الأمازيغية والسلطة، أي أفق؟* "عشر سنوات ...أمازيغيا"، لا يسعني إلا أن أثمن اختيار هذا الموضوع من طرف الإخوة في جمعيتي تامينوت وامريك المنظمتين لهذه الندوة ، حيث أن الحركة الأمازيغية مطالبة بتسجيل صوتها ومواقفها في الوقت المناسب، لتؤكد باستمرار انها قضية وطنية ، قضية شعب لا يمكن القفز عليها في أي تدبير أو اجراء راهني أو استراتيجي يروم تنمية المغرب ودمقرطته وتحديثه. خاصة وأن التقييمات التي أثارها مرور عشر سنوات على حكم الملك محمد السادس اهتمت بكل الجوانب السياسية والاقتصادية والإنصاف والمصالحة وتغيير مدونة الأسرة...إلا موضوع الأمازيغية، مما يدل على أن هذا الورش لا يزال على هامش تصورات وانشغالات الاحزاب والمكونات الحركية والمدنية ونقاشها العمومي حيث يتاكد يوم بعد يوم انها غير معنية بالقرارات الملكية التي كانت صادمة لها. فعشر سنوات قد تبدو مهملة في سلم التاريخ المطلق، لكنها مدة بالغة الأهمية في حياة من يصنعون التاريخ وفي حياة من يتحملون تبعات هذه الصناعة، وقد تكون حاسمة في تقرير مصيرهم اذا ما كانت لحظة انعطاف وتجاوز وإقدام نحو المستقبل. لتقديم مقاربتي لسؤال الحصيلة والأفاق الذي تقترحه هذه الندوة، سأكتفي بالتوقف عند ملف إدماج اللغة الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين باعتباره يختزل في تقديري موضوع الحصيلة، وسأطرح بعض الأفكار بخصوص المستقبل مستندا إلى بعض مقولات واتربوري الذي فهم جيدا الوضع المغربي منذ عدة سنوات. الحصيلة: "لا شيء يتم حسمه، الغموض يلف كل شيء" واتربوري. قبل تأسيس ليركام-المعهد الملكي للثقافة الامازيغية-، وقبل خطاب أجدير الذي حمل تحولا خطابيا كبيرا في التعاطي مع الأمازيغية، يمكن التذكير بالميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي نص على اعتماد الأمازيغية كأي لهجة محلية للاستئناس في تعلم اللغة العربية ، مما أكد أن خيار إقصاء الأمازيغية كان ثابتا في استراتيجية الدولة والمكونات السياسية المهيمنة. خطاب أجدير أكد لأول مرة على الأمازيغية الضاربة جذورها في أعماق الحضارة المغربية، واعتبارها مكون أساسي من الهوية الوطنية وجب النهوض بها كمسؤولية وطنية. والظهير المنظم للركام يتحدث عن إدماج الأمازيغية في المسارات الدراسية، وإعداد الوسائل والحوامل البيداغوجية الضرورية لذلك. بعد ذالك بدأت عملية تهيئ اللغة وادماجها في المدرسة، وتقعيد اللغة، وإنجاز الكتب المدرسية، ثم الشروع في التكوين المستمر للمدرسين رغم ما يعتريه من نواقص وارتجالية، وادماج مصوغات اللغة الامازيغية وديداكتيكها ضمن عدة التكوين بمراكز تكوين المعلمين والمعلمات. كل هذه الإجراءات تترجم إلى حدود الساعة الانخراط المسؤول في ورش المصالحة والإدماج في المسارات التربوية. لم يمض على بداية الحلم سوى ثلاثة أو أربع سنوات ليتعثر الإدماج، وتتم مقاومته، والسير به نحو الابتذال لإفراغه من فحواه وجدواه. بعض مديري الأكاديميات يرفضون تفعيل المذكرات الوزارية الصادرة بهذا الصدد، وجل خريجي المراكز المكونين في الأمازيغية لا يدرسون المادة، وبداية الحديث عن التراجع عن الإجبارية والتعميم كما يستشف ذلك من التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتعليم، وعن حرف الكتابة تفيناغ الذي تم اقتراحه من طرف المجلس الاداري للمعهد بعد تصويت ديموقراطي وحظي بالموافقة الملكية. فهل يتعلق الأمر بتراجع ممنهج ، أم أن وضعية تدريس الأمازيغية جزء من الوضعية العامة التي تتخبط فيها المنظومة ، وبقدر ما ستتخطى أزمتها الراهنة بقدر ما سيتقدم ورش إدماج الأمازيغية وتوسيع تعميمها؟ ينضاف إلى أشكال هذا التراجع، تقاعس جل مكونات الحركة الأمازيغية أيضا ، وانقسامها السيء بشأن إدماج الأمازيغية، وعدم الانخراط القبلي ولا الراهن في هذا المشروع. ويمكن عقد مقارنة بسيطة مع مرحلة بداية ادماج اللغة الكطلانية في النظام التعليمي بكطلانيا ، ليتضح كيف أن عدة الإدماج وما تطلبه ذلك من تقعيد اللغة وصياغات الطرائق البيداغوجية، وإعداد إستراتيجية تكوينية...