سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تاج الدين الحسيني: المغرب ليس وحده الخاسر جراء إغلاق الحدود بل الجزائر أيضا قال إن إشكالية انضمام المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي مطروحة في العلاقات بين المغرب والجزائر
تواترت الأنباء بخصوص إعادة فتح الحدود بين المغرب والجزائر قريبا. في نظرك، من هو المستفيد الأول من فتح هذه الحدود؟ - في اعتقادي، مسألة فتح الحدود بين المغرب والجزائر مفيدة للطرفين معا، وقد سبق للرئيس الجزائري بوتفليقة أن صرح أثناء زيارته لتلمسان أنه ليس هناك أي مشكل إطلاقا بين المغرب والجزائر، وقد أكد أيضا وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي نفس الشيء في تصريح له بصحيفة «الشروق»، عندما قال إن الحدود بين الطرفين لا يمكن أن تبقى مغلقة، ولاحظنا فعلا أن هناك عدة اتصالات مع المسؤولين المغاربة توحي بإمكانية فتح هذه الحدود، وكمثال على ذلك استقبال وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي لوزيرة الطاقة المغربية أمينة بنخضرة، وتبادل عدة أفكار حول إمكانية التعاون في مجال الطاقة والكهرباء. لا ننسى كذلك زيارة وزير الفلاحة الجزائري للمغرب وإلحاحه على إمكانية فتح الحدود في المستقبل، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبقى مغلقة. أظن أن هذا الهاجس يهم الطرفين بالأساس، فهناك بعض الجزائريين، الذين يقولون إن المغرب وحده المستفيد من إعادة فتح الحدود على أساس أن الجزائريين سيطمحون إلى التوجه نحو المناطق الشرقية المغربية من أجل السياحة واقتناء المنتجات المغربية من خضر وفواكه، لكن أعتقد أن مسألة إعادة فتح الحدود في مصلحة الطرفين، وعلينا أن نلاحظ أن المغرب ليس هو الخاسر الوحيد في فتح الحدود، وأشير في هذا الصدد إلى تصريح سبق أن أدلى به كريم محمودي، رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأطر المالية والمحاسبة، حيث أشار في إحصاء دقيق إلى أن الجزائر تخسر ما يقارب 2.280 مليون دولار سنويا بسبب إغلاق الحدود مع المغرب، وهذه الخسائر هي معروفة على مستوى المبادلات التجاريةّ، فمثلا الجزائر تشتري الطماطم والخضروات المغربية وغيرها عن طريق ميناء مرسيليا الفرنسي، وهذا في حد ذاته يشكل شيئا غير مقبول، فحتى المواطن الجزائري بطبعه لديه رغبة كبيرة في الوصول إلى التراب المغربي. وأستطيع القول بأن المغرب والجزائر يشكلان محورين مركزيين بمنطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا وفرنسا في قلب أوربا، وبدون فتح الحدود بين الطرفين وبدون تعاون مشترك، لا يمكن للمغرب العربي كمنظمة إقليمية أن يعرف طريقه مجددا نحو الوجود على الصعيد الدولي، وللأسف سأعطي رقما مهما متعلقا بالتجارة بين المغرب والجزائر والبلاد المغاربية، إذ بشكل عام لا يتجاوز هذا الرقم 1.3 في المائة من المبادلات الخارجية بين هذه البلدان، وهي النسبة الإقليمية الأدنى في العالم بين دول الجوار على المستوى الشمولي، وأظن، بالتالي، أن الأغنياء والفقراء في البلدين يؤدون جميعا ثمن هذا العجز، وإشكالية إغلاق الحدود تبقى مؤثرة على الطرفين معا. هل ترى بأن مشكل الصحراء لوحده لا زال يشكل السبب المباشر في إدامة النزاع المغربي الجزائري، والتأثير على استمرار إغلاق الحدود؟ - قضية الصحراء لم تكن تشكل هذه العرقلة في مرحلة من الزمن حينما كانت فيها قضية الصحراء في أوجها آنذاك، وأتذكر هنا حدث توقيع اتفاقية مراكش سنة 1989 بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بنجديد. ورغم أن قضية الصحراء كانت مطروحة بحدة آنذاك وقعت الاتفاقيةّ وفتحت سبل هذا التعاون، فالجزائر هي التي غيرت أطروحتها في السنوات الأخيرة لتقول إن عدم تسوية قضية الصحراء تشكل عرقلة أمام التعاون المغاربي، بل حتى أمام فتح الحدود، وهذا شيء غير صحيح، وحتى في أذهان الجزائريين أنفسهم. إذن لهذا السبب بالذات لاحظنا كيف أن بعض المسؤولين الجزائريين، ومنهم وزير الداخلية وبعض المسؤولين الآخرين، أصبحوا يراوغون ويقولون إن مشاكل أخرى غير قضية الصحراء تبقى قائمة بين المغرب والجزائر، خاصة فيما يتعلق بتهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية .وأظن بأن مثل هذه المزاعم هي بمثابة ذر للرماد في العيون، وموجهة إلى الاستهلاك الداخلي في الجزائر قبل أن تكون مهمتها البحث عن وسائل جدية ومعقولة لإعادة فتح الحدود بين الطرفين، وبذلك لم تكن أبدا قضية الصحراء هي السبب، وحتى الأسباب الأخرى، التي تتمسك بها القيادة الجزائرية تبقى مجرد وهم عابر. وعندما تتحقق الإرادة السياسية لتجاوز هذه العرقلة يمكن بالتأكيد إعادة فتح الحدود واستمرار العلاقة بين الطرفين بشكل أفضل. هل تظن أن هناك ضغوطا دولية على الجزائر من أجل فتح الحدود مع المغرب؟ - بالنسبة للضغوط الدولية هناك علاقات متعددة بين الطرفين مع عدة أقطاب على الصعيد الدولي. أبدأ، أولا، بالدول المهيمنة على توازن القوة الشمولي، وأعني على وجه الخصوص دول الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية. في اعتقادي، رغم النوايا الحسنة التي تعبر عنها هاته الأطراف المتمثلة في رغبتها برؤية مغرب عربي موحد، لكن في نهاية المطاف تبقى النظرية الاستعمارية القديمة قائمة على مستوى الواقع وعلى مستوى الممارسة، تلك النظرية التي تؤمن بالتفرقة لكي تسود، وأظن أن كلا من الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدةالأمريكية قد يحققا منافع أفضل من خلال التعامل بشكل انفرادي مع كل من الجزائر والمغرب، فالاتحاد الأوربي، على سبيل المثال، الذي وقع اتفاقية للتبادل الحر وأعطى موقعا أسماه المركز المتقدم بالنسبة للمغرب، يستطيع تحقيق أفضل المكاسب مع هذا البلد على أساس أن يحقق مكاسب أخرى في ميدان الغاز والبترول مع الجزائر، وأظن أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تمارس نفس اللعبة على مستوى التوازن الإقليمي في منطقة شمال إفريقيا، ولو سويت الإشكالات القائمة بين المغرب والجزائر لتناقصت عملية شراء الأسلحة بين الطرفين. الجزائر والمغرب يصنفان اليوم، حسب مراكز الدراسات الإستراتيجية في لندن أو في السويد، من بين مشتري أو مقتني الأسلحة الأوائل في إفريقيا وفي العالم العربي، وخاصة بالنسبة للجزائر. لمن تعد هذه الأسلحة؟ هل لمواجهة خطر أجنبي؟ لا أعتقد ذلك، فالإشكالية مطروحة بالأساس مع المغرب، ولذلك فهذه الدول تحقق مكاسب، ونحن نلاحظ بعض الجهود الخليجية، التي بذلتها الإمارات والسعودية و قطر ودول أخرى من أجل تقريب وجهات النظر، لكن أظن أن مكمن الخطر يكمن في المؤسسة العسكرية، التي تحكم الجزائر، وليس في شخص الرئيس بوتفليقة كواجهة للنضال. المؤسسة العسكرية لم تُخترق بعد، إذ لها عقلية تؤمن بنظرية أصبحت اليوم متجاوزة تعود بنا عدة عقود إلى الحرب الباردة، والتي انتهت قيمتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. المؤسسة العسكرية اليوم في الجزائر تؤمن بنظرية مفادها أن قوة الجزائر تكمن في ضعف محيطها. ومن