"".. من محاسن الصويرة الإجمالية، و مزاياها الجمالية أنها مدينة ديانة و علم خصها الله تعالى من الطبيعة بموقع جميل و مناخ من أحسن المناخات و بالمناظر الجميلة الخلابة الفتانة و الرحاب الفسيحة و الطرق النظيفة فاقت في تنميقها المطرب جميع ثغور المغرب و بالهواء النقي الخفيف الطلق و النسيم السحري يلتذ به و يطيب النوم عليه و تأسست على الانشراح من حين وضعها و الأخذ بمجامع القلوب من طبعها و منذ نشأتها و الوفود ترد إليها من كل فج و صوب و كل من ألقته الأقدار إليها لا يبرحها إلا و هو معجب بجمالها و مشغوف بحبها و يود أن لا يفارقها. و ليس بها عيب سوى أن ضيفها يعاب بنسيان الأحبة و الوطن و لهذا كانت و لا تزال مقصودة السياح و غيرهم للراحة و الاستجمام، و لقربها من الاعتدال اعتدلت في الربيع و الخريف و المشتى و الصيف. و اختصت من بين المدن المغربية بدوام الريح الآتية من جهة المشرق، لا يشاركها في ذلك إلا مدينة طنجة، و الريح الشرقية ريح طيبة لينة مباركة تسمى بالصبا و بالقبول بفتح القاف. نسيم الصبا أهلا و سهلا و مرحبا حديثك ما أحلاه عندي و أطيب
و هي (أي الريح الشرقية) المسخرة لنبي الله سليمان عليه الصلاة و السلام المشار لها بقول الله تعالى: و سخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب أي قصد. و انتصر بها محمد صلوات الله عليه و سلامه في غزوة الخندق لما زلزل المسلمون زلزالا شديدا و بلغت قلوبهم الحناجر فأرسلت الريح الشرقية على المشركين و اليهود فانهزموا، و نزل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها. و قال عليه الصلاة و السلام كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما نصرت بالصبا و أهلكت عاد بالدبور، و الدبور هي الريح الآتية من جهة الغرب. إلى جانب جمالها الطبيعي، امتازت بجودة صناعة النجارة و اشتهرت في الآفاق بإتقان صنع الطاولات و الموائد و الصناديق و غيرها متخذة من خشب العرعار و مطعمة بالصدف الأبيض و الأسود مما يخالف لونها بأشكال مختلفة في غاية الإبداع و الحسن و الإتقان. كما امتازت و اشتهرت بصناعة الصواغين النقاريين من الأساور و الخواتم و ما إليها ذهبية و فضية منحوتة بنقوش تشغل الأبصار و تثير الإعجاب. ق بلغت الصناعتان المذكورتان مبلغا ساميا و انتقلتا من صناعة تقليدية إلى صناعة عصرية... إن من أحسن طبائع أهلها المأثورة و أخلاقهم المشهورة، أنهم من أهل التوحيد و من أشد الناس تمسكا بالدين، يمتازون بالأخلاق الحسنة، و المجاملة السنية، و المعاملات الطيبة، و الليونة و اللطافة، و كامل المروءة و الأناقة، و الوفاء بالعهود، و الكرم و الجود، و مراعاة حق الجوار لإخوانهم المسلمين و الكفار، نزاعهم بينهم قليل، و سببه ضئيل. فلا خصومة و لا منازعة، و لا مدافعة و لا مرافع، معتزون بالقناعة و إن قلت البضاعة، يجلون و يحبون من هاجر إليهم و يواسونه بما تيسر لديهم و لا يرجع عنهم غريب بالحرمان ، و ذلك من أسمى أخلاق أهل الإيمان، يلبسون ما ألفوا و يعيشون بما احترفوا، لا يجمعون و لا يدخرون و على ربهم يتوكلون. المرجع: إيقاظ السريرة في تاريخ الصويرة لمحمد بن سعيد الصديقي ،ص 43 و 44