة ترابية أخرى ، غير تلك التي نص عليها الدستور في نفس الفصل ، تتم بواسطة القانون. فهل من المنطق أن التنظيم القانوني للجماعات الترابية يتم بقوانين تنظيمية في حين أن إحداثها يتم بقانون عادي ؟ بل أكثر من ذلك يمكن بواسطة قانون عادي أن تحدث جماعة ترابية جديدة عند الاقتضاء، تحل محل جماعة ترابية أو أكثر من تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 135 أعلاه. فهل يمكن تعديل نص دستوري بقانون عادي ؟ يبين كل هذا عدم وضوح الرؤية لدى المشرع الدستوري بل و تناقضه الواضح، مما يعقد عملية استخراج القواعد الدستورية المتعلقة بالجماعات الترابية و يزيد من إمكانيات الخلاف والتأويلات المتباينة. الإيداع بالأسبقية لمشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية أحالت الحكومة بالأسبقية على مجلس النواب بتاريخ 16 فبراير 2015 ثلاثة مشاريع قوانين تنظيمية تتعلق بالجهات و بالعمالات والأقاليم وبالجماعات ، مما خلق جدلا كبيرا حول دستورية هذه الإحالة حيث هناك من يعتقد أن الإيداع يجب أن يتم بشكل مسبق لدى مجلس المستشارين. ويبدو أن الحكومة قد اعتمدت على الفصل 85 من الدستور لتعليل موقفها و الذي ينص على ما يلي : " لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، ووفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84، وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين من المجلس المذكور، غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع أو بمقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فان التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب..." و يتضح أن الحكومة ذهبت في تأويلها لهذا الفصل إلى اعتبار مقتضياته خاصة مقارنة بما ورد في الفصل 78 من الدستور؛ إذ أنها تناولت بشكل مباشر مسطرة التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية كاستثناء عن المسطرة التشريعية المتعلقة بالقوانين بشكل عام. و إذا كننا لا نختلف مع مسألة كون الفصل 85 السالف الذكر خاص بالقوانين التنظيمية، إلا أننا نود إثارة الانتباه إلى الملاحظات التالية: الملاحظة الأولى : يجب التسليم أن قراءة الفصلين 78 و 85 السالف ذكرهما تبين وجود خلل في صياغة قاعدة الإيداع بالأسبقية يختل معه البناء الدستوري ، الشيء الذي يفرض البحث عن التأويل القانوني التقني الصحيح بعيدا عن كل مزايدة سياسية. الملاحظة الثانية: لم يتحدث الفصل 85 أعلاه عن الإيداع بالأسبقية للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية على مجلس النواب، بل تناول مسطرة التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب أيا كان موضوعها مركزا على ضرورة مرور مدة عشرة أيام قبل البت وكذا على مسطرتي المصادقة و الأمر بالتنفيذ. والحكومة باهتدائها لهذا التوجه تكون قد فسرت عبارة " لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب" بشكل يعطي لمجلس النواب أسبقية التداول في كل مشاريع و مقترحات القوانين التنظيمية ، دون أن تتضح لدينا بشكل جلي ماهي أدوات التأويل و التحليل المعتمدة لبناء هذا التوجه. فالفصل يتحدث عن مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية المودعة لدى مجلس النواب ولا ينفي إمكانية إيداع بعض مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية بالأسبقية لدى مجلس المستشارين. ثم على فرض أن موقف الحكومة صحيح ، فهل يستقيم منطقيا أن تودع بالأسبقية لدى مجلس النواب مقترحات القوانين التنظيمية التي يتقدم بها أعضاء مجلس المستشارين بدل إيداعها لدى المجلس الذي ينتمون إليه ؟ الجواب بالإيجاب على هذا السؤال سيفرغ قاعدة التوازن بين المجلسين من كل محتوى. الملاحظة الثالثة: ورد في الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور ما يلي: " تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين." لقد اعتبرت الحكومة على ما يبدو أن هذه الفصل خاص بمشاريع القوانين العادية و لا يشمل مشاريع القوانين التنظيمية التي تبقى خاضعة للفصل 85 أعلاه. ونعتقد أن الأمر هنا يتعلق بتفسير معنى القانون في الفصل 78 ، حيث لا نشاطر الرأي الذي يحد نطاقه في القوانين العادية ؛ ذلك أن مجال القانون يشمل القوانين التنظيمية إلى جانب القوانين العادية ، وهذا ما يستفاد من الفقرة الأولى من الفصل 71 من الدستور التي تنص على ما يلي :"يختص القانون، بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور، بالتشريع في الميادين التالية:...". وانطلاقا من ذلك فحينما يقول المشرع الدستوري أن مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين فهو لا يستثني مشاريع القوانين التنظيمية. علاوة على ذلك ، وكما سبق أن بيننا، فتقريبا كل القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية يجب أن تكون في شكل قوانين تنظيمية كما ينص على ذلك الفصل 146 من الدستور. فلا يعقل أن ينص المشرع الدستوري على أن تنظيم الجماعات الترابية يتم بشكل شبه كلي بمشاريع قوانين تنظيمية تودع بالأسبقية لدى مجلس النواب ، و في ذات الوقت ينص على ضرورة إيداع قوانين عادية تخص نفس الجماعات ، ونظن أنها شبه نادرة ، بالأسبقية لدى مجلس المستشارين . فعن أية أسبقية سنتحدث في هذا الإطار؟ إن التأويل السليم للدستور هو أن القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية في مجملها نصوص تنظيمية حسب الفصل 146 أعلاه ، ويجب إيداعها بالأسبقية لدى مجلس المستشارين حسب الفصل 78 السالفة الذكر. الملاحظة الرابعة : جاء في النقطة الثانية من قرار المجلس الدستوري رقم 14/950 م. د المتعلق بالبت في مطابقة القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 للدستور ما يلي :" حيث إنه، يبين من الوثائق المدرجة بالملف أن القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، المعروض على نظر المجلس الدستوري، تداول في مشروعه المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 20 يناير 2014، طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، وقام السيد رئيس الحكومة، وفق أحكام الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور، بإيداعه بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب بتاريخ 7 فبراير 2014، وتمت المداولة والموافقة عليه من لدن هذا المجلس بتاريخ 8 يوليو 2014، أي بعد مضي عشرة أيام على تاريخ إيداعه بمكتبه طبقا للفصل 85 من الدستور،... " لا يعتبر هذا القرار حالة شاذة ، بل وردت نفس الفقرة ، وإن بتعابير مختلفة ، في عدة قرارات أخرى للمجلس نذكر من بينها القرار رقم 14/ 940 م.د المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق. ومن هنا يتضح بشكل لا يدع مجالا للشك أن الحكومة كان تعتمد في إحالة مشاريع القوانين التنظيمية بالأسبقية على مجلس النواب على الفصل 78 و ليس على الفصل 85 ، و لم يطرح ذلك أي مشكل يذكرلأن هذه المشاريع لا علاقة لها بالجماعات الترابية . فما الذي جعل الحكومة تغير الأساس الدستوري لإحالة مشاريع القوانين التنظيمية المتعلق بهذه الجماعات بالأسبقية على مجلس النواب ؟ لماذا اعتمد الفصل 85 بدل الفصل 78 في إيداع مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات و بالعمالات والأقاليم وبالجماعات ؟ فمن الأكيد أن لو اعتمد نفس المنطق الوارد في القرار أعلاه ، أي تأسيس الإحالة بناء على الفصل 78 وليس على الفصل 85 ، لأحيلت هذه المشاريع بالأسبقية على مجلس المستشارين و ليس على مجلس النواب. فمن الواضح أن الفصل 85 لم يذكر في القرار أعلاه إلا للتأكيد على مضي مدة عشرة أيام الواردة فيه و ليس لتحديد المجلس الذي يمتلك أسبقية التداول في النص. ونعتقد أن ورود هذه الفقرة في قرارات المجلس الدستوري بشكل متواتر، و إن كان مصدرها الحكومة، يعد تزكية لهذا التأويل المتعلق بتطبيقات الفصلين ، وهذا ما سيتضح أيضا من خلال مضمون الملاحظة الخامسة. الملاحظة الخامسة : تنص المادة 85 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين على ما يلي :" يتداول مجلس النواب ومجلس المستشارين في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد، وذلك وفق الشروط والمساطر المنصوص عليها في الفصول78 و84 و85 من الدستور ومواد هذا النظام الداخلي المتعلقة بمناقشة مشاريع ومقترحات القوانين، مع الأخذ بعين الاعتبار المقتضيات التالية: -يتداول مجلس المستشارين في مشاريع القوانين التنظيمية المودعة لديه بالأسبقية، وفي مقترحات القوانين التنظيمية المقدمة بمبادرة من أعضائه، خاصة تلك المقدمة من طرف فرق المعارضة، طبقاً للفصل 82 من الدستور. -كما يتداول في صيغة مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية المحالة عليه من مجلس النواب، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد." تقدم لنا مقتضيات هذا الفصل جوابا صريحا على الإشكالية المطروحة ؛ حيث تشير إلى أن مجلس المستشارين يتداول بالأسبقية في مقترحات القوانين التنظيمية المقدمة بمبادرة من أعضائه، كما يتداول بنفس الطريقة في مشاريع القوانين التنظيمية المودعة لديه ، ومن البديهي القول أن المشرع يقصد في الحالة الثانية الإيداع الذي تقوم به الحكومة. و أمام صراحة هذا النص ، لا يمكن استبعاد مشاريع النصوص التنظيمية من تطبيقات الإيداع بالأسبقية لدى مجلس المستشارين لمجرد أن مصطلح القانون الوارد بالفصل 78 من الدستور ورد من دون تحديد ، و بناء على استخراج قاعدة من الفصل 85 من الدستور لم ترد به بشكل صريح و مباشر. ولا يمكن لقائل أن يدعي بعدم دستورية المادة 85 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين ؛ ذلك أن المجلس الدستوري صرح بدستورية هذا النظام دون إبداء أية ملاحظة حول هذه المادة من جهة ، ثم لا وجود لتعارض بين هذه المادة و الفصل 85 من الدستور من جهة أخرى . و يبين مضمون المادة 85 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين ، بشكل لا يدع مجالا للشك ، أن المجلس الدستوري يأخذ بتفسير مصطلح القانون الوارد بالفصل 78 من الدستور على أنه يشمل كل القوانين عادية كانت أو تنظيمية ، و أن ما ورد بالفصل 85 من الدستور لا يحدد تطبيقات مبدأ الإيداع بالأسبقية. و يترتب عن كل هذا أن تراجع الحكومة عن تطبيق مقتضيات الفصل 78 من الدستور المتعلقة بالإيداع بالأسبقية في حالة مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات و بالعمالات والأقاليم وبالجماعات ، خلافا لحالات سابقة، يعد إخلالا بالتوازن بين المجلسين و خرقا للمسطرة التشريعية كما يقررها الدستور. فلا يمكن للحكومة ، لمجرد أنها جهة محيلة لهذه المشاريع أن تختار التأويلات الظرفية للدستور على حساب مضمون الدستور، كما لا يفوتنا أن روح و غاية هذا النص هو إعطاء مجلس المستشارين امتياز التداول بالأسبقية في مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية كيفما ما كانت طبيعتها لأسباب سبق توضيحها أعلاه. -أستاذ جامعي بكلية العلوم القانونية و الاجتماعية و الاقتصادية بسلا