هل من الحكمة أن نفكر الآن في تعريب التعليم الجامعي للعلوم والطب والصيدلة بالمغرب؟ ... طلعت علينا جريدة أخبار اليوم في عددها لأيام 11 و 12 أكتوبر 2014 بخبر تنظيم مؤتمر في 18 أكتوبر الجاري بمدينة الرباط يدعو الى تدريس العلوم الصحية باللغة العربية بدل اللغة الفرنسية المعمول بها حاليا. هذا المؤتمر الذي تنظمه الجمعية المغربية للتواصل الصحي تحث رعاية وزير التعليم العالي لحسن الداودي. من البديهي أنه لا أحد يعارض الاستخدام السليم للغة العربية وفي جميع المجالات. فالكل ناضل ويناضل من أجل تحقيق هذا الهدف. لكننا نعيش الآن حقيقة محزنة وهي أن تعريب التعليم الثانوي قد فشل ووصل الى مستوى كارثي لا يمكن الطلاب من الحد الأدنى المطلوب للكتابة ، والقراءة ... لقد أعطى وزيرنا نفسه حرية مهاجمة لغة أجنبية دولية (اللغة الفرنسية) وتصنيفها كلغة غير مناسبة للبحث العلمي، هذه اللغة التي استخدمت وتستخدم منذ سنوات عدة في التعليم العلمي العالي والجامعي والذي انتج الكثير من المهارات في المجالات العلمية المختلفة. ففي تصريح حديث، قال وزير التعليم العالي أن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم والبحث العلمي بامتياز كما أفاد أن الأساتذة والطلبة الذين يتابعون دراساتهم الجامعية في التخصصات العلمية، ملزمون بإتقان اللغة الإنجليزية وأرسل إلى جميع المؤسسات الجامعية العلمية مذكرة يطالب فيها مستقبلا بعدم تعيين الأساتذة الغير متقنين للغة الإنجليزية. ومن المؤكد انه لا يخفى عن وزيرنا أن فشل التعليم بالمغرب يرجع أساسا الى تدني مستوى تعليم اللغات الحية أقول كل اللغات الحية: اللغة العربية، الفرنسية، الإنجليزية ... ولابد من الاشارة الى نقطة من الأهمية بمكان وهي أنني أتحدث هنا عن اللغة الفرنسية كأداة لغوية وليس باسم الفرنكوفونية. فهذه الاخيرة حركة سياسية وليست لغوية. هذه الأداة وأعني اللغة الفرنسية التي فرضها علينا التاريخ، والتي للأسف لم نحسن استعمالها للاستفادة منها في تنمية بلادنا. السؤال الذي يطرح نفسه الآن والذي يستوجب الاجابة عنه من طرف الجميع: هل يجب اخضاع التعليم العالي لنفس المصير الذي آل اليه التعليم الثانوي؟ فاستعمال اللهجة الدارجة في التعليم العالي سيؤدي حتما الى تدهور المستوى العلمي لطلابنا ودبلوماتنا وكذلك الى تدني مستوى الاساتذة انفسهم لغويا وعلميا. كما لا يخفى علينا أنه عندما يتعلق الأمر بالطب والصيدلة فان صحة وسلامة المواطنين المغاربة توضع على المحك. من المسلمات أيضا أنه لا أحد كيفما كانت كفاءاته العلمية يستطيع تبليغ بطريقة جيدة مفاهيم علمية دقيقة ومعقدة بلغة لا يتقنها !.. ولذلك من الحكمة في المغرب أن نعمل جادين أولا على الرفع من مستوى تدريس اللغات الحية وعلى رأسها اللغة العربية أنداك سنرى بأي لغة يجب تدريس العلوم والطب والصيدلة. في الوقت الراهن ليست لنا كفاءات جامعية تستطيع تدريس جميع التخصصات العلمية باللغة العربية بطريقة جيدة. فمن الحكمة الآن الاستمرار في تدريس هذه المواد باللغة الفرنسية مع اعطاء كل الدعم للطلبة في هذه اللغة. انه على الرغم من الأزمة التي يعيشها نظام التعليم بالمغرب، فقد تمكن التعليم العالي والجامعي العلمي وخصوصا العلوم الطبية والصيدلانية بطريقة أو بأخرى من الحفاظ على المستوى اللائق، لذلك يجب ابعادهم عن الديماغوجية الحزبية الضيقة والنفاق والمبادرات الانتحارية! - أستاذ بجامعة القاضي عياض