لاحظ المولى إسماعيل كثرة الأسرى وتنافس الأغنياء على امتلاك العبيد، فارتأى أن تحتكر الدولة هذا المجال، وأصدر قراره بجمع العبيد، وجعلهم تابعين للدولة بعدما أسس منهم جيشا قويا سمي بجيش البخاري، نظرا لأدائه القسم على كتاب صحيح البخاري. بهذا الجيش تمكن المولى إسماعيل من إخضاع القبائل وجمع الضرائب. لكن هذا الجيش الذي طوعه السلطان العلوي المولى إسماعيل سرعان ما تمرد وأصبح مشاكسا بعد وفاته، وأضحى هو الحاكم الفعلي للبلاد، ينصب السلاطين ويعزلهم حسب هواه، إذ خلال فترة وجيزة تعاقب على المغرب إحدى عشر سلطانا من أبناء المولى إسماعيل، مع العلم أن من هؤلاء السلاطين من عزل وأعيد للحكم ثم عزل. تمكن المولى إسماعيل في فترة حكمه من توحيد البلاد، وإخضاع العديد من القبائل الثائرة، كما أسس جيشا قويا من عبيد البخاري والودايا، لكن وفاته أعادت البلاد إلى نقطة الصفر وصيرت الدولة العلوية ضعيفة. فما إن مات حتى غرقت البلاد في فوضى عارمة وعرف المغرب أزمة حكم بسبب تحكم عناصر جيش عبيد البخاري في الحكم. ورغم أن منصب السلطان ظل يشغله العلويون من أبناء المولى إسماعيل، إلا أنهم لم يكونوا سوى لعبة يحرك خيوطها قواد الجيش، ولاسيما جيش عبيد البخاري الذي ظل متحكما في العاصمة مكناس لمدة قاربت الثلاثين سنة. إذ كانوا يعينون السلاطين ويعزلونهم حسب هواهم. من يكثر العطايا والمكافآت يدوم أكثر، ومن لم يفعل يخلع ويولى مكانه آخر. العبيد أهل الحل والعقد بعد وفاة المولى إسماعيل أصبح الحل والعقد بيد جيش عبيد البخاري حيث بايعوا ابنه أحمد الذي أجزل العطاء للناس وللعبيد حتى سمي الذهبي. كان يستشير العبيد في كل كبيرة وصغيرة إلى أن تسلطوا عليه وأصبحت شورتهم ملزمة، فاستعملوه أداة لقتل رؤساء الدولة. ضعف السلطان الجديد جعل العبيد يتسلطون على الناس الأمر الذي دفع أهل فاسومكناس إلى نقض بيعته والثورة عليه. كما أن إمساكه يد العطاء على العبيد جعلهم يخلعونه ويولون مكانه أخاه عبد الملك بن إسماعيل الذي نفى أخاه الذهبي إلى سجلماسة. لكن بعض أتباع الذهبي من العبيد طاردوا عبد الملك بن إسماعيل إلى فاس، وأعادوا الذهبي إلى الحكم للمرة الثانية. هكذا استمر تعاقب السلاطين على الحكم، إذ كانت فترة كل واحد منهم قصيرة جدا، فلم تتجاوز سنة في أحسن الأحوال. بعد وفاة أحمد الذهبي اجتمع قواد العبيد والودايا، واتفقوا على بيعة أخيه عبد الله بن إسماعيل الذي كان وقتها خارج مدينة فاس، فأتوا به ووضعوه على سدة الحكم. استمر عبد الله بن إسماعيل في إرضاء العبيد وإجزال العطاء لهم إلى أن عجز عن ذلك بسبب نفاذ خزينة الدولة، فسمح لهم بنهب الناس في فاسومكناس، فصار جل الناس لصوصا، كما يشير إلى ذلك الناصري في "الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى". ومن بين أوجه التسلط التي أوردها الناصري أن أعطى المولى عبد الله دار أحد القضاة لأحد العبيد، وقال للعبيد من أراد منكم دارا بمكناس فليأخذها فامتدت أيدي العبيد في الناس حتى صاروا يقفون بالأبواب، ويقول العبد لصاحب الدار " إن سيدي أعطاني دارك أو أعطاني ابنتك" فلا يجد بدا من الافتداء منه بالمال. رغم ذلك لم يستمر عبد الله بن إسماعيل على سدة الحكم، لقد تقلد منصب السلطان سنة 1729 وعزل سنة 1734 ليحل محله أخوه زين العابدين الذي عزل بعد سنتين من توليه الحكم. واسترد المولى عبد الله منصبه لأشهر فقط، فعزل هو الآخر. العبيد في مكناس و الودايا في فاس من الأمور التي جعلت العبيد يسيطرون كون الحكام الذين تعاقبوا على الحكم بعد وفاة المولى إسماعيل ضعيفي الشخصية، مقابل جيش قوي من عبيد البخاري. كان عبيد البخاري قد وصلوا درجة كبيرة من القوة أواخر عهد المولى اسماعيل، وكان قد تقوى نفوذهم في المخزن. كما كانوا متمركزين في مدينة مكناس وفي القلاع التي أنشأها المولى إسماعيل. هكذا تحولوا إلى قوة لا رادع لها بعد أن أصبح كل همهم ، بعد وفاة المولى إسماعيل، هو العثور على سلطان يدفع لهم أجورا أكبر ويجزل لهم العطاء، وكانوا دائما على أهبة للاستعداد للإنقلاب على السلطان الذي يعجز عن تلبية مطالبهم. فأهملوا المسائل العسكرية وفقدوا روح الانضباط وتحولوا إلى عصابة عسكرية تعيث في الأرض فسادا. وعوض أن يوفروا الأمن للناس داخل المدينة كانوا هم السبب الأول لانعدامه. أما جيش الودايا فكانوا يقيمون في مدينة فاس، وكانوا يشكلون القوة الثانية في البلاد بعد العبيد ولم يكونوا بعيدين عن لعبة تغيير السلاطين. بعد المولى عبد الله حكم المغرب ابنه المولى محمد الذي عاد معه الهدوء والاستقرار إلى البلاد، لأنه استفاد من أخطاء والده، وقرر الاستقرار بعيدا عن مدينة مكناس التي يسيطر عليها العبيد وفاس التي يسيطر عليها جيش الودايا، وقرر الاستقرار بالجنوب في مدينة مراكش، لكن محاربة قبائل الرحامنة له جعلته يتجه نحو مدينة آسفي التي استطاع أن ينمي التجارة فيها، ويرسي أركان الدولة.