إذا أردنا وصف وضعية الأمازيغية وحالة اللبس الكبير المحيط بها في المرحلة الراهنة من تدبير الحياة الثقافية والسياسية بالمغرب، يمكن أن نستعير قول أحد المواطنين بمنطقة تافنكولت بإقليم تارودانت والذي تحول إلى قول متداول ومأثور بالمنطقة: Allnn gh ugrur, cchm tskrtnn d giss . وتعود مناسبة القول إلى سنوات الستينيات من القرن الماضي حيث بمجرد خروج القائل من قاعة المحكمة العرفية المحلية بعد جلسة تقاضي مع خصمه، بادرت أمه العجوز التي كانت في انتظاره خارج القاعة بالسؤال عن الجديد والنتيجة في موضوع الدعوة، وأمام حالة الغموض واللف التي عرفتها أطوار الجلسة ما كان عليه سوى تشبيهها بالظلام الدامس الذي يحجب الرؤية، ولمن يريد تجريب قدرته على الفهم والتمييز ما عليه إلا أن يلج تلك القاعة المظلمة!والحالة هذه، فمن يستطيع تلمس وفهم مصير الملف الأمازيغي على الأمد المنظور، بعد فشل وتمييع مشاريع إدماج الأمازيغية في القطاعات العمومية، وتحول "ليركام" إلى مستودع عصري بشارع علال الفاسي، واستمرار مظاهر التمييز والاستغلال السوسيو اقتصادي، وبعد أن مضى أكثر من ثلاثة سنوات على وعود 2011 وخفوت صوت التغيير، ودخول الأمازيغية من جديد إلى قاعة انتظار مظلمة؟ جل المعطيات والمؤشرات المرتبطة بوضعية الأمازيغية ومستقبلها في السياق الراهن الذي يعرفه المغرب، خاصة بعد تحولات سياق حراك التغيير وبعد أن اتضحت حقيقة حكومة حزب العدالة والتنمية وأدائها السياسي الرديء، وتهافتها على تعطيل نفس التغيير وتأزيم النقاش السياسي والوضع الاجتماعي بشكل ينذر بمزيد من الاحتقان، هذه المعطيات تؤكد أن الوضع يزداد سوء يوما بعد يوم، وأن الأمازيغية هي آخر ما يمكن أن تفكر فيه الحكومة وبقية التيارات والمكونات السياسية التي يبدو أنه لا زال في جعبتها الكثير من المفاجآت! فأمام حالة التمييع التي آلت إليها الأمور، وفشل الرهان على التعاقد والتغيير التلقائي والديمقراطي للعقليات وتدابير الأحزاب السياسية والحكومة، وأمام تصلب "البرديكم" الثقافي والسياسي التقليدي المتحكم في الذهنية الفردية والمؤسساتية، يتضح فعلا أن الأمازيغية تعيش أسوء وضع وأكثره لبسا في مسار وجودها ونضالاتها وإخفاقاتها: فهي "مرسمة أو ما مرسماش"، "عندها مؤسسة أو ما عندهاش"، كاتقرا أو ماكاتقراش"، "معترف بها وما معترفش بها"،" مسموح للأسماء ديالها أو ما مسموحش بها"، 'كاينة أو ماكايناش"... إنها لعبة الحضور والغياب، والإعمال والتعطيل، والإقرار والنفي...عناوين وصفة الإلهاء والتدابير الجديدة والماكرة التي تراهن على جر الأمور لمزيد من الوقت في انتظار تغير السياق والأوضاع، وتآكل الذوات ووصول المد الجارف الذي ينذر بالكارثة... فوضعية وحالة مشروع إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين لا يمكن وصفها إلا بالفاشلة بعد توقف و"فرملة" مسارات التعميم والتكوين والتدريس الفعلي داخل الفصول الدراسية والمؤسسات التعليمية. والإعلام الأمازيغي خاصة على مستوى القناة الثامنة، ورغم المجهودات الشخصية لبعض المنشطين الشباب الذين يعوزهم التكوين والتجربة والرؤية الإعلامية المبدعة، تحول في جانب كبير منه إلى مجرد ألواح فلكلورية جديدة ومواد ومشاهد متكررة ومثيرة للنفور. وعلى مستوى الحياة الثقافية والتدبير المؤسساتي والخيارات الإيديولوجية الكبرى للدولة فلا زال البرديكم التقليدي هو السائد، لتبقى الأمازيغية مجرد رقم تأثيثي يضاف في أخر لحظة للتوهيم ولإضفاء الشرعية على السلطة والبنية المهيمنة. أما المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية فقد تحول، بفعل شروط النشأة وضعف شخصيته القانونية ومجموعته الإدارية، إلى مستودع للمشاريع والإنتاجات والأفكار والأشخاص، وكما حذرنا من ذلك في كتابنا "الأمازيغية والسلطة" مند 2009، تحول ليركام إلى مجرد بناية تؤثث شارع علال الفاسي بالرباط العاصمة، وبذلك صار مؤسسة كابحة للأمازيغية بدل النهوض بها كما ينص على ذلك ظهير تأسيسه! (للتفصيل في هذه النقطة ينظر مقالنا التحليلي بالعدد الأخير 10 /11 من مجلة زمان). أما على مستوى الحياة السوسيو اقتصادية فالاختلال والاستغلال وحرمان الساكنات المحلية من الاستفادة من ثروات مجالها الطبيعي، خاصة المناجم والأراضي والملك الغابوي والمياه والثروات البحرية، هي الصورة والوضع الطاغي على الواقع والمثير للكثير من التوتر، وذلك في ارتباط بالسياسة الترابية واقتصاد الريع وأدوات الإنتاج والآليات التشريعية والتدبيرية القائمة. فهذا الوضع العام في مختلف أبعاده وتمظهراته يطرح على مكونات الحركة الأمازيغية وعلى كل من يعمل ويؤمن بالإنصاف التاريخي والفعلي للأمازيغية لغة وثقافة وإنسانا، تحديا كبيرا يستلزم التوقف للتفكير جليا في إمكانات وآليات العمل والخطاب والتأثير في موازين القوى وخريطة وإمكانات التغيير بعد سقوط الأقنعة وانكشاف الأوهام. وهذا ما يحتم التفكير في آليات وخيارات جديدة لانتزاع الحقوق وإنصاف اللغة والثقافة الأمازيغية ورفع التهميش الاقتصادي والاجتماعي عن المناطق التي تعاني من تبعات سياسات الدولة وخيارات الفئات المهيمنة على الثروة والسلطة والمؤسسات مند حوالي قرن من عمر المغرب المعاصر. ويبقى السؤال المطروح في الأخير هو لماذا تصر بعض أطراف الدولة والمكونات السياسية وعلى رأسها الحزب الذي يترأس الحكومة على تأزيم الملف والشأن الأمازيغي؟! وهل من الضروري أن يكلفنا الإنصاف الفعلي والتغيير المشروع غاليا؟