خلال هذا المنطلق تذهب إلى التفكير بأن كل المكاسب التي يمكن أن يحققها المغرب عن طريق فتح الحدود، سواء على مستوى الانتعاش الاقتصادي للمنطقة الشرقية أو دعم السياحة، سينعكس سلبا عليها لأن تقوية المغرب قد يضر بمصالحها. تفكر كذلك بأنه مادامت هناك جبهة خارجية للمواجهة سيكون هناك نوع من كبح جماح ثورة التغيير التي يعرفها الداخل الجزائري. ولذلك، شخصيا، لا أؤمن بأن مسألة الضغوط الخارجية يمكن أن تلعب دورا أساسيا، وما يكمن أن يحققه هذا المنعطف هو الإرادة السياسية التي لا يمكن أن تفرضها إلا الجماهير. هناك وساطات خليجية وغربية. هل يمكن، في نظرك، أن تعطي نتائج إيجابية، في ضوء الحديث عن المساعي والمبادرات، علما بأنه كانت هناك وساطات لم تثمر نتائجها؟ - بخصوص الوساطات الخليجية، ما لدي من معلومات بهذا الخصوص، هي أن هذه المبادرات جاءت بحسن نية، والمساعي الحميدة التي بذلتها كل من الإمارات والسعودية وقطر تعود إلى تميز هذه البلدان بعلاقاتها الممتازة مع كل من المغرب والجزائر، وربما محدودية تأثيرها تبقى على مستوى الرئاسة دون أن تستطيع النفوذ بقوة إلى المؤسسة العسكرية، التي تبقى هي حجر عثرة أساسي أمام إمكانية التوصل إلى فتح الحدود وتطبيع العلاقات بشكل كامل. ولكن أظن أن البوادر التي ظهرت خلال الأسابيع القليلة الماضية من خلال الزيارات المتبادلة بين المسؤولين المغاربة والجزائريين، والتصريحات المعبرة عن حسن النية لدى الرئيس بوتفليقة ووزير الخارجية المغربي، ربما تعطي بعض الأمل في تجاوز هذا الوضع، وأظن في هذه الحالة أن إمكانية فتح الحدود وإعادة تطبيع العلاقات سوف تنبعان من الإرادة المغربية الجزائرية قبل أن تكونا نتيجة تأثيرات خارجية كيفما كان شكلها. دعوة المغرب إلى الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي هل له تأثير على العلاقة بين المغرب والجزائر؟ - فعلا، لاحظنا مباشرة عندما وجهت الدعوة إلى المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، أن البلد الوحيد، وأقول البلد الوحيد، الذي كانت له ردة فعل في الموضوع هو الجزائر، والجميع يذكر عبر وسائل الإعلام كيف أبدى عبد العزيز بلخادم، مستشار الرئاسة، استغرابه ومفاجأته من دعوة المغرب إلى هذا الاتحاد مع بلدان الخليج، مشيرا إلى البعد الجغرافي وإلى بعض العراقيل... إلى آخره. وأكثر من هذا لاحظنا كيف أن أمير قطر في زيارته للجزائر- التي ربما طلبت منه أو طرحت عليه عدة تساؤلات بخصوص فحوى مثل هذا التوجه الجديد لمجلس التعاون الخليجي- عبَر للقيادة الجزائرية عن أن مثل هذا الاتحاد لا يمكن بتاتا أن يمس بمصالح الجزائر أو يعرقل مصالحها في المنطقة، وأعطى كل التأويلات بخصوص مستقبل هذه العلاقة. وأظن أن المغرب كان واضحا أكثر من اللازم بخصوص هذا الموضوع، فالمغرب لم يطلب أبدا الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، فالدعوة جاءت من هذا المجلس، وبيان وزارة الخارجية المغربي كان واضحا إلى أبعد الحدود عندما أشار إلى أن مثل هذا الانضمام لا يمكنه بحال من الأحوال أن يؤثر على التزامات المغرب في إطار التنظيم المغربي العربي، على أساس أن هذا التنظيم هو اختيار استراتيجي، وأخط تحت كلمة استراتيجي، التي تعني بوضوح أن أولوية الأولويات لدى المغرب تبقى اختياره الاستراتيجي، وهذا شيء معروف بالنسبة للمغرب لأنه كان المبادر إلى الدعوة إلى إقامة الاتحاد المغاربي، ولديه شعور قوي بأن هذا الاتحاد هو الوسيلة الوحيدة التي ستمكن المنطقة من تحقيق تنمية