يبدو هادئا وهو يجيب عن أسئلة كبيرة تهم مسيرة التعريب بالمغرب ومكانة العربية، من حيث إشكالاتها وسبل تفعيلها ومؤسساتها، مقدما براهين تفضح تبريرات المصرين على الأحادية الفرنسية، منها أن العربية لغة البلاد دستوريا وذات رصيد حضاري وهي لغة الأغلبية، والديمقراطية تقتضي احترام رأي الأغلبية وضمان التنوع والتعدد اللغوي لإفساح المجال للغات الأخرى. يؤكد الدكتورعبد القادر الفاسي الفهري، مديرمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط، أن التأخير في إخراج أكاديمية اللغة العربية يكرس تعثر مسيرة التنمية والنهوض، كما أنه يفسح المجال للآخر ليقدم وصفاته الإصلاحية للمجتمعات العربية والإسلامية، ولكن لضمان مصالحه، نافيا وجود أي قرار يسعى إقبار هذه المؤسسة التي أجمعت مكونات المغرب على نجاعة عملها. نناقش أيضا مع الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري،الخبير اللساني الدولي، قضايا أخرى تهم معهد التعريب الذي يدير شؤونه، ومسألة الهوية، وعمل أكاديمية اللغة العربية، وآفة الأمية وتوصيات تقرير التنمية البشرية الأخير، الذي ركز على أن التنمية رهينة بلغة المجتمعات العربية. والدكتورعبد القادر الفاسي الفهري، يشغل حاليا مديرا لمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط، وهو خبير دولي في مجال اللسانيات، نال جائزة الاستحقاق الكبرى للثقافة والعلوم ووسام العرش من درجة فارس من يد جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، لجهوده العلمية، ومشرف على بحوث دولية في مجال اللغة. بداية نسأل الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري عن الأهداف التي أنشئ من أجلها معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، وهل تنسقون العمل مع جهات أخرى؟ معهد التعريب مؤسسة وطنية أنشئت مع بداية الاستقلال في جامعة محمد الخامس من أجل القيام بتهيئة اللغة العربية وتأهيلها في عدد من الجوانب، خصوصا الجوانب الاصطلاحية، التي كانت ناقصة آنذاك، والاشتغال على جوانب تعليمية وتقنية متعلقة باللغة العربية. ومع مرور الوقت تطور دور المعهد ليشمل المعالجات المعجمية والحاسوبية والتنويع المصطلحي وتنوير الرأي العام والبحث اللساني المقارن المتمحور حول اللغة العربية، ومعالجة قضايا التخطيط، في كل ما يهم وضع اللغة العربية في مختلف القطاعات والحياة العامة، باعتبار العربية في متصلها اللغوي، بين اللغة الفصيحة واللغة الوسيطة والعامية أو الدارجة، هي لسان الغالبية الكبيرة للمغاربة. أما عن مجال التنسيق مع هيئات أخرى، فهناك تعاون مع مؤسسات مختلفة لتأهيل اللغة العربية والقيام بدورها، منها الجامعات وهيئات البحث والمؤسسات العربية المكلفة بالتعريب والتخطيط اللغوي والتهيئة اللغوية. وأشير هنا إلى أن المعهد له إمكانات محدودة ومتواضعة سواء على المستوى المادي أو البشري. وقد بدأ كمؤسسة متواضعة وظل في هذا المستوى المتواضع مع مرور عشرات السنين بعد الاستقلال. ومن أجل هذا فكرت اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين في إقامة مؤسسة ذات مستوى رفيع، ذات مكانة مرجعية وإمكانات مادية وبشرية يمكن أن تقوم بالأدوار الملحة، التي تتطلب كفاءة عالية في مختلف المجالات، علما بأن هذه المجالات تعددت وتعقدت، خصوصا في الجانب التربوي التعليمي، الذي أصبح يطرح عددا من الحاجات، ويحتاج إلى آليات للتطوير في المناهج والأدوات التعليمية من كتب ووسائل سمعية بصرية حديثة، وكذلك تأهيل المدرس، إلى غير ذلك. ولا بد من دخول اللغة العربية في الشبكة العالمية للمعلومات بمحتوى في المستوى، وهذا الحضور الآن يقارب 1,6 في المائة، وهو رقم لا بأس به بالمقارنة مع وقت سابق، لم يكن لها فيه أي وجود، ولكن لا بد من تطوير هذا الحضور. والمتكلمون باللغة