ادريس الكنبوري لا تكاد فترة من الزمن تمر من دون أن تشهد علاقات الجوار بين المغرب والجزائر اهتزازات ذات طبيعة سياسية تعيد النقاش إلى نقطة الصفر، حول ما إن كانت علاقات الجوار القائمة بقوة الجغرافيا قادرة على التحول إلى علاقات سياسية مستقرة، استقرار الطبيعة الجغرافية أو قريبا منها. وكثيرا ما يتم تعريف الأوضاع السياسية في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا على أنها ترتبط أساسا بالعلاقات المغربية الجزائرية المتوترة، لأن هذا التوتر الذي يخيم باستمرار على أجواء العلاقة بين البلدين يحجب سائر التطورات الأخرى الحاصلة في المنطقة. ولعل الفترة الوحيدة التي شهدت فيها العلاقات بين البلدين نوعا من الهدوء، دون أن تشهد مناوشات معينة، هي الفترة التي حصلت فيها أحداث الربيع العربي التي انطلقت من تونس نهاية عام 2010، وما تلاها من تطورات في ليبيا في العام التالي. ويرجع السبب في ذلك إلى أن بلدان المنطقة برمتها، بما فيها المغرب والجزائر، انكفأت على نفسها اتقاء لوصول رياح الربيع العربي إليها، وكانت الجزائر أكثر هذه البلدان توجسا، بالنظر إلى وجود المؤسسة العسكرية التي تقود البلاد منذ استقلالها عن فرنسا في بداية الستينيات من القرن الفائت، والتخوف من أن يكون التغيير بداية النهاية لذلك التحالف الكلاسيكي القائم طيلة عقود من الزمن بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية، على اعتبار أن التغيير في البنية السياسية وانفراط ذلك التحالف سوف يجران معهما لا محالة تحولا كبير الحجم على صعيد العلاقات بين البلاد وبين جيرانها، خاصة المغرب، وإعادة النظر في بعض الملفات ذات الارتباط بالنظام الحالي، وعلى رأسها قضية الصحراء. وفي الوقت الذي تمكن فيه المغرب من اجتياز مرحلة الربيع العربي بنوع من النجاح الذي أثار اهتماما إقليميا ودوليا، من خلال وضع دستور جديد وتنظيم استفتاء حوله وإجراء انتخابات حملت حزبا ذا مرجعية دينية إلى الحكم للمرة الأولى، بدا الوضع في الجزائر بمثابة رحلة غير مكتملة، حيث استعصى الوضع على التغيير، والأكثر من ذلك أن النافذين في الجيش مازالوا حريصين على تثبيت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ولاية رئاسية رابعة، بالرغم من مرضه ومن سنه المتقدمة، مما أعطى الانطباع في الداخل على الجمود وفي الخارج على شيخوخة النظام. كما أن التجربة المغربية شكلت مصدر إزعاج للجزائر بوجه خاص، أولا لأن المغرب سجل حضوره في الربيع العربي عبر حزمة الإصلاحات التي قام بها، مما مكنه من تخطي الأزمة، وثانيا لأن إشراك الإسلاميين في السلطة مثلا نوعا من التحدي للنظام الجزائري. وبعد الهدوء العابر الذي شهدته العلاقات بين البلدين، عادت المناوشات من جديد، وشرعت الجزائر في استفزاز المغرب عبر مجموعة من الخطوات التي أظهرت بأنها مازالت ترى في المغرب جارا مزعجا أكثر منه جارا لبناء علاقات سليمة. وقد بدأت الأزمات الجديدة مع الأزمة التي شهدتها دولة مالي قبل نحو عامين، حينما قرر المغرب تأييد التدخل الفرنسي والأمريكي في هذا البلد الإفريقي الذي كان يشهد فصول حرب داخلية تسير به نحو التقسيم، إذ وقفت الجزائر في الخط المقابل لذلك التدخل، اعتبارا لكونه يمس بمصالحها الحيوية