يلفظه بلده وتبتسم له القرعة الأمريكية ليلقى مصيره الحتمي مع عسكريين في انفجار ببغداد العاصمة العراقية فيعود أشلاء في تابوت إلى مقبرة بمدينة وجدة قبل أن تطالب زوجة مزيفة بالدية والتعويضات بدل أسرته المعدمة. "" عاد فريد العزوزي (الصورة) إلى مدينة وجدة، التي شبَّ فيها، أشلاء في تابوت وهو في زهرة شبابه إذ لم يكن يتجاوز عمره السابعة والعشرين سنة. وهو من مواليد 25 شتنبر 1980 بجرسيف من أصل ريفي من الحسيمة. لم يكن يعلم أحد أن معاناته في بلده مع البحث عن شغل سيقوده إلى موت رهيب حيث توفي صباح ذلك الخميس الأسود 14 من شهر يونيو الماضي ببغداد عاصمة العراق في انفجار قوي للغم تحت سيارتهم المدرعة التي ركبها بمعية زميلين له في خرجة استطلاعية، هي أول خرجة له بعد سنة من الاشتغال داخل مكاتب الإدارة العسكرية الأمريكية ببغداد... كانت مراسيم الدفن بمقبرة مدينة وجدة يوم الجمعة 20 يوليوز الماضي صامتة بحضور الكولونيل «براون» الملحق العسكري بالسفارة الأمريكية بالرباط وزميلته في العمل في بغداد ومرافق جثته من نيويورك إلى وجدة عبر طائرة خاصة وأحد ممثلي السلطة المحلية وأسرته الصغيرة المتكونة من والدته وشقيقته نعيمة وزوجها وشقيقيها رشيد ويونس وقليل من المعارف... كانت نعيمة شقيقته تذرف الدمع وهي تنظر لآخر مرة إلى التابوت ينزلق إلى القبر قبل أن يلفه التراب وتدفن معه آمال أسرة علقت على المرحوم فريد الذي لا أحد يمكن أن يقدر مدى معاناته وآلامه التي كابدها ليسير نحو مصيره الحتمي...كما لا أحد يمكن أن يقدر المحن والمصائب التي مرت بها أسرته...تذكرت نعيمة بكر الأسرة المتكونة من خمسة أشقاء (رشيد وحميد ويونس ونعيمة وكذا فريد) بالإضافة إلى والدتهم، سنة 1996 وهي سنة وفاة والدها الذي كان ينتمي إلى أفراد القوات المساعدة بتازة، الذي التحق بربه في سن الخامسة والأربعين إثر سكتة قلبية وهو يزاول رياضة المشي صباحا كعادة العسكريين، تذكرت بداية معاناتها مع القهر والحرمان والعوز والقسوة والظلم والجور ومصائب الموت بدءا بوالدها، مرورا بطفلتها، ووصولا إلى شقيقها فريد... تابع فريد دراسته الابتدائية بمدرسة مولاي يوسف، ثم التحق بإعدادية مولاي رشيد، ثم ثانوية ابن ياسمين. ولما حصل على شهادة الباكالوريا تخصص إنجليزية، التحق بجامعة فاس بكلية الآداب بعد أن اختار تعميق دراسته في اللغة الإنجليزية وآدابها. ثم اجتاز مرة ثانية امتحان نيل شهادة الباكالوريا بصفته طالبا حرا، وحصل عليها ليتابع دراسته الجامعية بمسلك الجغرافيا. ثم انتقل إلى مدينة وجدة ليتابع دراسته بالمدرسة الفرنسية للأعمال لمدة سنتين حيث حصل على الدبلوم لتبدأ معاناته مع البحث عن العمل في ظل وضعية مزرية، قاسية لأسرته بعد أن سُدَّت أمامه الأبواب وفُتِحت أمام أقرانه نتيجة وضعية أوليائهم الاجتماعية أو لعلاقاتهم المجتمعية أو بواسطة طريقة من الطرق التي يتم نهجها وسلوكها للحصول على شغل أو اجتياز مباراة. كان فريد مرهف الحس وحسن الطبع وطيب الخلق وكانت له هوايات عدة، منها كتابة قصائد الشعر حيث نشر إحداها بجريدة محلية حول مدينة تازة، وروايات منها «لهيب الانتقام» كما كان بصدد تأليف قصة أخرى عنونها ب «الحزام الأسود». بالإضافة إلى ممارسته عدة رياضات من الفنون الحربية كالكاراطي والتيكواندو وكمال الأجسام وحصل على شواهد فيها و حتى الموسيقى تعلمها... كان مؤمنا بالله محافظا على دينه وشابا عصاميا ثقته في الله كبيرة وفي بلده الذي كان يحاول أن يجد به مكانا وشغلا ولو متواضعا يدفع به عنه الفاقة وعن أسرته الحاجة. لم تكن لديه فكرة كأقرانه في «الحريك» إلى الضفة الأخرى، حيث كان يتوفر على شواهد ومستوى ثقافي محترم يمكنه من ولوج أبسط وظيفة واجتياز أدنى المباريات، الأمر الذي جعله يتقدم منذ كان يتابع دراسته الجامعية للعديد منها كلما وصل إلى علمه خبر مباراة عن طريق الجرائد أو الأصدقاء أو الملصقات، «كان بْغَى يَوْصل بالقراية ويخدم في بلادو لكن بلادو ما عطاتوش...