العربية في البلدان العربية يقدرون ب300 مليون، بالإضافة إلى العرب والمسلمين في المهجر، والأجانب الذين يتعلمون العربية، مع العلم أن العربية هي واحدة من بين اللغات الست الأولى المتكلمة في العالم. وهذه القوة العددية، علاوة على القوة الرمزية، لكون اللغة العربية هي لغة القرآن، وهذه المكانة هي التي جعلتها تنتشر من جهة، وجعلتها تتحول من لغة قبائل جاهلية مشتتة تجتمع في بعض الأسواق الأدبية، إلى لغة للمسلمين والأقوام الذين دخلوا الإسلام وحولوا علومهم إليها. فتحولت العربية مع الدول الإسلامية القوية إلى لغة العلم والثقافة والمعرفة بامتياز. فلا بد إذن من حضور العربية في الثقافة والحوسبة والاقتصاد والمجالات التي تفرض نفسها، فالاقتصاد له لغاته، وهناك بطبيعة الحال لغة مهيمنة، لكن ليست لغة الاقتصاد واحدة، هناك إمكانات وفرص للتعدد. والعربية لغة تمكن من الوحدة، وهذه الوحدة اللغوية يمكن أن تبنى عليها التكاملات، تكاملات اقتصادية وسياسية وإعلامية، إلخ ونخص بالذكر هنا القنوات التلفزية. لقد وقع اختراق عربي إعلامي مشهود، وهذا الاختراق جعل اللغة العربية واحدة من اللغات التي تروج بها المعلومات، ويروج بها الإعلام ذو المحتوى، لأن هناك إعلاما ليس له محتوى. واللغة العربية لها دور قوي في الإعلام وفي المعرفة، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وليس كل الناس يطلبون المعرفة الضاربة في التجريد أو التقنية التي تتم بالإنجليزية أساسا. ولترويج المعلومة لا بد أن تكون اللغة لغة المجتمع ولغة الهوية ولغة الوطن، واللغة العربية في متصلها هي لغة الأغلبية المنتجة في المجتمع العربي، والذي ينتج ليس بالضرورة فقط المتخرج من مدرسة عليا أو جامعة، وليس هو صاحب نظرية اقتصادية، ولكن الأغلبية يمثلها مجتمع متماسك وقوي، وإذا أردنا أن ننقل هذا المجتمع إلى مجتمع للمعرفة، ونبعده عن الجهل والجهالة والأمية، فينبغي أن تكون المعرفة موطنة باللغة التي يتكلم بها بصفة تلقائية. وهذا لا يشكك في ضرورة تعلم اللغات الأجنبية. مضى المغرب خطوات في مجال التعريب في التعليم والإدارة والإعلام، ولكن ما هي أسباب فشل هذه المسيرة؟ ما أظن أن هناك فشلا في التعريب، فهذا التقويم لا يقوم على أساس موضوعي، لأن عملية نشر اللغة هي عملية طويلة وشاقة وتكون عبر قرون. ويمكن أن نستأنس في الحديث عن هذا الجانب بالتجربة الفرنسية. فالفرنسية لم تنشر إلى حدود الحرب العالمية الأولى، وفي هذه الفترة كان نصف الفرنسيين لا يتحدثون بها، وليلة الثورة الفرنسية كانت هذه اللغة في الإحصاء اللغوي الذي أقيم، ورغم أن الإحصاء كان متحيزا للدفاع عنها، مع ذلك كان هناك فقط ثلاثة ملايين من أصل 15 مليونا هم الذين يتكلمون الفرنسية، أي بنسبة واحد على خمسة (20 بالمائة). ويمكن أن نتحدث عن إنجلترا أو ألمانيا ونصل إلى تحليل مماثل. وفرنسة فرنسا اقترنت بإرادة قطعية على مستوى ملوك فرنسا، ثم بعد ذلك من توالى من الأنظمة المختلفة للجمهورية. كانت هناك إرادة قطعية على مستوى النخبة، وتم وضع قوانين زجرية وتشريعات صارمة جاكوبينية (انظر شرح هذا المصطلح في نهاية الحوار)، لا تقبل أي ليبرالية أو مناقشة في مبدإ أن الفرنسية يجب أن تصبح لغة فرنسا. أما المغرب فله تجربة مختلفة، فليس له في مواقفه، ولا نريد أن تكون له في ثقافته، هذه الجاكوبينية التي وجدت في مواقف فرنسا، وتشريعاتها. فالتشريع الفرنسي واكب دائما فرنسة فرنسا، والمأسسة اللغوية كذلك. فالأكاديمية الأولى للغة الفرنسية أنشئت في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، ثم أنشئت الأكاديمية الفرنسية عام ,1635 وهذه الأكاديمية كانت زجرية في مواقفها، حتى تجاه استعمال اللغة الفرنسية. فقد كان لها موقف معياري محض، ومن هنا جاء ما يسمى بالاستعمال الصحيح (Le bon