بعد مرور بضعة أيام على إيداع ملف طلب الحصول على التأشيرة لدى سلطات المملكة المتحدة بالرباط ، تلقيت مكالمة هاتفية مباغتة من طرف سيدة انجليزية اللكنة. كنت في طريقي إلى أداء صلاة الجمعة في مسجد الحي عندما زفت لي ، السيدة الانجلزية ، و بكل سرور خبر الحصول .على التأشيرة استيقظت باكرا الصباح الموالي من أجل الذهاب إلى القنصلية لكي أتسلم جواز السفر المختوم بالتأشيرة، أتذكر أن مقلتي لم تكد تذوق طعم النوم من شدة الفرح من جهة و من جهة أخرى كان .ينتابني قلق شديد كلما تذكرت أنني ذاهب إلى مكان لا اعرف فيه احد و لا يعرفني فيه واحد رافقني صديق الطفولة إلى القنصلية هلعاً من أن يعترض سبيلنا عاشق الجوازات الماهر الذي كنا نسمع عنه في الأفلام ، أو أن اركض فرحا بالنصر كما فعل احد أصدقائي، بل في الأصل ,إن تلك التأشيرة قد تكون سوى هزيمة نفسية تمنى بها و أنت في مقتبل العمر . حكى لي صديق مقرب لي التقيته فيما بعد في لندن انه عندما حصل على تأشيرة الذهاب الى لندن ، ركض بسرعة البرق محتفلا بالجواز المختوم من مكان القنصلية إلى حي اكدال و الجواز بين يديه ،لكنه لم يكن على علم أنه سوف يركض و " يخيط " لندن زنقة ،زنقة ، بيت ,بيت ، بحثا عن عمل يروي به عطشه ، حتى انه وصل به الأمر الى أن يكره الجري و لو بالضحك. لكن في الأخير لم يعترض سبيلنا لا عاشق الجوازات و لم اركض فرحاً بالجواز المختوم، بل كان ذلك .اليوم مرادف لبداية معاناة مهاجر مغربي في لندن و نحن مجتمعين للمرة الأخيرة حول المائدة نحتسي طعام الغداء قبل مغادرتي الوطن ، كنت .أحس بالدموع فوق الرموش كلما فكرت أنني حقاً مغادر البلاد و الأحباب و الأصدقاء كنت أحس بوجداني يخفق بسرعة الضوء كلما تذكرت أنني ذاهب لمكان بعيد سوف افتقد فيه .نبرات أمي الدافئة و افتقد فيه شدة حضن أبي الملتهب بالمحبة كل صباح كنت أحس بالهلع و الخوف كلما فكرت بأنه من المحتمل أنني سوف لن أعود . لكن رغم كل هذا الحزن الذي كان يخيم على قلبي في تلك اللحظة ، تمالكت نفسي و أوقفت دموعي ، لكن لم أكن أدرك أن كلام أبي سوف يؤثر في نفسي و يجعلني أجهش بالبكاء فور انتهائه من الكلام . فكانت هذه الجملة كفيلة بإخراج ما تبقى من الدموع العالقة إلى أرض الوطن ، فقال بنبرة حزينة و بنظرة أب لا يصدق ما يحدث أمامه " هل أنت فعلا ذاهب إلى الخارج ام أننا فقط في سبات عميق و سوف نستفيق منه قريباً ". فخيم جو اِلْتِعَاج على المكان ، جمعت حقائبي للرحيل ،ضممتهما الى صدري ، قبلت يدهما المرة الأولى تم ذهبت و رجعت للمرة الثانية و الثالثة ، فمن منا يقدر على فراق مُهجات قلبه ، حتى أدركت انني لو عدت للمرة الرابعة ، سوف ينقلب .بكاء المغادرة الى حسرة و ندامة .اجتزت الديوانية ، قرأت دعاء السفر ثم ركبت الطائرة - طالب باحث في الدراسات الثقافية و الاعلامية [email protected]