قوية بالنسبة إلى المستقبل، ويمكن أن أعطي هنا مثالا على هذا التعاون المغربي الجزائري، إذ أشرت إلى أن البلدين يشبهان إلى حد بعيد فرنسا وألمانيا في قلب أوربا، فهما الدولتان اللتان استطاعتا أن تتناسيا ما جرى بينهما من أنهار من الدماء طوال حربين عالميتين، وانضمتا إلى بعضيهما لتنشئا في البداية منظمة جد متواضعة للفحم والفولاذ، طورتاها فيما بعد إلى سوق مشتركة، وصولا إلى الاتحاد الأوربي، اليوم، الذي يضاهي الاتحادات الفيدرالية الكبرى. فعلينا أن ندرك أن الجزائر هي ثالث أكبر مصدر للغاز لأوربا بعد روسيا والنرويج، والمغرب يتوفر على أكثر من نصف الاحتياطي العالمي من الفوسفاط، ولكن تحويل هذا الفوسفاط إلى سماد في حاجة إلى الطاقة والأمونياك، وهذه العناصر موجودة لدى الجزائر بشكل وفير، ومن ثم ألاحظ شخصيا، وقد قلت هذا في عدة منتديات، أنه لو أُنشئت شراكة بين المكتب الشريف للفوسفاط وشركة سوماتراك الجزائرية من أجل تلبية الحاجيات المتصاعدة اليوم للسماد الناتج عن الفوسفاط، سواء لدى الهند أو الصين أو البرازيل، لأصبحت هذه المنطقة هي القاعدة الحقيقية لإنتاج السماد الأكثر تنافسية في العالم بشكل شمولي. وبذلك أقول مرة أخرى وأكرر بأن إشكالية انضمام المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي مطروحة بالفعل، ولكن ليس من شأنها أن تؤثر على الطموحات في بناء المغرب العربي، لأن مجاله الطبيعي والمرجعي لتحقيق التنمية المستدامة. وشخصيا أرى أنه إذا كان هذا الانضمام سيتحقق فيجب أن يكون تدريجيا وليس دفعة واحدة. علينا أن ننطلق مع هؤلاء في إطار محاولة متواضعة كمنطقة للتبادل الحر، ثم نمر إلى الاتحاد الجمركي، وبعد ذلك نمر إلى السوق المشتركة، قبل التفكير في آلية اندماجية، علما أن البعد الجغرافي بحوالي 6 آلاف كلمتر يبقى قائما، ولكن أظن بأن ما عرفته المنطقة مؤخرا على مستوى ما يسمى بالرأي العربي وتغير أنظمة الحكم في كل من مصر وتونس، ثم التغيرات التي عرفتها العراق وما تعرفه سوريا من حراك... كل هذا أثر بقوة في وضع خيارات إستراتيجية جديدة على المستوى المستقبلي. العالم أصبح قرية شمولية، وبلدان الخليج أصبحت تشعر بأن ثقل توازنها في منطقة الخليج تجاه إيران يتطلب دفعا من دول أخرى، ليس البلدان الشيعية مثل العراق أو تلك التي تعاني من مصاعب كسوريا مثلا، ولكن الأردن والمغرب. فإذا أخذنا جيدا عدد سكان المغرب والأردن وأضفنا إليهما سكان الخليج سنصل تماما إلى عدد سكان إيران. فهؤلاء في الخليج يرون في هذه العملية إسقاط نوع من التوازن الاستراتيجي على مستوى العلاقات الإقليمية، وأكثر من ذلك يعتبرون بأن القوات المغربية يمكن أن تكون حصنا يمكن اللجوء إليه في حالة حدوث أي تهديد أمني إقليمي، حيث يصنف المغرب على مستوى عدد القوات المسلحة، حسب مركز الدراسات الإستراتيجية في لندن، ثاني قوة في العالم العربي بحوالي 250 ألف جندي، وعلى مستوى ضبطه التكنولوجيا العسكرية يصنف في الدرجة الثالثة أفريقيا بعد كل من جنوب أفريقيا ومصر. وأظن شخصيا بأن هذا النوع من التعاون في المستقبل في هذا المجال سيؤدي، في اعتقادي، إلى توقيع اتفاقية للدفاع المشترك أو ربما في إطار مجلس عسكري أعلى أو ربما نوع من الارتباط بما يسمى ب«قوة الدرع» على مستوى التأمين الاستراتيجي، وهذا المشروع بين المغرب وبلدان الخليج سيوقظ «الضمير» الجزائري ليراجع هذا البلد حساباته ويعود نحو المغرب بقوة لأنه يدرك بقوة موقف المغرب الثابت، وأظن أن رغبة المغرب ستنتصر في النهاية.