قد لا يظهر مشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب كقانون مهم في حد ذّاته، بالنظر لتعدد القوانين المماثلة التي عرفها المغاربة منذ سنة 1977. غير أن المشروع الحالي هو في عمقه لا يتعلق فقط بتنظيم كيفية انتخاب أعضاء مجلس النواب، وإنما هو في الحقيقة وفي العمق هو محطة فاصلة بين المغرب الذي عرفناه منذ دستور 1962 إلى انتهاء إعمال دستور 1996، و بين المغرب الذي نترقب العيش فيه أي مغرب دستور 2011، بكل ما يحمل من أمال في انتقال سلس نحو الديموقراطية بكامل مواصفاتها الدولية. فمن حهة أولى، فإن هذا المشروع ليس قانونا تنظيميا ككل القوانين التنظيمية التي ينص عليها دستور 2011، و إنما هو القانون التنظيمي الذي سيعبد الطريق أمام إدخال دستور 2011 إلى مجال التطبيق الفعلي، و بالتالي سيشكل المعيار الذي يمكن أن تقاس به عملية إنجاح الورش الكبير الذي فتحه الدستور الجديد. ومن جهة ثانية فإن ما يدفع الى أيلاء هذا القانون كل هذا الأهمية هو ما ينص عليه الفصل 47 من دستور 2011 من كون جلالة الملك سيعين رئيس الحكومة المقبلة من الحزب الذي سيتصدر الانتخابات المقلبة التي ستنظم في اطار القانون التنظيمي المشار إليه أعلاه. أي أن هذا القانون هو الآلية التي سيعهد لها بالتمكن من إبراز الحزب الذي سيقود الحكومة المقبلة، و بالتالي إما أن يكون قانونا مضبوطا ومحكما ومنسجما ومعبرا علن الإرادة السياسية التي أسست لدستور 2011، لا تسمح لا بفراغات ولا بتعدد التأويلات، وفي هذه الحالة سيكون بالفعل ألية مكملة للدستور نصا وروحا ومترجما للإرادة السياسية في الانتقال بالمغرب من الوضع السياسي الحالي إلى وضع سياسي جدير بمغاربة اليوم و بمغرب اليوم. أو سيكون آلية لن تتصدى لجوهر الإشكالات التي عرقلت السير العادي للمؤسسات الدستورية في هذه البلد الحبيب. ومن حهة ثالثة، فإن المشروع ينتظر أن يجيب على إشكال الثقة التي فقدت من طرف المغاربة في أي عملية انتخابية بسبب ما أدت إليه طريقة تدبير العمليات الانتخابية من إقصاء للنخبة وللأطر هذه البلاد المعطاء والذين فضلوا التواري إلى الوراء مما أدى إلى إفساح المجال لكل أشكال المفسدين الذن أصبحوا اليوم ليسوا، فقط، خطرا على مؤسسة البرلمان وإنما هم خطر حتى على الدولة واستقرارها. إن مقياس نجاح هذا القانون وهو بمدى إقناع كل المغاربة على الانخراط في العمليات الانتخابية ترشيحا وتصويتا والقطع مع حالة العزوف التي أصبحت مقللة اليوم . فهل مشروع القانون الحالي، في صياغته الحالية من شأنه ان يقدم الاجوبة التي ستدفع المغاربة الى استرجاع الثقة في العملية الانتخابية والمساهمة بقوة في اختيار من سيختار من بينهم الملك من سيدير دفة الشاأن العام بالاختصاصات التي حملها دستور 2011 . ان القراءة الأولى لمشروع القانون التنظيمي تدفع الى الإشارة الى بعض التدقيقات لبعض المقتضيات التي حملها القانون التنظيمي المشار إليه أعلاه. التدقيق الأول ويتعلق بالمادة 2 التي تتكلم عن التقطيع الانتخابي، والتي هي في الحقيقة مادة تتضمن مقتضيات ذات طابع سياسي أكثر من الطابع القانوني، لأنها لا تهم التقطيع الجعرافي فقط وإنما لها أبعاد سياسية لكل عملية انتخابية، لذا فإن أغلبية الدول الديموقراطية تعتبر هذه المهمة من الاختصاص