يتميز الخطاب الحداثي عموما بنوع من الإطلاقية و الخفة و التسرع في إصدار الأحكام ما يجعله يحيد عن المنهج العلمي و يجانب البحث الموضوعي الذي يتوخى الحياد،و مهما رفع التيار من شعارات براقة لامعة فانه سرعان ما يتبين زيفها و ينكشف الوجه الحقيقي لهذه الشرذمة و تجف المساحيق التي تزداد تلألؤا بفعل الأنوار التي تسلط على المفاهيم الحداثية،،و تنبت لها أنيابا تجعل الحداثة تظهر في شكل فظيع مرعب كأنها وحش يهدد كياننا الثقافي و وحدتنا الفكرية التي احتفظت على تميزها ردحا من الزمان. "" إن الحداثة من المفاهيم التي أفرزتها الثقافة الثقافة الغربية منذ عصر "النهضة" و جاءت كثمرة لتراكم معرفي و تطور مر على مراحل عدة و مجهودات فلاسفة توجت بصياغة المفهوم في قالب غامض و رسمه في صورة مضببة باعتراف أهل الحداثة أنفسهم،حيث يحيط بمعناها غشاء كثيف يحجب الرؤية،و يشتت الذهن،فإذا ما بدا من معناها شئ شعر المرء بالغثيان و الصدود،و تبين بما لا يترك مجالا للشك بأنها مفهوم غثائي و فكر شائه تافه. يقول أحد الباحثين الحداثيين : "يأخذ مفهوم الحداثة مكانه اليوم في حقل المفاهيم الغامضة،و إذا كان هذا المفهوم يعاني من غموض كبير في بنية الفكر الغربي الذي أنجبه،فإن هذا الغموض يشتد في دائرة ثقافتنا العربية و يأخذ مداه ليطرح نفسه إشكالية فكرية هامة تتطلب بذل الكزيد من الجهود العلمية لتحديد مضامينه و تركيباته و حدوده" [1]. و رغم هذا الغموض الذي يلف مفهوم الحداثة فقد حاول فلاسفة و مفكري الغرب مهد الحداثة و أبواقهم في بلاد الإسلام تقديم تعاريف تجمعها قواسم مشتركة أبرزها الرغبة في الإنقطاع عن الماضي و رفض التراث و جعله في المتاحف و ابقاؤه حيث كان في التاريخ و نزع القدسية عن الإله و الخوض في الطابوهات التي تتغذى من فكر بدائي تقليدي على حد زعمهم بكل حرية. يعرف "جيدن" الحداثة بأنها " نسق من الإنقطاعات التاريخية عن المراحل السابقة حيث تهيمن التقاليد و العقائد ذات الطابع الشمولي"،أما "كانت" أحد آباء الحداثة فيرى أن من شروط الحداثة التحرر من الوصاية و استخدام الفكر من دون توجيه من أحد و التحرر من سلطة الكهنوت و المقدس و أصنام العقل،إنها إذن الحرية التي تم إضفاء هالة القدسية عليها و جعلت فوق كل اعتبار كشرط للإبداع و التنوير. و الحداثة في أول الأمر كانت مذهبا من مذاهب الأدب،باعتبار هذا الأخير المتنفس الذي يجد فيه الفلاسفة ضالتهم للتعبير عن خواطرهم و إفراغ ما يدور بخواطرهم من مكنونات و وساوس ثم بعد ذلك انتقلت الفوضوية التي تميز الأدب الحداثي الى القيم الإنسانية و المجالات الأخرى حيث يصف لنا "جوس أورتيكا كاسيت" الحداثة قائلا :"ان الحداثة هدم تقدمي لكل القيم الإنسانية التي كانت سائدة في الأدب الرومانسي و الطبيعي،و أنها لا تعيد صياغة الشكل فقط بل تأخذ الفن الى ظلمات الفوضى و اليأس [2]. هكذا يعترف "كاسيت" بفوضوية الحداثة و بأنها مجرد فكر صبياني لا يروم إلا الهدم،لكنه هدم تقدمي!فهي اذن ثورة على الثوابت الأساسية عن طريق خافت الضوء هو الفن حتى لا تحدث ضجيجا أو صياحا يفسد عليها هدفها الذي تسير فيه حتى تصل الى غايتها الخطيرة،و هي تقصد أساسا محاربة القيم الإسلامية و إزاحة فكرة الأصول الثابتة ،بهدف تغليب طوابع التطور المطلق،و التغيير المتوالي الذي لا يعترف أساسا بالضوابط و الحدود،فبمكر و خبث يحاول أعداء الأمة أن ينشبوا قيمنا و يزعزعوا ثوابتنا الدينية من غير أن يحدثوا ضجيجا أو صياحا و ذلك تحت يافطة الإبداع و الفن و التحرر من أغلال القيم الإنسانية التي سادت في تاريخ الفكر التقليدي و في الأدب خصوصا و كأن الأديب رفع عنه القلم فيما يكتب و صار من جملة المجانين! و الحداثة لم تقتصر على الأدب فقط بل صارت فيما بعد فكرا ذا أرجل أخطبوطية طالت كل المجالات الحياتية الاجتماعية منها و السياسية و الثقافية ..