usage( للفرنسية، لأنه حتى الذين كانوا يتكلمون الفرنسية كان يعاب عليهم عدم حسن استعمالها، فكان الرجوع إلى نخبة معينة موجودة في الأكاديمية، وهي التي كانت تحدد الضوابط التي بواسطتها تضبط اللغة وسلامتها. فليست المسألة سهلة وبسيطة، فتعميم الفرنسية قام مواكبة مع نبذ بل محاربة اللغات المحلية والجهوية. وهذه التجربة مختلفة عن التجربة المغربية، لأن المغرب لم تكن فيه سياسة تشريع بالزجر، ولم تكن فيه سياسة نبذ اللغات المحلية، وأيضا لم تتح له الفرصة لتعميم لغته، لأن الوقت الذي كانت تنتشر فيه العربية كانت هناك طرق تقليدية، وتعليم محدود في أقلية. ثم جاء الاستعمار، فضَيَّع على اللغة العربية، ليس في المغرب فقط، ولكن أيضا في الدول العربية، فرصةَ على أن تعمم في المدرسة. ودخل اختيار الفرنسية وغيرها مع العربية في حلقة صراع، فحلت الفرنسية والإنجليزية محل اللغة الوطنية. وادعى الأجانب أن اللغة الوطنية لا يمكن أن تكون لغة العلم والمعرفة، ودخلنا في وضع نزاعي مع لغة المستعمر، وهذا الوضع من حيث فكره، وأساسيات هذا الفكر، مازالت جذوره ممتدة إلى الآن. فإذا قرأت ما يقوله بعض المغاربة الآن عن لغتهم وكأنك تقرأ ما كان يقوله بول مارتي أو ليوطي، إذ أن الطرح المتحكم إلى يومنا هذا في طروحات بعض النخبة، النخبة ذات النفوذ خصوصا في مجال الاقتصاد، وأحيانا في السياسة، قريب من العالم المبثوت في النصوص الاستعمارية. فالتجربة المغربية تجربة مختلفة، ولما دخل التعريب مع الاستقلال وجد وضعا له الملامح سالفة الذكر، منها أن المدرسة المغربية، باستثناء المدارس الحرة، فرنست، فكان ينبغي إعادة الاعتبار إلى اللغة العربية في التعبير، كلغة أم ورسمية للمجتمع. وهذه العودة مرت بهفوات وتعثرات، ويؤاخذ عليها كثير من سلبيات، إلا أن قضية تعميم اللغة الوطنية في التعليم ليست سهلة، وكذلك في الإعلام والمجتمع. فتعميم العربية في التعليم وقطاعات الحياة العامة كان اتجاها صحيحا، وإن كان التطبيق قد عانى من تدبير سيء. ومع ذلك هناك مكتسبات بحاجة ملحة إلى تقويم وتأهيل. وأذكر في اتجاه آخر مثل البلدان الإفريقية التي تبنت اللغة الأجنبية، سواء فرنسية أو إنجليزية لغة رسمية، وعممتها في التعليم، ومع ذلك ظل تعليمها فاشلا، وظل عدد الناطقين باللغة الأجنبية والرسمية في هذه البلدان محدودا. ليس هناك تحول على مستوى المجتمع، وحتى اللغة التي زعم البعض أنها لغة المعرفة والتقدم لم تنقل المجتمع ليصبح مجتمعا متقدما أو مجتمع معرفة. فهناك عوامل كثيرة، ولذلك نجد أن الإيسيسكو أوصت بالاهتمام باللغات الوطنية وكررت هذا النداء، وهناك برامج للنهوض باللغات الوطنية في كثير من الدول الإفريقية، على الرغم من أن لغاتها شفوية ومختصة بمناطق دون أخرى، وهناك مجهودات لمحاولة إدماج هذه اللغات في التعليم مع الصعوبات التي يطرحها هذا البرنامج، أي صعوبة البرنامج اللغوي، سواء كان باللغة الوطنية أو لغة الهوية أو اللغة الأجنبية، هو برنامج ليس باليسير، فيجب أن نخطط له كما نخطط للاقتصاد والمعرفة، ولا بد أن يكون هناك تخطيط ووسائل. فلا يمكن، إذا أخذنا مثلا إنتاج معجم جيد أن نغفل أنه عملية اقتصادية، بالإضافة إلى العملية اللغوية، وذلك باستحضار كلفة الإنجاز بعشرات الملايير، ولا يمكن تصور إنجاز معجم مثل أكسفورد أو لاروس وغيرهما من المعاجم دون كلفة، فبعض المعاجم الفرنسية كان يشتغل فيه حوالي ألفي لغوي مختص لمدة سنين وبأجور ومراكز. وعملية تأهيل اللغة على مستوى معجمها ونحوها ليست عملية سهلة، ورغم كل هذا، فقد خطت العربية خطوات كبيرة، والدليل على هذا أن ما يقرأ أو يسمع من الإعلام هو أساسا باللغة العربية سواء على المستوى الكمي أو الكيفي، فليس هناك مقارنة بين فترة الخمسينيات واليوم، وما نلاحظه من ضعف القراءة راجع لأسباب متعددة، منها