الخاص بالحكومة القائمة، وبالتالي فإن التقطيع الانتخابي ينظم بمرسوم وليس بقانون. غير ان مضمون المادة 2 وان كانت تشير في الفقرة الأولى منها الى ان إحداث الدوائر الانتخابية تتم بمرسوم إلا أن الفقرة الأخيرة من تلك المادة تحد من مدى ذلك المرسوم و بالتالي من حرية الحكومة في تدبير التقطيع الانتخابي، ما دام ان الفقرة الاخيرة من تلك المادة تربط تحديد الدوائرالانتخابية بحدود العمالات والاقاليم وعمالات المقاطعات. لهذا، فإن السؤال المشروع الذي يطرح نفس هو في الاختيار بين الإبقاء على اختصاص الحكومة في تدبير التقطيع الانتخابي اي اعتماد آلية المرسوم، كما هو الأمر في أغلبية الدول الديموقراطية، الذي يخضع لمبدأ المرونة التي تتطلبه العملية السياسية، أو اختيار سن التقطيع الانتخاب بواسطة القانون، اي اعتماد مقاييس ثابتة ومعروفة بنص القانون. لكن ما الفرق بين اعتماد آلية المرسوم أو إلية القانون في تدبير إشكال التقطيع الانتخابي، وعلى الخصوص بالنسبة للمعارض الأقلية في تقديري ان من مصلحة المعارضة الأقلية أن يبقى تدبير التقطيع الانتخابي من اختصاص الحكومة القائمة تدبره بواسطة مرسوم بدون قيود تشريعية. وفي هذه الحالة سيحتفظ للمعارضة الأقلية بقوة الاحتجاج على الحكومة وإمكانية التفاوض معها و حق الاعتراض عليها. لكن عندما يكون التقطيع الانتخابي منظم بمقتضى قانون فذلك يعني أن البرلمان هو من سن قواعد ذلك التقطيع، أي أن الأغلبية البرلمانية هي التي سيعود إليها الاختصاص. وفي نهاية المطاف سيكون لذلك التقطيع الشرعية البرلمانية والتالي لا يمكن الاحتجاج على إرادة الأمة ولا يمكن التفاوض عليه بعد التصويت على النص و بطيعة الحال لا يمكن الاعتراض على نص قانون أصبح ملزما للجميع لأنه يعبر عن إرادة الأمة. إذن في تقديري من المفيد ان تسن قواعد التقطيع الانتخاب بواسطة مرسوم، أي أن تكون من الاختصاص الخاص بالحكومة القائمة. التدقيق الثاني ويتعلق بالمادة 6 التي تحدد الأشخاص غير المؤهلين لترشيح . غير أن الفقرة 3 من تلك المادة التي تتكلم عن الأشخاص المحكومين بعقوبة حبسية هي، أي تلك الصيغة، تؤدي الى عكس ما يريده المشرع من تلك المادة. ذلك أنها تستثني كل من صدر في حقه حكم بخصوص جريمة لها علاقة بالانتخابات قبل دخول القانون التنظيمي الحال حيز التنفيذ. ومبرر ذلك هو أن تلك الفقرة تحدد الاشخاص المعنين بالمنع من الترشيح في من صدرت في حقهم عقوبة حبسية من اجل الافعال النصوص عليها في مشروع القانون التنظيمي نفسه والذي لم يدخل بعد حيز التنفيذ. وهو ما يعني أن كل من سبق أن صدرت في حقه عقوبة حبسية تتعلق بالعمليات الانتخابية السابقة مثلا، فإنه لن يمنع من الترشح للانتخابات المقبلة. وأعتقد أن الإرادة السياسية وقصد محرري المشروع هو تخليق الحياة السياسية والحد من مفسدي الانتخابات، مما يتعين معه ان يمتد المنع الى كل من سبق ان صدرت في حقه عقوبة حبسية في الفترة السابقة. وهذا الموقف هو إشارة قوية لبدء عملية تخليق الحياة السياسية وتشجيع الناس على جدية المشاركة في العمليات الانتخابية. التدقيق الثالث وهو يتعلق بالفقرة الاولى من المادة 13 والتي، حسب الصيغة التي كتبت بها، تهم تدبير حالات تنافي العضوية في البرلمان مع العضوية في المحكمة الدستورية او