فصرنا نسمع عن حداثة سياسية و حداثة في القيم... فضلا عن الحداثة الأدبية. و قد قدم المفكرون الذين استهواهم المشروع الحداثي الغربي تعريفات أكثر جرأة للحداثة،حيث كانت السمة الواضحة لهذه التعاريف القطيعة مع الماضي و كل ما هو قديم "زمانيا" و ازدراء التراث،و حتى إن كانت هناك محاولات للنظر في التراث فبرؤية استشراقية تحمل معها بالإضافة إلى المنهج الذي يقال عنه أنه علمي ايديولوجية غير بريئة،و بهذا لا تكون قراءة التراث ابستمولوجية محايدة و وضعه للمساءلة و النقد بدعوى الفهم فقط يفندها الواقع لا محالة،لأنها ليست سوى قراءة أيديولوجية لأيديولوجيا أخرى و هذه القراءات لا تفرز لنا سوى ايديولوجيا أخرى كما يقول المفكر المغربي محمد عابد الجابري. يقول ناصف نصار في بيان العلاقة التناقضية القائمة بين الحداثة و التقليد : "و تتحدد الحداثة بعلاقتها التناقضية مع ما يسمى بالتقليد أو التراث أو الماضي،فالحداثة هي حالة خروج من التقاليد و حالة تجديد"[3].إن القراءة النقدية التي طالت تراثنا العربي و الإسلامي من طرف أنصار الحداثة كان فيها من التبعية السافرة للفكر الغربي في تعامله مع تراثنا حيث يظهر بجلاء انبهار مثقفينا بالأطروحات الغربية ،و هذا ما يترجمه عبد الله العروي بقوله " إن أوروبا الغربية انتهجت منذ أربعة قرون منطقا في الفكر و السلوك ثم فرضته منذ القرن الماضي على العالم كله ولم يبقى للشعوب الأخرى إلا أن تنهجه فتحيا أو ترفضه فتفنى"[4]،و في نفس السياق يقول كمال عبد اللطيف " هل يعقل بعد معارك الحداثة المتواصلة في العالم العربي منذ نهابة القرن الماضي أن نعود إلى عتبة المعرفي الديني،فنبني عليها قواعد السياسة و أصول الفلسفة السياسية المدنية"[5]،فلا شك أن رؤية تراثنا بعين هذا منهجها تكون "مؤدلجة" حيث تجد الباحث يسابق الكلمات بحثا عن المعاني التي رسمها في ذهنه و سطرها في مخيلته،فالذي ينطلق من فكرة ثابتة يراها مسلمة من المسلمات فحواها ضرورة القطيعة مع التراث لا و لن يجد ضالته في هذا الفكر و لن يستطيع تلمس جوانب مشرقة فيه و كما قال الشاعر : و عين الرضا عن كل عيب كليلة و عين السخط تبدي المساويا أما النجم في سماء الحداثة "أدونيس" فيعرف الحداثة بأنها " الصراع بين النظام القائم على السلفية،و الرغبة العاملة لتغيير هذا النظام"،و تعريفه هذا فيه من الشطط و الإطلاقية التي نلمسها بوضوح في عدم تدقيقه في المصطلحات،إذ شتان بين عدم الرغبة في تغيير الحقل الديني بمحاربة البدع و المحدثات و التشبث بالأصول و الثوابت في الإجتهاد و الإستنباط،و التحديث الذي يشمل الحياة من سياسة و اقتصاد و قطاعات أخرى كالتعليم و الصحة،كما ثمة فرق شاسع بين التحديث و التغريب، بفتح الباب على مصراعيه لاستقبال الرياح الآتية من الغرب التي قد تحمل أفكار هدامة و سموم صهيونية تسعى لتخريب مجتمعاتنا، و المتأمل لكتابات "أدونيس" هذا يعلم أي تغيير و تجديد يصبو إليه ،انه باختصار التمرد عللى الإله و "التساوي معه" على حد تعبيره و ذلك ما لا يمكن تحقيقه إلا بتجاوز الأحكام الفقهية من حلال و حرام و التحرر من