سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تاج الدين الحسيني (أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط) ل«التجديد»:مادامت الكلمة لشعوب المنطقة فإن مستقبل المغرب العربي ينتظر فقط الترتيبات الشكلية
قال محمد تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن لديه قناعة بأن هذه السنة ستشهد إعادة الروح لمؤسسات المغرب العربي، وستعرف تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر، وتفتح علاقات التبادل التجاري بين الدولتين، وأضاف في حوار مع «التجديد»، أن رجوع العلاقات المغربية الجزائرية إلى طبيعتها التكاملية يعني نجاح المغرب العربي لأنهما المحورين المركزيين للتجمع. وأكد الحسيني العضو الشرفي في النادي الدبلوماسي المغربي، أن المغرب العربي أصبح بفعل التحولات التي تعيشها المنطقة المغاربية بما يسمى «الربيع العربي»، أصبح أحد الأولويات لتجاوز دول المنطقة لبعض مشاكلها الداخلية، خاصة وأن الوحدة هي التي ستمكن من رفع النمو وتحقيق المبادلات وانتقال اليد العاملة والخدمات من دولة إلى أخرى. وشدد على أن الجزائر ستبقى طرفا أساسيا لقول كلمة الفصل، مادامت الدول المغربية الأخرى التي يقودها الإسلاميون في أغلبها ليس لديها مشكل. ومن جهة أخرى، أفاد الحسيني خبير لدى أكاديمية الممكلة، أن التحول المشهود في تونس وليبيا وفي المغرب، الذي دخل منعطف تأسيس حكومة ترتكز على منطق ديمقراطي، تعطي الكلمة للشعب وتسعى إلى تكريس مبدأ الفصل بين السلطات ودمقرطة الأنظمة الداخلية للأحزاب، سوف ينعكس إيجابا على المنطقة، وسيدفع الجزائر إلى تغيير مواقفها كي لا تبقى معزولة عن التطور الكبير لدول المنطقة، وأضاف، أن ذلك بدأ يتجلى في إبداء الجزائر رغبتها القوية في إقامة اتحاد المغرب العربي، كما حصل خلال انعقاد المؤتمر العربي التركي مؤخرا. ● ما هي الإشكالات التي اعترضت إقامة اتحاد المغرب العربي الذي يظل حلما لدى دول المنطقة؟ ●● فعلا، إقامة مغرب عربي موحد هو هاجس راود الحركة الوطنية بالمنطقة المغاربية منذ عهد الاستعمار، إذ كان هناك ربط جدلي لدى حركات التحرير في كل من المغرب والجزائروتونس بين الاستقلال والوحدة، لكن الاستقلالات السياسية أدت فيما بعد إلى بروز فسيفساء متناقضة في المنطقة، لا تعكس حقيقة الطموحات التي تعبر عنها الشعوب، فالمغرب الذي احتفظ بنظام الملكية الدستورية مركّزا على الليبرالية في الميدان الاقتصادي ظل منفردا في هذا الإطار في مواجهة الجزائر، التي رفعت شعار المليون شهيد واتجهت نحو المعسكر الشيوعي وغيرت النظام الليبرالي برأسمالية الدولة، وهيمنة الحزب الوحيد الذي تمثل بجبهة التحرير الوطني والمؤسسة العسكرية. بينما تونس ظلت تراوح مكانها بين إصلاحات بنصالح في الميدان الاقتصادي وسياسة بورقيبة المتفتحة وذات الصبغة الاجتماعية، في حين لاحظنا في ليبيا أن النظام الذي برز في أواخر الستينات لم يكن يستحق مصطلح النظام، حيث أصبح نموذجا للفوضى المهيكلة، من خلال المؤتمرات واللجان الشعبية ووسائل القمع التي سخرها