دار المستحيل وحتى حاجة ما كانتش. كيدخلو غير ولد فلان وفلان وإلى كاين شي تدويرة أو شي معرفة»، تقول الشقيقة بعينين دامعتين رفضتا أن تَجِفَّا. تَوكَّل على الله وجهز ملفات تقدم بها إلى مباريات ولوج سلك الدرك الملكي وسلك الشرطة والمدرسة العسكرية بمكناس وحراس السجن ولكن دون جدوى، بل ذهب إلى حد دفع مليون سنتيم إلى أحد الأشخاص (تدويرة) بعد أن وضع فيه ثقته بمدينة مكناس، إذ وعده بإنجاحه في إحدى المباريات دون أن يظهر له أثر بعد إعلان النتائج، فانسدت أمامه الأبواب جميعها وأصابه اليأس في بلده وفقد ثقته في كل شيء. زاده الفقر والعوز يأسا على يأس إلى أن كره الحياة والعيش لولا إيمانه القوي بالله «كان كيبكي ليل ونهار...». قام فريد بالمشاركة في القرعة التي تنظمها الولاياتالمتحدة ليجرب حظه مثل الآلاف من الشباب العاطل وغير العاطل الراغب في العثور على عمل كريم وقوانين تحميه من مصائب الحياة وتؤمن مستقبله ومستقبل أفراد أسرته التي لم تجد حتى ما تعالج به رضيعة شقيقته نعيمة التي توفيت بعد تسعة أشهر من الغيبوبة، والتي كانت تبيع أثاثها لتبقى على قيد الحياة دون أن تجد من ينظر إلى حالها... هذه الأسرة التي لم تعرف الأعياد ولا الحفلات ولا العطل كباقي عباد الله...أسرة تعيش ب600 درهم معاش الوالدة من زوجها، مع العلم أنها تعيش ببيت جِدُّ متواضع مكترى بحي الطوبة الخارجي... ابتسمت الدنيا لفريد لأول مرة واختارته القرعة إلى جانب العديد من الشباب المغاربة وتوكل على الله وشد الرحال إلى بلاد العم سام ليحط بمدينة نيويورك بداية سنة 2005. «ذهب مرغما وهو يبكي حيث لم يكن يحب أن يشتغل خارج بلده...». التقى فريد في مطار نيويورك بأشخاص مصريين أخذوه معهم ثم التقى بعد ذلك بأحد أصدقائه يدعى «عبدالحق» حيث اشتغل معه في أحد المطاعم. وخلال مقامه بنيويورك لفت انتباهه إعلان عن توظيف مترجمين في اللغات وخاصة من اللغة العربية إلى اللغة الانجليزية الأمر الذي دفعه إلى التقدم إلى المباراة حيث نجح في الولوج إلى إحدى المدارس بنفس المدينة للاستفادة من فترة دراسية من ستة أشهر في مادة الترجمة ثم بعدها استفاد من تداريب بالتيكساس ثم بعد ذلك بهاواي حيث اشتغل مدة سنة مما جعله يتوصل بحوالة مكنته من تقديم مساعدات مالية مما استطاع توفيره عن طريق «ويسترن يونيين» ما بين 2000 و3000 درهم لوالدته وشقيقيه بتازة، ولأسرة شقيقته بوجدة التي كانت طفلتها مصابة بحمى دخلت على إثرها في غيبوبة لمدة طويلة قبل وفاتها، حسب ما يرويه شقيقه. وبعد أشهر من العمل، ارتأت وزارة الدفاع الأمريكية توظيف مترجمين في إدارة عسكرية. وفي هذا السياق استجاب فريد العزوزي لإعلان قامت به هذه الأخيرة حيث تم قبول ملفه ضمن الفيلق 28 للمشاة - فرقة «دال» واستجابت لطلبه بمنحه الجنسية الأمريكية التي حصل عليها بالفعل قبل وفاته (وليس بعد وفاته كما ذكرت بعض الأخبار). أُرسل العزوزي ضمن الفيلق 28 للمشاة - فرقة «دال» إلى بغداد