بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرح المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمسطرة التشريعية
نشر في هسبريس يوم 08 - 06 - 2015


1
إيداع رئيس الحكومة لثلاثة مشاريع قوانين تنظيمية متعلقة بالجماعات الترابية، أمام مكتب مجلس النواب ليتداول فيها بالأسبقية؛ أثار اهتمام الباحثين من غير المنضوين في الجمعية المغربية للقانون الدستوري، ومن غير المنتسبين إلى كبار فقهاء لجنة صياغة الدستور؛ مما جعلهم يدلون بآرائهم بخصوص ما يتعين فهمه والتقيد به وقت إعمال المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمسطرة التشريعية المنصوص عليها في الفصل 78 و84 و85 من الدستور؛ وخاصة بعد أن تباينت رؤى بعض الجهات الرسمية بشأن المجلس الذي له حق الأسبقية في التداول، عندما يكون الأمر متعلقا على وجه الخصوص بالجماعات الترابية؛ بالإضافة إلى إشكاليات دستورية أخرى لها ارتباط وثيق بالقوانين التنظيمية.
وبسبب الغموض في المقتضيات الدستورية، جراء عدم الدقة في الصياغة من الناحية القانونية، علاوة على ما شاب تلك المقتضيات والأحكام من تناقض وتداخل؛ فقد انفتح المجال لمن شاء أن يكتب ما يشاء وفق ما يشاء، من غير حجة أو دليل أو برهان، وذلك كأصل عام.
ولما كانت أهم المقتضيات الدستورية، التي تشكل جوهر وأساس المسطرة التشريعية، تتحدد في الفصل 78 و84 و85؛ فإنه من أجل توضيح هذه المسطرة التي تخص القوانين التي يصوت عليها البرلمان، فإننا سنخصص لكل فصل دستوري مبحثا مستقلا، وذلك على التفصيل التالي.
المبحث الأول : الاقتراح والإيداع بالأسبقية
لدى أحد المجلسين (الفصل 78)
الفصل 78 من الدستور ينص في فقرتين متتابعتين على ما يلي :
«لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين (الفقرة الأولى).
تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين» (الفقرة الثانية).
من فحوى هذا الفصل الدستوري، يتبين أن الأمر يتعلق بتحديد من يملك الحق في الاقتراح وكذلك المجلس التشريعي الذي يودع لديه بالأسبقية مشاريع القوانين المقدمة من طرف رئيس الحكومة.
وتوضيح ما ورد في الفقرتين السابقتين سيكون على الوجه التالي :
البند الأول : الجهة المالكة لحق الاقتراح
إن الاقتراح الذي تنبثق عنه جميع المراحل التالية له، في نطاق تسلسل الإجراءات التشريعية، التي تنتهي بالإصدار والنشر في الجريدة الرسمية؛ هو حق مخول لكل من رئيس الحكومة ولأعضاء كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين.
ويطلق على الاقتراحات الواردة من الحكومة تسمية «مشاريع القوانين»، بينما يطلق على الاقتراحات المقدمة من طرف أعضاء كل مجلس من مجلسي البرلمان تسمية «مقترحات القوانين». وقد تأكد هذا التمييز بين التسميتين أو المصطلحين في الدستور الحالي، على خلاف ما كان عليه الوضع في إطار دستور 1962 و1996، حيث كان يطلق على مبادرة البرلمانيين مصطلح «اقتراح قانون».
الجدير بلفت النظر إليه، هو أنه إذا كان رئيس الحكومة وأعضاء كل مجلس، يملكون الحق في اتخاذ المبادرة من أجل اقتراح القوانين؛ فإنه توجد بعض المجالات لا يتمتع بشأنها أعضاء كل مجلس بحق الاقتراح، بالرغم من انضواء تلك المجالات في الميادين التي يختص بها البرلمان، مثال ذلك المعاهدات وتمديد حالة الحصار بقانون، وكذلك قانون المالية وقانون التصفية، وكذلك القانون التنظيمي المتعلق بمجلس الوصاية الذي لا يتصور تفعيله بمقتضى مقترح وذلك من الناحية الفعلية.