بالمنطقة، ورأت في الموقف المغربي بداية استراتيجية جديدة شرعت الرباط في انتهاجها، من أجل تثبيت حضورها في القارة السمراء، وهو الأمر الذي اعتبرته تهديدا لمصالحها، خصوصا وأنها ظلت باستمرار تسعى إلى إقصاء المغرب من أي سياسة أمنية مشتركة في منطقة الساحل التي تواجه خطر التهديدات الإرهابية المسلحة، من خلال الحرص على عدم إشراكه في المنتديات واللقاءات الدولية أو الإقليمية التي تعقد بالجزائر حول هذا الملف. أدركت الجزائر أن الحدث المالي يسجل بداية الانخراط المغربي في الشأن الإفريقي، واستشرفت نتائجه السلبية على مصالحها، لذلك عملت على استباق المبادرات المغربية نحو إفريقيا عبر الالتفاف عليها ومحاصرة المغرب. وقد تمثل ذلك في اللقاء الذي نظم في نوفمبر الماضي بالعاصمة النيجيرية أبوجا تحت دعوى دعم جبهة البوليساريو، حيث أرسل عبد العزيز بوتفليقة خطابا إلى الملتقى يطلق فيه النيران على المغرب ووصفه بالدولة المحتلة، ما أدى بالرباط إلى سحب سفيرها من العاصمة الجزائر، وبداية أزمة دبلوماسية سرعان ما تم تلافيها بوساطة فرنسية. ولم يكن ذلك الملتقى كما كتبنا في حينه سوى محاولة جزائرية ذكية لحصار المغرب داخل إفريقيا واستصدار قرار إدانة من البلدان الإفريقية المجتمعة من أجل عزله إقليميا. إلى متى ستستمر حالة الشد والجذب بين المغرب والجزائر بنحمو: سياسة القادة الجزائريين تقوم على محاولات تقزيم مكانة المغرب المهدي السجاري حالة الشد والجذب تستمر بين الجزائر والمغرب، وتستمر معها استفزازات النظام الجزائري لدولة جار دعت في مناسبات عدة إلى توطيد العلاقات، واحترام قواعد حسن الجوار، بما يضمن ازدهار الشعبين. لكن رهانات العسكر الجزائري، وأهمية الورقة المغربية في التفاعلات الداخلية، تجعل إمكانية تغيير عقلية المتحكمين بدواليب صناعة القرار داخل الجزائر، أمرا بعيد المنال على الأقل في المرحلة الراهنة. الصراع القائم بين أجهزة الجيش والمخابرات وصل أوجه في ظل تردي الوضع الصحي للرئيس الجزائري، بالنظر إلى أن حادث إطلاق النار، وإن حاولت الجزائر العمل على نفيه، فإنه يحيل في المقابل على محاولات تصدير الأوضاع المتأزمة داخل البلاد إلى الخارج، لينضاف إلى الزوبعة التي أثارتها رسالة عبد العزيز بوتفليقة إلى المشاركين في ندوة أبوجا، وما كشفت عنه من احتدام الصراع داخل البلد، ومحاولات إظهار الرئيس المُقعد في شكل القائد الذي لازال يتحكم في القرارات الكبرى للبلاد. المغرب، ورغم تكرار حوادث إطلاق النار على مواطني الحدود الشرقية، التزم بكثير من الحكمة والدبلوماسية في تعاطيه مع الحادث الأخير، فكان بلاغ وزارة الداخلية عبارة عن إخبار بشأن الحادث، قبل أن تتحرك وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة في العلاقات الدولية، لتطلب عبر السفير المغربي في العاصمة الجزائر، توضيح ملابسات هذا الحادث. مستقبل العلاقات المغربية- الجزائرية مرتبط بشكل أساسي بوضع الجزائر في مرحلة ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وحسم الخلاف الداخلي، رغم أن الدور الجزائري الأساسي في النزاع حول الصحراء سيجعل إمكانية تحقيق تطور لافت على مستوى العلاقات بين البلدين أمرا مؤجلا إلى حين تغيير عقلية الحكام الجزائريين. محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، يرى أن «العلاقات المغربية الجزائرية، لازالت تحيط بها علامات استفهام كبيرة جدا، بالنظر إلى كونها مرتبطة بإمكانية التطور أو عدم تطور المواقف الجزائرية إيجابا أو سلبا تحت طائلة التغيير أو الجمود الداخلي أو الإقليمي أو الدولي». وأضاف: «إذا كنا ننطلق من النخب المتحكمة في القرار السياسي الجزائري، وانطلاقا من الثقافة التي تم ترسيخها في الجزائر منذ استقلال البلد، وأيضا العقيدة السياسية والاستراتيجية والعسكرية للجزائر كما بنيت منذ عقود، فإذا لم يطرأ أي تغيير على النخب التي تمسك بزمام الأمور، والنخب والفكر الذي رسخته والعقيدة والثقافة التي كرستها، فلن يكون هناك أي تطور إيجابي في العلاقات المغربية الجزائرية». واعتبر الخبير المغربي أن «النظرية الواقعية تؤكد بأن الجزائر لازالت حبيسة الماضي، ولازالت أسيرة عقيدة استراتيجية وسياسية مرتبطة بالحرب الباردة وبتصور لدور الجزائر ومكانتها في المنطقة والقارة والجنوب بشكل عام على أنها دولة محورية ورائدة، ودولة تعتبر ركيزة فيما يرتبط بالمنطقة». وسجل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس أن «المواقف من المغرب تشكل معطى أساسيا ورئيسيا في كل السياسات الجزائرية، وبالتالي فقادة الجزائر سياستهم تقوم على ما يمكن أن يحجم أو يقزم دور المغرب، أو ما يمكن أن يكون له أثر سلبي على المغرب، ومادام أن صانعي القرار والسياسات والزعامات والحكومات والرؤساء وأصحاب القرار الحقيقي في أجهزة المخابرات العسكرية أو في بعض المواقع المهمة داخل المؤسسة العسكرية، والتي تساهم في هذا الموقف من المغرب، فلن يكون هناك تطور إيجابي». ويقول التحليل الذي قدمه محمد بنحمو إن «الإشكالية ترتبط بكون الجزائر نهجت منذ استقلالها سياسة يمكن اعتبارها بدبلوماسية الحدودية، وجعلت منها نهجا وسياسة واستراتيجية في تعاملها مع جميع الدول المحيطة بها، حيث استطاعت أن تنتزع اتفاقيات للحدود مع كل هذه الدول، باستثناء الذي تعذر عليها تدبير هذه العملية معه بالشكل الذي تريده، وبالتالي فما يرتبط بالحدود هو الذي دفع بالجزائر إلى افتعال حرب الرمال والتي شكلت أول إشارة وأول ما يفيد بأننا كنا أمام عقيدة لم تتغير». كل هذا يفسر، حسب بنحمو النزاع الذي افتعل في جنوب المغرب، والحدود المغلقة بين المغرب والجزائر، «فإغلاق الحدود بين البلدين ليس خيارا ظرفيا بل خيار استراتيجي وقرار سياسي، لأن هناك سياسة الحدود المغلقة وهذه السياسة هي التي تشتغل بها الجزائر، رغم أننا كنا ننتظر أن يحدث تطور في عقيدة الجزائر، بعدما عرفته دول شمال إفريقيا والدول العربية خلال الثلاث سنوات الأخيرة والحركات الاحتجاجية التي أسقطت مجموعة من الأنظمة، وخلقت أوضاعا جيوسياسية ممزقة ومبعثرة لم تهدأ بعد، وخلقت قطيعة استراتيجية بالمنطقة». بوادر الانفراج في العلاقات المغربية سرعان ما تتبدد أمام واقع عصي على التغيير، وعقلية متحجرة، لتعود العلاقات بين البلدين إلى مربع التوتر، فيما تبقى آمال الشعبين رهينة مواقف حكام الجزائر الذين أبوا إلا أن تبقى علاقات الجيران مهددة دائما بالتصعيد، ويظل المغرب يناشد الدولة الجار بفتح صفحة جديدة تأخذ بعين الاعتبار المصلحة