بما أننا في فترة راحة و عطلة، فأكيد أن كل من سياسيو و برلمانيو الأمة المحتمرون آخد وجهته قصد الراحة و الاستجمام، كيف لا و قد عشنا سنة ذات حصيلة حكومية و تشريعية مزدهرة، سنة من العدم و الفراغ و مقاعد القبة الفارغة...فإذن من حق تجار الشأن السياسي و الحزبي...هؤلاء قضاء قسط من الراحة و الاسترخاء و السفر و الارتياح من الراحة و من تم الاستفادة من حلول موسم العطلة هذا كسائر الناس. فكان الأمر أن برنامج حوار على قناة الأخيرة أقصد الأولى في حلقة الثلاثاء 27 يوليوز 2010 قد أرحنا من أوجه ممتهنو العمل السياسي و الحكومي الدين يتعاقبون على حلقات البرنامج طوال العام رغم أن ضيف حلقة الأسبوع الماضي من طينة سياسية هو أيضا، فمع انتهاء الموسم الدراسي و الجامعي لهذه السنة استضاف برنامج حوار رئيس جامعة محمد الخامس أكدال عبد الحفيظ بوطالب من أجل مناقشة وضع الجامعة المغربية و نقاط فرعية أخرى. بداية بعد أن استعرض مقدم البرنامج مصطفى العلوي في مقدمته المعتادة لمحات من السيرة الذاتية لشخص الضيف الذي وجب احترامه، امتاز مستوى و أسئلة المحاورين بمن فيهم مقدم البرنامج نفسه الذي قد لا يجد أحد سببا مقنعا في مناداة زملائه الصحفيين و ضيوفه له ب أمولاي بشكل تملقي غير مبرر و غير اضطراري...، غير أن ضيف هذه الحلقة سجل استثناءا في هذه النقطة و اكتفى بمناداته أثتاء تحاوره معه في البرنامج ب السي العلوي عوض نعته ب أمولاي مصطفى، فعلى أي امتازت أسئلة و شكل نقاش محاوري البرنامج بالعبثية و العشوائية و عدم الانسجام و التناسق في محاور الحوار، كذلك لم تخلو الحلقة من المحاولات الاستفزازية من قبل مقدم البرنامج مع أسلوب السعي وراء إحراج الضيف، هذا الأسلوب الذي لا و لم يخدم بالمرة موضوع النقاش و بالتالي تكون النتيجة عدم تقديم أية استفادة مرجوة للمشاهد. اتضحت انعكاسة ذلك بالمعنى المطلق على ردود ضيف الحلقة التي امتازت إجاباته بدورها يا إما بالرد المباشر أو بالتغاضي المعقلن أو في ذات مرات بالتحاشي و القفز على بعض الأسئلة الهجومية...، ففي مرد إجابات رئيس جامعة محمد الخامس أكدال خلال البرنامج عبر من منطلق مسؤوليته فيما مفهومه أنه راض على الوضع العام الذي تعيشه الجامعة المغربية و للدور الذي تقوم به، و لأنه في هذا الموقع الحواري خير من يستطيع أن يجيب عن ما وجه له من استفسارات و تساؤلات حول تشخيص الوضع الحقيقي للجامعة المغربية مثل التساؤل حول ما السبب وراء احتلال الجامعة المغربية مراتب متأخرة ضمن ترتيب الجامعات العالمية و كذلك ما القول في أن الجامعة المغربية أصبحت منذ سنوات لا تساهم إلا في تفريخ البطالة...ففي الرد عن هذا الشق يختار الضيف أسلوب القفز على السؤال بالرد أن مثل هته الأفكار لا تنتج سوى العدمية و اليأس و الإحباط و تعميق النظر في نصف الكأس الفارغ بل و تساهم في المزيد من نفور و تذمر التلاميذ و الطلاب المغاربة من الولوج إلى الدراسة بالجامعة، و في تساؤل آخر لأحد المحاورين عن وضعية اللغة في الجامعة المغربية لم ينكر ضيف الحلقة أن السياسة التعليمية في المغرب ظلت تتخبط في هذا المعطى باعتبار أن التلميذ المغربي في مراحل تعليمه قبل الجامعية (الابتدائية و الإعدادية و الثانوية) يظل يتلقى تكوينا ضيقا و ضعيفا في اللغات الحية و الأجنبية فيحين يصطدم عند ولوجه للجامعة بعدم ملائمة مستوى تكوينه و تمكنه من اللغات الفرنسية و الإنجليزية بل و حتى اللغة العربية بالمستوى العالي الذي تلقن به هته اللغات داخل الجامعات. و من شأنه و هذا خارج عن إجابة السيد الرئيس أن أدرجت ضمن نظام الإصلاح الجامعي الجديد مادة اسمها اللغات و التواصل تدرس بغية تدارك هذا الخلل و العجز اللغوي عند الطالب في التكوين و في مهارة التواصل المفتقدة لديه، و هذا