القذافي من أجل تطويع شعبه وربطه بنظامه وكتابه الأخضر. أما موريتانيا فقد كانت دائما حلقة ضعيفة نتيجة الانقلابات المتعددة التي عرفتها، ولم تلعب دورا أساسيا في هذا التوازن أو خلخلته إقليميا. وبالتالي أصبحنا نلاحظ أنه رغم المحاولات التي بذلت لإقامة المغرب العربي، إلا أنها منيت منذ بدايتها بالفشل أو ولدت ميتة. لكن أظن أن طموحات المغاربيين كانت واضحة منذ البداية، فمؤتمر طنجة الذي انعقد سنة 1958، ركز بيانه الختامي على أن الخيار الطبيعي لتحقيق هذه الوحدة هو إنشاء اتحاد فيدرالي بين البلدان المغاربية، حتى قبل أن تحصل الجزائر على استقلالها، إلا أنه وكما قلت سابقا الاستقلالات السياسية أدت إلى الوضع الذي نعيشه. ● ما هي الإجراءات والخطوات التي قامت بها الدول المغاربية لإعادة إحياء اتحاد المغربي العربي؟ ●● بلدان المغرب العربي أظهرت منذ الاستقلال -خاصة بعد استقلال الجزائر- رغبة أكيدة لتحقيق نوع من التعاون الإقليمي، وكان هذا التعاون قد انطلق بكيفية جد متواضعة وغير منتظمة، كان إطاره المرجعي بالأساس هو ما يسمى باللجنة الاستشارية الدائمة للمغرب العربي، بالإضافة إلى ما كان يسمى بندوات وزراء الاقتصاد، دون أن يكون هناك هيكل تنظيمي. غير أن التعاون الذي انطلق في سنة 1964 عرف تطورا إيجابيا في الميدان القطاعي وبعض المجالات الاخرى الخاصة بالتصدير، لكن مؤتمر تونس عندما عقد في سنة 1970، كان هدفه هو تحويل هذا التعاون القطاعي إلى تعاون إجمالي وشمولي يتضمن جميع القطاعات، ولوحظ على هذا المستوى تحفظ جزائري واضح بعد أن اعتبر الشركات التجارية الموجودة في تونس والمغرب تخضع لرساميل أجنبية، وفي حقيقة الأمر نظام الجزائر في ذلك الوقت كان مطبوعا بهيمنة الدولة وقبضتها الحديدية على الممارسة الاقتصادية، وهو النظام الذي اختار النظام الاشتراكي، إذ كان يرى أنه من الصعب جدا أن ينفتح على اقتصاديات دول ليبرالية مثل تونس والمغرب، فكانت بذلك الانتكاسة الأولى، وظهر واضحا أن بداية السبعينات التي شهدت نزاعا غامضا بين المغرب والجزائر حول الصحراء لم تنبئ بإمكانية عودة العلاقات إلى طبيعتها، خاصة بعد إعلان المغرب عن قرار المسيرة الخضراء. وظل الجمود يهيمن على مسألة الاتحاد إلى حدود 1989، أي بعد لقاء زيرالدا بالجزائر ثم مراكش، حيث وقعت اتفاقية المغرب العربي، ويمكن اعتبارها نموذجا يحتدى به في الاندماج الجهوي وفقا لأحكام النظام الدولي للاندماجات الإقليمية، لأن الاتحاد الذي أسس في فبراير بمراكش كان يشكل نموذجا هيكليا يتمتع بكل المميزات القابلة للتطور، بما في ذلك أجهزة القرار التنفيذي والمجلس الاستشاري البرلماني لبلدان المغرب العربي والمحكمة المغاربية والأمانة العامة، وتم توزيع هذه المؤسسات بين الدول، وأكثر من هذا لوحظ أن القادة المغاربيين في بداية التسعينات كانوا فعلا في إطار الهيكلة الحقيقية للآلية الاندماجية، وهي وضع ما يسمى وثيقة الاستراتيجية المغاربية المشتركة، هذه الوثيقة التي تضمنت التزامات صريحة من طرف القادة بأن يبادروا في سنة 1992 إلى إنشاء