والاقتراح على الوجه المنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 78، ينصب على القوانين العادية والقوانين التنظيمية، على غرار ما كان مقررا في جميع الدساتير السابقة على الدستور الحالي، التي كانت تخول للحكومة (الوزير الأول) ولأعضاء البرلمان على حد سواء، حق الاقتراح في الميادين المندرجة في مجال القانون، بما في ذلك القوانين التنظيمية، وذلك كأصل عام؛ وهو ما يتسق مع المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمسطرة التشريعية، وذلك وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 78 والفصل 85 من الدستور الجاري العمل بمقتضياته.
وما ورد في الفصل 86 من الدستور الذي ينص على التالي : «تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور»؛ فمؤداه كما هو واضح أن رئيس الحكومة ملزم من الناحية الدستورية على عرض جميع مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور، في أمد لا يمكن أن يتجاوز أمد الولاية التشريعية التي تلي صدور الأمر بتنفيذ الأحكام المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية. وتأسيسا على ما ذكر، فإن حث الدستور للحكومة على وجوب عرض مشاريع القوانين التنظيمية على البرلمان، لا يفيد مطلقا إمكانية حرمان البرلمانيين من ممارسة ما هو مقرر لهم في مجال الوظيفة التشريعية. فهم يتمتعون بالحق في تقديم مقترحات بخصوص القوانين التنظيمية على الوجه الذي بيناه، وذلك طيلة سريان الفصل 86 من الدستور، المتصف بالتأقيت المرتبط بانتهاء أمد الولاية التشريعية؛ كما يظلون متمتعين بذات الحق بعد انتهاء مفعول النص الدستوري الذي نحن بصدده.
وما تجب الإشارة إليه، هو أن التزام الحكومة بما ورد في الفصل 86 هو مجرد التزام أدبي، لا ينجر عنه توقيع أي جزاء في حالة حدوث المخالفة. لأنه بانتهاء أمد الولاية التشريعية، يكون نجم الحكومة قد أفل، ولا يبقى لها سوى تدبير الأمور الجارية إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة (الفصل 47). والحكومة المنتهية الصلاحية كما هو معلوم، لا يمكن محاسبتها أو مؤاخذتها من الناحية الدستورية، لأنه لا يجوز تفعيل ما هو منصوص عليه في الدستور تجاه حكومة مضت إلى حال سبيلها وانعدم وجودها من الناحية الواقعية والفعلية. فهل يجوز تقديم ملتمس رقابة ضد حكومة صلاحيتها منتهية؟
البند الثاني : المجلس الذي يودع لديه النص بالأسبقية
الفقرة الثانية من الفصل 78 تتعلق بالمجلس التشريعي الذي تودع لديه بالأسبقية، مشاريع القوانين المقدمة من طرف الحكومة؛ دون بيان فيما يخص المقترحات المقدمة من لدن أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين. كما أن ذات الفقرة تشير إلى مشاريع القوانين بإطلاق، من غير تحديد للمراد من هذه القوانين التي تنقسم إلى قوانين عادية وقوانين تنظيمية.
وهذه الفقرة الدستورية التي نحن بصددها تتكون من مقطعين :
فالمقطع الأول ينص على التالي : «تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب»، بما يعني أن جميع مشاريع القوانين العادية والتنظيمية – باستثناء ما ورد في المقطع الثاني من ذات الفقرة الثانية – تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، ويتداول في شأنها في نطاق مقتضيات الفصل 84 و85 من الدستور.
أما المقطع الثاني من الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور، فينص على ما يلي : «غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين».
