في الصورة الشرطة المغربية في موقع التفجير الذي استهدف مقهى الإنترنت بالدار البيضاء في ليلة 11مارس2007 مقدمات : "" *إن سياقات ظهور الوسائط التكنولوجية الحديثة ، تؤكد عدم براءاتها من "التحيزات المعرفية والفلسفية ". *دراسة المسألة الشبابية في أبعادها السلوكية تحتاج إلى مشاريع علمية كبرى ،بل إن هناك من دعا إلى تأسيس "علم الشباب " وما نحن بصدده مجرد أفكار للبيان و النقاش. *إن أية رسالة ترتكز على أمرين أساسين ، مضمونها و وسائل إبلاغها ، و رسالة دين الإسلام تختلف عن باقي الرسالات ، بمعنى أن مضمونها إلهي حق و تتفق معها في الوسائل . بعد هذه المقدمات نطرح الإشكال الآتي: هل يمكن إنتاج خطاب ديني شبابي بالوسائط التكنولوجية دون التشويش على مقاصد الرسالة الإسلامية ؟ الخطاب الديني : بين المقصد والوسيلة إن المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يستخلص هذه الفكرة الرئيسة ، حيث إن كل مرحلة دعوية تقتضي نوعية الوسيلة التواصلية ، فاستثمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الإعلان عن دعوة الإسلام جبل الصفا وانتهى بالصعود إلى جبل عرفة في خطبة حجة الوداع ، كما أنه في مرحلة الانتشار الدعوي راسل ملوك عصر برسائل عبر سفراء الدعوة الإسلامية . لكن هذه الوسائل الدعوية لا تلغي أو تضعف مقصد الرسالة الدعوية الإسلامية ، فمقصد العبودية لله والتسليم له و الخضوع له يظهر بجلاء في كل المراحل الدعوية . وبهذا؛ بقدر ما للدعوة من منزلة عظيمة في الإسلام بقدر ما اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في توظيف كل الوسائل التي تتيح له التأثير والإقناع تعظيما لقيمة الرسالة الإسلامية ، كما أنه لم يحصر دعوته في وسيلة دون أخرى بل استعمل كل الوسائل التواصلية . فإذا كان هذا شأن النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه ، فإن من اتبعه حري به أن يقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم في زمن كثرة فيه الوسائل التواصلية بشكل يتناسل بغزارة ، بل أصبح التواصل و تكنولوجيا التواصل علما من العلوم التي تدرس في الجامعات العالمية . لكن في الوقت المعاصر أصبحت للوسائل التواصلية فلسفات تؤطرها و نماذج معرفية تستظل بظلالها ، ما يثير الكثير من التساؤلات الجوهرية و الإشكالات المعرفية وخصوصا في ما نحن بصدده ، و المتمثل في أرقى ما وصل إليه العقل الإنساني " تكنولوجيا الإنترنيت " ، حيث أضحى الإنترنيت يشكل مسكنا ثانيا من مساكن البشرية و أصبحنا نتكلم عن سكان الإنترنيت ، من الشباب و الأطفال و الشيوخ و النساء ، وكان لهذا أثرا كبيرا في البنية الذهنية للإنسان المعاصر و في تمثلاته السلوكية ، حتى أضحى الإنترنيت " معتقد القرن الواحد و العشرين " لما اتسم به من خارقية و غيبية . و الفاعلون في المجال الديني ، من أهم الفاعلين في فضاء التواصل، فإن بحثهم عن كل جديد للتأثير و الإقناع و استمالة جمهور الناس شديد بل بلغ في بعض الأحيان إلى حد " الإقحام القسري" للتكنولوجيا المعاصرة ، و من ثم كان الإنترنيت موضة التواصل المعاصر لكل الناس جميعا ، حتى بلغ الأمر إلى أقنمة " التوصل " فأحلت شبكة الإنترنيت و تكنولوجيا الاتصال الحديثة، محل شبكة التواصل المجتمعي ، وكان لهذا التحول تأثيرا على نظام شبكة التواصل الإنسانية و الدينية . الإنترنيت قضايا وإشكالات إن الإنسان كما خلقه الله ، هو روح وعاطفة وعقل وحركة وسكنة وتنهيدة ورمشة ...