سلطة المقدس،لذلك تجده يبجح الرازي لأنه "أبطل" النبوة كما يجذبه شعر أبي نواس و عمر بن أبي ربيعة لما فيه من انتهاكات و تدنيس للمقدسات حيث يقول "و العلة في هذا الجانب أننا لا شعوريّا نحارب كل ما يحول دون تفتح الإنسان،فالإنسان من هذه الزاوية ثوري بالفطرة،الإنسان حيوان ثوري" [6] بعد هذه التعاريف التي تبين بالملموس ما في هذا المذهب الفكري من إلحاد صارخ و فوضوية عارمة،نرى ضرورة مناقشة بعض "القيم" التي يدعو اليها الحداثيون و سنقتصر في مقالنا هذا على الحرية و المساواة و نرجئ مناقشة مبادئ أخرى كموقفهم من التراث و العولمة و المبدا الأساسي للحداثة "العقلانية" لمقال آخر إن يسر الله..و نبرز هل المشروع الغربي الذي يقدم كأبرز نموذج إنساني لتحقيق الرخاء و الدفع بعجلة التقدم إلى الأمام و المضي قدما نحو اللحاق بالركب الحضاري قد يثمر فعلا و يخرجنا من "عنق الزجاجة". الحرية إن قضية التحرر و الحرية من أساسيات حياة الإنسان، لا يعارضها دين و لا يرفضها منطق،إلا أن أيّ حديث عن حضور الحرية في الفكر الحداثي يصير من جملة أضغاث أحلام،إذ لا وجود للحرية خارج نطاق و حدود "التعددية الفكرية" و الإيمان بهذه الأخيرة يقود تلقائيا إلى احترام الآخر و رفض الإنغلاق الفكري و التقوقع الإيديولوجي على الذات،بينما عند الحداثيين نجد في مقابل إعجاهم و انبهارهم بالغرب،شحذ سكاكين النقد اللاذع الهدام لمجتمعاتنا الإسلامية و و صف كل من يرى في التشريع الإسلامي مرجعيته بالرتابة و الجمود و الركود و رشقه بتهمة الأصولية التي صارت تحمل بين طياتها معاني الإرهاب و العنف في الخطاب الغربي،فالتقطها المستلبون من غير أدنى تمحيص أو انتقاد رغم أن المصطلح في تراثنا يحمل معنى إيجابي و هو مما يحمد و لا ينكر،إذ هذا الأخير يعني العودة الى الأصول أو اعتماد الأصول في الاجتهاد و الفقه،إن الحداثيين إن لم يعترفوا بحق أوساط واسعة من الأمة بأن تحمل المرجعيات الإسلامية و تشكل على أساسها تيارات و اتجاهات و حركات و جمعيات فهي بالضرورة في خانة التعصب و القمع و الإرهاب الفكري. و إذا علم موقف الحداثيين من تراثنا و ماضينا و حضارة أجدادنا،تبين أنهم أبعد الناس عن رفع لافتات تنادي بالدفاع عن الحريات،فكيف يمكن تفسير إجهاض و وأد الحداثيين لقيمهم عندما يتعلق الأمر بحرية "الآخر"؟ فيحل الإنغلاق محل الإنفتاح، و التقوقع على الذات و التمركز عليها محل التعددية الفكرية، و الخطاب العنيف الشديد اللهجة محل المجادلة بالتي هي أحسن،و تسلق الأصولية بألسنة حداد.فمادامت الحرية في التعبير و التفكير تغتال في المنظومة الحداثية،فأي حرية يدعو إليها الحداثيون العرب؟ إن قراءة سريعة و إطلالة عابرة على كتابات الحداثيين كفيلة بأن ترسم لنا نظرة متكاملة عن طبيعة الحرية التي ينادي بها الحداثيون،و تستشف أن هذه الحرية ليست سوى "جوازات سفر" للانفلات و التسيب و الإتيان على المنظومة الأخلاقية من أساسها و محاربة القيم السامية،و تبرير أي سلوك منحرف كالشذوذ و الدفاع عن حق الشواذ في ممارسة "حقهم الطبيعي" و كأن أحدا ما صادر فعلهم هذا مع شناعته و راح يترصدهم،بل إنما رفضنا منصب على التطبيع مع الشذوذ و إعلان ذلك جهارا نهارا و تأسيس جمعيات لهذا الشان و ما يرافق ذلك من ضجيج و صخب إعلامي. و حتى لا نقع في و حل و مستنقع السلبية لا بد من إبداء موقف الإسلام من الحرية،فمن المعلوم أن الإسلام كان سباقا للدعوة إلى حرية الاعتقاد،ف "لا إكراه في دين" مبدأ أساسي