أن المجتمع المغربي لم يتحول إلى مجتمع المعرفة. لا أحد يثمن المعرفة حتى يسعى الناس إلى تملكها. وهناك من أراد تلفيق التهم السهلة باللغة العربية بكون التعريب هو الذي تسبب في نزول المستوى. وفي الحقيقة نجد الصحف المنتجة بالعربية تتكاثر، وكل ما أنتج بالعربية يروج بسهولة أكثر مما يروج باللغة الأجنبية، ولا يحتاج إلى دعم، وما ينشر بغير العربية دائما يحتاج إلى دعم من سفارة أجنبية. فالأمور واضحة، وهي أن هناك لغة للجميع، ولا يمكن أن تتأهل بنفسها بدون أن تكون لها وسائل مادية وبشرية. فحوسبة اللغة وأجور المهندسين المشتغلين عملية مكلفة. فإذا كانت هناك مؤسسة لا تستطيع أن تؤدي أجورا في مستوى الخدمة المقدمة، فلا يمكن أن ننتظر الكثير. وهناك فرصة لنا بالنسبة للعربية، وهي أن العربية ليست لغة المغرب فقط، بل هي لغة مشتركة ورسمية لأكثر من 22 دولة، وهي لغة كثير من المبادلات. فالتعريب ليس فاشلا، وإنما قطع خطوات وأشواطا بوسائل محدودة جدا، والتعثر كانت وراءه عدة أسباب، سياسية واقتصادية واجتماعية، وراجعة أيضا إلى تذبذب القرار في ما يخص الاختيارات اللغوية، وهذا ناتج بدوره عن تشعب الأمور في الموضوع. فهناك دعم مجتمعي لهذا اللسان، وهناك تشبث به، ومن يشكك في هذا، فيجب عليه أن يستفتي المجتمع. نعلم أن اللغة وسيلة لتبليغ الهوية، وبنائها أيضا، وتتحدثون عن هويات متعددة، فما هي الدلالات التي تحددونها لهذا المفهوم؟ وماهي آليات الحفاظ على الهوية المغربية؟ هناك هويات فعلا تتداخل في الهوية الواحدة، والهوية لها أبعاد متعددة. وعادة ما ينظر إلى اللغة باعتبارها أساس بناء الهوية، ففي فرنسا يقولون إن اللغة هي إسمنت ولحام الأمة. وفرنسا تضم مختلف الأجناس والأعراق، ولكنها توحدت بهوية مبنية على اللغة. إن للغة العربية ميزة خاصة، وهي، كما قلت سابقا، اللغة التي نزل بها القرآن، فالتبرك يكون بهذه اللغة، وهي بإجماع كافة فقهاء اللغة المسلمين أفضل اللغات، وليس هناك تشكيك في هذا، وهي لغة امتزجت فيها الهوية اللغوية بالهوية الإسلامية، فكثير ممن أسلموا لم يكونوا ذوي أصول عربية، وهم الذين نشروها بعد تعلمها، ثم نظروا فيها وكانوا علماء اللغة العربية أمثال سيبويه والخليل وأبو علي الفارسي وغيرهم. العلماء المسلمون كتبوا باللغة العربية رغم اختلاف لغاتهم وأجناسهم وأعراقهم، وهم الذين أدخلوا علوم الفرس والهنود والأتراك وغيرهم في العربية، وكذلك فعل الأمازيغ في المغرب. فهناك تداخلات كبيرة حدثت عبر عصور طويلة. ويجب أن نعلم أن للهويات بعض الوظيفيات، فعندما أقول أنا مغربي أو عربي أو أورو متوسطي، أو أنا مسلم، فهذه الهويات لها وظيفيات، منها ما هو اقتصادي أو سياسي أو ثقافي. الهوية تكون تراكمية، ولو وضعت آليات لتفعيل الهوية المسلمة لأصبح المسلمون أكبر قوة من العالم. وعندما تقول أنا عربي، فعروبتك تعطيك هوية، رغم وجود نكسات وانزلاقات طرفية. وهذا ما يستدعي ضرورة إقامة مجتمع معرفي ديمقراطي متفتح، له حرية التعبير والتسامح واعتراف بالآخر، رغم ما يلاحظ من تشتت في ظروف صعبة. فالوظيفي في هذا الظرف هو الوحدة، أكثر من الاختلاف، خصوصا في عالم الكيانات الكبرى، التي تأتي على الصغرى، والانفتاح أفضل من التقوقع. فالهويات المنغلقة هويات قاتلة دون شك في هذا العصر، فيمكن أن نعترف بهوية إقليمية ووطنية وما هو أكبر، وعندما يكون تفاعل وإمكانات لبناء هوية تراكمية، فهذا يهدف إلى النهوض بالمجتمع، وكل ما يساعد على تنميته يكون قيمة مضافة، وكل ما هو دفاع وتقوقع وانغلاق في نقاشات ليست ذات هدف، فهو قاتل في هذا الوقت الذي نجد فيه العرب والمسلمين مضطرين للدفاع عن أنفسهم. ونحن في المغرب محتاجون إلى هذا التراكم، وعندما نتحدث عن التعدد، نشير إلى أن التعدد في المغرب يمكن أن يكون في اللسان، بوجود تنوع هوي