لاحظ المتتبع للشأن السياسي المغربي كيف تم إدخال تعديلات وتغييرات على مواد أساسية من مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات - منذ ان كانت هذه المشاريع مسودة الى ان أصبحت مشاريع قوانين تنظيمية - نتيجة اللوبيات الانتخابية التي أصبحت تتنظم بالمغرب وتمارس ضغوطات على الدولة وعلى الأحزاب لفرض تعديلاتها وحذف بعض مواد هذه المشاريع خدمة لأجندتها ولمصالحها الانتخابية.وفي هذا إشارات قوية على ان الانتخابات المقبلة ستخضع لمنطق اللوبيات والكائنات الانتخابية ولسلطة الأعيان والمال وأصحاب النفوذ مما يجعل من رهانات الوثيقة الدستورية- ف 7- التي تربط مشروعية التمثيل الديمقراطي بالانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة مجرد حلم.وسنحاول في هذا المقال ا ن نقدم بعض الأمثلة على ذلك. سياق عرض مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات: السياق العام الذي تعرض فيه مشاريع القوانين الانتخابية المتعلقة بالجماعات وبالجهات وبالعمالات وبالأقاليم سياق غير سليم سياسيا في ظل تيه وتطاحن الأحزاب فيما بينها والاكتفاء بتدبير أزماتها الداخلية والظهور القوي للمؤسسة الملكية مقابل غياب الحكومة والأحزاب والمؤسسات المنتخبة اثر الفيضانات وتساقط الثلوج الأخيرة .والأكيد ان نسبة التسجيل الضئيلة في اللوائح الانتخابية تبرهن على ذلك بعد صدمة المواطن بسلوك وخطاب الأحزاب ، والصراعات الهامشية بين الاغلبية والمعارضة ما بعد انتخابات 2011 وضعف تدبير السياسات العمومية. لغة مشاريع هذه القوانين التنظيمية : صيغت هذه المشاريع في بعض موادها بلغة غامضة وفضفاضة بعيدة عن اللغة القانونية في صياغة النص القانوني . والقارئ للغة مشاريع القوانين السالفة الذكر يصاب بالصدمة نتيجة غموض لغة هذه المشاريع القانونية التي تهيمن عليها الكلمات الفضفاضة والعامة والقابلة للتأويلات المتعددة، مما يجعل عناصر المعرفة القانونية والدستورية لهذه المشاريع القانونية تؤول سلبيا نتيجة غموض عناصر صياغتها اللغوية وهذا ما تؤكده مواد الميثاق الجماعي الحالي حيث تؤول مواده القانونية بين السلطة المنتخبة والسلطة المعينة الى حد التناقض ومما يزيد الأمر تعقيدا عدم إصدار المراسيم التطبيقية الخاصة بها. ومن المؤسف ان السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ما زالت تصيغ المشاريع والمقترحات القانونية بلغة مطاطية وعامة بدل اللغة الدقيقة والواضحة لأنها ما زالت لم تع بأن الصياغة القانونية هي علم موضوعه الوضوح في الصياغة القانونية المجسدة للفكرة القانونية.وبأن الصياغة اللغوية هي من تحول المادة القانونية إلى قواعد وآليات عملية قابلة للتطبيق الصحيح على نحو يحقق الهدف الذي يفصح عنها جوهرها.وقد اثبت واقع التدبير الجماعي ان الكثير من الاختلالات في تدبير الشأن العام تعود الى لغة نصوص ميثاق الجماعي. مرجعيات مشاريع القوانين التنظيمية الانتخابية بين البعد التكتيكي والبعد الاستراتيجي : سياق عرض هذه المشاريع وضغط عامل الزمن وواقع الأحزاب السياسية وطول مساطير تحويل هذه المشاريع الى قوانين تنظيمية وقرب إجراء الانتخابات التي ستؤطرها هذه القوانين يجعل منها قوانين تنظيمية تكتيكية- تستجيب لأهداف وتطلعات آنية تخدم أجندة بعض الأحزاب -وليس بقوانين تنظيمية