منطقة مغاربية للتبادل الحر، وفي سنة 1995 إلى إنشاء اتحاد جمركي مغاربي، ثم في سنة 2000 إلى إنشاء سوق مغاربية مشتركة، على أن يتم تأجيل الاتحاد النقدي والاقتصادي إلى ما بعد. لكن، للأسف الشديد كل هذه الأحلام التي تم التعبير عنها بطريقة عقلانية ومنطقية تم نسيانها بعد ذلك نتيجة استفحال النزاع بين المغرب والجزائر بخصوص الصحراء، ونتيجة المواقف المتشددة التي عبرت عنها الجزائر، وهنا ينبغي تصحيح خطأ يرتكب من طرف المسؤولين وكثير من الأكاديميين الجزائريين على مستوى مراجعة الواقع التاريخي، وأرجع بالذاكرة إلى سنة 1994، عندما دفعت أحداث «أطلس إسني» بمراكش المغرب إلى اتخاذ قرار بفرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين، الآن يقولون إن المغرب هو من بادر إلى إغلاق الحدود وهذا غير صحيح لأن المغرب فرض نظام التأشيرة، بالمقابل قامت الجزائر كرد فعل بإغلاق الحدود البرية مع المغرب، وبالتالي هذه الوضعية التي استمرت حوالي 18 سنة، كانت من بين الأسباب الرئيسية لعرقلة إمكانية التفكير مجددا في إحياء مؤسسات المغرب العربي، علما أن موقف الجزائر المتشدد في كل المنتديات بخصوص قضية الصحراء المغربية كان هو العامل المركزي لعرقلة بناء المغرب العربي. ■ من أجل التدقيق أكثر، لماذا تم تجميد هياكل اتحاد المغرب العربي؟ ■ ■ تجميد هياكل المغرب العربي ارتبط بالموقف الجزائري من قضية الوحدة الترابية للمغرب، وكانت هناك آمال عريضة للمغرب عندما قدم اقتراحا يرمي إلى تميتع الإقليم بالحكم الذاتي، بأن تكون الجزائر أول من يستجيب للحل الوسط الذي يأخذ العصا من الوسط ويصل إلى حل لا غللب فيه ولا مغلوب، لكن تصلب الجزائر مجددا أدى إلى مزيد من العرقلة، وأصبحنا نعاين أن خطاب الجزائر بدأ يتجه بشكل واضح إلى التصعيد، بحيث أصبح يربط أي بناء للمغرب العربي بنقطتين، أولا، تسوية ملف الصحراء وفق المخطط الأممي للاستفتاء، ثانيا، فتح الحدود أصبح يخضع لمجموعة من الشروط المرتبطة بإعادة دراسة كل الملفات المرتبطة بالأطراف، وهذه أشياء لم يكن ليقبلها الجانب المغربي بأي حال من الأحوال. بالتأكيد إن الصراعات أو ما يمكن تسميته بإشكالية التوزان الإقليمي المغاربي أصبحت مطروحة بحدة، لأن الجزائر أصبحت تلعب على شد الحبل في إطار التحالفات والتحالفات المضادة، فهي نتيجة لوجود نظامين أحدهما ديكتاوتوري وبوليسي في تونس، وآخر يعيش الفوضى المهيكلة في ليبيا، كل ذلك ألقى بظلاله على العلاقات المغاربية، وأعطى للجزائر فرصة عقد تحالفات وتحالفات مضادة خدمة لمصالحها الحيوية، وفي نفس الوقت الضرب في الصميم بالنسبة لإعادة تأسيس المغرب العربي. والسؤال المطروح هو هل يمكننا أن نتحدث اليوم عن عودة الوعي للمنطقة بخصوص المصالح الحقيقية للشعوب والتي تهدر يوميا؟ هناك نقطتان على سلم التنمية تخسرها الدول جميعها بسبب عدم تأسيس الاتحاد. الجزائر مثلا، يؤكد خبرائها أنها تخسر سنويا أكثر من ملياري دولار بسبب إغلاق الحدود مع المغرب، وقد عقد قبل بضعة أشهر مؤتمر علمي مهم في تونس ناقش إشكالية ما يسمى بكلفة اللامغرب، وتبين واضحا أن الخسائر فادحة ولا يمكن أن تتحملها الدول المغاربية في المستقل، وهي التي تعيش أزمة خانقة على مستوى التشغيل وعلى مستوى النمو الاقتصادي، وأيضا تلبية الحاجيات الاجتماعية. ● بعيدا عن الخلفية التاريخية، تعيش دول المنطقة تغيرات بفعل «الربيع العربي»، فما هو تأثير الربيع العربي على إعادة بناء الاتحاد المغاربي؟ ●● الربيع العربي آثاره واضحة، وهو يدخل في اعتقادي في تطور مشهود يعرفه العالم ككل، وهو الموجة الثانية من تداعيات العولمة، فالموجة الأولى كانت ذات طبيعة اقتصادية تكنولوجية، والموجة الثانية التي نعيشها ذات طبيعة سياسية ديمقراطية، وأعتقد أن عنصرين لعبا دورا أساسيا في الموجة الثانية، الأول وسائل الاتصال والثاني هو عنصر الشباب، هذا لعب دورا أسياسيا فيما يمكن أن نسميه اليوم «الربيع العربي»، الذي لم يقتصر على المنطقة العربية، فإذا ذهبتم بنظركم بعيدا إلى روسيا والولايات المتحدةالأمريكية والصين ستجدون حراكا اجتماعيا قويا يرتبط بما وقع في دول المنطقة العربية كذلك، لكن المنطقة العربية وتونس بالخصوص كانت سباقة لهذا التطور المشهود، وهذا كان له أثر قوي لأن انهيار نظامين مركزيين ديكتاتوريين في منطقة المغرب العربي وهما النظام التونسي والليبي، كان في حد ذاته كافيا لإعادة صياغة التوازن الإقليمي، فاليوم يمكن أن نشاهد في تونس نظاما يتجه نحو الديمقراطية، وهذا التغيير الذي يكتسي بعدا ديمقراطيا لا حدود له سوف ينعكس بقوة على مستقبل المغرب العربي، لدينا منذ القديم يقين مطلق أن الكلمة لو أعطيت لشعوب المنطقة فيما يتعلق بإقامة المغرب العربي لصوتت بأكثر من 99 في المائة بالحاجة الملحة لتحقيق هذه الوحدة، ولكن العرقلة الأساسية هي الأنظمة التي تبحث عن تحقيق مصلحتها الخاصة، بعيدا عن طموحات شعوبها، الآن مع هذا التحول المشهود في كل من تونس وليبيا، مع التحول الذي عرفه المغرب في منعطف يكرس لأول مرة إقامة حكومة ترتكز على أسس ديمقراطية وتعطي الكلمة للشعب بكل تأكيد وتكريس مبدأ فصل السلطات في آلية اتخاذ القرار، ودمقرطة حتى الأنظمة الداخلي للأحزاب، هذا التطور المشهود كذلك سوف ينعكس إيجابيا على المنطقة، وينبغي أن نلاحظ الجزائر لاحظت أنها ستبقى معزولة عن التطور الذي تشهده المنطقة، وهذا ما يفسر المواقف التي عبر عنها عدة مسؤولين جزائريين سواء صرحوا بها أمام وسائل الإعلام أو بمناسبة انعقاد المؤتمر العربي التركي، أو مؤخرا من طرف السيد وزير الخارجية الجزائري بحيث أصبحنا نلاحظ في هذا الاتجاه رغبة تظهر في اتجاه التفكير مجددا في إقامة الاتحاد. ● استثناء الجزائر من التغيرات التي تعرفها الدول المغاربية، ألن يشكل ذلك عائقا مرة أخرى على إقامة الاتحاد؟ ●● الجزائر اليوم نظرا لعزلتها في هذا الإطار المغاربي الذي اتجه بشكل قوي نحو التغيير أصبحت ملزمة بأخذ المبادرة كذلك، وتجلى ذلك من خلال تصريحات مسؤوليها مؤخرا، مما يظهر أن هناك رغبة قوية في تقبل هذا التغيير، هناك أولا الانتخابات التشريعية في الجزائر هذه السنة، ثم ثانيا، لم يعد هناك الفيتو لاستثناء الجزائر وممثليها، ولم يبقى تحفظ في تقلد حزب إسلامي مقاليد السلطة إذا نجح في الانتخابات، وزير الخارجية اعتبر وجود احزاب إسلامية أمرا مقبولا مستدلا على ذلك بوجود حركة مجتمع السلم في الحكم منذ 17 سنة، ونتيجة لكون المنطقة عرفت اتجاها في هذا الشأن نحو الإسلاميين سيكون على الجزائر القبول بهذا المنطق، وهذا عنصر سيكون له دور أساسي في حصوةل التقارب بين أحزاب تحمل مرجعيات مشتركة. لكن أكثر من هذا، ضرورة المغرب العربي اليوم أصبحت مفروضة بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور للدول، ومن حسن حظ المغرب أن التغيير يتم دون خسائر، الوضع حاليا في تونس وليبيا مأساوي، وهنا يمكن أن أشير إلى ما خاطب به المرزوقي مواطنيه بالقول، «إن استمرار الاحتجاجات هو بمثابة انتحار الجميع « مطالبا الجميع بأن يمنحوا الحكومة الجديدة ست أشهر لأخذ زمام الأمور، علما ان النمو في تونس بلغ صفر والبطالة انتشرت ب حوالي 18 في المائة. وبالتالي هذه الوضعية المأساوية تجعل المغرب العربي من باب الأولويات لأنها ستمكن من رفع مستوى النمو وتحقيق المبادلات وانتقال اليد العاملة من دولة إلى أخرى، بطبيعة الحال الجزائر ستبقى الآن الطرف الأساسي لقول كلمة الفصل، لأن كل الأطراف الأخرى مستعدة للانخراط، وأظن أن هناك رياح تغيير جديدة تبرز في الأفق هي التي عبر عنها وزير الخارجية الجزائري كذلك بالأمس القريب، عندما قال أن الأطراف اتفقت على عقد لقاء رسمي لوزارء الخارجية المغاربيين أواخر شهر فبراير المقبل بالمغرب، وإذا ما تم ذلك بالفعل فإن من شأنه أن يضع القطار على السكة من جديد، ويعطي للمؤسسات المغاربية إمكانية الحركة، هناك بعض المؤسسات يمكن أن نقول بأنها سوف تكون فعالة وعملية مع مطلع هذه السنة، أخص بالذكر هنا البنك المغاربي الذي سيشرع في نشاطه لكن ستبقى مسألة إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر عائقا، وربما في تصريح المدلسي شيء جديد لأنه أوحى بطريقة غير مباشرة بإمكانية فتح الحدود، لأنه قال أن مسألة إغلاق الحدود لم يكن قط أمرا نهائيا، هذا التصريح لم يصدر مثله قط من مسؤول جزائري منذ أكثر من17 سنة، وهذا في حد ذاته تغير مهم، لدي نوع من القناعة المطلقة أن هذه السنة ستعرف إعادة الروح للمؤسسات المغاربية وتطبيع في العلاقات المغربية والجزائرية، وعودة العلاقات التكاملة بين المغرب والجزائر يعني إحياء المغرب العربي. لابد للدول المغاربية أن تفكر في العودة إلى المؤسسات التي تم إحداثها ومراجعة وثيقة الاستراتيجة المشتركة والبحث عن استحقاقات تنفيذها، أعتقد أن الأزمة الاقتصادية في أوروبا سوف تؤثر على الدول المغاربية خاصة أن حجم المبدلات بين الدول يصل إلى حوالي 68 في المائة، مما يفرض علينا أن نركز الجهود من نفس المنطلق. كذلك علينا أن لا ننسى أن أزمات أخرى تحيط بنا من قريب وبعيد، لا قدر الله لو أغلق مضيق «هورموز» واستمرت المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمركية وإسرائيل، ذلك سوف يؤدي إلى