تسارع التقدم التكنولوجي على مدى عقدين من الزمن بشكل يكاد يكون طفريا تكشفت معه إمكانات العقل البشري الواسعة ،وقدرته على الإسهام في رفع معاناة التواصل،سفرا كان أو اتصالات متنوعة، انتهت لأن تحول العالم إلى قرية صغيرة، ولعل من أبرز أدوات التواصل الأنترنيت أو الشبكة العنكبوتية،أو الطريق السيار للمعلومات،وكلها تسميات لنفس الاختراع. بدأت إرهاصات الأنترنيت مع مشروع أربنيت لوزارة الدفاع الأمريكية سنة 1969 ،وكان يهدف إلى ربط الجامعات فيما بينها لتتم الاستفادة القصوى للقدرات الحسابية للحواسيب دون أن يخطر على البال الوصول إلى ماوصلت إليه،لكن التوسع الفعلي لاستعمال الأنترنيت بدأ في تسعينات القرن الماضي،وحسب بعض الإحصائيات فإن الصين تحتل المرتبة الأولى في استخدامها، وتبقى الدول الأخرى غير الأوروبية تخطو خطوات منها المحتشمة، ومنها الأكثر جرأة كالمغرب. لكن المؤكد أن الأنترنيت لم يعد امتيازا،بل أداة ضرورية لأي مجتمع يبحث عن موطئ قدم داخل المنظومة المعلوماتية العميقة الغور،والمترامية الأطراف.ولذلك لمن هم في سني أن يتمنوا لو أن هذا المخترع ظهر أيام الشباب،مع وجود نفس الرغبة في البحث التي تلح الآن، نعم! لقد مكنت الأنترنيت من فتح آفاق البحث والاطلاع،وشفت غليل الباحث المتشوق للمعرفة والنقاش،وغيرت مجريات التفكير من منغلق إلى متفاعل،في كل الميادين تقريبا،صحة،وتعليما،وفلاحة،وثقافة بأوسع معانيها. وهذا جانبها الإيجابي لكن،الأنترنت إذا لم يتم ترشيد الاستفادة منها ،فإنها تقدم إمكانات كبيرة للإلهاء وتضييع،الوقت خاصة بالنسبة للشبان،حيث قد يتلذذون بالاتصال مع آخرين من الجنسين سواء داخل الوطن أو خارجه، ومايترتب على ذلك من بناء خيالات تهيم بهم في آمال غير قابلة للتحقق بنسبة كبيرة،ولكن تجسيدها بالصورة والصوت يجعلها أقرب إلى واقع يطمح له كل شاب ،بدأت تتفتق غرائزه (الشبابية حتى لانقول المراهقة)،ومن تم يبدأ الإدمان الأنترنيتي المصاحب بالنفور من الدراسة والتحصيل،فكما يغري البحر بالسباحة صيفا ،تغري الأنترنيت بالإبحار صيفا وشتاء،وإذا لم تكن سفينة المبحر قوية نفسيا،ودينيا،وثقافيا،قد تغو ص به في قاع من الانحرافات،والاكتئبات،ورفض الواقع. ليتني كنت في الأنترنيت جدعا،حتى أسبر كل أعماقها المفيدة، علما أن الموسوعية لم تعد أمرا غير مدرك،فبنقرة زر واحدة أو نقرتين،تنهال عليك الإجابات لكل ما يخطر على بالك من أسئلة، وبنفس الطريقة يمكنك أن تتواصل مع من تريد في أية جامعة،أو مدرسة،أو منتدى،ويمكنك أيضا أن تكتب أفكارك ،وآراءك وتجاربك،وتبثها إلى أبعد نقطة في الدنيا. لن يدرك قيمة الإنترنيت إلا من عاش في فترات كانت المعلومة فيها عزيزة حدالنضوب، وعانى أن تصله رسالة من غائب قد تتداولها الأيدي فلا تصل أبدا،وكم من باحث شد الرحال للبحث عن كتاب،أو مخطوط ،فلم يظفر به إلابعد جهد جهيد،وكم من مثقف سأل ولم يلق جوابا لأسئلته. قد لاأبالغ إذا قلت إن زمن الإنترنيت،زمن الثقافة والمعرفة، وإلى ذلك يتعين توجيه شباننا وشاباتنا، لينسجموا مع سياق غني لامجال فيه للتخلف،أو تضييع الوقت، ولا يتركوا نهبا لأهواء الإبحار العشوائية المغرية. وحتى يكتمل التحفيز على الاستفادة من الأنترنيت،على الشركات الوصية المتيحة للخدمة العنكبوتية،أن تراجع الأثمان،وتقدم تشجيعات في هذا المجال،وحتى لا تبقى مجرد مستثمر محايد، لم لا تضع مشروعا توعويا ،موجه للشبان والشابات تبين لهم الإيجابيات والسلبيات لخدمة الأنترنيت،ولم لا تعمم خدمتها بنفس الجودة والتساوي بين بادية ومدينة. خاتمة صغيرة: بأيدي الشبان والشابات نعمة من نعم البحث والمثاقفة اسمها الأنترنيت،فليحسنوا استثمارها،لم تكن متوفرة لمن كانوا مثلهم منذ عشرين سنة.