، فإذا كان الإنسان بهذا المعنى فإن التوصل معه لا يتحقق إلا بما ينسجم مع طبيعته الإنسانية المقدسة ، و الإكراه تواصلي يسبب مآزق في شبكة التواصل الإنسانية ، فإذا كان هذا الأمر بشكل عام ، فإن في مجال الدين و الذي هو رسالة الله إلى عباده يصبح الأمر في مرمى المأزقية ، وبالتالي سنتحدث عن الاتصال الديني و لن نتحدث عن التواصل الديني و يمكن أن نشير إلى القضايا الإشكالية كالآتي : 1. دين Copier/Coler إن عملية النسخ و اللصق قد تكون مفيدة في نشر المادة الدينية الدعوية على أوسع نطاق ، إلا أنها في المقابل في فضاء الإنترنيت تصبح في بعض الأحيان غير ذات أبعاد سليمة ، حيث يغدو الخطاب الديني صالح لكل زمان و مكان ولكل الأجناس والأعراق ، والسبب أن كثرة النسخ أضعفت كثرة الإنتاج الذي يراعي الخصوصيات و يكون من نتائج هذه العملية ، الكثرة في التدفق و القلة في التفاعل الواعي مع المادة الدعوية المرسلة إلى " البريد الإلكتروني " حيث يكون مصير هذه المادة Corbielle 2. الفرجة الدينية
إن المادة الدينية الدعوية في فضاء الإنترنيت تغدو لعبة للاستمتاع بها ، فيتم خلق فضاء للفرجة الدعوية على الشبكة ، فالصورة تأخذ بالأبصار و الألوان تغمز الزوار ، فينحصر ذهن المتلقي في عبقرية دمج الصورة في الصورة ، و في انتقاء الألوان و الأصوات ، أما الرسالة الدعوية يصل بها الأمر إلى حد الابتذال "في السيلان الإلكتروني " بحيث لا يترك مادة دعوية إلا وبعث بها في الاتجاهات اللازمانية و اللامكانية في فضاء الشبكة ، بل يتحول " المتدين الإلكتروني " إلى مجرد همزة وصل للنقل دون أن يتذوق و يعيش و يتمثل عظمة الرسالة الإسلامية ، فيعيش على وهم الدعوة الدينية الإلكترونية التي لا تبعث في صاحبها سوى الارتخاء و التكاسل الإيماني ، لأن لعبة الفرجة تقضي السرعة و دهشة الزائر و يصدق هنا قول القائل السرعة تتغلب على متطلب الجدية .
3. تنميط الخيال الديني
إن القبول الفعلي للتقنية في استخدامها اليومي بوصفها مصدرا لمعجزات خارقة تسهم في تنميط الخيال الديني ، حيث يتحول الفاعل الديني و ة المدعو إلى أشباح افتراضية تتواصل بالرموز و الألوان و الصورة ، فيتشكل الخيال من نمط واحد ؛ ألا و هو الافتراض ، في حين الدين الذي هو رسالة الله و خطاب الإسلام للعالمين ، يخاطب العالمين بلسانهم بمعنى بطريقة تفكيرهم ، لا يجوز بحال أن نجمع تفكير البشرية في بوثقة الافتراض على اعتبار أن تقنية الإنترنيت لها خارقية في التواصل .
4. التكاثر الدعوي
إن قوة الصورة استطاعت أن تخلق نماذج لدعاة دينيين على شبكة الإنترنيت في رمشة عين فتكاثرت مواقعهم و أسماؤهم ، تكاثر " المركات التجارية " حتى أصبحنا نتكلم عن "الماركوتينك الدعوي " ، إلا أنه مما يثير الاستغراب ؛ كما صعد نجم هذه المركات الدعوية بسرعة ، تأفل بسرعة ، لأن الماركة الدعوية خضعت لصلاحية الاستهلاك المرتبطة بالشكل و المظهر دون أن ترتبط بالمضمون ، فالمنافسة تقوى في إبداع أقوى اللقطات المظهرية المؤثرة ، ويوميا على الشبكة هناك إنتاج على مستوى الشكليات و " الديزاين الدعوي ".
الإنترنيت وسؤال التفكير الواعي إن بحديثنا عن بعض الإشكالات لا يعني هذا هجرنا للوسائط التكنولوجية و على رأسها الإنترنيت أو مراقبتها و حجبها ففي زمن الإنترنيت تتلاشى الرقابة، فهذا لا يقول به عاقل ، وإنما القصد من هذا أن نبين أن رسالة الدين الإسلامي تتعالى عن الوسائط و الوسائل و تركز على "الإنسان " الذي يقوم بفعل التدين المباشر مع أخيه الإنسان ، فتكون اللقاءات الدينية آية الواصلية تحضر فيها كل سكنات و حركات الإنسان ، وأهم سكنة وحركة لدى الإنسان سكنة و حركة الفكر ، و في حالة الاستعجال الإلكتروني و التكنولوجي يضمحل التفكير و الوعي و في هذه الحالة تكون النتائج الآتية : 1. الإرهاب والتطرف حسب تقرير الخمسينية المعنون بالمغرب الممكن يتحدث التقرير عن الشباب اليوم من البالغين في المغرب دون سن الثلاثين يمثلون أزيد من 60 % من الساكنة في حين يمثل البالغون ما بين 15 و 34 سنة نسبة 40% ، و بهذا الاعتبار فإن هذه النسبة المهمة من الشباب ، الدين بالنسبة إليها عنصرا حيويا في حياتها الاجتماعية .
