«[...]الاسترهاب فَعّال، وكذلك العنف. ومن هنا، يُخطئ من يظن أن الاسترهاب ليس سوى وسيلة للضعفاء. فمثل معظم الأسلحة الفتّاكة، يُعدّ الاسترهاب بالخصوص سلاح الأقوياء. وحينما يُدَّعى عكس ذلك، ففقط لأن الأقوياء يتحكمّون في الأجهزة الإديولوجية والثقافية التي تُمكِّنُ[هم] من جعل إرهابهم يبدو شيئا آخر غير الاسترهاب.» (نعوم تشومسكي [(1)[ «لا يُمثِّل الإسلام خطرا على الغرب، بل العكس هو الصحيح. فالمنظمات الاسترهابية الإسلامية بُؤَر لمُضلِّلين في خدمة الغرب. ومن المعروف جدا أن ثمة العديد من العلاقات المُريبة القائمة بين المتطرفين الإسلاميين والقُوى الغربية. وإن الحقيقة [بهذا الصدد] لمُخيفةٌ إلى أبعد حد. ذلك بأن الإرهابيين الإسلاميين مرتبطون بالقُوى الغربية عبر شبكة معقدة من الجمعيات السرية.[...]» (ديفيد لفينستون [2)[ لقد ٱستشرى، على ٱلمستوى ٱلعالمي، إنتاج ٱلخطاب حول ما شاعت تسميته في ٱلعربية ب"ٱلإرهاب" ويُسمّى -مع حفظ ٱلفارق- في ٱللغات ٱلأوروبية «terrorism (e,o)»، حتى صار كل فعل فردي أو جماعي وكل ردّ رفيق أو عنيف يُخالِف، بهذا ٱلقدر أو ذاك، ما يُكرِّسه ٱلعُرف ٱلسائد فِي فضاء ٱجتماعي معين، مُعرَّضًا لأن يُوصَم ب"ٱلإرهاب" ويُوصَف صاحبه بأنه "إرهابي". ونجد أن أمريكا وإسرائيل، مع كل أتباعهما وحلفائهما عبر ٱلعالم، يزعمون أن من بين أهم ٱلأخطار وٱلتحديات ٱلتي تُواجه ٱلإنسانية ٱليوم، وربما في ٱلمستقبل أيضا، هناك "ٱلإرهاب" ؛ وأن ما يُميِّز هذا "ٱلإرهاب" هو كونه يستند إلى "ٱلدين"، ليس إلى أي دين من ٱلأديان ٱلتي يَعِجّ بها ٱلعالم، وإنما هو "إرهاب ديني" يرتكز أساسا على "ٱلإسلام" وينتشر فعليّا بين "ٱلمسلمين". وإذا عَلِمنا أن "ٱلمسلمين" يُمثِّلون في ٱلعالم ٱليوم أكثر من مليار ونصف، وأنهم ينتشرون عبر ٱلقارات ٱلخمس، حيث إنهم يُمثِّلون في عدد من ٱلدول أكثرية (أكثر من خمسين دولة عبر ٱلعالم) وفي بعضها أقلية قد تبلغ مئة مليون (كما في ٱلهند)، وحيث إنه لا تكاد تخلو منهم دولة، فإن ٱلأمر يزداد خطورة وشدة! هكذا صارت تَلُوح ٱلصورة في أذهان كثير من الناس في العالم، بعدما تَمّ عرضُها وفرضُها، بكل الأدوات المتوفرة والناجعة. ومن ثم، فإن "الإرهاب الإسلامي" قد أصبح الخطر الحقيقي الذي يُزعج النفوس التي كانت موضوعا لفعل وتأثير حملات الإنذار بالشر الجديد، وهي الحملات التي كانت كفيلة بجعل كثير من الناس -حتى بين المسلمين- يقتنعون بأن "الإرهاب" يُهدِّد عالم البشرية الآن! ولقد أعطت هجمات 11 سبتمبر 2001 كل ما كان يلزم من "شرعية" وقوة لما أصبحت تُسمِّيه القُوى المُهيمنة في العالم، بزعامة الولاياتالمتحدة، "مُحاربة الإرهاب". فمُنذئذ صارت كل