في ألسنة المغاربة، وحتى عندما ندخل في ما يبدو لسانا واحدا، مثل الدارجة المغربية، فهي ليست لسانا واحدا، بل هناك تنوع من منطقة إلى منطقة، ومن طبقة إلى طبقة، إلى غير ذلك، أي من طبقة مثقفة وغير مثقفة وضاربة في الأمية والمشاكل الاجتماعية، وعدد من الوسائل فيها تنوع وتعدد. والإقرار بالتعدد ضروري في إطار التوحد حول مشروع مجتمع واحد، وحول بناءات مختلفة في مستويات مختلفة أيضا. ومن هنا يمكن أن تتداخل هويتنا دون مشاكل، ولكن لا بد أن يكون هناك أساس. فالمغربي الذي يريد أن يتحول ليصبح فرنسيا، ربما يكون اختياره فرديا أو شاذا، أي خارج القاعدة، ولكن المجتمع ككل لا يمكن أن يتحول إلى مجتمع فرنسي أو إنجليزي، بل هو مجتمع مغربي، وعندما نقول مغربي فنحن نعني تفاعل وتمازج عدة مقومات عبر التاريخ، ثقافية واجتماعية ولغوية ودينية، لتكوين هذا الكيان الذي نسميه المغرب. فالمغربي هو الذي يشعر بأن له وطنا، وهذا الوطن له قيم مشتركة، وهو مدعو للدفاع عنها. وفي هذا التصور، يمكن أن نتحدث عن مغربي، وإن كان كل مغربي يختلف عن مغربي آخر، ولكن لا بد أن يكون هناك مضمون لما يسمى بالمغاربة، مثلا إذا وقفوا صفا واحدا من أجل الذود عن حوزة الوطن، أو من أجل سباق، أو الحصول على ميزة رياضية أو اقتصادية، أو غيرها. فهذا يجب أن يكون واضحا أمام الناس أن المغرب موحد، وفي بلدان مثل إسبانيا هناك من يدافع عن الأطونوما فٍَُُُِّّف جهارا على أساس أنها مخصبة ومغنية لما هو وطني، وهناك من أخذها على اعتبارها مقاومة لما هو وطني ونبذ العلاقة مع اللغة الكاستيانية (الإسبانية) إلى غير ذلك. ودائما نجد هذا النزاع واختلاق المواقف نحو ما هو وطني أو جهوي، وتفاعل هذه العناصر. وهناك من يأخذ العناصر مجتمعة، وهناك من يركز على جانب يفيد منه، ويترك الجوانب الأخرى. والمفهوم السليم للتنوع والتعدد لا يمكن أن ينفي التوحد. أصدر المعهد عدة توصيات من خلال اللقاءات العلمية التي ينظمها، فما هو مآل هذه التوصيات، هل هو السجلات الأكاديمية أم أن هناك تنسيق مع الجهات الرسمية لتنزيلها؟ ليس هذا ولا ذاك. هذا العمل حاضر في عدد من الورشات الإصلاحية، خاصة المتعلقة بأوراش التعليم، والمعهد يشارك كأطر في عدة إصلاحات في هذا المجال. أما توصياته فهي أمر أساسي، وهي من الآليات المعروفة على صعيد الدول، أن هناك مفكرين ومشتغلين على ملفات بطريقة علمية وتقنية ويعطون توصيات. وتوضع هذه التوصيات أمام مختلف الفاعلين، سواء على مستوى أصحاب القرار السياسي أو الاقتصادي أو مختلف فعاليات المجتمع المدني أو غيرها. والمفروض أن الدول التي تثمن المعرفة والفكر تأخذ هذه التوصيات بعين الاعتبار. ولا أظن أن كل ما قلناه لم يأخذ نصيبه من الاهتمام، وما أظن أن كل ما قلناه أخذ بعين الاعتبار، فهناك أشياء أخذت على مستوى القرارات، وهناك أخرى لم يؤبه بها، لكن ما هو مهم بالنسبة إلينا هو أن يدخل المجتمع إلى الحداثة من بابها الواسع، فيصبح للمجتمع وللدولة آليات حديثة، والآليات الحديثة لها شروطها وضوابطها. ومن جملة الضوابط أن يؤخذ برأي أصحاب الرأي والخبرة. وعندما نذهب إلى دول متقدمة، مثل أمريكا وغيرها، حينما يحصل مشكل من المشاكل لا يتجه الناس إلى الوزير الفلاني، بل يتجهون إلى الخبير المختص في العلاقات السياسية في الجامعة الفلانية، أو الخبير في مجال كذا، ليستجوبوه في القضية المستجدة، سواء تعلق المستجد بالحرب في العراق أو بغيره، والرأي لا يأتي دائما من صاحب الوزارة. وهذا الأمر مبني على آليات في كل التوجهات، سواء الحميدة أو السيئة، وكثير من التوجهات في الولاياتالمتحدةالأمريكية وجهها المثقفون، وكذلك الشأن بالنسبة لفرنسا، فالنخبة هي التي وجهت كثيرا من الأشياء في اللغة وفي غيرها، وأفكار الفلاسفة كانت لها انعكاسات في البرامج. وعندما تكون هناك