والذي يستخلص من هذا المقتضى الدستوري الذي يشكل الاستثناء من القاعدة التي توجب إيداع مشاريع القوانين لدى مكتب مجلس النواب، هو أن مكتب مجلس المستشارين لديه تودع بالأسبقية مشاريع قوانين وردت على سبيل التعداد والحصر.
وهذه القوانين الحصرية التي توضع مشاريعها أمام مكتب مجلس المستشارين تخص الميادين التالية :
1 – الجماعات الترابية.
2 – التنمية الجهوية.
3 – القضايا الاجتماعية.
وحاصل القول فيما يخص الفصل 78 من الدستور، هو أن حق الاقتراح مكفول لرئيس الحكومة ولأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين. ويحق لكل طرف أن يقترح كأصل عام في جميع الميادين المندرجة في مجال القانون (الفصل 71) دون تمييز بين القوانين العادية والقوانين التنظيمية.
كما أن الأصل هو أن جميع مشاريع القوانين العادية والتنظيمية توضع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب؛ ولا يستثنى من ذلك إلا ميادين ثلاثة منصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 78 والفقرة الثانية من الفصل 84 من الدستور. أما مقترحات القوانين المقدمة من طرف أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين، فلم يرد لها ذكر في إطار الفصل 78؛ لذلك فهي تخضع للضوابط الدستورية المنصوص عليها في الفصل 84 و85 على الوجه التالي بيانه في إطار كل من المبحث الثاني والثالث من هذه الدراسة.
المبحث الثاني : مسطرة القوانين العادية (الفصل 84)
القوانين العادية، هي تلك القواعد القانونية المندرجة في مجال القانون على الوجه الوارد في الفصل 71 من الدستور، ويصدرها رئيس الدولة (الفصل 50) بعد التصويت عليها من طرف البرلمان وفق الضوابط المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، من غير أي عرض إلزامي على المحكمة الدستورية (الفقرة الثالثة من الفصل 132).
والفصل 84 المتعلق بالمسطرة التشريعية الخاصة بالقوانين العادية، يتكون من فقرتين : الأولى منهما تتعلق بمشاريع ومقترحات القوانين التي تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، وتخضع لتداول مجلسي البرلمان إلى أن يتم التوصل إلى إقرار النص بصيغة موحدة؛ في حين إن الفقرة الثانية تتعلق بمشاريع ومقترحات القوانين العادية الخاصة بميادين ثلاثة وردت على سبيل الحصر كما سبق الذكر، وفي إطارها يملك مجلس النواب حق البت النهائي على النص الذي سبق لمجلس المستشارين أن بت فيه.
وفي البندين التاليين تفصيل لما أوجزناه.
البند الأول : مسطرة التداول في نطاق الفقرة الأولى من الفصل 84
هذه الفقرة الأولى من الفصل 84 تتكون من أربعة مقاطع وردت على النحو التالي :
· «يتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد؛» (المقطع الأول).
· «ويتداول مجلس النواب بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين، وفي مقترحات القوانين التي قدمت بمبادرة من أعضائه.». (المقطع الثاني).
· «ويتداول مجلس المستشارين بدوره بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين، وكذا في مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه؛» (المقطع الثالث).
· «ويتداول كل مجلس في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر في الصيغة التي أحيل بها إليه.» (المقطع الرابع).
وللإحاطة بالإجراءات التشريعية في نطاق الفقرة الأولى من الفصل 84، يتعين التمييز بين الأوضاع المتعلقة بمشاريع القوانين، وتلك الخاصة بمقترحات القوانين؛ وكل ذلك في نطاق المقاطع الأربعة التي تتكون منها الفقرة الأولى، التي تستوجب على المجلسين إقرار النص (مشروع – مقترح) بصيغة موحدة، سواء تم ذلك في القراءة الأولى لكل مجلس، أو خلال القراءات الموالية التي لا تتوقف إلا وقت التوصل إلى المصادقة على نص واحد (المقطع الأول والرابع من الفقرة الأولى من الفصل 84).
