في الوقت الذي تأسّست فيه تكتلات جهوية قوية عرف المشروع المغاربي تعثرا كبيرا بعيدا عن أحلام وآمال رواد الوحدة المغاربية، الذين دعوا منذ 53 سنة في مؤتمر طنجة التاريخي (27 و30 أبريل سنة 1958)، لبناء اتحاد مغاربي بسبب رفض الجزائر وتماديها الدائم في معاكسة تحقيق هذا الصرح الإقليمي المهم. وكان قادة ثلاثة أحزاب مغاربية، وهي حزب الاستقلال، وحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري، والحزب الدستوري التونسي، اجتمعت بطنجة، قبل استقلال الجزائر، واتفقت على خلق اتحاد مغاربي، غير أن هذا المسعى ظلّ حبيس أدراج ولم يستطع أن يطفو على الساحة إلا سنة 1988، خلال قمة زرالدة بالجزائر، حيث أعلن القادة المغاربيون عن رغبتهم في تأسيس اتحاد المغرب العربي، الذي رأى النور في 17 فبراير 1989 بمراكش، ليجد نفسه مجمدا بعد خمس سنوات أي سنة 1994. وتنص وثيقة إنشاء اتحاد المغرب العربي بين كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا على "فتح الحدود بين الدول الخمسة لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني (...)، وتمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها (...) "لكن الجزائر لا تعيرها اهتماما، إذ ما تزال تقيد مستقبل المنطقة وتصر على الإبقاء على غلق حدودها البرية مع المغرب منذ 17 سنة. ومن هذا المنظور، يذكر أن السلطات الجزائرية أكدت، غير ما مرة وعلى أعلى المستويات، أن الحدود مع المغرب ستبقى مغلقة. وكان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، قال، خلال كلمة ألقاها بطنجة، بمناسبة إحياء الذكرى 50 لمؤتمر طنجة، إن "مطالبة الجزائر باتخاذ موقف مغاير، يعني بالنسبة لها التنكر لمثل تشبعت به على الدوام، ما يعني التنكر لعنصر أساسي من هويتها''، موضحا، في الوقت ذاته، أن بلاده "حققت الغاية العاجلة من مؤتمر طنجة، وستظل مدينة بالعرفان للشعوب المغاربية التي ساعدتها دون تردد في كفاحه التحرري (...)''. وجدير بالذكر أن البيان المشترك الصادر عن مسؤولي الأحزاب المغاربية، التي اجتمعت في إطار الاحتفالات بالذكرى 50 لمؤتمر طنجة، تضمن دعوتهم تفعيل هياكل الاتحاد المغاربي، والقضاء على العراقيل التي تحول دون بناء صرح مغاربي قوي بأبعاد سياسية واجتماعية وتاريخية وثقافية. لكن رغم محتوى هذا البيان المشترك، فإن السلطات الجزائرية تتصور تطبيعا لعلاقاتها مع المغرب في إطار حل شمولي يتمثل أساسا في حل ملف الصحراء، الذي لا يجب أن يجد برأيها حلا له ضمن مقترح الحكم الذاتي، وإنما في إطار مقاربة غير وحدوية تروم تفتيت تراب المغرب وخلق دويلة قزمية تابعة لها. وإذا كانت الشعوب المغاربية انتظرت من سنة 1958 إلى غاية سنة 1989 لتشهد تأسيس اتحاد المغرب العربي، فإنها الآن تعيش جمودا لمدة 17 سنة أي منذ صيف 1994، وبالتالي فإن الاجتماعات الوزارية وغيرها المستمرة في إطار الاتحاد المغاربي تبقى دون جدوى في ظل استمرار غلق الجزائر لحدودها البرية مع المغرب، كما يبقى تجسيد حلم مؤتمر طنجة بعيد المنال.(و م ع)