ما لم يتم ذكره و التطرق إلى أن هدا الخلل و العجز الذي يواجه الطالب المغربي يعزى إلى ما نهجه المغرب مند عقود في سياسة التعريب اليائسة و غير الممنهجة التي لم يكن الهدف الضمني منها إعادة الاعتبار للغة العربية كلغة أساسية في التربية و التعليم باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد و بالتالي احترام قيمة اللغة و الثقافة و الانتماء، بل تبيين أن الهدف الظاهر من تفعيل هذا النهج ذو الطابع السياسي أكثر مما هو طابع ثقافي أو لغوي هو ضرب جودة تكوين و تعليم الفئات الشعبية في مقتل و من تم تكريس المزيد من النخبوية و الطبقية في مجال التعليم بالمغرب. لذلك، ليس مجرد إنزال مادة مصاحبة للمواد المقررة و تسميتها باللغات و التواصل داخل برامج الجامعات على اختلاف الشعب و التخصصات، ليس ذلك هو الحل الكافي و الأمثل لتدارك الخلل، بل ما القول إن تم الاعتراف أن إدراج و تدريس هذه المادة لم يفرز أية نتيجة محمودة تذكر و أن التجربة قد أبانت عن فشلها..و لعل إطلاق وزارة التربية الوطنية لبرنامج المخطط الإستعجالي (الاجتراري) هذه السنة الذي يزيد في إثقال مديونية الدولة لأكبر دليل و اعتراف ضمني و صريح من الدولة بفشل النظام الجامعي الجديد بل و فشل المنظومة التربوية و التعليمية بأكملها و بجميع مراحلها و مستوياتها، لأن الإصلاح إن أتى من مفسد ليس إصلاحا و إنما زيادة في الإفساد و تحويل الأمر إلى فساد مركب. فيما يخص التساؤل حول ظاهرة الرشوة هل هي موجودة داخل الجامعات المغربية: يجيب رئيس جامعة محمد الخامس أكدال أن الجامعة المغربية محصنة من هذه الظاهرة و أنها بقيت أي الجامعة المغربية المعقل الوحيد الذي لم تطأه الرشوة بالمغرب و عبر فيما معناه حرفيا أن اليوم الذي ستدخل فيه الرشوة الجامعات المغربية حينها سنغسل جميعا أيدينا عليها...و بما أن السيد الرئيس وصف الجامعة المغربية في هذه النقطة بالمعقل فإن التشبيه مناسب للرد بأن الجامعة المغربية هي حقيقة معقل سخي للرشوة و أنها بالمرة لم تكن محصنة منها، فعلى أي النقاش حول قضية الرشوة أصبح متجاوزا منذ حين فجميعنا نعلم أن ظاهرة الرشوة لم تترك لا أخضرا و لا يابسا بمعظم المؤسسات المغربية تعليمية كانت أو إدارية أو غيرهما...و أغلب الظن عند أقلية النزهاء أن الجميع نزيه مثلهم و أن كل شيء على ما يرام. و في إجابة للسيد بوطالب عن تساؤل حول ما الذي فعلته الجامعة المغربية لمحاربة ظاهرة هجرة الأدمغة و الكفاءات المغربية يقول أن هذا دور الحكومة و ليس دور الجامعة لتظهر فورا مشاكسات مقدم البرنامج العقيمة و محاولاته لإحراج ضيفه برده عليه: راتبكم أنتم أيضا سيادة الرئيس يصل إلى راتب وزير في الحكومة، الغريب ما علاقة موضوع دور الجامعة المغربية في محاربة ظاهرة هجرة الأدمغة براتب رئيس الجامعة إن كان يساوي راتب وزير أو يفوقه: الجواب قد لا يوجد له مكانا إلا في ذهن السي مولاهم مصطفى العلوي مهندس الحوار. أما السؤال حول ميزانية جامعة محمد الخامس التي تقدر ب 14 مليار سنتيم و أين و كيف يظهر مردود هذه الميزانية على وضع و وجه الجامعة فقد ظل الجواب على هذا التساؤل معلقا. إحدى الصور الواقعية لأوضاع الجامعات المغربية: نوع من الفتور و التردي تعرفه الجامعة المغربية يتضح جليا في غياب الوسائل و الإمكانيات اللوجيستيكية و البيداغوجية الكافية المفروض توفيرها للطالب المغربي من مواصلات و منح دراسية و سكن و تغذية جيدة...، و كذا فضاءات أساسية من مكتبات عصرية مجهزة و قاعات للمعلوميات و الأنشطة الموازية...نضيف إلى ذلك البيروقراطية و الارتجالية و الانتظارية في عمل إدارات المؤسسات الجامعية...