استراتيجيه قابلة للاستثمار على المدى البعيد وذات رهانات إستراتيجية . لذلك ، ستتعامل أحزاب المعارضة والأغلبية مع مشاريع القوانين التنظيمية للجمعيات وللجهات وللعمالات والأقاليم من زاوية معادلة الربح والخسارة الآنيين واضعة نصب أعينها أجندة انتخابات الجماعات والجهات والمقاطعات والعمالات والأقاليم ومجلس النواب ومجلس المستشارين وستبرهن الاحزاب على ذلك بالنسبة للقضايا التالية : نسبة العتبات – نمط الاقتراح- شرط ترأس اللائحة للترشح للرئاسة بالنسبة للجماعات وللجهات وباقي المجالس- عتبة اللوائح التي تتأهل للترشح للرئاسة- علاقة اللائحة الفائزة بأكبر عدد من الأصوات وحقها برئاسة الجماعة او الجهة الخ إشكالية أولوية إحالة مشاريع هذه القوانين التنظيمية بين مكتب المستشارين ومكتب النواب : ستثير قضية إحالة هذه المشاريع جدلا دستوريا وقانونيا لمضمون الفصل 78 بين وزير الداخلية و مجلس المستشارين من جهة ، وبين رئيس مجلس المستشارين ورئيس مجلس النواب من جهة أخرى حول من له الأولوية القانونية لتحال عليه مشاريع القوانين السالفة الذكر .مجلس المستشارين متشبث بإحالة هذه المشاريع عليه أولا قبل إحالتها على مجلس النواب وفقا للمقتضيات الدستورية خصوصا ما نص عليه الفصل 78 : »بأن تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة، على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية،وبالقضايا الاجتماعية، تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين«،وتجنبا لأي طعن دستوري ستحيل الحكومة هذه المشاريع على مجلس المستشارين ، وان كان ذلك يمثل مغامرة سياسية للحكومة التي لا تتوفر على الأغلبية بمجلس المستشارين فهي تتخوف من ان تتخذ المعارضة القوية بمجلس المستشارين المكونة من الفرق الثلاثية التابعة للبام والاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال هذه المشاريع رهينة اما بهدف تأخير إجراء هذه الانتخابات او لتضغط أكثر على الحكومة لأهداف تكتيكية.والأكيد ان محطة مناقشة هذه المشاريع الهامة ستستغل من أحزاب المعارضة وأحزاب الأغلبية لتصفية الحسابات السياسوية بكيفية شرسة نتيجة غياب وضعف الثقافة الديمقراطية في تدبير الاختلاف عند أحزاب المعارضة وأحزاب الأغلبية الأمر الذي سيزيد من تأزيم الزمن الانتخابي ومن رداءة السلوك الحزبي و من شعبوية الخطاب السياسي الأمر الذي ستكون تكلفته غالية على مستوى المشاركة في الانتخابات المعادلة الصعبة. اللوبيات الانتخابية تتحكم في حالات التنافي : ا- حالات التنافي عند رئيس الجماعة: أصيب عدد من المتتبعين بالدهشة عن تراجع وزارة الداخلية في مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بانتخابات الجهات والجماعات وبالعمالات والأقاليم بمنع حالات التنافي لمهام مجلس الجماعة مع مهام رءيس مجلس جماعية ترابية أخرى او مهام رئيس غرفة مهنية ......لكنها سمحت لرئيس الجماعة للترشح بأن يكون عضوا بالجهة او عضوا بالحكومة او بمجلس النواب او بمجلس المستشارين او عضوا بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهنا يظهر انبطاح وزارة الداخلية والأحزاب امام لوبي رؤساء الجماعات وبعض الجمعيات .