ارتفاع سعر البرميل من النفط إلى ما يفوق 200 دولار حينها ستكون الأزمة خانقة، ولكن التعاون المغاربي سوف يضفي نوعا من المرونة التي يمكن استغلالها لصالح الدول، فالاقتصاديات المغاربية متشابهة ومتكاملة، والتعاون المغربي الجزائري عبر الحدود المشتركة مثلا سيكون له تداعيات مهمة ويشكل قفزة نوعية في المنطقة. أظن ان المغرب الذي وجه رسالة واضحة عندما استدعي للتجمع الخليجي قال إن الخيار الاستراتيجي هو المغرب العربي، وأظن ان سنة 2012 سوف تحقق هذا الأمر. ● أكدتم أن تحسن العلاقات بين المغرب والجزائر سوف ينعكس إيجابيا على إحياء الاتحاد، هل تتوقعون تحسنا في العلاقات مع مطلع هذه السنة؟ وكيف تقرؤون الإشارات التي توجهها الجزائر منذ أسابيع؟ ●● لدي كامل اليقين، بأن العلاقات الثنائية تتجه بقوة إلى التطبيع وهذا التطبيع لن يقتصر على تبادل الزيارات كما كان في السابق، بل سيدخل مرحلة اكثر عمقا يتجه غلى فتح الحدود بين الجارين وبما فيها تكثيف التبادل والتعاون التجاري لكن النقطة السوداء التي ستبقى عالقة في الملف المغربي والجزائري هي مسألة الوحدة الترابية المغربية، فردود الفعل الجزائرية بخصوص مسار المفاوضات المغربية تحت إشراف مجلس الامن وتمسك الجزائر بخيار تطبيق الاستفتاء بدل قبول الحكم الذاتي الذي هو حل يقوم على مبدا لا غالب ولا مغلوب يبقى عنصرا يفسد هذه العلاقات، واظن ان الطرفان يمكن ان يصلا إلى حل وسط وهو اعتبار هذا الملف من اختصاصات الأممالمتحدة كما سبق للشادلي بن جديد أن قبل بذلك عندما وافق على تأسيس المغرب العربي، وان تستمر مسيرة الاندماج، واعتقد انه كلما تحقق الاندماج كلما ظهرت اهمية المقترح المغربي الهادف إلى تحقيق الحكم الذاتي، لأنه سيذيب الحدود السياسية بين الأطراف ويفضي إلى تهاوي العقبات الجمركية ويمكن المواطنين المغاربيين من الانتقال بحرية وأمان في كل مكان.. وهذه العوامل كلما تحققت بالتدريج كلما ظهر أن فكرة الحكم الذاتي هي أفضل حل ليس فقط بالنسبة للصحراء ولكن ليصبح حلا شموليا يهم المنطقة المغاربية ولما التفكير في اتحاد كونفدرالي أو حتى فدرالي في المستقبل إن تحققت أوجه التماثل والتعاون المنشود. ● هل يمكن أن نقول الشروط الموضوعية قد نضجت في سبيل إحياء اتحاد المغرب العربي؟ ●● الشروط الموضوعية مرتبطة بإرادة الشعوب، وإرادة الشعوب قائمة منذ زمن بعيد منذ كان هناك نضال ضد الاستعمار لتحقيق الاستقلال وربطه جدليا بالوحدة، لكن تلك الإرادة كانت تصطدم مع مواقف الحكام الجائرين، اليوم أظن أن هذه العراقيل أصبحت تختفي تدريجيا من المنطقة، ومادامت الكلمة لشعوب المنطقة ففي اعتقادي أن مستقبل المغرب العربي واضح المعالم ينتظر فقط الترتيبات الشكلية التي على المسؤولين المغاربيين اتخاذها، وأعقتد أن لقاء المغرب المقبل سوف يكون هدفه بالأساس هو إحياء أجهزة هذه المنظمة الجهوية وتمكينها من ممارسة أنشطتها، بل البحث عن وسائل دعمها وتدارك الزمن الضائع الذي انتهى دون أن تتمكن شعوب المنطقة من تحقيق طموحها. ● ما هو مستقبل القضايا الشائكة المعروضة على دول المنطقة ؟ ●● ذلك ما أشرت إليه قبل قليل، فالصحراء هي القضية السوداء التي ستبقى بالتأكيد في ملف العلاقات المغربية الجزائرية، وإذا توفر الحد الأدنى من الحكمة لدى الإخوان الجزائريين وفهموا أن المغرب عندما قدم مقترحه الهادف إلى الحكم الذاتي فقد قدم أكبر حد من التنازلات وقدم اقتراحا يفرض مبدأ لا غالب ولا مغلوب، وأعطى لسكان المنطقة الحق الكامل في ممارسة كامل حقوقهم وفقا للمعايير الدولية للحكم الذاتي، على الإخوان الجزائريين ان ذلك المقترح لم ينطلق من فراغ بل جاء في إطار مشاورات دولية هم عددا من الدول المعنية بالنزاع وكثيرا من الدول التي تشكل أعضاء دائمة في مجلس الأمن، وأن هذا المجلس بالطات اعتبر حل المغرب ورقة جدية ووسيلة لتحقيق التسوية، علما أن سكان المنطقة هم الاكثر مشاركة في الانتخابات التشريعية والمحلية وعند المصادقة على الدستور، فنسبة المشاركة فاقت كل التوقعات، وليعلم الجزائريون أن مصير اللاجئين في تندوف لا يمكن ان يحسم إلا عن طريق هذه التسوية، وأن وضعية ههؤلاء المأساوية قد طالت لعقود، وبالتالي إذاكانت هناك رغبة صادقة لنجاح المغرب العربي من جهة وحل كل المشاكل التي تؤرق الساسة المغاربيين فأظن أن مد يد الامل نحو المستقبل ترتبط بموقف مرن وتطبعه الجدية والمصداقية، كما هو الشأن للموقف المغربي، وبالتالي يمكن للقادة الجزائريين أن يضعوا اسمهم بمداد من ذهب في صفحات التاريخ، فالشعوب قد تنسى أي شيء إلا أن تنسى اولائك الذين دونت أسمائهم من ذهب أو الذين مصيرهم –مع الأسف- في مزبلة التاريخ. ● هل سيساهم وصول الإسلاميين إلى الحكم بلعب دور استراتيجي في إحياء الاتحاد؟ ●● أكيد أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية أخذت بوضوح زمام المبادرة ليس في المغرب وحده بل أيضا في تونس ومصر والبقية تأتي، المسألة الأساسية أن هذه الاحزاب ارتبطت بهموم المواطنين وطموحاتهم وواقعهم، وعبرت عن انتمائهم وحضارتهم وعن سلوكهم اليومي، وبالتالي أصبحت فعلا مرآة تعكس حقيقة ما يفكر به المواطن في المغرب وتونس وباقي بلدان المغرب العربي الاخرى. وهذه الأحزاب أصبحت تحمل مسؤولية كبيرة وهي ان تكون قادرة على ممارستها بمسؤولية نكران ذات من اجل تجاوز ما تعيشه المنطقة من مشاكل أصبحت متضخمة تؤرق كل متخذي القرار، وحتى في المغرب رغم أننا لم نعان من صراعات مباشرة بين الأطراف ولكننا نعيش مشاكل مزمنة تتعلق بالبطالة والرشوة واستغلال النفوذ ومظاهر الفساد واقتصاد الريع، وأعتقد أن عدة أوراش لا تتطلب ميزانيات جديدة وإنما تتطلب الإرادة السياسية وحسن التدبير وأظن أن المغرب والحمد لله يتوفر على الكثير من الثروات التي يجب ان تستغل بالشكل الأنسب يحقق المردودية المنتظرة لجموع المواطنين. وإذا نجحت هذه الاحزاب ذات المرجعية الإسلامية في كسب الرهان وتجاوز هذا التحدي المرتبط بالتنمية المستدامة وبث روح التضامن الاجتماعية فستكون قدر ربحت رهان المسؤولية التي تتقلدها لأول مرة سواء في المغرب أو في تونس وربما في المستقبل القريب حتى في الجزائر.