كانت جلها قد هيئتها الجمعيات والمناضلين الكطلانيين في عز فترة فرانكو القمعية، حيث تلك الحركة البيداغوجية التي التفت حول Rosa sensat، واستغلال كل الفرص المتاحة والغير متاحة كاللقاءات الصيفية والأنشطة الفنية الموازية، وبيداغوجيا النص الحر لفريني، لتأهيل اللغة والشروع في إدماجها في البداية وكأنها لغة أجنبية. ومع مجئ الديموقراطية، وبفضل ذلك تم إنجاح ورش إدماجها في المدرسة والانتقال بها الى وضعية لغة التعليم والتدريس والإنتاج والإبداع والحياة العامة. والحركة الأمازيغية مطالبة اليوم باستغلال كل الفرص المتوفرة والاشتغال بكفاءة إبداعية على المستويات الفنية والعلمية والثقافية لفرض نبوغ لغتها وثقافتها، بدل الاكتفاء بالعمل التنظيمي والانقسام حول الذات مما ينال من قوتها وقدرتها الحركية على تغيير الأمر الواقع. ما قلناه عن إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين ينطبق على بقية مستويات المصالحة والأوراش ، بل أن الخيارات الرسمية لخطاب الدولة لم تتغير، والمناورة والتسويف والابتذال توحي بأن استراتيجية الهيمنة لم تضع أوزارها. الآفاق: " في المغرب، ما يحدث في مستوى الواقع لا علاقة له مع ما ينتظر منطقيا "واتربوري. سأطرح تصوري عبر تساؤلات وإشارات عامة: -الحركة الأمازيغية استغرقت الوقت الكافي في إنتاج خطاب احتجاجي وتصحيحي، ومواجهة الأطروحات الإيديولوجية وآليات الهيمنة التي مارستها الدولة وحلفاؤها السياسيين والاجتماعيين في خيار الإقصاء، لكن الحركة لم تشتغل بما يكفي على الواقع المغربي والكيفية التي تدبر بها البنى والاختيارات المؤسساتية والتحالفات والتوازنات والتلفيقات والصراعات والتحفظات والتراجعات...فالمعادلة المغربية معقدة، وبقدر ما نستطيع التموقع داخل هذه المعادلات والتوازنات الهشة والصلبة في نفس الآن، بقدر ما نلج مركزها بدل البقاء على هامشها. وللأسف هناك طرف سياسي لا أدري إن أمكن أن يحتسب على الأمازيغية فعلا، كان قد فهم بعض متغيرات المعادلة المغربية، والتجأ مرات إلى مقولات وتهديدات من قبيل " الصعود إلى الجبل " لكن لتحقيق مصالح ذاتية لم تخدم المطالب والرهانات الأمازيغية بشكل فعلي وملموس. -الوضعية الدونية للأمازيغية ترتبط بالهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية، عبر آليات وبنيات معقدة. السياسات الترابية واستغلال الأراضي والثروات الطبيعية والتحكم في دوالب الحياة الاقتصادية والتجارية والسياسية من جهة، والاستيعاب الثقافي والاجتماعي عبر السياسة اللغوية والثقافية وآليات التنشئة الاجتماعية والتشكيل الإيديولوجي للهوية والقيم والتوجهات، من جهة أخرى. وهنا يمكن التساؤل : هل حصل تقدم ملحوظ في وعي النخب الاقتصادية والتجارية ذات الأصول الأمازيغية في علاقتها بضرورة إنصاف لغتها وثقافتها وهويتها الأمازيغية، وكيف يمكن تحقيق وعيها وانخراطها والرهان عليها لتحقيق تحول في هذا الاتجاه- كما حصل مع الفلامانية في بلجيكا- ، علما أن الدولة تتحكم في كل البنيات، والمصالح الشخصية تتحقق بمقدار الولاء السياسي والإيديولوجي ؟ -في سياق تحليله لإحدى النخب التي تتحكم في زمام القرار، أكد واتربوري على أن هذه النخبة تحرص على عدم إثارة غضب القصر للمحافظة على امتيازاتها، لكنه من الصعب أن يتنبأ المرء بتطور التحالفات في المستقبل لمعرفة من سيتحالف مع من، وضد من؟ فمشروع انصاف الامازيغية هو من الأوراش التي أسست عليها المؤسسة الملكية انتقال الحكم وهو موضوع تعاقد الأحزاب السياسية معها، كما أنه من علامات التحول الذي يشهده المغرب المعاصر، وأمام المقاومة التي تبديها بعض اللوبيات لتحول دون التقدم في ذالك، تبرز حاجة الحركة الأمازيغية إلى استراتيجية جديدة للتقدم في مشروعها، وسأنهي بالفكرة التي أنهيت بها كتابي الأخير "الأمازيغية والسلطة"، بالتأكيد على ضرورة "تقوية الموقع الاحتجاجي والإنتاجي والتفاوضي للصوت الأمازيغي، وذلك بتفعيل مسارات عمله النضالي والثقافي والعلمي بشكل تكاملي، وبتطوير كفاءته وامكانه الاستراتيجي في تأزيم اختلالات ورهانات النظام السياسي وفرقائه في علاقتهم بالأمازيغية ". * العرض الذي ألقيته نهاية الأسبوع الماضي في إطار الندوة الوطنية التي نظمتها جمعيتي امريك وتمينوت بأكادير.