أولا : الأوضاع المتعلقة بمشاريع القوانين
في نطاق الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور، تودع مشاريع القوانين المقدمة من طرف رئيس الحكومة بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، تبعا لما هو منصوص عليه في المقطع الأول من الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور؛ ولا يستثنى من هذا الأصل سوى مشاريع القوانين الثلاثة المذكورة في الفقرة الثانية من الفصل 78 والمنصوص عليها أيضا في الفقرة الثانية من الفصل 84.
والإجراءات المسطرية في نطاق الفقرة الأولى من الفصل 84، هو أن مشروع القانون بعد إقراره من طرف مجلس النواب، يحال بعد ذلك على مجلس المستشارين؛ فإذا تم التصويت عليه بالصيغة التي أحيل بها إليه؛ فإن البرلمان يكون بذلك قد أقر القانون، لينفتح المجال أمام هذا الأخير، ليستكمل باقي إجراءاته التي تنتهي بالإصدار والنشر في الجريدة الرسمية. والأغلبية المطلوبة خلال القراءة الأولى لكل مجلس، هي الأغلبية العادية للأصوات المعبر عنها في كل مجلس على حدة.
بيد أنه إذا حدث خلاف بين المجلسين في القراءة الأولى، جراء تصويت مجلس المستشارين على النص بصيغة مغايرة لما بت فيه مجلس النواب؛ فإن النص يحال من جديد على مجلس النواب ليتداول بشأنه في قراءة ثانية، بحيث لا تتوقف عملية انتقال النص من مجلس إلى آخر، إلا لحظة التوصل إلى المصادقة على نص واحد، في إطار ما هو مبين في المقطع الأول والرابع من الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور.
والأغلبية المطلوبة في جميع مراحل التداول بين المجلسين، سواء في القراءة الأولى أو خلال القراءات الموالية، هي الأغلبية العادية من الأصوات المعبر. كما أن التداول ابتداء من القراءة الثانية والقراءات الموالية، ينحصر في المواد التي لم يتم التوصل بشأنها إلى الاتفاق على نص بصيغة موحدة.
والجدير بلفت النظر إليه، هو أن مشاريع القوانين الخاضعة لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 84، لا تعرض مطلقا بالأسبقية على مجلس المستشارين؛ لأن هذا الأخير لا يمكن له أن يتصدى للتداول في مشروع القانون، إلا بعد أن يحال عليه من طرف مجلس النواب؛ مادام مشروع القانون غير متعلق بمجال من المجالات المنصوص عليها في كل من الفقرة الثانية من الفصل 84 والفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور. لهذا فإن مجلس المستشارين في إطار الفقرة الأولى من الفصل 84 قد يكون الأخير في إقرار النص كما أحيل عليه من طرف مجلس النواب، سواء حدث ذلك بمناسبة القراءة الأولى أو تم ذلك خلال القراءة الثانية أو القراءات الموالية، إلا أنه لا يمكن أن يكون له حق التداول بالأسبقية، حينما يكون الأمر متعلقا بما ورد في مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 84.
لذلك، فإن ما تضمنه المقطع الثالث من الفقرة الأولى من الفصل 84، بخصوص تداول مجلس المستشارين بالأسبقية في مشاريع القوانين، يعتبر نقيصة اقترفها أعضاء لجنة صياغة الدستور. والغريب في الأمر، هو أن مشروع الدستور المحرر بالفرنسية، كان خاليا من هذه الفلتة التي لا يستقيم وضعها مع ما هو منصوص في الفصل 78 (الفقرة الثانية).
ولتفادي مثل هذه المثلبة في النص الدستوري الجاري العمل بمقتضياته، يتعين إدخال تعديل دستوري على الوثيقة الدستورية، لتنقيتها من مثل هذا الدخن. وحينما يتحقق ذلك، يتعين صياغة المقطع الثالث من الفقرة الأولى من الفصل 84 على النحو التالي : «ويتداول مجلس المستشارين في مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه».