حيث لا يجبر أحد على اعتناق ديننا،و كذلك حرية التعبير و الكلام فلا تعسف في الإسلام و لا نص يدعو لتكميم الأفواه و الاستبداد بالرأي الواحد و مصادرة الأقاويل المغايرة،كما أنه ليس لأحد أن يتكلم و الآخر يصغي و يتبع فالعصمة ليست لأحد غير النبي صلى الله عليه و سلم بل إن أئمتنا علمونا بأن الكل يؤخذ من قوله و يرد،كما أن الإسلام يحفظ حرية التملك و عدم نزع أحد ممتلكاته .. في المقابل قنن الإسلام الحرية و وضع لها ضوابط ،فالمسؤولية و الحرية صنوان في الإسلام،فإذا كانت الحرية من أعظم القيم و لها مكانة خاصة في الإسلام إلا أنها مقرونة بالمسؤولية،قال تبارك و تعالى : "فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إن اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها"،فالآية واضحة في حرية اختيار الإنسان لمعتقده و تخييره بين الإيمان و الكفران،لكن على الكافر تحمل مسؤولية كفره و جحوده مع ظهور الآيات البينات على صدق النبوات و الرسالات. كما أن حرية الإنسان لا بد أن تتوقف عند حرية الآخر،فمادام الإنسان اجتماعي بطبعه كما يقول العلامة عبد الرحمان ابن خلدون و لا يعيش لوحده و لا هو بقادر على ذلك،فلا بد أن تنتهي صلاحيات حريته عند بداية حرية الآخر و إلا فإن الحرية المطلقة قد تكون قناة للاعتداء على الآخر،فضبط الحرية ضرورة حتمية و إلا ارتكبت خروقات باسمها،و كما قالت "مدام رولاند الفرنسية" لما رأت ما أقدمت عليه الثورة الفرنسية من انتهاكات باسم الحرية : "أيتها الحرية كم من الجرائم قد اقترفت باسمك" إن الحرية إذن هي : "الملكة الخاصة التي تميز الكائن الناطق عن غيره،و تمنحه السلطة في التصرف و الأفعال عن إرادة و روية و رضى،دون إجبار أو إكراه أو قسر خارجي،و ذلك بإعمال العقل و التفكير في الأساليب و النتائج و الوسائل و الغايات"[7] المساواة من حرب المصطلحات و العبث الحداثي أن نجعل المساواة قيمة في حد ذاتها،يقول سبحانه و تعالى :"قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون"،"و ليس الذكر كالأنثى"،ان المساواة تكون فضيلة و قيمة إذا اقتضى العدل تلك التسوية،فالغاية من التشريع الإلهي لا يمكن اختزاله في المساواة بل تحقيق العدل و الإنصاف و إعطاء كل ذي حق حقه،فهل يحق للقاضي الذي يسهر على تحقيق العدل أن يسوي بين الظالم و المظلوم و يكرم كل منهما في حفلة شاي باسم المساواة؟و من هنا كانت مثلا العلاقة تكاملية بين الرجل و المرأة في الحقوق و الواجبات مع وجود التفاضل بينهما. و المتأمل للنظام العالمي يدرك أن المساواة ليست سوى خدعة لا تنطلي إلا على السذج،فهل حق الإعتراض الذي يخول للدول الخمس التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية مساواة؟ أم أنها امتداد لقانون الغاب و كأننا في مملكة داروين التي جعل فيها الغلبة للأقوى و البقاء للأصلح؟و هل منع بعض الدول من امتلاك قوة نووية و شن حروب تدمر الإنسان و تخرب البنيان و تأتي على الأخضر و اليابس تدخل في نطاق المساواة التي ينادي بها الغرب؟ثم هل منع الغرب تنفيذ حكم القضاء في الممرضات البلغاريلات اللواتي حقنّ 400 طفل ليبي بالفيروس المسبب للإيدز فمات منهم 40 مساواة؟أم أن الدم العربي رخيص الى هذا الحد؟أين المساواة في عالم يسوده الظلم و الحيف و تتداعي فيه الدول القوية عسكريا و اقتصاديا على الدول الضعيفة؟و كيف نصدق دعوات الغرب للمساواة مع أنه استعبدنا ردحا من الزمان و احتل أرضنا و استغل خيراتنا،و الأدهى كيف صدق الحداثيون العرب تشدق الغرب بالدعوة الى المساواة؟ و قضية المساواة بين الرجل والمرأة التي اتخذ منها الحداثيون "قميص عثمان" تثار كل حين في المغرب من طرف بعض الفعاليات النسائية التي ترى الأمور بعيون شوفينية،حيث لا ينظر إلا هذه القضية إلا من زاوية ضيقة جدا و تتجاهل هذه الفعاليات الحقوق التي أعطيت للمرأة و الواجبات التي أعفيت منها ما يجعلها تفضل على الرجل،فمدونة الأسرة مثلا التي تجد سندها في التشريع الإسلامي تزخر بمواد عدة يمكن أن نقول بأنها "انتصار للمرأة"،على سبيل المثال لا الحصر الزوج مطالب بالصداق حيث تقول المادة 26 : "الصداق هو ما يقدمه الزوج لزوجته بالرغبة في عقد الزواج و إنشاء أسرة مستقرة" و " لا حق للزوج في أن يطالبها بأثاث أو غيره"(المادة 29) و هو الولي لأولاده بحكم الشرع (المادة36) و هو المطالب بدفع نفقات العدة و المتعة و أجرة سكنى المطلقة خلال عدتها (المادة 84) و الزوج هو المسؤول عن دفع مستحقات الأطفال بعد الطلاق (المادة 85).. و الأحكام من هذا النوع تشمل الكثير من ابواب المدونة..فلماذا لا نسمع هذه الجمعيات الشوفينية تطالب بإلغاء هذه المواد إعمالا لمبدأ المساواة الذي صار قيمة عالمية و بندا من بنود الثقافة الكونية؟ إن هذه الأيادي الخفية التي تحرض هذه الجمعيات النسائية لا تروم إلا تفكيك عرى الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى لتشييد صرح متماسك للمجتمع المسلم و إثارة الخصومات بين الزوجين و جعل العلاقة مبنية على الأسس المادية المنهولة من الفلسفة النفعية البرغماتية عوض ربطها بأواصر المودة و الرحمة،يقول اله عز وجل في بيان طبيعة العواطف التي تجمع الزوجين : "و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة ". إن التشريع الإلهي يمثل ذروة العدل حيث سوى بين الذكر و الأنثى عندما تكون التسوية عدلا و فاضل بينهما مراعاة للحال و المصلحة ،و مما سوى بينهما فيه الكرامة،قال الله تبارك و تعالى :"و قد كرمنا بني آدم" و التكريم هنا يشمل الذكر و الأنثى،و كذلك المساواة في الجزاء حيث يقول الله تعالى :"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينه أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"،أما المواريث التي تثير حافظة العلمانيين و الحداثيين و يحدثون من أجل المطالبة بالمساواة فيها ضجيجا يملؤ الدنيا طنينا مدويا،فمن الجهل العميق و المركب أن نعتبر قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين مطردة و كأن هذا هو الحكم النهائي و المبدئي في القضية،بينما "الواقع العلمي يفيد أن الحالات التي يفضل فيها الرجل على المرأة في الإرث لا تتجاوز في مجموعها 16,33% من أحوال الإرث و في باقي الحالات قد تتساوى المرأة مع الرجل و قد تفضله و قد ترث هي و يحرم الرجل" [8] فإذا كان الأمر كذلك فإما أنهم أقوام لا يعلمون حقيقة ما يقولون أم أنهم مدلسون يبغون إسدال الظلام على الحقائق حتى لا يعلمها الناس. [1] مقاربات في مفهوم الحداثة و ما بعد الحداثة لعلي وطفة نشر بمجلة نقد و فكر. [2] تقويم نظرية الحداثة.د عدنان علي رضا النحوي. [3] ما الحداثة؟ د.أحمد محمد زيد. [4] الايديولوجيا العربية المعاصرة لعبد الله العروي. [5] العرب و الحداثة السياسية لكمال عبد اللطيف. [6] الثابت و التحول لأدونيس. [7] حقوق الإنسان محور المقاصد الشرعية لمجموعة من المؤلفين. [8] إرث المرأة : الحقيقة الشرعية و الادعاء.د مصطفى بن حمزة.