المشتركة للبلدين، وتحقيق ازدهار الشعبين. شيات: حين يتوجه المغرب إلى إفريقيا فهو لا ينافس بالضرورة الجزائر محمد الرسمي منذ أن أعلن المغرب والجزائر عن اتفاقية وقف إطلاق النار بينهما سنة 1963، عقب حرب الرمال التي خاضها البلدان الخارجان لتوهما من تحت نير الاستعمار الأجنبي، والصراع بين البلدين منكب على جوانب أخرى، رغم ما يقال عن استمرار الجزائر في الدعم العسكري لميليشيات جبهة البوليساريو في حربها التي خاضتها ضد القوات المغربية في الصحراء، ونفي المسؤولين الجزائريين لذلك بمناسبة أو بدونها. لكن ورغم استمرار سباق التسلح بين البلدين، وفق ما تشير إليه التقارير الدولية المختصة، فإن الصراع بينهما تركز أساسا على الجانب الدبلوماسي بشكل كبير، خاصة ما يتعلق بقضية الصحراء، والتنافس على النفوذ وسط بعض الدول الإفريقية التي تشكل عمق البلدين، فضلا عن البحث عن زعامة المنطقة المغاربية، ومحاولة تقمص دور المخاطب الوحيد للغرب فيها. في عز الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، كان الصراع بين البلدين يتخذ صورا عديدة، بحكم تبعية كل منهما إلى معسكر معين، وهو الصراع الذي استمر بعدما وضعت تلك الحرب أوزارها، بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، لكن صراع الجارين ظل مستمرا على أكثر من صعيد، وبقيت أبرز تجلياته متمثلة في قضية الصحراء التي يعتبرها العديد من المتتبعين من مخلفات الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، إذ شهد الصراع نزالات عديدة بين الغريمين، سواء على مستوى الأممالمتحدة أو منظمة الوحدة الإفريقية، والتي ستعوض بعد ذلك بالاتحاد الإفريقي، إذ مازال المغرب يوجد خارج صفوفه منذ انسحابه منه سنة 1984، عقب اعترافه بالجمهورية الصحراوية التي أعلنت جبهة البوليساريو قيامها من جانب واحد. اعتراف منظمة الاتحاد الإفريقي بعضوية الجمهورية الصحراوية الوهمية، كان بضغط من الجزائر الحليف الرئيسي للجبهة، والمساند لها على كافة المستويات الدبلوماسية والاقتصادية، وهي الضغوط التي استخدمت فيها الجزائر كل إمكانياتها الدبلوماسية والاقتصادية، عبر تسخير البترول الذي يعتبر ثروة قومية في رشوة الدول التي اعترفت بالجمهورية الوهمية، وإدخالها إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، فضلا عن علاقاتها التاريخية ببعض الدول التي كانت تتبنى المنهج الاشتراكي، من قبيل أنغولا وغيرها من الدول التي تدور في فلك جنوب إفريقيا، الحليف الآخر للجبهة في جنوب القارة، والمنافس التاريخي للمغرب على الريادة الاقتصادية في القارة السمراء. خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية والمختص في العلاقات المغربية الجزائرية، أكد أنه من بين الأسباب التي أدت إلى حوادث السير الأخيرة في علاقات البلدين الجارين، هو التحرك المغربي الذي سجل أخيرا على مستوى دول القارة السمراء، وخاصة في الدول التي تشكل تقليديا عمقا استراتيجيا للجزائر مثل مالي، «حيث إن الجارة الشرقية أحست بأن المغرب قد بدأ بتنظيف أبوابها، من خلال حضوره القوي في دول إفريقية مثل مالي، والمغرب عندما يعمل على تعزيز علاقاته مع هذه الدول التي تربطه بها أصلا علاقات دينية وتاريخية عريقة، فإنه لا يكون