الانحدار القيمي و الأخلاقي و التحرش الجنسي داخل الأوساط و الأحياء الجامعية و تحول الجامعات إلى شبه ضيعات خاصة يملكها بعض من المسؤولين بانتشار المحسوبية و الزبونية في عمليات الانتقاء السنوية لوحدات التكوين و البحث و أسلاك الماستر...ركود و جمود المنح الدراسية و الجامعية و التضييق في نسبة المستفيدين منها في مقابل مستوى غلاء المعيشية و نمط الأسعار. إضافة إلى الأوضاع غير السارة التي تعم الأحياء الجامعية... و النتيجة المزيد من الهدر الجامعي و نسف قيمة البحث العلمي و التشجيع عليه، و لعل جزءا من تقارير المجلس الأعلى للحسابات الأخيرة تؤكد ما سبق فبعض الأرقام تقول أن نسبة الخريجين من الجامعات المغربية لا يتجاوز 14% من نسبة المسجلين في السنة الأولى، رقم يعكس حالات التذمر و النفور من الجامعة المغربية و ينذر بالخطر و يحتاج فورا إلى التمحيص و العلاج. عودة إلى برنامجنا (الشيق) حوار، و لأن الشيء بالشيء يذكر يحاول مقدم البرنامج كعادته جر ضيفه بصفته قيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي و رئيس جماعي سابق إلى منطقة ما في شق السياسة و عدم تركه للإفلات منها علما أن الأمر كله سياسة في سياسة و يسأله عن رأيه حول الوضع الذي يعيشه حزب الاتحاد الاشتراكي حاليا و يصاحب طرح السؤال تركيز مخرج البرنامج عدسته على بعضا من أوجه ممتهنو السياسة اللاهتون و العاشقون لأعين الكاميرا الدين كانوا يجلسون بين الحضور و منهم من يسعى دوما إلى تأكيد حضوره، جواب عبد الحفيظ بوطالب القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي و رئيس جامعة محمد الخامس أكدال كان أكثر دبلوماسية و ثباتا و مراوغة من صاحب السؤال و يرد أن الحزب غني بتجربته و تاريخه و بالدور الذي يقوم به في الحكومة. من دون مراوغة إذن وضع حزب الاتحاد الاشتراكي الحالي يشخص و يصف نفسه بنفسه و لا حاجة للتكلف للحديث عنه، فلم يعد وجود لا في الحزب ذاته و لا في غيره سياسيون و مناضلون حقيقيون يستطيعون الصمود و الدفاع عن قضية حقيقية ما إلى آخر رمق، إن محاولة أشباه بعض السياسيين بالتظاهر بالرغبة في العودة إلى الخيار الشعبي و إلى صفوف الجماهير بالدعوة إلى الخروج من الحكومة و الالتحاق بالمعارضة باءت محاولة مكشوفة و فاشلة و بالية المقاصد و لم تعد تخال على أصغر مواطن مغربي سنا و دراية فلقد رأينا كيف جدد حزب الاتحاد الاشتراكي مساندته للحكومة و موافقته على تمكينه من مقاعد وزارية أخرى في الوقت الذي كان أنصاف قياديوه يلوحون من الفينة لأخرى بالخروج من الحكومة، عاقبة ذلك يعلمونها جيدا و تجعل التوقعات تنصب حول المزيد من تأخره و تراجعه فبعد أن تراجع ترتيب الحزب إلى الرتبة الخامسة في الاستحقاقات التشريعية الماضية، فإن سياسية الحزب التي ينهجها حاليا ستزيد في تعميق التراجع و قد يتذوقون في انتخابات 2012 القادمة طعم الاندثار الأفول و احتلال هذه المرة المترتبة ليست الخامسة و إنما (الخامسة عشر)، إذن فعلى المغاربة مند الآن البحث عن بديل جديد. أخيرا إن انتقاد وضع الجامعة المغربية لا يعني بالمرة مجرد الرغبة في تعميق و تكريس الإحساس بالنفور و التردي و التذمر من الجامعة المغربية لدى الشباب طلبة جامعيين كانوا أو من هم مقبلون على ولوجها، بل إنها الحاجة إلى تشخيص واقع الحال و توجيه الأصبع إلى مكمن الداء سعيا إلى تدارك الوضع و رد الاعتبار للجامعية المغربية في الداخل و الخارج بل و حفاظا على ما تبقى من قيمتها و سمعتها أيضا. فرغم كل الأسباب و المبررات و رغم كل الوقائع و الأوضاع و التدخلات... لا أحد استطاع أو يستطيع يوما أن ينال من قيمة و أهمية التأهيل و التكوين الجامعي و البحث العلمي، فلا نريد أن تكون أبواب الجامعات المغربية مفتوحة لمجرد أنها يجب أن تظل مفتوحة بل نريدها فضاء حقيقي للمعرفة و العلم و شريك أساسي في مسلسل التنمية و مؤسسة لبناء أجيال المستقبل.