في المجلس الاقتصادي والاجتماعي. لكن بالرجوع الى المادة 17 من نفس القانون التي تنظم حق من يوجد في وضعية التنافي في الاختيار بين المنصبين، سيلاحظ ان هذه المادة الاخيرة لا تشمل الفقرة الاولى من المادة 13، وهم ما يعني ان الفقرة الاولى من المادة 13 يجب ان تنقل من الباب الثالث المتعلق بحالة التنافي الى الباب الثاني المتعلق بأهلية الترشح. التدقيق الرابع وهو يهم اختصاص المحكمة الدستورية في إعلان الإقالة أو التنافي أو التجريد من العضوية. ذلك ان الفقرة 1و2 من المادة 11, والمادة12 ، و الفقرة 3 من المادة 17، الفقرة 1و2من المادة 18 والفقرة الأخيرة من المادة 19 لا تساعد صيغتها على تحديد مدقق لمهام المحكمة الدستورية، فهل يدخل في اختصاص هذه الأخيرة إعلان الإقالة والتنافي والتجريد فقط أم أن من مهامها البت في جوهر النزاع حول تلك الحالات. إن مبدأ الشفافية يقتضي أن يكون القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس النواب واضح و مدقق ومفصل ولا يقبل التأويل حتى تحتفظ المحكمة الدستورية فقط بحق الإعلان عن أي حالة من حالات الإقالة أو التنافي أو التجريد عند تتحقق شروطها المنصوص عليها بكل وضوح في القانون التنظيمي، كما أن ما تضمنه المشروع من كون تدخل المحكمة الدستورية مرهون و مشروط اما بطلب من رئيس البرلمان أو من وزير العدل أو من النيابة العامة، هو أمر لن يساعد على سمو القاعدة الدستوري المنصوص عليها في القانون التنظيمي باعتباره مكملا للدستور. لذا من المفيد أن لا يترك أي سلطة تقديرية لأي جهة في أن تحيل أو لا تحيل الأمر على المحكمة الدستورية بخصوص حالة الإقالة أو التنافي أو التجريد. مع الاحتفاظ بمقتضيات الفقرة الاخيرة من المادة 12 المتعلقة بإحالة من لا يثبت كيفية صرف الدعم الانتخابي او من يتجاوز السقف القانون في تمويل الانتخابات، مع التدقيق بكون الاحالة ملزمة لرئيس المجلس الاعلى لحسابات وبقوة القانون في الحالات المشار اليها اعلاه. التدقيق الرابع وهو يهم الفقرة 2 من المادة 27 التي تكلم على ترتيب المرشحين في ورقة التصويت. ان كل من شارك في الانتخابات الاخيرة يكون قد عاش وضعا مشينا و أحيانا مهينا ويتمثل في المبيت في العراء أمام باب العمالة من احل ان يحصل على ترتيب متقدم في ورقة التصويت. لذا من المفيد أن يرتب المشرحون في ورقة التصويت بالقرعة التي تجرى بحضورهم بعد انتهاء فترة وضع الترشيحات. التدقيق الخامس ويتعلق بالمادة 37 التي يستفاد منها أن الجرائم المتعلقة بالانتخابات لا تخضع للقانون الجنائي، نظرا لكون الصيغة التي كتبت بها تلك المادة تفيد أن القانون التنظيمي هو الذي يحدد المخالفات والعقوبات المتعلقة بالانتخابات، بدون اي استثناء. مع العلم ان هناك أفعالا إجرامية تقع بمناسبة العمليات الانتخابية و تكون من الخطورة التي لا تنحصر في العقوبة المنصوص عليها في مشروع القانون. لذا من المفيد أن تعاد صياغة تلك المادة بشكل يبقى القانون الجنائي واجب التطبيق الى جانب القواعد الزجرية المنصوص عليها في مشروع القانون التنظيمي، عندما تكون الافعال من الخطورة التي لا تستوعبها مقتضيات القانون التنظيمي او عندما نكون امام افعال غير مذكورة في القانون التنظيمي . التدقيق السادس ويتعلق بالمادة 47 و جميع