بالضرورة في صراع مع جارته الجزائر، بل هو يسعى إلى تحقيق الاستقرار لهذه الدولة وغيرها من الدول الإفريقية». وأكد شيات في تصريحه ل»المساء»، أنه يتوجب على المغرب اليوم أن ينوع علاقاته الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول الإفريقية، وحتى الدول التي تعادي الوحدة الترابية للمغرب، يمكن أن تصبح مجالا للاقتحام الاقتصادي من طرف المغرب، «بل ويمكن للبلدين معا أن يحققا تعاونا لافتا في هذا المجال، بدل الاستمرار في التنافس فيما بينهما، بما قد يحقق مصلحة الشعبين معا، بشرط أن تلتزم الجزائر باحترام الوحدة الترابية للمملكة وعدم المس بها، وهو ما لن يتأتى إلا عبر تخليها عن دعم جبهة البوليساريو، والتخلي عن معاكستها لمصالح المغرب. الصراع الدبلوماسي بين البلدين لم يقتصر على العمق الإفريقي، بل امتد إلى علاقاتهما مع الغرب، وخاصة مع فرنسا المستعمر السابق، إذ كان لافتا تنافسهما على من يكون له قصب السبق في استقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، عقب وصوله إلى قصر الإيليزي، رغم استمرار التوتر بين المسؤولين الفرنسيين والجزائريين، على خلفية مطالبة الجزائرلفرنسا بالاعتذار عن فترة الاستعمار التي فاقت المائة سنة، ورفض فرنسا لتقديم مثل هذا الاعتذار، واتهام الجزائر لها بالوقوف إلى جانب المغرب في قضية الصحراء، ومعاكسة تحركات الجزائر في مجلس الأمن من أجل الإساءة إلى المغرب، وإلى وحدته الترابية. ويبقى أكبر ضحية للصراع المغربي الجزائري، هو الاتحاد المغاربي المجمد عمليا منذ سنوات، بسبب المنافسة الموجودة بين البلدين، والذي أدخل أجهزته في سبات عميق، وجعل باقي أعضائه يقفون موقف المتفرج من العلاقات المغربية الجزائرية، خاصة بعدما شهدته تونس وليبيا من انتفاضات وثورات أطاحت بالنظامين الحاكمين بهما، في حين تصر الدول الغربية على ضرورة إحياء هذا الإطار، حتى يكون بمثابة مخاطب موحد للتكتلات العظمى في العالم، بدل أن يستمر البلدان في التصارع بينهما، بما يضيع على شعبيهما وعلى المنطقة سنوات من التقدم والتطور الاقتصادي، مع ما يمكن أن يشكله الاقتصادان معا من تكامل لمصلحة البلدين والشعبين. قصوري: الجزائر تغطي على مشاكلها الداخلية بإطلاق النار على المغرب قال ل« المساء »: المطلوب ألا نكون ضحية لمناورات الجزائر وتستدرجنا لنسقط في فخها حاورته: خديجة عليموسى - أعاد حادث إطلاق الجزائر أعيرة نارية اتجاه مركز للمراقبة بإقليم فكيك شرق المغرب الحديث عن طبيعة العلاقات ببين البلدين، ما هي قراءتكم للحادث؟ حادث إطلاق النار بالجهة الشرقية يكشف عن طبيعة النظام الجزائري، ويقدم نظرة عن طبيعة الممارسات اللا أخلاقية المنافية للسلام، التي تنهجها الجزائر اتجاه المغرب أو اتجاه دول الجوار، والتي تخرق فيها كل قوانين المنتظم الدولي وقواعد الدول العربية والدولية المنظمة للسلم والسلام والأمن والتعايش والاستقرار، سيما بين دول الجوار. كما أن هذا الحادث يؤكد لجوء الجزائر إلى استعراض القوى بهدف كسب الشرعية في سياق الانتخابات الجزائرية، حيث تعرف مشاكل سواء ما بين الرئاسة والأجهزة العسكرية والمخابراتية، أو بين مختلف مكونات المخابرات فيما بينها والأجهزة العسكرية في أفق الانتخابات من جهة، ومع المكونات السياسية من جهة ثانية، ومع الرأي العام الجزائري الذي هو مدعو لاختيار الرئيس الجديد، في ظل احتقانات كثيرة بدأت تتوسع داخل الجزائر وبمناطق مختلفة لم تكن منتظرة. - ما هي الرسائل التي ترغب الجزائر في توجيهها عبر هذه الواقعة؟ إن اللجوء إلى استعمال القوة داخل المغرب الغاية منه هو أن يقول النظام الجزائري إنه هو القادر على حماية الجزائر وتأمين أمنها الداخلي والقومي من خلال استعراضه للقوة واستفزازه للمغرب، وأن ذلك يمثل أولى الأولويات على السياسة الداخلية، وعلى تداول السلطة وعلى الحقوق المشروعة للشعب الجزائري في أن يتمتع بكل خيراته وأن يختار بحرية من يحكمه، وهناك يكون توجيه قصدي لمستقبل الانتخابات الرئاسية، وهذا تصور خاطئ لما تذهب إليه الدول حاليا في إطار العولمة، لأنها تعطي أولوية للجانب الاقتصادي والتنمية والتوزيع العادل للثروات وفي إطار الصحة والتعليم والسكن، والبنيات التحتية والاستثمارات، عوض إعطاء الأولوية لما هو سياسي وبالأحرى لما هو عسكري، وهنا النظام الجزائري يقف في اتجاه معاكس للآفاق المرسومة دوليا في إطار الألفية الثالثة من طرف الأمم الكبرى، وهذا يعبر عن تعنت وتشدد في الرؤية، وما كلام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حول العودة للروح الوطنية والحديث عن الأفق الثوري للنظام العسكري إلا تجسيدا لمعاكسته لهذا التوجه وعدم مسايرته للمنظومة الدولية. - ألا ترون أن واقع إطلاق النار الهدف منه هو تحويل الانتباه عما يقع داخل مخيمات تندوف؟ تماما، لا يمكن أن نقرأ هذا الحادث بمعزل عما يحدث في الجنوب، فإطلاق النار من لدن الجزائر بالمنطقة الشرقية إضافة إلى أنه تجسيد لانتهاك الحقوق واستعراض للقوة، هو أيضا تغطية على ما يقع داخل الجزائر، وفي الوقت نفسه تعبير عن التغلغل والمناورات السياسية الجزائرية من أجل خلط الأوراق، وهذا يستند على قاعدة سياسية في علم السياسة تعتمد على أسلوب تحويل الأنظار من حدث إلى حدث أومن منطقة إلى أخرى، وهذا يتمثل في أن الجزائر بهذه الممارسة تحول الأنظار عما يقع في تندوف إلى ما حدث في المنطقة الشرقية بالمغرب، وتغطي بذلك على ممارسات فظيعة سياسية وعسكرية تنتهك فيها حقوق الشعب وحقوق اللاجئين في سجن كبير، سواء بحصار النساء وإحراق الماشية واستدعاء العسكر لمحاصرة الناس. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك جهودا مبذولة من قبل الجهات المغربية الرسمية والإعلامية والحقوقية، من أجل فضح هذه الممارسات وتعريتها ووضع المنتظم الدولي والرأي العام الغربي والحقوقي أمام مسؤوليته في فتح تحقيق حول ما يقع في تندوف ووضع الجزائر أمام مسؤوليتها. الأكيد بأن هذا الحادث لا يدخل فقط في الاعتداء الممنهج للجزائر على الأراضي المغربية بالمنطقة الشرقية، وإنما يدخل أيضا في التغطية على ما يحدث في تندوف، عوض فتح تحقيق وإيجاد مخرج لهذا السجن الكبير في هذه المنطقة. - ما هو المطلوب إذا من المغرب حتى لا يقع ضحية سياسة تحويل الأنظار؟ إن المطلوب ألا نكون ضحية لمناورات الجزائر وتستدرجنا لنسقط في فخها، ونبدأ نتحدث عن إطلاق النار الذي قد لا تكون هناك حجج كثيرة تهم الحادث مثل الفظائع الموجودة في تندوف من تعذيب واختطاف واعتقال وحصار وتجويع . ينبغي أن يستمر المغاربة قاطبة، كل من موقعه، في التركيز على فضح ما يقع في الجنوبالجزائري، وهي المعركة الحاسمة وأولى الأولويات، دون غض الطرف على ما حدث في المنطقة الشرقية، ولكن دون تضخيمه من أجل تناسي ما يحدث في الجنوب، لأن البوليساريو ترغب في البحث عن متنفس لها عبر إشغال الناس عبر الشرق على ما يحدث بالجنوب، وهذه مناورة تلجأ إليها الجزائر، من أجل تحويل الأنظار وهو أسلوب للتعمية والتمويه تعتمده الجزائر، لذلك ينبغي أن يستمر المغاربة والإعلام المغربي في فضح ما يحدث في تندوف، واعتبار ذلك من أولى الأولويات، خصوصا مع اتساع نطاق الاحتجاج ليشمل مناطق أخرى. إن الجزائر في ورطة، وتحاول أن تخفف الضغط على البوليساريو بافتعالها لمشكل آخر قد ينظر إليه المنتظم الدولي على أنه مشكل بسيط قد يحدث بين بلد وبلد، ويمكن معالجته عن طريق القنوات الدبلوماسية. - ما هو تأثير هذا الحادث على العلاقات المغربية والجزائرية ؟ ليس هناك أفق في العلاقات المغربية الجزائرية إلا بتدخل عاملين، إما تدخل الدول الكبرى في تغيير مساراتها واستراتيجيتها في ما يتعلق بتصوراتها القديمة لمنطقة الصحراء المغربية، ومحاولة خلق دويلة ضعيفة، إذ أن استراتيجية الدول العظمى تغيرت اليوم، لأن هدفها هو القضاء على التطور السريع لفظاعة الفقر، في ظل انتشار الجريمة والمخدرات والإرهاب والتزوير . فإذا تغيرت استراتيجية الدول العظمى الحاسمة سيتم الضغط على الجزائر لإيقاف كل هذه المناورات، وهذا لن ينجح إلا إذا حدث تحول كبير، نفسي وأخلاقي في بنية الشخصية الجزائرية التي هي بنية عسكرية، مبنية على ثقافة الوطنية القديمة والتي تآكلت، في حين أننا أمام جيل العولمة والتنمية المستدامة، وليس جيل الدولة الحارسة التي تحمي الحدود . ما أظن أن هذا سيتحقق في ظل استمرار تحكم الأجهزة العسكرية والمخابراتية في مصير الجزائر، وفي صناعة رئاسة الدولة عبر انتخابات مبلقنة وشراء أحزاب ومصوتين. إذا أي تغيير يتطلب ظرفا سيكولوجيا كبيرا بالنسبة لصانعي القرار في الجزائر. - هل يمكن أن يؤدي هذا الحادث إلى السباق نحو التسلح بين المغرب والجزائر؟ الجزائر كانت هي السباقة للتسلح، إذ عقدت صفقات مع عدة دول عسكرية، ويمكن القول إنها تدخل في إطار رشوة عدة دول وشركات من أجل أن تكون إلى جانبها في بعض القضايا، وكان المغرب لا يعير أي اهتمام لهذا، وإن كان من حقه أن يتسلح، لأنه يعرف أن الرهان ليس على القوى والحروب والصراعات، وإنما على القضاء على كل مظاهر التخلف، وكذا توفير التعليم الجيد والصحة والسكن، وهذا هو الذي يضمن المستقبل وهو الاتجاه التي تسايره الدول الكبرى، أما التسلح من أجل الحرب فأظن أن الدول الكبرى لا تسير في هذا الاتجاه، وأن الجزائر إن كانت تراهن عليه فإنها تمارس سياسة عمياء ومنغلقة على ذاتها، ولا تساير الطروحات الدولية، ولا أحد يحفزها مستقبلا على أن تدخل في حرب مع المغرب، فشراؤها للسلاح هو نوع من الرشوة لهذه الدول كي تزكي طروحاتها، وكي تزكي بقاء النظام العسكري متربعا على هرم السلطة عوض الدفع به كي يتحول إلى نظام مدني سياسي، حيث تكون السلطة للمؤسسات التشريعية القوية، وتقوم على أساس المشروعية الدولية، وليس على أساس المشروعية الوطنية الجزائرية المتآكلة.