بالعاصمة العراقية حيث أسندت له مهمة ترجمة الوثائق من اللغة العربية إلى اللغة الانجليزية ليبقى هناك لمدة وصلت إلى السنة تقريبا إلى أن وقع له ما وقع... لم يكن فريد يريد الاشتغال في المجال العسكري وكان ينتظر الفرصة للعودة إلى الولاياتالمتحدة لولوج الوكالة الأمريكية للفضاء (نازا) حيث كان متأثرا كثيرا بما يقع في العراق من المجازر اليومية التي كانت ترتكب هناك وبسلوك العسكر الأمريكي تجاه العراقيين حيث بكى يوم تم شنق الرئيس العراقي السابق «صدام حسين» كما كان التأثر يظهر عليه بسرعة، الأمر الذي كان يدفع زملاءه العرب إلى تنبيهه من مغبة إظهار ذلك أمام الجنود والمسؤولين الأمريكيين، حسب ما جاء في شهادة شقيقته التي كانت باتصال متواصل معه عبر الهاتف. اشتغل فريد في مجال ترجمة المنشورات والمقالات وبرع فيه ولم يكن يسمح له الوقت بقراءة الجرائد ولا مشاهدة القنوات التلفزية. اشتغل لمدة تقارب السنة ولم يسعفه الحظ في تجاوز عتبة ثكنته الإدارية خلالها. كان الكل يعيش في الفزع والخوف والهلع والقلق مما كان يسمعونه ويشاهدونه في نشرات الأخبار، بل كان يصل دوي الانفجارات إلى مسامعهم وكانوا متأكدين أنهم لم يكونوا في مأمن من أي عملية انفجارية في أي وقت من الأوقات بل في لحظة من اللحظات. لم يكن لأي جندي من الجنود الأجانب شجاعة التجوال خارج المناطق المحددة بل كل مناطقهم كانت مهددة بحكم أنه كان في قدرة المقاومين العراقيين الوصول إلى أي نقطة. كان الخوف يقتلهم قبل أن تقتلهم الألغام أو السيارات المفخخة أو العمليات الانتحارية أو حتى طلقات الأفراح والأعراس والحفلات. كان الإيمان بالله وبالقدر سلاح فريد الذي كان ينتظر إنهاء السنة ليعود إلى نيويورك ويحقق حلمه المتمثل في ولوج الوكالة الأمريكية الفضائية وإتمام دراساته وتكوينه. أسندت مهمة استطلاعية واكتشافية لعسكريين ثلاثة من ضمهم فريد العزوزي مغربي الأصل أمريكي الجنسية بواسطة سيارة مدرعة وكانت تلك المهمة بالنسبة له أول خرجة منذ أن وطِئت قدماه أرض الشام وبلد الرافدين. كان الخوف والقلق يلازمانه ولم يكن يدري لماذا ولكن كان يقول «ستكون هذه الخرجة الأولى والأخيرة الزيارة الأولى والأخيرة ومناسبة لرؤية منطقة من مناطق بغداد الغالية قبل أن أعود بصفة نهائية إلى أمريكا وأزور أسرتي بالمغرب بعد ذلك». امتطى فريد السيارة المدرعة إلى جانب زميليه الأجنبيين في الجندية وانطلقت الآلة في مهمتها الاستطلاعية وما كادت تخطو خطوات خارج المنطقة المحمية حتى سُمع دوي انفجار قوي اخترق زجاج نوافذ الجدران الإسمنتية المسلحة للإدارة العسكرية الأمريكية ببغداد وأطلقت صفارة الإنذار وهبت إلى المكان القوات الأمريكية بأسلحتها الكبيرة لتحاصر المكان وتتحسس المقاتلين العراقيين...وبعد أن هدأ الوضع وخمدت النيران نزل الجنود لتقييم الوضع وتسجيل الخسائر. تحولت السيارة المدرعة، بعد أن مرت على لغم، إلى أجزاء وراكبوها إلى أشلاء... فتم جمع ما أمكن جمعه ووضعت الأشلاء في أكياس لترسل إلى نيويوركبالولاياتالمتحدةالأمريكية ليتم وضعها في توابيت بعد القيام بالاجراءات القانونية العسكرية والإدارية. كلف هناك فقيه بالقيام بالمراسيم الدينية الإسلامية من غسل الميت وقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم لما تم جمعه من أشلاء جثة فريد، قبل أن توضع في مستودع الأموات لمدة أربعين يوما في انتظار إتمام إجراءات ترحيل الجثة من نيويورك إلى مدينة وجدة، ثم إلحاقها