وقفات احتجاجية، عريضة مليونية، دعاوى قضائية، رسالة إلى ملك البلاد، قرع أبواب الحكومة بمختلف وزاراتها، تواصل مع مؤسسات وشركات اقتصادية وجماعات محلية، شبكة من فروع الجمعية وجمعيات المجتمع المدني ومؤتمر وطني حاشد ... كل ذلك: من أجل رفع الحيف عن لغة الضاد وإحلالها المكانة الدستورية اللائقة بها لتكون لغة التعليم والإدارة والثقافة والإعلام والحياة العامة من غير انغلاق أو عقدة نقص، تلك بعض اقتراحات التي تمخضت عنها ندوة اللغة العربية في التعليم والإدارة والإعلام والمعلوميات والتي نظمتها الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية صبيحة يوم السبت، 08 ربيع الاول، 1429 الموافق 16/03/2008 بالمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية، بالرباط. وقد استهل اللقاء بكلمة الدكتور موسى الشامي رئيس الجمعية والتي ذكر فيها بحصيلة عمل الجمعية التي تحتفل بمرور عام على تأسيسها، وما كان من محاضرات وندوات وتأسيس لبعض الفروع واتصالات، كان أبرزها اللقاء مع الوزير الأول حيث تدارست معه الجمعية فحوى الفقرة التي أوردها في التصريح الحكومي بخصوص إعادة الاعتبار للغة الضاد، فبشر بقرب خروج أكاديمية محمد السادس للوجود، وعبر عن استعداده لدعم الجمعية في مسعاها النبيل، وطالبت الجمعية بخطوات عملية وملموسة في نصرة العربية في الإدارة المغربية وفي الشارع العام بخصوص أسماء المؤسسات والمحلات التجارية وغيرها، وذكر الرئيس بضرورة الفاعلية والصمود والتعبئة لمواجهة قوى عاتية تقف حجر عثرة أمام تعريب حياتنا العامة مؤكدا على الطابع السلمي الحضاري المنفتح على اللغات الأجنبية النافعة من غير انبطاح ودعم الأمازيغية واللهجات المحلية. فالعربية مسألة وطنية دستورية، وجب أن تأخذ في بلدنا المكانة اللائقة بها. ثم تناول الكلمة الدكتور عز الدين البوشيخي رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، ليجيب عن ثلاث أسئلة: لماذا الدعوة إلى التعريب أصلا؟ و لماذا إصرار بعض الجهات على إبقاء الوضع اللغوي الحالي كما هو؟ ولماذا همشت العربية في التعليم العالي؟ فقال عن السؤال الأول بأن الإصرار على التعريب، هو إصرار على استكمال الاستقلال واستعادة السيادة المنقوصة، لأن استمرار الاستعمار اللغوي استمرار في تبعية الثقافة والعلم والاقتصاد..كما أن العودة إلى العربية مهيمنة على حياتنا هو إعمال لحق من حقوق الشعوب في استعمال لغتها الوطنية. وقال عن السؤال الثاني: بأنه من الطبيعي أن يحافظ المستعمر على مخلفاته ومصالحه فهو ينفق أموالا طائلا في سبيل ذلك، لأن انتشار لغته ضمان لاستمرار نخبته ومصالحه، فأبناء المغاربة يدرسون هنا وتستثمر ثمارهم وجهودهم هناك، وأغلب الاستثمارات بعد ذلك تتجه إلى من تنسجم النخبة التي كونها الاستعمار لغويا، ويأسف المحاضر بأن الدولة لم تتدخل لحماية لغتها الرسمية، وتنهج سياسة أخرى بخصوص لغات أخرى. كما نبه إلى أن استهداف العربية هو استهداف لوحدة الهوية واجتهاد في تشتيتها، ذلك أن المدخل اللغوي يعتبر أهم مدخل لإذكاء الصراع بين فئات المجتمع، وبعده يكون تغذية الصراع، ثم تطعيمه بالجانب العرقي، ليتفتت الوطن. وأما الأستاذ عبد الرحمن الخالدي، فأشار إلى أن البحث في العربية هو بحث في الذات، وذكر بما ورد في ميثاق التربية والتكوين من تعبير عن نية خدمة العربية،غير أن واقع الحال يبين أن الممارسة ابتعدت كثيرا عن تلك النوايا المعبر عنها، فلا أكاديمية محمد السادس للعربية رأت النور، ولا المسالك الاختيارية لتدريس العلوم في التعليم العالي انطلقت، ولا