ثانيا : الأوضاع المتعلقة بمقترحات القوانين
في إطار الفقرة الأولى من الفصل 84، يملك أعضاء مجلس النواب وكذا أعضاء مجلس المستشارين، على قدم المساواة، حق اتخاذ المبادرة من أجل اقتراح القوانين ومناقشتها والتصويت عليها. لأن اقتصار المقطع الأول من الفقرة الثانية من الفصل 78 على ذكر مشاريع القوانين التي تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، دون إشارة إلى مقترحات القوانين، لا ينفي حق كل مجلس في الاقتراح والمناقشة والتصويت على ضوء الضوابط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور.
والأولوية في التداول والتصويت على مقترحات القوانين، يكون للمجلس صاحب الأسبقية في الاقتراح.
فإذا كان مجلس المستشارين هو صاحب المبادرة التشريعية، فإنه يتداول بالأسبقية في مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه. وبعد أن يصوت مجلس المستشارين على مشروع مقترحه، فإن هذا الأخير يحال على مجلس النواب للتداول والتصويت عليه. فإذا تم إقراره كما أحيل عليه من مجلس المستشارين، فإن البرلمان يكون بذلك قد أقر القانون بصيغة موحدة، بما يتولد عن ذلك من انتهاء الإجراءات التشريعية للبرلمان، لتبدأ إجراءات أخرى وفق ما هو منصوص عليه في الدستور. وذات الإجراءات هي المتبعة، في حالة كون مجلس النواب هو صاحب الأسبقية في تقديم مقترح القانون.
وسواء كان مجلس المستشارين أو مجلس النواب هو المبادر إلى الاقتراح، فإن مسطرة انتقال النص من مجلس إلى آخر لا تتوقف إلا وقت التصويت على النص بصيغة موحدة، يستوي تحقق ذلك في القراءة الأولى أو في القراءات الموالية. كما أن الأغلبية المطلوبة لإقرار النص من طرف كل مجلس، خلال انتقال النص من مجلس إلى آخر، هي أغلبية الأصوات المعبر عنها، كما هو الحال بالنسبة لمشاريع القوانين.
ومما يستوجب لفت النظر إليه، هو أن قانون المالية يعتبر من المواضيع الخاضعة للمسطرة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور؛ ولا يملك مجلس النواب أن يقرر بشأنه بتصويت نهائي، جراء وجوب التداول بين المجلسين إلى أن يحصل الاتفاق بينهما على نص بصيغة موحدة.
وهنا أُذكِر بالخطأ الجسيم الذي اقترفه أعضاء المجلس الدستوري بمناسبة توقيعهم على القرار 931-14 المتعلق بقانون المالية لسنة 2014. والأغرب من زلة الموقعين على القرار، هو أن السادة الدكاترة (كلية الحقوق) الأعضاء في مجلسي البرلمان، لم ينتبهوا إلى الانحراف الذي حدث بخصوص المسطرة التشريعية، لذلك طعنوا في قانون المالية لأسباب، ليس من بينها الطعن بعدم الدستورية الراجع إلى مخالفة إقرار قانون المالية بشكل مخالف لما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور.
وأهم مميزات الفقرة الأولى من الفصل 84 نوجزها فيما يلي :
· جميع مشاريع القوانين العادية كأصل عام، ومقترحات القوانين المقدمة بمبادرة من أعضاء مجلس النواب؛ تعرض على هذا الأخير بالأسبقية وبصفة وجوبية.
· مجلس المستشارين تنعقد له الأسبقية في التداول بخصوص مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه.
· ما عدا مسألة الأسبقية في التداول، فإن المجلسين يتساوان في الصلاحيات المتعلقة بالإجراءات التشريعية.
· التداول بين المجلسين لا يتوقف إلى عند التوصل إلى المصادقة على نص بصيغة موحدة.
