قال الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري، مدير معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، إن المسلمين والعرب كانوا يتعلمون لغات الغير، ويترجمون عنها إلى لغتهم العربية ويتعلمون بها، ولم يكونوا يعلمون بلغة الغير، فاستطاعوا بذلك تملك علم غيرهم بلغتهم وثمنوا لغتهم بالتعليم بها. وأضاف الفاسي الفهري، في اليوم الدراسي الذي نظمه المعهد بالرباط بتنسيق مع مجموعات اللغات وتقنيات التعبير والتواصل بفاس يوم الخميس 18 مارس المنصرم، أن أعمال اليوم الدراسي حول: العربية لغة للعلوم والتقانة في التعليم العالي تدخل ضمن البرنامج التعددي الذي رسمه ميثاق التربية والتكوين، درءا لكل أحادية لغوية، في إشارة إلى هيمنة اللغة الفرنسية في تدريس العلوم في التعليم العالي. وأشار الفهري إلى المراحل التاريخية التي كان فيها العلم العربي علما كونيا، متعدد المصادر والمنابع والتطورات والامتدادات بفعل ازدهار ترجمة استوعبت مختلف التقاليد العلمية متنوعة الأصول (إسلامية، مسيحية، يهودية...) واللغات (السريانية، العبرية..). وتابع مدير معهد التعريب شارحا أن مجالات الاستيعاب شملت على مستوى العلوم، التنجيم والفلك والبصريات والرياضيات والطب ونظرياته وخدماته حسب الأنشطة الغذائية، والصيام ودفن الأموات عند الطوائف الدينية، وعلى مستوى المؤسسات ظهرت مدينة جنديسابور بفارس كمركز استشفاء وتعليم، وبيت الحكمة ببغداد، ونبغ من العلماء والأطباء الخوارزمي والرازي والبيروني وابن سينا وابن رشد. واقترح الدكتور عدنان وول، المدير العام لشركة (أي، تي، أي) بلندن، لإنهاء الجدل البيزنطي حول صلاحية العربية للعلوم، الاستعانة بفوائد الترجمة الآلية لنشر المحتوى العربي وتوحيد المصطلحات العلمية بين الدول العربية. وقال مصمم موقع مسبار للترجمة الآلية إن العمل على تجاوز الصعوبات التدبيرية في تعريب العلوم في الدول العربية يبدأ بترجمة عشرين كتابا في كل علم وتجميع جهود المعاهد والمجامع في قضية التعريب لفرض الأمر الواقع على المشككين في صلاحية العربية لغة للعلوم وإزالة الحجة. وقدم الباحث العراقي المقيم في لندن نماذج تطبيقية للترجمة الآلية من الإنجليزية إلى العربية، مشيرا إلى أن ازدهار الإنجليزية والإسبانية مرتبط بحركية الترجمة بين هاتين اللغتين. الدكتور مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، حضر اليوم الدراسي بمشاركة حول اللغة والاقتصاد، ودعا إلى إحداث شعبة للاقتصاد بالعربية على منوال شعبة الحقوق، مؤكدا أن التعريب في التعليم العالي من اختصاص الجامعة، التي تتمتع بالاستقلال، وليس من اختصاص القرار السياسي الرسمي. وبين عضو جمعية الاقتصاديين المغاربة أن التعريب تحد يفرض القيام بنقد ذاتي لمواجهة القوى المناهضة لتنفيذه. وقدمت عروض أساتذة مجموعة اللغات وتقنيات التعبير والتواصل بفاس دراسات ميدانية وإحصائية لمسيرة التعريب في جامعة المولى عبد الله بفاس، مشددة على أن نتائج النجاح للأفواج المعربة ارتفعت عن مثيلتها في مرحلة ما قبل التعريب (عبد الله بوسحابة). كما أن مسألة التعريب ليست مسألة انتقالية، بل هي مرحلة ذات أنساق معرفية تتطلب التنسيق بين الجامعات العربية لتوحيد الخطاب العلمي والعمل على تعريب المحيط الاقتصادي والاجتماعي (محمد خالدي). وخلصت استمارة الأستاذ التي قدمها نور الدين الرايس عن المجموعة إلى أن المستوى العلمي للتلميذ ليس هو السبب في التعريب، بل الصعوبات اللغوية تكمن في عملية التواصل بين الطالب والأستاذ. وأكدت عروض الدكتور أمل العلمي حول المصطلح الطبي والأستاذ فؤاد بوعلي حول وظيفية اللغة العربية في المعاهد السياحية، والأستاذ محمد خيري حول نجاح التعريب بكليات الحقوق بالجامعات المغربية والأستاذ محمد علي برادة حول المراحل الانتقالية في مشروع تعريب التعليم العالي والأستاذة زكية الرايس الطاهري حول أهداف وتجربة المجموعة في تفعيل اللغة العربية في التواصل والتدريس الجامعي، كل هذه العروض أكدت على الحاجة الملحة لإدماج العربية لغة لتدريس العلوم بالجامعات المغربية. وتمخضت العروض عن عدة توصيات، كما أن النقاشات التي أعقبت العروض نبهت إلى تداخل المعرفي والسياسي في موضوع التعريب، وتحسيس الهمم لتجاوز عجز النفوس في مجال تعريب العلوم، وتجاوز منطق الغيرة إلى التطبيق. وتجدر الإشارة إلى أن اليوم الدراسي حول وضعية العربية في لغة العلوم والتقانة في التعليم العالي يتأطر، حسب الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري، ضمن ما نص عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مواده 111 إلى 114 الهادفة إلى ضمان تخطيط تعليمي لغوي يتم بموجبه تنويع لغات تعليم العلوم والثقافة في التأهيلي والعالي، وفتح شعب للتعليم العلمي والتقني والبحث العلمي المتطور باللغة العربية، وتعزيز تعليم اللغة العربية وتحسينه، وينسجم مع قرار إحداث أكاديمية للغة العربية ابتداء من موسم 2000 و.2001 إلا أن هذا المبدأ المؤطر للتعددية اللغوية في التعليم العالي لم يدخل حيز التخطيط ولا التنفيذ مع أن التعليم التأهيلي يستعد لتطبيق التنويع. أبو محمد الأمين