الجيل المتمكن من لغته تكون، بل هناك تراجعات خطيرة تمس التعليم الأولي في كثير من المؤسسات حيث يتم إبعاد الأجيال المقبلة عن لغة الوطن. وخلص إلى أنه ليس هناك ما يوحي بالجدية لتنزيل ما هو موجود في الميثاق، وأكد إجماع أغلب الدراسات على أن التنمية تستنبت ولا تستورد ولا يكون الاستنبات بغير لغة البلاد والتي هي عندنا اللغة العربية. وتدخل الأستاذ حسن سرات في محور اللغة العربية في الإعلام: ضاربا المثل بقناة الجزيرة التي جعلت من الاهتمام بالعربية أمرا مبدئيا، حيث لها قانون داخلي يلزم العاملين فيها بالعربية، ولا تسمح بانتهاك حرمتها والتهاون في سلامة نطقها، وذلك أن الأخطاء تضيع المعاني في المقالات والعمل الصحفي، ونبه إلى أن الضعف اللغوي في العربية لصحافيينا، هو إيذان بفشل تعليمنا وخلل كبير في تكوين أجيالنا. وتقدم الأستاذ عبد الهادي السودي من أطر المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية بعرض حول الجهود المبذولة في سبيل النهوض بالمعالجة المعلوماتية للغة العربية حيث قطعت أشوطا مهما بفضل جهود دولية واجتهاد بعض أبنائها المخلصين، الأمر الذي يؤكد قدرة هذه اللغة على اقتحام مختلف مجالات التحديث والتواصل بها في مختلف المستويات. أما الحاج حمو فوقف بالحاضرين على حالة اللغة العربية في الإدارة المغربية والتي تطبعها حالة الضعف والتردد القائمين عليها في خطوات التعريب، وغياب الإرادة الحقيقية، بل هناك من الوزراء من يحتقر أطره التي تحاول التمسك بلغة الوطن، ولا يقبل حديثا أو مراسلة أو مشاريع قرارات أو غيرها بغير اللغة الفرنسية، فالمغرب استقل منذ أكثر من نصف قرن وقد تأخر التصالح مع ذاتنا اللغوية، وفقدنا بهذا الوضع الغريب عزتنا وكرامتنا، فرغم تأكيد مختلف الدساتير المتعاقبة على كون العربية لغة رسمية للبلاد كل الدساتير تؤكد على أن العربية لغة رسمية، إلا أن نخبة متغربة في الدوائر العليا في الوظيفة العمومية لا تزال تصر على التنكر لهذا المطلب المشروع، ورغم أن بعض المحاولات للتعريب بدأت من ستينات القرن الماضي من خلال برنامج تكويني اعتمد بعض الخطوات مثل تعليم الصرف وكتابة بعض المراسلات، وتتويج ذلك بدبلوم يساهم في ترقية الموظفين، إلا أن ذلك توقف إلا ما كان من استمرار بعض ذلك في سلك الشرطة والدرك، واستمر هذا التوقف إلى مرحلة حكومة التناوب حيث صدر مرسوم من الوزير الأول يؤكد على ضرورة استعمال اللغة العربية في المراسلات ومراسيم القوانين، ومع ذلك بقيت مقاومة هذا المسار داخل دواليب عدد من الوزارات ، ثم تحدث المتدخل عن توقف التعريب عند عتبة التعليم العالي، الأمر الذي أربك الخطوات التي اتخذت في المراحل قبله وظهر وكأن التعريب فشل والحال أن الإصرار على فرنسة التعليم العالي هو إصرار على إفشال التعريب في مختلف مراحله، ثم خلص إلى تحميل المسؤولية للدولة من جهة، ثم للأشخاص النافدين في الإدارات ذوي التكوين المفرنس والذين يعادون في أغلبهم ما يجهلون. مؤكدا أن العلم لا يترسخ في دنيا الناس بغير اللغة الأصلية للبلد، وهو ما لا يتنافى مع التفتح والاستفادة من اللغات العالمية. بعد انتهاء العروض دعت تدخلات الجمهور إلى انخراط جميع المخلصين في هذا البلد في وقفات احتجاجية، وعريضة مليونية، وإقامة دعاوى قضائية ضد من يراسل المغاربة بغير لغتهم، وفي هذا السياق بعث الأستاذ المحامي بنعمرو برسالة تضامنية للملتقى يعبر فيه عن استعداده لتولي المرافعاة في هذا الشأن بالمجان، واقترح بعضهم بعث رسالة إلى ملك البلاد في هذا الشأن، وقرع أبواب الحكومة بمختلف وزاراتها.