أكد الدكتور سمير بنيس، مختص في العلاقات بين المغرب وإسبانيا وقضية الصحراء، أن خطاب الملك محمد السادس أخيرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يبرز سعيه للعب دور قيادي في أفريقيا، وهو ما يتسق مع الدور التقليدي الذي لعبه المغرب عبر التاريخ في القارة سياسيا واقتصاديا. وأفاد بنيس، وهو رئيس تحرير موقع Morocco World News، في مقال توصلت به هسبريس، أنه حان الوقت لأن يعترف المجتمع الدولي بأنه لا يمكن تحقيق أي تنمية مستدامة في الوقت الذي لا زالت بعض البلدان النامية، مثل المغرب، تعاني من تداعيات الاستعمار". وهذا نص مقال سمير بنيس كما ورد إلى الجريدة: قراءة بين أسطر الخطاب الملكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فوجئ الشعب المغربي والمراقبون الدوليون بلهجة خطاب الملك محمد السادس في المناقشة العامة للدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تلاه السيد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية. فالخطاب كان غير مسبوقاً في إدانة الضرر الذي ألحقه الاستعمار بالبلدان النامية، خاصةً في أفريقيا، والتي التي تم تبديد واستغلال ثرواتها لعدة عقود، وتسبب أيضا في زرع بذور الفرقة والشقاق والنزاع بين الدول المجاورة. فبالإضافة إلى انتقاد الحلول الجاهزة التي يفرضها الغرب لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الكثيرة التي تواجه البلدان النامية، والتي فشلت في كثير من الحالات في تحقيق النتائج المرجوة منها، أشار الملك محمد السادس إلى أن الانقسامات الناجمة عن الاستعمار بين دول الجوار، هي من بين العوائق الرئيسية نحو تحقيق التنمية المستدامة في القارة الأفريقية أو في بلد مثل المغرب. كما انتقد عدم اكتراث الدول الغربية لمعاناة البلدان الأفريقية وميلها إلى فرض ظروف قاسية عليها من أجل الحصول على المساعدات المالية، فيالوقت الذي أشار إلى تجاهل الغرب للمسار الذي تختاره البلدان النامية لتحقيق الديمقراطية. فقد يعتبر العديد بأن الخطاب كان محاولة من جانب الملك لاعطاء صورة عن نفسه كمدافع عن أفريقيا، خصوصا وأن الخطاب يأتي بعد الجهود التي بذلتها الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة لإعطاء المغرب مكانه المناسب في السياسة الأفريقية، من خلال تكرار الزيارات الرسمية التي قام بها العاهل المغربي لبعض الدول الأفريقية ومشاركته الشخصية في إيجاد حل لأزمة مالي. فمن الواضح أنه من خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يسعى العاهل المغربي للعب دور قيادي في أفريقيا، وهو ما يتسق مع الدور التقليدي الذي لعبه المغرب عبر التاريخ في القارة سواء على الصعيد الاقتصادي، لكونه محور طرق القوافل بين أفريقيا وبقية العالم، أو على المستوى الديني، حيث لعب المغرب دورا محوريا في انتشار الإسلام في العديد من البلدان. وعلى المستوى السياسي، فقد كان المغرب من بين المؤسسين للاتحاد الأفريقي، المعروف سابقا باسم منظمة الوحدة الأفريقية، والتي انسحب منها عام 1984. تداعيات الاستعمار على التنمية في المغرب ولعل واحدة من الرسائل الرئيسية المدرجة في هذا الخطاب هو أنه ليس بإمكان الدول الغربية الوفاء بالمبادئ التي تدعي نشرها في دول مثل المغرب اذا لم تقر وتتحمل المسؤولية عن ماضيها الاستعماري ولم تعترف بأن الانقسامات الإقليمية والعرقية الناجمة عن القوى الاستعمارية هي من بين العقبات الرئيسية التي تقف أمام تحقيق التنمية والاستقرار والأمن في هذه البلدان. ففي حالة المغرب مثلا، وهذا في رأيي أحد المحاور الرئيسية في خطاب الملك، لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة والأمن في البلاد في الوقت الذي لا يزال المغرب يعاني من تبعات الاستعار. وبالنظر لكونه من البلدان القليلة التي التي تم تقسيمها بشكل سافر أثناء الفترة الاستعمارية، لا يزال المغرب يعاني من انعكاسات الاستعمار. ولعل الوضع في الصحراء المغربية لخير دليل على ذلك. فلا يحُد هذا الصراع فقط من قدرة المغرب على لعب دور دبلوماسي كبير على الصعيدين الإقليمي والدولي، بل يشكل أيضاً واحدة من العوائق الرئيسية نحو تحقيقه للتنمية المستدامة، والنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتحقيق الرفاه الاقتصادي. فلعدة أسباب،لا زال