· الأغلبية المطلوبة لإقرار النص من طرف كل مجلس سواء تعلق الأمر بالقراءة الأولى أو الثانية أو القراءات الموالية، هي دائما أغلبية الأصوات المعبر عنها.
البند الثاني : مسطرة التداول في نطاق الفقرة الثانية من الفصل 84
هذه الفقرة الثانية من الفصل 84 التي وردت معطوفة على ما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من ذات النص الدستوري، تنص على ما يلي :
«ويعود لمجلس النواب التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه، ولا يقع هذا التصويت إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين، إذا تعلق الأمر بنص يخص الجماعات الترابية، والمجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية والشؤون الاجتماعية».
ولتفهم فحوى هذه الفقرة التي لا يتبع بشأنها مسطرة الجولات المكوكية، يتعين ربط مقتضياتها بما ورد في المقطع الثاني من الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور؛ ووجوب التمييز في إطار الفقرة الثانية من الفصل 84 بين مشاريع القوانين ومقترحات القوانين المقدمة من طرف أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين.
وفيما يلي بيان للمسطرة التشريعية المتعلقة بمشاريع ومقترحات القوانين، على ضوء ما هو مقرر في الفقرة الثانية من الفصل 84.
أولا : الإجراءات المتعلقة بمشاريع القوانين
مشاريع القوانين في نطاق الفقرة الثانية من الفصل 84، على غرار ما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل 78 تخص المجالات الحصرية التالية :
1 – الجماعات الترابية.
2 – المجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية
3 – نص يخص الشؤون الاجتماعية.
ومشاريع هذه القوانين على الوجه الحصري، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين. ولما كانت الإجراءات المتعلقة بمشاريع القوانين في المجالات الحصرية التي نحن بصددها، هي ذات الإجراءات المتبعة بشأن مقترحات القوانين المقدمة بمبادرة من أعضاء مجلس المستشارين، فإننا نرجئ البيان والتوضيح إلى ما سيأتي شرحه بخصوص مقترحات القوانين.
ثانيا : الإجراءات المتعلقة بمقترحات القوانين
يتبين بكل جلاء أن مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 84 لا يتم اللجوء إليها إلا بعد عدم توصل المجلسين إلى إقرار النص بصيغة موحدة، فحينئذ يعود لمجلس النواب حق التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه من طرف مجلس المستشارين.
والسؤال الذي يفرض نفسه في إطار الفقرة الثانية التي نحن بصددها، يتعلق بمعرفة متى ينعقد لمجلس النواب الحق في التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه؟ فإذا انعقد حق التداول بالأسبقية لمجلس المستشارين، باعتبار أن مقترح القانون قدم بالأسبقية من طرف أعضائه؛ فهل يملك مجلس النواب بعد إحالة النص عليه لأول مرة، أن يبت فيه بتصويت نهائي يضع حدا لانتقال النص من مجلس إلى آخر؟
الجواب على التساؤلات التي يمكن أن تثار في نطاق الفقرة الثانية من الفصل 84 من الدستور، سيكون عبر التمييز بين الوضعين التاليين :
1 – أسبقية مجلس النواب في التداول
يتقرر حق التداول بالأسبقية لمجلس النواب حينما يكون مقترح القانون مقدما بمبادرة من أعضاء مجلس النواب في المجالات الثلاثة المذكورة في الفقرة الثانية من الفصل 78 والفقرة الثانية من الفصل 84؛ وعندئذ يتقرر حق التداول بالأسبقية لمجلس النواب، ثم يحال النص بعد ذلك على مجلس المستشارين. فإذا أقره هذا الأخير دون تغيير أو تعديل، فإن التداول بين المجلسين يتوقف عند هذا الحد، ويعتبر النص موافقا عليه من طرف مجلسي البرلمان. أما إذا صوت مجلس المستشارين على النص بشكل مخالف، فهنا ينفتح المجال للتداول في إطار القراءة الثانية، التي في نطاقها ينفرد مجلس النواب بحق التصويت النهائي على النص دون اعتداد بموقف مجلس المستشارين. والأغلبية المطلوبة لإقرار النص في إطار هذه القراءة الثانية، هي الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب الحاضرين في الجلسة العامة.