مشاكل اجتماعية، مثل مشكل الإرهاب، فهو لا يحل بمجرد قرار سياسي خاطف، بدون أن يكون لهذا القرار تجذرات على مستوى التفكير والتحليل. فمشاكل المغرب هي مشاكل اجتماعية إنسانية، وقد تكون سياسية. صاحب القرار السياسي يتساءل بماذا نبدأ هل بالتقنية أو بتعميم التعليم أو بجودة على حساب الكم، إلخ. أظن أنه يجب الاشتغال على واجهات كل الأشياء. فعند الحديث عن البحث العلمي، لا يمكن أن نتحدث عن الذي يصنع الحاسوب، لأن هذا الأخير إذا وقع في أيدي ناس ليس لهم قيم وثقافة أو تكوين وطني وسياسي، سوف لن يعطي عملهم النتائج المتوخاة لاستعماله. والأساس أن يكون في كل مجتمع عصري آليات ومؤسسات مختلفة سياسية وثقافية واقتصادية لها استقلال ذاتي، فالثقافي والعلمي لا يكون دائما تابعا للسياسي. وفي بعض الدول المتقدمة يوجد في تخصصات الجامعات مثل الفيزياء النووية من ينتمي إلى اليمين المتطرف واليسار المتطرف، ولكن يتصرف باعتباره عالما. والعلم يوضع رهن إشارة المجتمع الذي يحوله إلى تطبيقات، وهذه التطبيقات يستفيد منها المجتمع والحكومة أيا كان انتماؤها. إذن لا بد من وجود استقلالية قائمة على أرض الواقع أولا، وأمريكا بدون مؤسساتها العلمية لا يمكن أن تقوم بأي شيء، حتى التفوق العسكري نتج عن قوة المؤسسات العلمية والتقنية. ووجود الآليات المختلفة السابقة يوصل إلى مجتمع عصري، فالمشاكل لم تعد في متناول الهاوي. والخبراء الأمريكيون عندما يأتون ويضعون مشكلا للعالم العربي لا يمكن أن يتم تجاوز هذه المشاكل إلا ممن هو خبير، إذ يكون العلاج بتنسيق بين الخبراء الوطنيين والأجانب. ولهذا لا بد من توطين الخبرة في الوطن كعنصر من عناصر الدفاع عنه وعن حوزته. أقر التقرير الأخير للتنمية البشرية الإنسانية لسنة ,2003 الذي نظمتم يوما دراسيا حوله في أبريل المنصرم، بأن اللغة العربية هي لغة البحث العلمي ومجتمع المعرفة. ماهي آلية تفعيل هذا القرار؟ في برنامج الأممالمتحدة حول التنمية البشرية عقدت ورشة عمل مصغرة في بيروت في فبراير الماضي، وقد شاركت في هذه الورشة باقتراحات من أجل خطة لتفعيل ما جاء في التقرير. فأول اقتراحات الورشة جاء مركزا حول إحداث مؤسسات، والثاني تعلق بالتوصيات، على أن ترفع هذه التوصيات إلى القمة العربية. وفي هذه الورشة، تم اقتراح إنشاء ثلاث مؤسسات أساسية: مؤسسة لتقييم جودة التعليم في الوطن العربي، وسيكون لها استقلال مالي ومعنوي وغير تابعة للحكومات. المؤسسة الثانية هي مؤسسة اقترحت أن تسمى مؤسسة للنهوض باللغة العربية، بهدف التأهيل والتنسيق والتخطيط، وهي مستقلة مثل السابقة، تتولى النهوض بمستوى رفيع للمهام المطروحة. إنشاء صندوق عربي لتمويل البحث التنموي والتقني. وهناك توصيات أخرى تحتاج إلى تفصيلات، لها علاقة بالتوصيات السابقة من مثل خلق البيئة الملائمة للبحث العلمي، إلخ. وقد وعدت المسؤولة عن برنامج الأممالمتحدة للتنمية بأنها ستُفَعِّل كثيرا من هذه التوصيات، حتى في حالة عدم تلقي الدعم الكافي من البلدان العربية. وما هو مهم في هذه الأعمال هو أن نأخذ درسا، باعتبار وجود أحداث أليمة في البلدان العربية والإسلامية. فإذا أردنا أن نتعظ، لا بد من أن نهتم بشؤوننا قبل أن يهتم بها غيرنا، لأنه إذا قمنا بالنهوض بمجتمعنا وإعطاء الفرص لحرية الرأي وإفرازه وتنميته، وتثمين المعرفة وإنتاجها ونشرها، والعمل على قيام تعليم يتيح فرص متكافئة، ونشر ديمقراطية فعلية، والاعتراف بالتعدد الفعلي، والاعتراف بالقانون والحقوق، فنحن نتحدث كثيرا عن الحقوق والقانون، ولكننا في كثير من الأحيان نضع هذه الأمور جانبا. وإذا طبقنا هذا البرنامج، الموجود، من حيث المبدإ، في دساتيرنا وخطاباتنا وقوانينا، فهذا سيكون في صالحنا. وإذا لم نطور تلك الأشياء، فإن غيرنا سيركب على نواقصنا ليطور أشياء أخرى لصالحه وبدون شك لن تكون في صالحنا. وما هو قائم الآن من تجمعات وحركات وصراعات وتنافسات، يطرح علينا السؤال: كيف ندخلها؟ ولا يمكن الدخول إلى ذلك إلا عبر التعلم مدى الحياة، والإنصاف واحترام القانون، وإذا طبق هذا في بيئتنا سيجلب لنا استثمارا وأشياء أخرى، وكل ما سبق ذكره متكامل ومتفاعل. هناك إصرار كبير على الإبقاء على الأحادية الفرنسية في التعليم والإدارة والسياحة، وتعلمون أن اللغة حمالة قيم وثقافة، كيف تقرؤون هذا الإصرار؟ الأحادية ليس لها مستقبل سواء في المغرب أو في غيره، مهما كانت قوة اللغة أو الثقافة، لأن القوة تتغير بحسب الزمن، والتعدد قوة تتيح الفرص للغات الأخرى، مثل الإنجليزية والإسبانية والألمانية والعربية، فلماذا نحصر الفرص في أحادية ونفرض هذه الأحادية، رغم أن هذا مخالف للقوانين الدولية والحقوق اللغوية للمواطنين. أن تكون لنا علاقة تفاعلية وتبادلية مع اللغة والثقافة الفرنسيتين، فهذا شيء طبيعي. ولكن أن تكون لنا معهما علاقة تبعية وهيمنة مطلقة فهذا غير صحيح. وهناك اتجاه أنجلوساكسوني بدأ يتبلور في الآونة الأخيرة، وأصحابه يهيئون أبناءهم لهذه الأنجلوساكسونية منذ الآن، خاصة بعد التحول الذي طرأ بعد توقيع اتفاقية التبادل الحر، مما أحدث تغيرا في مواقف عدد من النخب. وشخصيا لست مقتنعا بهذا التطرف الجديد، لأن أي تطرف، سواء كان في التعريب أو الفرنسة، أو حتى في الأنجلزة، لا يقود إلا إلى الصراع والعنف. المجتمع المتعدد بصفة طبيعية، وليس بصفة مفتعلة، فيه أغلبية وأقليات، يحمى بديمقراطية تمنح كلا من الأغلبية والأقليات حقوقها. ومشكلنا ليس هو أن نكون أقلية أو أغلبية، بل هو أن نكون مجتمعا راقيا متحضرا يحترم الحقوق والواجبات، وأن نكون واضحين في معرفة وضعنا، وأن نحترم الأغلبية إذا كانت موجودة، وكذلك الأقلية على أنها أقلية، وألا نخلط بين الأشياء. وتنويع لغة التعليم شيء أساسي بالنسبة للمغرب، مع إقرار أن اللغة العربية هي رمز سيادة المغرب، وإذا احترمنا الدستور يجب أن نحترم لغة الدستور وهي لغة المواطن، وعليه يجب احترام هذه الحقوق. ولا يعقل أن تكون دولة ذات سيادة لا تدخل لغتها الأم إلى التعليم العالي كلغة محترمة. فنحن احترمنا اللغات الأخرى، ولكن يجب ألا تكون اللغة العربية منظورا إليها كما كان ينظر إليها المستعمر، فهي لغة حضارية وتاريخية، وأنتجت علما عالميا. ولذلك فنحن نلاحظ تقوقع علمها وعلم أصحابها بعد ذلك. ورغم أن الدول تتقوقع مثل الإغريق والرومان، فإن أصحابها لا يتخلون عن لغتهم، بل إن هذا التقوقع يجب أن يدعونا إلى النهوض، والنكسات يجب أن تدفعنا إلى بناء مخططات جديدة للنهوض من جديد، فتأهيل اللغة تأهيل لأنفسنا قبل أن يكون تأهيلا للغتنا، وإذا أهلنا أنفسنا فإننا سننتج، وإذا أنتجنا فإننا سننتج بطريقة طبيعية، وبلغتنا الطبيعية، فلا نتصور أن المغربي ستصبح لغته الطبيعية هي الفرنسية. ووجود أقلية لها تاريخ معين يجب أن تحترم في إطار الاختلاف المعترف به، ولكن الدولة يجب ألا تقيس الأغلبية الساحقة على أقلية محدودة. وهذا لا يعني أننا ندعو إلى التخلي عن اللغات الأجنبية، فجميع المغاربة وبدون استثناء موقنون بضرورة إتقان لغة العلم لوجود فرص على مستوى القرية الكونية، ولا يمكن لأي إنسان أن يتخلى عن مقوماته الذاتية. وأعطي مثالا في البحث العلمي، فنحن نجد المغاربة تفوقوا في المجال اللساني دوليا كما تألقوا في وقت سابق في مجال الرياضيات، وتم ذلك بالاشتغال بلغة الهوية، ولا أعرف مغربيا تألق باللغة الإنجليزية أو الفرنسية وهو داخل المغرب، بغض النظر عن المهاجر إلى الغرب. والمعروف عن المغاربة أنهم يشتغلون على لغتهم، وهذا رأس مال للمغاربة يمكن الاستثمار فيه، كما استثمروا تاريخيا في إنشاء دولة قوية في المغرب والأندلس، ونشروا حضارة متميزة بهذا اللسان. ننتقل دكتور إلى واقع أكاديمية محمد السادس للنهوض باللغة العربية، لماذا هذه التسمية وليس المجمع اللغوي، وما هي الآثار الملموسة لهذه الأكاديمية بعد سنوات من إحداثها؟ هذه المؤسسة أنشئت بقانون، وخرج نصها في الجريدة الرسمية في يوليوز ,2003 رغم أن نصها كان جاهزا ومتفقا عليه بإجماع الأمة ورضى جلالة الملك محمد السادس الذي شرفها باسمه، وصادق على النص البرلمان بغرفتيه ومجلس الحكومة ومجلس الوزراء. وجميع الشرائح أجمعت على منفعة هذه المؤسسة وضرورة أن تقوم، وكذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين بنى عليها مشروعا ملحا، وأوصى على أن تقوم في 2000 ,2001 رغم أننا في سنة 2004 والقرار لم يتحول إلى واقع، وفي هذا التأخير زيادة في المشاكل، لأن إصلاح التعليم وتأهيل اللغة العربية في مختلف مراحل التعليم، من بين أشياء أخرى، أمر ضروري. ونحن في حاجة إلى تفعيل لهذه المؤسسة في أقرب الآجال، وكل سنة وكل وقت تؤجل فيه، هو وقت ضائع بالنسبة للمغاربة، لأن هناك ورشات إصلاحية كبرى في وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي، ولكن ليس هناك مؤسسة تواكب هذه الإصلاحات وتسهر عليها، ولا يمكن لشخص أو شخصين بهذه المؤسسة أن يقوما بما فوق طاقتهما، لأنه من جملة مهام الأكاديمية أن تصبح سلطة مرجعية، يمكن أن تستشار وتقرر في الجوانب المتعلقة باللغة العربية وفي وضع تطويرها وطرق تدريسها وحوسبتها وغير ذلك من المجالات الملحة بالنسبة للغة العربية. وقد كان هناك نقاش في تسميتها بالمجمع أو الأكاديمية، وتم الاتفاق على الاسم الثاني حتى لا يختلط مفهومها بالمجمع كما يمارس في بعض الدول العربية. فصورة المجامع تقليدية، والباحثون فيها يشتغلون على بعض المصطلحات، وليست هذه هي مهام الأكاديمية، فهذه الأخيرة لها مهام واسعة وملحة، خصوصا في المجال التربوي وكافة المجالات التي تحتاج إلى تأهيل ملح. ونص هذه المؤسسة جاء نصا عصريا ويشتغل بآليات عصرية بالاعتماد على مبدإ التعاقد على خطط عمل، وليس الدخول مدى الحياة إلى الأكاديمية والخلود فيها دون أن يكون هناك منتوج، ثم أيضا في إطار مجموعات عمل منظمة بطريقة فاعلة، وهذه الهيئات هي التي تقرر في عدد من المواضيع، سواء ما تعلق بالبحث اللساني أو التربية أو إعداد المعاجم وتيسير النحو، والعلاقة بين العامية والفصحى والمتصل اللغوي داخل المؤسسات. هناك أنباء عن حل المعهد والتخلي عن الأكاديمية، كيف تقرؤون هذه الخبر، وما هو الواجب الذي ينبغي القيام به؟ لا أعتقد أن هناك نية في حل المعهد الآن، في غياب قيام أكاديمية محمد السادس للغة العربية. هناك قانون منظم للأكاديمية ينص على إمكان هذا الحل بعد أن تشرع الأكاديمية في ممارسة أعمالها في غضون ثلاث سنوات. وبما أن الأكاديمية لم تقم، فهذا الحل غير ممكن قانونيا. ما يبدو مطروحا هو اقتراح تغيير هوية المعهد إلى معهد للغات عامة واللغات الأجنبية على الخصوص. وهذا غير قانوني كذلك. فمثل هذا القرار متوقف على تغيير مرسوم إحداث المعهد الذي يحدد هويته ومهامه. وما أظن أن هذا مطروح في برنامج الحكومة في ما أعلم. وأما التخلي عن إقامة الأكاديمية، فلم أسمع به. هناك تباطؤ في قيام هذه المؤسسة الملحة، والأمر مطروح على الحكومة من أجل تسريع تفعيل ما ورد في ميثاق التربية والتكوين بهذا الخصوص. وأعتقد أن إصلاح اختلالات التربية والتكوين متوقف على قيام هذه المؤسسة، فما أظن أن أي مسؤول يرغب في تعطيل هذا المشروع أو إبطاله. والله أعلم. كلمة أخيرة: المغرب بلد تاريخي، والأمة أمة تاريخية، ولا يمكن أن نفكر في تشريع يمكن أن يخرج عن هذا الأنموذج، فالمغرب اضطلع بأدوار تاريخية، ولا بد أن يستمر في لم شمل الأمة الإسلامية ضمن الثقافات الأخرى والعمل من أجل النهوض الكافي بمقومات المغرب الداخلية. حاوره عبدلاوي خلافة