هذا الصراع يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد المغربي. فعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، كان على الحكومة المغربية العمل في العديد من الجبهات الدبلوماسية من أجل الدفاع عن سيادة المغرب على الصحراء. وتشمل هذه الجهود ليس فقط النفقات التي يدفعها المغرب لتغطية مشاركة الدبلوماسيين المغاربة في مختلف المحافل الدولية التي تتطرق لهذه المسألة، بل أيضا ما تدفعه الرباط لمكاتب الاستشارات وشركات العلاقات العامة في الدول الغربية المؤثرة من أجل مواجهة الحملات الدعائية التي تروج لها البوليساريو والجزائر ضد المغرب، وكذلك التعريف بموقف المغرب. فلو افترضنا أن المغرب خصص في السنوات ال40 الماضية10 مليون دولار كل عام لتغطية هذه النفقات، فإنتكلفةهذه الجهود تصل إلى 400 مليون دولار. ولكن الأهم من ذلك بكثير هو تكلفة الحرب الطويلة التي خاضها المعرب ضد البوليساريو من عام 1976 حتى عام 1991. فبالإضافة إلى الوضع الأمني في المنطقة وعدم الاستقرار الناجم عن التهديد الذي تشكله جبهة البوليساريو، فقد اضطر المغرب لوضع نسبة كبيرة من القوات المسلحة الملكية في الصحراء. سباق التسلح بين الجزائر والمغرب ونتيجة لهذا النزاع، فتشهد المنطقة سباقاًللتسلح بين المغرب والجزائر. فقد أظهر تقرير صدر في مارس الماضي من قبل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) أن الجزائر والمغرب من أكبر مستوردي الأسلحة في أفريقيا. وأضاف التقرير أن الجزائر والمغرب اقتنيا على التوالي 36٪ و 22٪ من واردات الأسلحة الأفريقية، علماً أن روسيا وفرنسا هما على التوالي الموردين الرئيسيين للأسلحة بالنسبة للجزائر والمغرب. فقد شكل ولا زال يشكل هذا السباق نحو التسلح عبئا على اقتصاد البلدين. وفي حالة المغرب، فقد أجبر الحكومة على التضحية بقطاعات أكثر حيوية ومن شأنها خلق فرص العمل من أجل مواكبة التسلح الذي تقوم به الجزائر. وكنتيجةً لذلك، تذهب الأموال التي يمكن استثمارها في مجالات التعليم وتحسين البنية التحتية للبلاد، وفي بناء المستشفيات والمصانع،إلى شراء أسلحة لن يتم استعمالها على الأرجح. ولعل المستفيد الرئيسي من هذا السباق نحو التسلح هي الدول الغربية، بالإضافة إلى روسيا والصين، التي تزدهر صناعة الأسلحة فيها على حساب البلدان النامية مثل المغرب. ففي الوقت الذي يعزز شراء هذه الأسلحة خلق فرص العمل ويرفع من حجم الصادرات في البلدان المصدرة، فإنه يعمق العجز التجاري للبلدان المستورد ويحرمها من الموارد المالية اللازمة لإطلاق برامج طموحة لخلق فرص العمل ووضع أسس تحقيق التنمية الاقتصادية. فبسبب سباق التسلح بين المغرب والجزائر، يمتص الجيش المغربي حوالي 10٪ من ميزانية الحكومة.وفي كثير من الأحيان، تكون الوزارة المكلفة بالدفاع الوطني من بين الوزارات الثلاثة، إلى جانب وزراة التعليم ووزارة الداخلية، من حيث اعتمادات الميزانية العامة للحكومة.فعلى سبيل المثال، مثلت الميزانية المخصصة للجيش 12٪ من الميزانية الإجمالية للحكومة العام الماضي. ويمكن للمرء أن يتصور عدد المدارس والمستشفيات أو المصانع التي يمكن بناؤها في المغرب إذا لم يتم دفع تلك الأموال على التسلح،والتأثير الإيجابي لذلك على خلق فرص العمل وامتصاص البطالة. وبشكل عام، فمنذرجوع الصحراء للسيادة الفعلية المغرب عام 1975، فقد امتص هذا الصراع أموالاً طائلة كان من الممكن أن يستفيد منها الاقتصاد المغربي. فلو افترضنا أنه تم إنفاق مبلغ إضافي يساوي 2 مليار دولار سنويا لشراء المزيد من الأسلحة وتأمين المنطقة ضد تهديد البوليساريو، فإن المبلغ الإضافي الذي امتصه التسلح للحفاظ على توازن القوى مع الجزائر، يصل إلى 78 مليار دولار، أي أكثر من 5 مرات الدين العام الخارجي للمغرب، الذي يبلغ نحو 14 مليار دولار. ويمكن للمرء أن يقول بأنه كان بإمكان هذا المبلغ الضخم مساعدة المغرب على تسديد ديونه الخارجية واستثمارما تبقى في مشاريع هيكلية وتنموية ما أحوج البلاد إليها، مع الأثر الإيجابي لهذه الاستثمارات على امتصاص البطالة وتعزيز الاستقرار والسلم الاجتماعي. ففي هذا السيناريو، لن يُضطر المغرب لاقتراض مبالغ مالية من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبالتالي، تجنب الشروط المرهقة التي تفرضها هذه المؤسسات، والتي