2 – أسبقية مجلس المستشارين في التداول
في إطار الفقرة الثانية من الفصل 84 من الدستور، تنعقد الأسبقية في التداول لمجلس المستشارين، بمناسبة مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه، كما تنعقد له الأسبقية بمفرده بخصوص مشاريع القوانين المقدمة من طرف رئيس الحكومة.
وحينما تنعقد الأسبقية في التداول لمجلس المستشارين في المجال الذي نحن بصدده، فإن التصويت النهائي لا يتقرر لمجلس النواب إلا بمناسبة القراءة الثانية، حيث يتداول مجلس المستشارين في النص للمرة الثانية، ثم يعقبه بعد ذلك تداول مجلس النواب للمرة الثانية، وهو ما يتولد عن ذلك وضع النهاية لمسطرة التداول بين المجلسين.
والجدير بالتذكير هو أن التصويت النهائي يتم بسبب اختلاف المجلسين على إقرار النص في إطار القراءة الأولى. فإذا لم يحدث الخلاف، فلا مجال حينئذ لهذا النمط من التصويت الذي يستأثر به مجلس النواب بمناسبة اللجوء إلى القراءة الثانية، التي في نطاقها فقط يكون الحسم لما يقرره مجلس النواب بمفرده.
وفي ختام تحليلنا للفقرة الأولى والثانية من الفصل 84 المتعلق بالإجراءات التشريعية الخاصة بالقوانين العادية، نوجز أهم تغاير وتباين بين الفقرتين في التالي :
أ – رئيس الحكومة يودع مشاريع القوانين العادية بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب وذلك كأصل عام. واستثناء من هذا الأصل، يتم إيداع مشاريع القوانين المتعلقة بالمجالات الحصرية الثلاثة بالأسبقية، أمام مكتب مجلس المستشارين.
ب – التداول بين المجلسين في نطاق الفقرة الأولى، يبقى قائما ولا يتوقف إلا وقت التوصل إلى المصادقة على نص بصيغة موحدة. في حين إن التداول في إطار الفقرة الثانية، يتوقف وجوبا عندما يصوت مجلس النواب على النص للمرة الثانية، في نطاق ما يسمى بالتصويت أو البت النهائي، الذي يستأثر به مجلس النواب بمفرده.
ج - اللجوء إلى التصويت النهائي من طرف مجلس النواب، إمكانية لا تستعمل إلا في نطاق القراءة الثانية.
د – في إطار الفقرة الأولى، الأغلبية الواجب تحققها في القراءة الأولى وخلال القراءة الثانية والقراءات الموالية لمشاريع ومقترحات القوانين، هي دائما أغلبية الأصوات المعبر عنها. أما في نطاق الفقرة الثانية، فإن الأغلبية المطلوبة وقت انفراد مجلس النواب بالتصويت النهائي بمناسبة اللجوء إلى القراءة الثانية للنص محل الخلاف، فهي الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب الحاضرين، من غير اكتراث بموقف مجلس المستشارين.
وأهم ملاحظة يجب التذكير بها، فهي تلك المتعلقة بعدم انتباه أعضاء لجنة صياغة الدستور إلى التناقض القائم بين المقطع الثاني من الفقرة الثانية من الفصل 78، وما هو منصوص عليه في المقطع الثالث من الفقرة الأولى من الفصل 84. ذلك أن مشاريع القوانين في إطار الفقرة الأولى من الفصل 84 ينفرد بها مجلس النواب، على غرار انفراد مجلس المستشارين بمشاريع القوانين المنصوص عليها على سبيل الحصر في الفقرة الثانية من ذات الفصل الدستوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.