لكن ما يثير الانتباه أن الحديث عن الإنترنيت و الدين و الشباب حسب التقرير يأتي في سياق الحديث عن حماية الأمن الروحي للمغاربة من الشباب ويعتبر التقرير الإنترنيت أحد الوسائل المهمة لكسر هذه الحماية والتي يتوسل بها المتطرفون في الاستقطاب . بمعنى أن التقرير يتحدث عن شبكة الإنترنيت الدينية، تشكل خطرا على شباب المغرب من جهة اختراق المتطرفين و الإرهابيين لصفوف الشباب ، و يمكن أن نشير حتى و إن لم يسوق لخطاب العنف الديني على الإنترنيت ، إلا أن الخطاب الديني المعولم ينتج عنه التطرف و التعصب الذي لا يراعي الخصوصيات المحلية للبلدان كما هو الشأن بالنسبة للمغرب الذي يتمذهب بالمذهب المالكي قي الفقه وفي العقيدة بالعقيدة الأشعرية و في التصوف بطريقة الإمام الجنيد . 2. التدين اللذيذ إن الافتراض يلغي السلوك و الممارسة التي هي توليفة بين المبادئ و الواقع و إن سر التحول الذي تحدثه الرسالة الإسلامية في البشرية جمعاء يوجد في الفعالية الاجتماعية لنظام القيم المعرفية ، أي في تحول نظام المعرفة إلى نظام ثقافة و سلوك تلك الفعالية التي تمكننا من فهم أصالة أي حركة إصلاحية على حد تعبير محمد يتيم و لا حركة إصلاحية في عالم الافتراض لأن التطبيق العملي ملغى .
ومن هنا تنتشر في صفوف بعض الشباب ما يسمى بالتدين الناعم او اللذيذ ، و الذي يرتكز على التسلي والاستمتاع بالقيم الإسلامية دون أن يقوم بتنزيل هذه القيم على أرض الواقع و يؤدي ضريبة اقتحام الصعاب و مجابهة المشاكل و التحديات الواقعية للإنسان المسلم ، فتغنيه بالقيم لا يجد لها فضاءا سوى بيت الإنترنيت ، فيجتمع العديد من الشباب المتدين على سبيل المثال يستظهرون القرآن عبر الميسنجر ويحشدون الشباب للقيام بهذا الفعل ، وهم يسيرون على ذلك يصنعون في عالمهم الإنترنيت جوا من الروحانية والتعلق القرآن ، وهذا مما لاشك فيه عمل إيجابي لكن الممارسة الدينية اكثر من استظهار للقرآن عبر الشبكة بل هي إضافة إلى هذا مواجهة للاستهلاك و الظلم و انتهاك حرمات الإنسانية و البشرية جمعاء
خلاصة : إن بيت الإنترنيت قد يكون أوهن من بيت العنكبوت إذا استحضرنا البعد الإنساني الروحي و الجمالي و الذوقي للإنسان ، و إلا فالإنترنيت ليس له من وظيفة سوى إيصال المعلومة ، أما أن يكون محضنا للإنسان المعاصر ، فلن تكون النتيجة سوى إنجاب أبناء غير شرعيين لا يمتون بصلة للقيم الإنسانية ، و إنما نسلهم يضرب بجذوره في تربة " السيلكون " ، و حيهم عنوانه السكاي بلوك ، و الفايس بلوك ، و المتدين ليس له من محضن أساسي و مركزي للقاء المتدينين سوى المسجد و محاضن التربية المباشرة ، من المخيمات و الرحلات و الخرجات و اللقاءات العلمية و العملية و الدورات التكوينية و السعي معه في دروب الحياة العملية للإصلاح و النهضة . و إن حديثي عن الوسائط التكنولوجية و منها الإنترنيت ، لا يعني أني أدعوا إلى نبذ الإنترنيت و كل هذه الوسائط ، و إنما القصد هو ان نعطي لكل ذي حق حقه و أن نضع الأمور في نصبه ، و أن أؤكد أن قوة مضمون الرسالة الإسلامية الإلهي أعلى و أقدس من كل الوسائط ،و الشباب نؤثر فيهم بعمق البلاغ الإلهي و ما الإنترنيت إلا وسيلة ، ولهذا فإيمان المسلم يرتبط بفكرة الإسلام و لا يرتبط بالوسائط و الوسائل --------- المراجع : - الحركة الإسلامية بين الثقافي و السياسي ، محمد يتيم منشورات الزمن عدد 21 ديسمبر 2000 - تقرير الخمسينية / المغرب الممكن ط:2006