تؤثر بشكل سلبي على اقتصاد البلاد واستقرارها الاجتماعي. تأثير غياب الاتحاد المغاربي على التنمية الاقتصادية علاوة على ذلك، فإن الصراع حول الصحراء المغربية يشكل عائقا رئيسيا أمام تحقيق اتحاد المغرب العربي الذي تأسس عام 1989 في مراكش ولميتحول بعد إلى اتحاد حقيقي. فبينما شهدت أجزاء أخرى من العالم إنشاء تكتلات إقليمية، كما هو الحال في جنوب شرق آسيا مع مجموعة الاسيان، ومجموعة الميركوسورفي أمريكاالجنوبية، تظل المنطقة المغاربية من المناطق القليلة التي ليس فيها اتحاد اقتصادي. فجميع مكونات اتحاد مغاربي ناجح موجودة، بدءً بالتاريخ واللغة المشتركة والدين بين شعوب المنطقة وانتهاءً بالتكامل بين اقتصاداتها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دول المنطقة تتقاسم نفس التحديات، ألا وهي ارتفاع عدد السكان ومعدلات البطالة بين الشباب. غير أنه على الرغم من كل هذه العوامل، فليس هناك فقط غيابلاتحاد اقتصادي بين البلدان الخمسة لما يسمى بالاتحاد المغاربي، بل الأسوأ من ذلك أن الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ عام 1994. ووفقا لعدد من التقارير التي نشرت في السنوات الأخيرة عن تكلفة عدم وجود اتحاد مغاربي، فإن غياب هذا الاتحاد يكلف دول المنطقة بين 2 و 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا. ووفقا للبنك الدولي، فكان من شأن التكامل الاقتصادي بين البلدان المغاربية أن يؤدي إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بين 2005-2015 بنسبة 34٪ في الجزائر و 27٪ في المغرب و24٪ في تونس. وأظهر تقرير آخر نشره البنك الدولي عام 2012، أنه في الوقت الذي بلغت المبادلات التجارية بين دول الاتحاد الأوروبي 63.6٪ من إجمالي التجارة في المنطقة، و24٪ بين دول رابطةجنوب شرق آسيا، فلم تتعدى المبادلات بين الدول المغاربية نسبة 3٪ من مبادلاتها الإجمالية. إن من شأن وجود اتحاد مغاربي حقيقي خلق كتلة قوية تتكون من 90 مليون شخص، وتعزيز الاستقرار السياسي في المنطقة والقدرة التنافسية الاقتصادية لدولها. كما من شأن ذلك تحويل المنطقة إلى وجهة جذابة للمستثمرين الأجانب والمحليين ومساعدة دول المنطقة على مواجهة تحديات البطالة والفقر والتحديات الأمنية بشكل فعال. ولكن في الوقت الذي تتوق شعوب المنطقة لتحويل الاتحاد المغاربي إلى حقيقة، يظل هذا الهدف بعيد المنال طالما لم يتم تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. فلن يتم تحقيق هذا الهدف ولاهدف التنمية المستدامة في المنطقة، طالما أن المجتمع الدولي غير جاد في البحث عن تسوية سياسية لهذا النزاع الإقليمي تحترم مصلحة المغرب وسكان الأقاليم الصحراوية. لقد حان الوقت لأن يعترف المجتمع الدولي بأنه لا يمكن تحقيق أي تنمية مستدامة في الوقت الذي لا زالت بعض البلدان النامية مثل المغرب، تعاني من تداعيات الاستعمار ، وتصارع من أجل الحفاظ على سلامة ووحدة أراضيها من خلال تكريس جزء كبير من ميزانيتها لتأمين هذا الهدف. ففي الوقت الذي جعلت الأممالمتحدة تحقيق التنمية المستدامة هدفها الرئيسي خلال العقدين القادمين، فهناك الحاجة إلى تحديد العوائق الحقيقية التي تمنع بعض الدول النامية من تحقيق هذا الهدف. ولعل واحدة من هذه العوائق هي تداعيات الاستعمار، والتي تركت العديد من النزاعات الإقليمية التي لم يتم حلها بعد، مثل نزاع الصحراء المغربية. فلن تتحقق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي عن طريق القروض التي تقدمها المؤسسات المالية،بل من خلال تخصيص موارد ميزانية هذه البلدانللقطاعات التي من شأنها أن تخلق فرص العمل، وبالتالي، تساهم في الرفع من وتيرة النمو الاقتصادي. ولذا فقد حان الوقت لأن تتحول الأممالمتحدة من آلة ضخمة تنتج مئات القرارات غير الفعالة، التي يكون لها في أحسن الأحوال تأثير ضئيل على الأرض، إلى منظمة فعالة تنتج حلولا ابتكارية تأخذ في عين الاعتبار الحقائق المتغيرة للقرن الواحد والعشرين. فلا يمكن للمجتمع الدولي الاستمرار في محاولة إيجاد حلول لصراعات ونزاعات القرن الواحد والعشرين من خلال اتباع الوصفات الجاهزة التي تم تصورها في منتصف القرن العشرين. ففقد تغير العالم الذي نعيشه، كما أن العقليات في تطور مستمر، وبالتالي، فيتعين على الأممالمتحدة التكيف مع هذا الواقع.