بأمتعته. «اتصل بنا بعض المسؤولين بالسفارة الأمريكية بالرباط وطلبوا لقاءنا للتحدث إلينا دون أن يوضحوا لنا سبب ذلك» يقول الشقيق الأصغر، ثم يضيف «جاؤوا إلى تازة حيث والدتي، جاء الكولونيل «براون» الملحق العسكري المختص في تبليغ الأهالي مثل هذه الأنباء برفقة سيدة تشتغل معهم بعد أسبوع على وفاة شقيقي فريد وأبلغونا وفاته على إثر انفجار لغم أرضي تحت سيارتهم المدرعة خلال قيامهم بجولة استطلاعية...». وبعد تقديمهم العزاء، طلبوا من الأسرة معلومات حول أفرادها وعن حاجياتها ومتطلباتها في مثل هذا الحادثة، وكذلك فيما يخص التعويضات. لم تُبلَّغْ نعيمة الشقيقة الكبرى بنبأ وفاة شقيقها فريد لوجودها في المستشفى بعد أن خضعت لعملية جراحية. لكن تم إخبارها بذلك بعد أربعة أيام من طرف سيدة أردنية/فلسطينية تدعى «الزهراء» تشتغل مع شقيقها في الترجمة هناك بالعراق. وبالفعل قامت السفارة بنقل الجثة من الولاياتالمتحدة إلى مدينة وجدة حيث وصلت عبر الطائرة يوم الجمعة 20 يوليوز الماضي لتتم مراسيم دفن العريف فريد العزوزي بزيه العسكري وميداليته ونياشينه... مع التذكير أن أسرته المكلومة ترفض أن يقال عنه إنه كان عسكريا محاربا حيث إن الظروف هي التي تحكمت فيه وقادته إلى وضعيته تلك. كان أمل الأسرة كبيرا في فريد لإخراجها من الفقر والعوز والحاجة حيث كان ينوي ترحيل شقيقيه إلى الولاياتالمتحدة. وتم في هذا الصدد عقد اتفاق ما بين إحدى المغربيات التي تشتغل معه وتتوفر على الجنسية الأمريكية، وذلك بأن يعقد هو زواجا أبيض بشقيقتها الموجودة بمراكش بالمغرب، في الوقت الذي تعقد هي زواجا أبيض مع شقيقه الذي يشتغل بالقوات المساعدة ليتمكن الاثنان من الحصول على الوثائق الرسمية والهجرة إلى بلاد العم سام. وفعلا تم ذلك مع إقدام شقيق المتوفى على تقديم استقالته من وظيفته حتى يتمكن من ذلك. كان هلاك فريد بمثابة كارثة ومصيبة حطت على أفراد الأسرة كلهم حيث تقدمت الزوجة المزيفة على أساس عقد زواج شرعي بطلب الدية والتعويضات «وهي كلمة حق أريد بها باطل» مع العلم أنه لا يعرفها ولم يدخل بها ولم تكن له أي علاقة بها ،بل لم تظهر إلا خلال مدة العقد الممتد على طول سنة ولم تطالب بجثته خلال أربعين يوما التي احتفظ بها في مستودع الأموات بنيويورك كما لم تحضر لجنازته ولا تعرف أي فرد من أفراد أسرته. ظهرت الزوجة المزيفة لتقصد السفارة الأمريكية وتطالب بالتعويضات إلى جانب شقيقتها صاحبة الخطة لتجد هذه الأخيرة نفسها في وضعية غريبة وتُعَلِّق إجراءات التعويضات إلى حين إحقاق الحق وإزهاق الباطل وحماية أسرة غارقة في الفقر المدقع والأسى العميق والقهر حيث لم تجد ما تقتات به فبالأحرى تنصيب محام للدفاع عن حقوقها. ومن جهة أخرى، استقال الشقيق الثاني من وظيفته وسدت الأبواب أمامه فيما اشترى زوج الشقيقة الكبرى أيام عمله لمعالجة طفلته التي فارقت الحياة وتحول إلى عاطل التحق بالعاطلين في الأسرة. باعت أسرة الشقيقة كل ما تملك ورحلت الأم من تازة إلى مدينة وجدة بعد أن تخلصت من أثاثها المتواضع بالجوطية لإقامة مراسيم الجنازة والتعازي والتجأت إلى ابنتها البكر نعيمة دون أي مساعدة من أي كان «كان هو اللي خدام علي ، كان هو اللي يدير لي كلشي. لا ولدي ، ولا فلوس، ولا خدمة، ولا حق...ربي يدير شي تاويل ، وربي يخلص، الله يرحم فريد ولدي..حنا ضايعين...» تبوح الوالدة العجوز بلكنة ريفية بكل براءة وبكل سذاجة في انتظار حل من السماء... عن الاحداث المغربية