والأكيد ان عدم منع حالات التنافي بالنسبة لرؤساء الجماعات سيكون لصالحهم لاستغلال مواقعهم وإمكانية وموارد الجماعة في خدمة اجندة الرئيس اذا أراد الترشح للانتخابات البرلمانية او لفرفة المستشارين في الوقت الذي يفترض فيه ان تكون وزارة الداخلية صارمة لتوسيع حالات التنافي في الجمع بين مهام رئاسة جماعة ومهام عضو بالبرلمان او بالحكومة نتيجة الاختصاصات والمهام التي خولها مشروع القانون التنظيمي للجماعات لرئيس الجماعة وهو ما يعني ان ضغوطات اللوبيات الانتخابية حذفت حالات التنافي بالجمع بين رئاسة المجلس وعضو بالبرلمان وعضو بالحكومة وفق المادة 15 من هذا المشروع. -ب-حالات التنافي عند رئيس الجهة: حافظ المشروع المتعلق بالجهات بحالات التنافي عند رئيس الجهة عبر منعه الجمع بين رئاسة الجهة وعضو بالحكومة او بالبرلمان او بمجلس المستشارين او عضو بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي والبيئي كما نصت على ذلك المادة 17 من هذا المشروع. اللوبيات الانتخابية تحذف المستوى الثقافي لرئاسة الجماعة او لرئاسة الجهة: تم التراجع نهائيا في هذه المشاريع عن التشبت بشرط لمستوى الثقافي لرئيس الجماعة عبر إقبار المادة 28 من الميثاق الجماعي الحالي التي تشترط ان يكون لرئيس الجماعة على الأقل مستوى نهاية الدروس الابتدائية وهذا ما اثار دهشة المراقبين ، ذلك انه في الوقت الذي كان المواطن ينتظر ان يكون رئيس الجهة حاصلا على الأقل على الباكالوريا وما فوق، ورئيس الجماعة على مستوى الباكالوريا او على مستوى الإعدادي نظرا للمهام والاختصاصات التي أصبحت لرئيس الجماعة ولرئيس الجهة هذا الأخير الذي أصبح الآمر بالصرف والمسؤول عن الميزانية والمنفذ لمداولات ومقررات مجلس الجهة. وتجنبا لإقصاء ترشح عدد من المرشحين لرئاسة جماعة او رئاسة جهة قامت لوبيات الانتخابات والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجهات والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات بضغوطات مكثفة لحذف شرط المستوى الثقافي من شروط الترشح لرئاسة الجماعة او لرئاسة الجهة تحت ذريعة واهية دستوريا وهي حق حرية الترشح لكن ما يمنع الاحزاب ان تضع ميثاق شرف لمنع الاميين لرئاسة الجماعات والجهات؟ اين هو التأسيس لحكامة اقتصادية وتنموية على المجال الترابي ؟ هل يمكن ان تكون جماعات وجهات مغرب القرن 21 و زمن العولمة ومجتمع المعرفة والاعلام والتطور التكنولوجي مؤسسات ذات صلاحيات موسعة يترأسها اميون وكائنات انتخابية جاهلة؟ وخير ما نختتم به هذا المقال هو ان تعي فرق الأغلبية وفرق المعارضة دلالات الكلمات التي خطابهم بها جلالة الملك اثناء افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة الأخيرة »:كما ندعوكم لتحمل مسؤولياتكم كاملة، في القيام بمهامكم التشريعية، لأن ما يهمنا، ليس فقط عدد القوانين، التي تتم المصادقة عليها، بل الأهم من ذلك هو الجودة التشريعية لهذه القوانين. » مضيفا جلالته : »كما نشدد على ضرورة اعتماد الحوار البناء، والتعاون الوثيق والمتوازن، بين البرلمان والحكومة، في إطار احترام مبدأ فصل السلط، بما يضمن ممارسة سياسية سليمة، تقوم على النجاعة والتناسق، والاستقرار المؤسسي، بعيدا عن تحويل قبة البرلمان إلى حلبة للمصارعة السياسوية ». فمتى وكيف ستلتزم أحزاب وفرق المعارضة والأغلبية فمضامين الخطابات الملكية؟ *أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الخامس