حرب تخوضها تلك القُوى (وهي هيئات جَمْعِية مُنَظمِيَّة ومُؤسَّسِية لا تنحصر في "دول") تُبرَّر بالنسبة إلى "مُحاربة الإرهاب"، بِما هي القضية الِاستعجالية الكبرى في العالم اليوم. وليس يخفى أن هذه القُوى تَعرض (وتَفرض) مسألة "مُحاربة الإرهاب" بواسطة نَسق تبليغي وتدليلي يُشكِّل خطابا كاملا بحيث يبدو وقد ضُمِنت له كل مُقوِّمات الِاستمالة والِاستقطاب. ومن الشائع، بين مُستعملي العربية، ٱستعمال لفظ "ٱلإرهاب" ترجمة للمصطلح ٱلأجنبي «terrorism/terrrorisme». ولفظ "ٱلإرهاب" هذا ٱسمُ فعلٍ من "أَرهب(ه)¬ يُرهِبُ(ه)" بمعنى "أخاف(ه)" و"أفزع(ه)". ونجد في "ٱلمعجم ٱلوسيط" (بما هو واحد من أهم ٱلقواميس ٱلحديثة في ٱلعربية): «ٱلإرهابيون وصفٌ يُطلَق على ٱلذين يسلكون سبيل ٱلعنف وٱلإرهاب لتحقيق أهدافهم ٱلسياسية». ويُفهَم من هذا أن لفظي "إرهابِي" و"إرهاب" ٱستُعيرا، هنا، لأداء ٱلمعنى ٱلمتعلق باللفظيْن ٱلأجنبيين: ٱلصفة (terrorist/terroriste) وٱلاسم (terrorism/terrorisme). لكن أولئك ٱلذين ٱستعاروا لفظي "إرهاب" و"إرهابِي" بذلك ٱلشكل أغفلوا مُقتضًى تداوليا يتحدد بالاستعمال ٱلقرآني للَّفظ، وهو ٱلوارد في ٱلسياق ٱلتالي: «ولا يَحسبَنّ ٱلذين كفروا سبقوا، إنهم لا يُعجزون. وأَعِدُّوا لهم ما ٱستطعتم من قوة ومن رباط ٱلخيلِ تُرهبون به عدو ٱلله وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، ٱلله يعلمهم. وما تُنفقوا من شيء في سبيل ٱلله، يُوَفَّ إليكم ؛ وأنتم لا تُظلَمون.» (ٱلأنفال: 59-60)، حيث إن هذا ٱلسياق يجعل لفظ "تُرهبون" يتحدد، نحويا، بأنه "فعل" بمعنى "تُخيفُون" ؛ ومن ثم فلفظ "ٱلإرهاب" ٱسم فعل يدل على معنى «حُصول أو تحصيل الرهبة لدى الغير بسبب ٱلخوف ٱللازِم، بالضرورة، عن كل إعداد للقوة»، أي أنه «ليس ٱستعمالا معينا للقوة» ؛ مما يجعل فعل "أرهب" يُقابل ما يُعبِّر عنه ٱلغربيون ب «terrorize/terroriser» أَو «terrify/terrifier»، بمعنى "خوَّف/فزَّع". ومن هنا، فإن الأمر الموجود في الآيتين السابقتين والمتعلق بدعوة المسلمين إلى إعداد القوة -مُطلق ٱلقوة ("ما ٱستطعتم من قوة")، ثم شيء من ٱلقوة ٱلحربية ("ومن رباط ٱلخيل")- دعوة صريحة إلى "ٱلإرهاب" بمعنى "ٱلإخافة" أو "ٱلتخويف"، بِما أن إعداد ٱلقوة مطلوب لغايةٍ تتحدَّد في «إرهاب عدو ٱللّه وعدوكم»! وبناء على ذلك، أفلَا يكون صنيع أصحاب "ٱلمعجم ٱلوسيط" (باختيارهم لفظي "إرهاب" و"إرهابِي") تشريعا لغويا-دينيا ل«ٱستعمال ٱلعنف لتحقيق أغراض سياسية»؟ ألَا يكون، إذن، ٱستعمال ٱلعرب وٱلمستعربين ٱلآن للفظ "إرهاب" و"إرهابِي" ٱستعمالًا يَجعل "ٱلإسلام" دينا يُشَرِّع "ٱلإرهاب" (أي "دينَ إرهاب" أو "دينا إرهابيا") ويَجعل، من ثَم، ٱلمسلمين "إرهابيين"؟ ألَا يكون هذا تبريرا لا غُبار عليه للحرب العالمية ضد "الإرهاب" الإسلامي، "الإرهاب" الخاص بالمسلمين؟ تُرى، إلَى أي حَدٍّ يقبل ٱلمسلمون أن يكونوا أصحاب دين يقوم على الدعوة إلى "ٱلإرهاب" في ظل ٱلتوجه ٱلعالَمي إلى ٱستئصال "ٱلإرهاب" بِما هو "عنف غيْر مشروع" يُهدِّد ٱلسلام وٱلأمن والاستقرار في مُجتمعات ٱلعالم ٱلمعاصر؟ إن «ٱستعمال ٱلقوة والعنف لتحقيق غرض سياسي معين» قد أتى ذكره فِي "ٱلقرآن" نفسه بشأن "موسى" مع سحرة "فرعون": «وَجَاءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ، قَالُوا: "إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ". قَالَ: "نَعَمْ، وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلمُقَرَّبِينَ!". قالوا: "يا موسى! إما أن تُلقي وإما أن نكون نحن ٱلْمُلْقِين". قال: "أَلْقُوا". فلما أَلْقَوْا، سحروا أعيُنَ ٱلناس وٱسترهبوهم، وجاءُوا بسحر عظيم!» (ٱلأعراف: 115-116)، حيث إن "ٱست-رهبوهم" يعني "طلبوا إرهابَهم" أَو "جعلوهم فِي رهبة". ف"ٱلاست-رهاب"، إِذن، هو «استعمال ٱلعنف ٱلمادي و/أَو ٱلرمزي طلبا لتحقيق هدف سياسي، ينتج في- ٱلغالب- عن طريق إرهاب ٱلناس». ومن ثم، كم يكون ٱلوضع خطيرا جدا أن يكون "ٱلقرآن" قد تَضَمَّن أمرَ المسلمين بإعداد ٱلقوة "لِإرهاب" عدوِّهم، وأن نجد مَنْ يستعمل -بوعي أَو من دونه- لفظ "الإرهاب" و"الإرهابِي" للدلالة على ما يُسمى في ٱلقرآن ب"الاسترهاب" أو "الإفساد"، كعمل من أعمال "المُفسدين فِي ٱلأرض" عموما، أو ما يصطلح عليه ٱلفقهاء ب"الحِرَابة"، كعمل خاص ب"المُحَارِبين" أو بما يقترفه "الخوارج" و"المتطرفون" ردا على ٱلعنف المُتعسف ٱلذي تُمارسه أجهزة ٱلدولة أو ابتدارا لعنف سياسي لِمُنازعة ٱلسلطان ٱلقائم! يتبين، إذن، أن مصطلح "الاسترهاب" هو الكفيل بأداء معنى «استعمال الوسائل الإرهابية-المُرهبة (سواء أكانت ماديةً كالقوة أم معنويةً كالسحر) لأغرض مذهبية أو سياسية معينة». وعلى هذا، يكون الإسلام "دينا إرهابيا"، لأنه قائم على طلب القوة الرادعة-المُرهبة! لكنه، من الناحية المبدئية، ليس "استرهابيا"، لأنه قائم على "الحق" بما هو مجموعة من الأصول التي تَكفُل "العدل" و"التعارُف" بين الناس ("التعارُف" كمُعامَلة بالمعروف)، وهي الأصول التي تُقَوِّم "روح الشريعة" كمقاصد مُثلى تدور بالأساس على حفظ كرامة الإنسان كمخلوق إلاهي مُفضَّل على كثير من العالَمين. غير أن كون "الإسلام" ليس استرهابيا من الناحية المبدئية، لا يجعله يبقى كذلك في الواقع الفعلي، إذ أن استعمالات "الإسلام" -كما يُؤكِّدها التاريخ الماضي والحاضر- يُمكن أن تَتَّخذ مَنْحى استرهابيا في ظل أنظمة الحُكم الطغيانية والاستبدادية (كما عُرف، قديما، مع بني أمية و، حديثا، مع معظم نُظُم الحكم في العالم الإسلامي) أو في فترات التأزُّم السياسي والتمزُّق الاجتماعي (طائفة الخوارج، طائفة الحَشَّاشين، طوائف التطرُّف المعاصرة). وهذا معناه، في الحقيقة، أن "الإسلام" قوة إرهابيةٌ-مُرهِبة بالنسبة إلى أعدائه وخصومه (بحكم أن كل ذي قوة مرهوب)، في حين أن المسلمين يُمكنُهم أن يكونوا قوة استرهابية -بهذا القدر أو ذاك- حسب شروط الواقع المعيش التي تدفع الناس، عادة، إلى التنافس والصراع باستعمال كل الوسائل المُمكنة. وذلك كما هو الحال تماما بالنسبة إلى كل القُوى الأخرى عبر التاريخ وفي كل جهات العالم. ولذلك، فإنّ التمييز بين "الإرهاب" (كأثر مُلازِم للقوة) و"الاسترهاب" (كاستعمال مُعيَّن للقوة) يُمَكِّننا من تجاوز الالتباس المحيط بهذه الظاهرة البشرية التي لا تعود، بالتالي، حِكْرا على شعب بعينه أو خاصيةً مُقوِّمة ذاتيا لدين أو مجتمع ما. فكما يُمكن أن يكون "الإسلام" دينا استرهابيا على أيدي أُناس يستعملونه بكيفية مُغرِضة ومُنحرفة، فإنه يُمكن أن تكون هناك طائفة أو دولة استرهابية لأنها تستعمل كل إمكانات القوة من أجل الهيمنة اقتصاديا أو سياسيا أو ثقافيا على المستوى الإقليمي أو العالمي. ولهذا، فإن "الاسترهاب"، كاستعمال مُغرض وغير مشروع للقوة، يقترن أشد ما يكون الاقتران بمظاهر التفاوُت والتنافُس التي عرفتها المجتمعات الإنسانية منذ أقدم العصور، بل إن الواقع المعاصر إذا كان يبدو أشد مُلاءمة لأعمال "الاسترهاب"، فليس ذلك إلا لكونه قائما على الصراع والتفاوت في أشد مستوياتهما. ولعل الدول الغربية، خصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية ومَحظيتها إسرائيل، تُقدِّم أفضل نموذج للدول الاسترهابية، ليس فقط لأنها عرفت قيام أنظمة استبدادية وطُغيانية (النازية، الفاشية، الشيوعية) أو منظمات استرهابية مشهورة (الكلوكس كلان، الإرغون، الألوية الحمراء، جناح الجيش الأحمر)، بل لكونها ما فتئت تستعمل -على نحو غير مشروع قانونيا وأخلاقيا- القوة الإرهابية/المُرهبة في التعامل مع المجتمعات والدول الأخرى، وذلك في حرصها الدائم والشديد على التوسُّع الهيمني عبر العالم. ومن البَيِّن أن "الإسلام"، في دعوته إلى إعداد القوة بإطلاق، لا يُمكنه إلا أن يُرهب أعداءه، يُرهب منهم العدو المُحارِب كما يُرهب الخصم المُنافق. وإن إرهاب "الإسلام" لأعدائه وخصومه لا يَكُفّ عن الازدياد ما دام أتباعه يتكاثرون على نحو لا يُجدي في وقفه كَيْد الكائدين ومكرُهم بالليل والنهار. ومع ثُبوت صفة "الإرهابي" كخاصية مُميِّزة للإسلام، بما هو دين "مُرهِب" و"مَرهوب" (بل أيضا "راهب" أو "رهباني"، من حيث إن «الجهاد هو رهبانية أمة المسلمين»)، تزداد الحاجة إلى تمييز الاستعمال "العُمراني/الاست-عماري" للإسلام عن الاستعمال "الاسترهابي" له بكل إمكاناته. لذا، فإن تحديد مفهوم "الاسترهاب"، كعنف إفسادي غير شرعي وغير مدني، يقود إلى تمييز العمل الإسلامي في استناده إلى القوة الطبيعية وفي استكماله للقوة بواسطة التسديد الشرعي على النحو الذي يجعلها قوة إصلاحية تُعمِّر الأرض (أو تستعمرها) وتُصلِح بين الناس بالقسط والمعروف. ومن أجل ذلك، فإن "الجهاد" في الإسلام يَتحدَّد بالأساس ك«مُغالَبة أو مُنافَسة في الجُهد العُمراني/الاست-عماري»، وليس فقط كما يظن كثير من الناس ك«بذل للجهد القتالي». وإذا كان "الإسلام" يُرهِب بقوته، فإن هذه القوة المُرهبة لا تأخذ معناها الكامل إلا بما هي قوة جهادية، أي قوة تعميرية/است-عمارية أو قوة إصلاحية وحضارية. ولذا، فإن أي تحريف في "الإسلام"، بما هو "قوة جهادية"، يُؤدي بالضرورة إلى جعله "قوة إفسادية" تسترهب الناس وتستكبر على العالمين، تماما كما حصل مع الأمم السابقة التي حَرَّفت هدي المرسلين ابتغاء العُلُوّ في الأرض وابتغاء الفساد، وأيضا مع الأمم الحاضرة التي تحتذي حذو سابقاتها من الأمم المُستكبرة في حرصها على "الاستعلاء" الذي لا يَنفكّ عن "الاسترهاب". ومن هنا، فإن استعمالات "الإسلام" المنحرفة سرعان ما تُحَوِّل إمكانات القوة فيه (تلك القوة المُرهبة) إلى نُزوع استرهابي قائم على الاستكبار على الناس والاستعلاء في الأرض. وهذا بالضبط ما تقوم به أمة المسلمين الآن (وعلى الأقل منذ بضعة قرون) كأمة غُثائية خالفت الأمر الإلهي فصارت تستكثر بالأعداد وتَزهَد في كل إعداد، مما جعلها تقع في "الاسترهاب" على نحو مَكَّن منها أعداءها الذين ما فتئوا يتكالبون عليها كما يتكالب الأَكَلة إلى قصعتهم التي ليست سوى خيرات المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها. ومن ثم، إذا كان قد شاع على ألسنة الناس لفظا "إرهاب" و"إرهابي" في الدلالة على «فعل ارتكاب مَفاسد معلومة بقصد ترهيب الناس وإكراههم على الإذعان» (كإزهاق الأرواح واختطاف الأشخاص وتدمير المباني وإتلاف الممتلكات)، فإن هذا الاستعمال فاسدٌ تداوليا وغير مُفيد دلاليا، لأنه يجعل ما هو مُبْتذَل ("الرهبة" أو "الخوف" من بطش صاحب القوة) شيئا غير عاديّ (ظاهرة "الاسترهاب" كعُنف مَرضي وخطر حضاري). ومن العجيب أن الأمر نفسه قد وقع، من قبل، بالنسبة للفظي "استعمار" و"مُستعمر" في انتقالهما من الدلالة على «الجهد العُمراني للإنسان المستخلَف في الأرض» إلى «أعمال السيطرة الاستيطانية التي تقوم على غزو الأوطان