المواد المتعلقة باستعمال ورقة التصويت، وذلك حتى تشمل الحالة الخطيرة جدا والتي طبعت بعض العمليات في الانتخابات الماضية و المتمثلة في إخراج ورقة التصويت من قبل بعض رؤساء مكاتب التصويت والتي استعملت من طرف مفسدي الانتخابات و باستعمال الضغط المالي على الناخبين. التدقيق السابع ويتعلق بالمادة 50 التي تطرح صيغتها سؤالا يتعلق بمدى الإبقاء على تطبيق قانون الصحافة أثناء العمليات الانتخابية، علما أن المادة 26 من قانون الصحافة يعاقب، مثله مثل المادة 50 من مشروع القانون التنظيمي، على نشر الخبر الزائف. فأي القانونين يجب تطبقه. التدقيق الثامن وهو المتعلق بالمادة 59 التي تنص على ان الحكم بالعقوبة على من يرتكب جريمة انتخابية لا يترتب على ذلك إلغاء نتائج الانتخاب. إن هذه القاعدة التي توجد في القانون التنظيمي الحالي هي قاعدة تشجع على المس بالعمليات الانتخابية، مادام المرشح المعني بالمخالفة يكون مطمئنا على أن معاقبته زجريا على إفساد العملية الانتخابية لن يؤدي الى حرمانه من المقعد الّذي استولى عليه بوسائل احتيالية. حقيقة هناك المادة 64 وهي مادة جد مهمة ورادعة غير الردع المنصوص عليه في تلك المادة يهم المستقبل ولا يهم الانتخابات التي استعملت فيها الوسائل الاحتيالية قي الماضي. لذا، فانه من الأجدى للدفع بعملة التخليق السياسي أن يتم ربط الإدانة النهائية من اجل مخالفة للقانون التنظيمي بفقد العضوية بالمجلس النواب. التدقيق التاسع ويتعلق بالفقرة 2 من المادة 67 التي تتكلم عن تحقق حالة العود والذي يشترط فيه ان ترتكب المخالفة الثانية فيل انتهاء خمس سنوات . وإذا علمنا ان الانتخابات تجرى مبدئيا كل فترة تزيد من خمس سنوات، فإن النتيجة الحتمية هي اي مخالف لن يكون في حالة العود، و ذلك لسبب بسيط، وهو ان المخالفة في العملية الانتخابية تتم في الحملة الانتخابية وهي فترة سابقة على بداية الولاية التشريعية المحددة في خمس سنوات، وهذا يعني انه عند انتهاء الولاية التشريعية المحددة في خمس سنوات و بداية الحملة الجديدة سيكون اجل خمس سنوات قد انتهى، وبالتي لن يكون أي مخالف في حالة العود. لذا من المفيد و من المطلوب كذلك أن لا تحدد للعود في المخالفات الانتخابية اي اجل لتحسب اي مخالفة في اي انتخابات كسابقة لتقرير حالة العود. التدقيق العاشر ويتعلق بالمادة 72 والتي تتطلب ملاحظتين: 1 و تتعلق بضرورة الحسم مع تكليف موظفي الجماعات المحلية.. بتكوين مكاتب التصويت..، لما نسب لبعضهم من مساهمات في إفساد العمليات الانتخابية بسب ترشح رؤساء تلك الجماعات فيها. لهذا من المفيد ابعاد هؤلاء من المشاركة في تكوين مكاتب التصويت حتى لا يكونوا موضوع ضغوطات من قبل رؤسائهم 2 ان المادة 72 تتكلم على جميع الوثائق التي يسلمها العامل لرئيس المكتب ماعدا ورقة التصويت مما يدفع الى التساؤل متى تسلم ورقة التصويت ولمن تسلم ومن يسلمها. التدقيق الحادي عشر والذي يهم الفقرة 12 من المادة 76 و التي تنص على ضرورة إحراق الاوراق المعترف بصحتها. ان هذه القاعدة كانت مفيدة عندما كانت عملية التصويت تتم بواسطة أوراق التصويت متعددة بتعدد المرشحين مما كان يصعب معه عمليا الاحتفاظ بها. أما وأن ورقة التصويت أصبحت منفردة، فإنه من غير الضار الاحتفاظ بها من الأوراق الأخرى.