المغرب بلد الغروب العربي، الذي كان نهاية رحلة عربية اكتشفت هويتها برسالة عربية جوهرها إسلامي، غادر الأجداد الشرق العربي وتحديدا من اليمن لتنتهي بهم رحلة الهمم على تراب الذهب المخملي عند حدود الشاطئ الأطلسي، هناك حيث الأرض اكتست حمرة الغروب، وسحر السواحل الدافئة، كان ذلك الكنز "المغرب" حينها يوصف بآخر الرحلة الإنسانية التقليدية، جذبت تلك الأرض روح الإنسانية التي تشدها جمال الأرض، وعذوبة النهر الصافي، وبلسم الروح الإنسانية العاشقة لجمال الطبيعة.. قلة من أبناء الشرق الذين قدموا مؤخرا إلى الكنز المفقود أخذوا عن المغرب بعض قشورها الرديئة، وحرموا جوهرها الثمين، نهشوا من طعمها الرخيص، وخسروا كنزها المفقود، الكنز المفقود هي الروح المغربية الإنسانية العميقة الغنية بالمعرفة والذكاء والبداهة وفي ذات الوقت مغرمة بالتواضع حد البساطة بخلاف علو السنابل العربية المفلسة، روح مغربية كلها إبداع يحدوها الأمل لواقع عربي أكثر قربا وتفهما لأولويات المرحلة العربية. لا يدرك كم هي المغرب ثمينة سوى بعض الرواد الذين عاشوا المغرب اكتشافا معرفيا وأخلاقيا، فأحبوا المغرب، وانهمكوا في جمال أهلها الروحي والإنساني، وأخذوا بعض قسطهم من هواها، ومائها، ومعارفها، وحسن عشرة أهلها، وخرجوا بنتيجة أن المغرب كنزا يجب اكتشاف أجمل ما فيها من الأرض والإنسان والفرص. وحدها المغرب الدولة التي يجب أن تثمن نجاحاتها التنموية في حقل بنيتها التحتية، وأصبحت تمتلك قاعدة معرفية مؤهلة لولوج عالم الإنتاج والتصنيع رغم تواضع مواردها مقارنة ببعض الدول العربية التي تمتلك ثروات مهولة، وتوظف في غير صالح العملية التنموية، شعب رأس ماله الحقيقي هي معرفة أبنائه، وهمهم العالية، فهذا الشعب لم يقف مكتوف الأيدي ليستسلم لظروفه القاهرة، بل توزع على العالم طلبا للعلم والرزق، وأصبح عائده إستراتيجيا على بلده، ويدر عملة صعبة ترفد اقتصاده الوطني. هل قدر المغرب أن يفتح العالم أبوابه لمهاجريه وتصد عنهم بوابتهم العربية؟ وكأن لا عروبة ولا مصالح تجمعنا بهذا الشعب العظيم، يفتح الخليج بوابته الواسعة للهنود والبنجال وجموع الآسيويين بالملايين حتى تكاد تختفي الهوية العربية بكل تبعاتها السلبية، ويوصد على المغاربة إلى في أضيق الحدود، إنها لعنة التخبط العربي، والإفلاس القيمي والمصالحي، والحس الإستراتيجي الذي يفتقر إليه العقل العربي الفاقد للهوية الأمنية والاقتصادية والسياسية. لا توجد هناك أي مخاطر اقتصادية على أي بلد عربي لأن يفتح أبوابه على مصراعيه للأخوة المغاربة، لكونهم شعب متعلم وشعب عملي، ناهيك عن كونه من أرقى الشعوب العربية ثقافة في نظامه الشخصي والعملي، ومستوى كفاءته أعلى بكثير من كثير من شعوب المنطقة، وبعض التحفظات التي يمكن أن تتذرع بها النخب الخليجية ليست واقعية إذا كانت تستقبل الملايين من شرق وجنوب شرق آسيا بينما تغلق أبوابها أمام المغاربة، ولم تطلق وعود كاذبة للمغرب إلا عندما اشتد خناق الربيع العربي عليها، حينها هرعت إلى الترويج لضرورة ضم المغرب إلى المنظومة الخليجية، ولم ترى تلك الوعود طريقها إلى النور حتى في ترجمة تلك الوعود ببعض العمالة الأمنية التى كانت تنوي القيام بها. اليمن ربما لا تمانع من الاستفادة من الأخوة المغاربة رغم الظروف الصعبة التي تمر بها، ولن تتردد في إلغاء موانع التنقل والتعاون مع المغرب في كل المجالات، وأعتقد أننا كيمنيين نشعر بالتقصير في حقوق مصالحنا المشتركة، والاستفادة من إمكانات البلدين في حدها القصوى خصوصا ونحن اليمنيين تشدنا بالمغرب أواصر القربى والتاريخ بعبقه الضارب في القدم. "الجزائر" هي من أكثر الدول العربية حاجة لتكاملها مع المملكة المغربية، إذ من المخجل أن نستورد من الغرب كل شيء غثه وسمينه، ونعجز عن تبادل "بصلة" بين البلدين، وعوض أن يكون هناك تكامل وليس تعاون اقتصادي وأمني للاستفادة من المجال الحيوي الذي تترجمه الحدود الطويلة، وإمكانات البلدين الكبيرة، والفرص المتكاملة، للتقليل من داء التبعية للآخر، نهرع لإغلاق الحدود بحيث نعيش حالة قطيعة كاملة. المغرب اليوم في وضع شبه صحي، وليس كما يتوقع ويتوهم الآخرين، فحياة أبنائه، ومستوى معيشتهم يتحسن ولو بوتيرة بطيئة، سوى أن إصلاحات مستمرة لتحسين ظروف البلد اقتصاديا وسياسيا على المدى الطويل بجهود الملك وحكومته الرشيدة على قدم وساق، وكثيرا من الدول الإفريقية بدأت تدرك ذلك التحسن، وتحرص على بناء علاقات متينة مع المغرب للاستفادة من إمكانات الكنز المفقود عربيا، بينما عمقه العربي شبه زاهد في تطوير وتمتين علاقاته بالمغرب، وتوثيق أواصر التعاون مع هذا البلد المعطاء في مختلف المجالات. *كاتب يمني