وإخضاعها للاستغلال والتبعية». وهكذا، فإننا لسنا فقط بصدد إفساد لغة (تُعرَف بأنها "إعرابية")، وإنما نجد أنفسنا أمام أحد أنماط السيطرة الثقافية، وهو النمط الذي يقوم على تبخيس مُنظَّم ل"نسق القيم" الخاص بمجتمع أو أمة، تبخيس يستهدف اجتثاث الأصيل واستبدال الدخيل به، تماما كما تقتضي سيرورة التفاعل بين الغالِب والمغلوب. إن "الإسلام" دينٌ يدعو أتباعَه بشكل صريح إلى إعداد كل أصناف القوة في مُواجَهة أعدائهم وخصومهم، بل إن الله ليأمُر عباده أن يأخذوا الدين بقوة ويُحبّ منهم العبد القوي. فالإسلام، إذن، دين يُرهِب ويُخيف، لأنه يأخذ بالقوة ولأنه دين يَكره الاتِّكال والدَنِيّة والاستسلام. لكنه، في الوقت نفسه، يُحرِّم الظلم والعدوان والإفساد في الأرض. فالقوة التي يطلبها الإسلام "قوة" قائمة على "الحق" كما تُبيِّنه "الشريعة" كأُصول حاكمة ومُسدِّدة، أصول تُؤكد أنه «لا إكراه في الدين» وأن «الله يأمُر بالعدل والإحسان» وأنه «لا يُحِبّ المعتدين» وأنه «قد كتب الرِّفق على كل شيء». ولذا، فلا إرهاب ولا ترهيب في الإسلام، إلا ما كان مما تقتضيه الضرورة الطبيعية المتعلقة بأن «كل ذي قوة مرهوب». غير أن وجود المُسلمين في أوضاع تتميز عموما بشدة التخلُّف وتجذُّر الاستبداد وفُشُوّ الظلم يجعلهم لا يُمثلون من "الإسلام" إلا ظاهره السَّلْبي ك"دين إرهابي/مُرهب" موضوع تحت التصرف الاسترهابي للقُوى المهيمنة في العالم. وحينما يكون على المُبطلِين والمُفسدين والظالمين أن يستعملوا القوة لاسترهاب الناس وإكراههم بكل الوسائل كما جسَّدت ذلك قديما قصة "فرعون" وسحرته ضد "موسى"، وكما تُجسِّده الآن القوة المُهيمنة والمُتحيِّزة ضد المُستضعفين في العالم (وعلى رأسهم العرب والمسلمين)، فإن "الإسلام" يُعلن أن "الجِهاد"، كمُغالَبة ومُنافسة في الجُهد العُمراني، لا يكون من أجل دُنيا هَنِيّة ولا تحت راية عُمَّية، وإنما هو «استفراغ الوُسع في البناء لاست-عمار الأرض والإصلاح بين الناس». وهكذا، بينما يتجلى "الإسلام" كقوة جهادية تُرهِب -بما هي كذلك- كل عدوّ أو مُعتَد، يأبى المُبطِلون والمُفسدون والظالمون عبر العالم إلا أن يَسْتَخِفُّوا الناس ترغيبا وترهيبا بفعل نُزوعهم الِاستكباري والِاستعلائي الذي يجعلهم يَتوسَّلُون -على نحو أساسي- "الِاسترهاب" كعُنف إفسادي خارج كل حق. [email protected] --- [1] اُنظر: - Noam Chomsky, « Terrorisme, l'arme des puissants », in : le monde diplomatique, décembre 2001. [2] اُنظر: - DAVID LIVINGSTONE, TERRORISM AND THE ILLUMINATI, A Three Thousand Year of History, BOOKSURGE LLC, 2007, “introduction : clash of civilisations”, p.1.