بين بدء التدخل الأمريكي في العراق واليوم مسافة سنين ليست بالطويلة. إلا أن آثارها كانت أكثر تعقيدا مما خطط له خبراء القتل الأمريكيون، وسيكون لها الأثر العميق على منطقة الشرق الأوسط. أثر لاحت بوادره منذ سنين وربما لن يكون أنجب الخبراء في الدراسات الاستراتيجية أقدر من غيره على تقييم الوضع المستقبلي ومآلات ما يقع الآن في المنطقة. مجلة «ماريان» الفرنسية عادت إلى أحداث الحرب ورصدت بعض أقوى تواريخها التي تجسد غبن الساسة عندما ينفردون بالقوة. 5 فبراير 2003، نيويورك شاشات منصوبة، أشرطة فيديو، ملفات: كولن باول، سكرتير الدولة الأمريكي، يعرض ترسانة الأدلة أمام مجلس الأمن بالأممالمتحدة. كان الرجل حريصا على أن يذكر في مرافعته كل الأنشطة المحظورة التي تورط النظام البعثي العراقي، فيما كانت الصحافة الدولية تنشر رسومات لمباني تحت الأرض، تحت قصور صدام. وخلف باول، جلس مدير المخابرات المركزية الأمريكية، جورج تنيت، ونظره شارد في الفضاء. صاح باول يقول: «جميع تصريحاتي، التي أدلي بها اليوم، تستند إلى مصادر ذات مصداقية كبيرة». شُغلت الشاشات العملاقة، وتوالت الصور، الواحدة بعد الأخرى، منها شريط حول شراء العراقيين الأورانيوم من النيجر، وصور التقطتها الأقمار الاصطناعية لمصانع تصنع الأسلحة الكيماوية وأخرى لبنايات تحت الأرض معدة للاحتماء بها من الضربات الجوية، ثم أخرى لموقع للصواريخ الباليستية وشاحنات قُدمت على أنها «مختبرات متنقلة للبحث البيولوجي». تنتهي حصة الصور، تنطفىء الشاشات، فيقوم كولن باول من مكانه وهو يحمل بين يديه شيئا ما. كان الشيء علبة بها بودرة بيضاء. الجمرة الخبيثة. لوح بها الدبلوماسي الأمريكي وهو يقول: «ملعقة صغيرة من الجمرة الخبيثة كانت كافية لإقفال مجلس الشيوخ الأمريكي خلال صيف سنة 2001 وتسببت في مقتل موظفين في إدارة البريد. أما صدام فقد أنتج منها 25 ألف لتر، وهي كمية يمكنها أن تملأ عشرات الآلاف من الملاعق الصغيرة القادرة على قتل سكان مدن كاملة...». كان صوت باول هادئا إلى درجة أن لا أحد انتابه الشك حول المجهود الكبير الذي بذله الرجل في إضفاء المصداقية على كلامه كما لو كان ممثلا كبيرا. فخلال الساعات القليلة التي سبقت تلك الحصة التاريخية، وبينما كان منهمكا في قراءة خطابه الذي صاغه بدله لويس ليبي، مدير مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، قفز باول من مكانه وهو غاضب مما قرأه: «لن ألقي هذا الخطاب، إنها التفاهة !»، ثم رمى الأوراق على الأرض. فقام ليبي، الذي لم يتأثر بما حدث، بجمع الأوراق التي تدين العراق،الواحدة تلو الأخرى ثم خاطب باول قائلا: «إنها الأدلة التي جمعتها مصالحنا خلال الأشهر الماضية. وأنت تعلم جيدا ما قاله وولفوفيتز. فأسلحة الدمار الشامل هي الدليل الوحيد الذي يمكن أن يتفق حوله الجميع». لكن باول أجابه محتجا: «لا شيء في الخطاب يستند إلى مصداقية حقيقية!». ورغم عدم إيمانه بمصداقية الأدلة، فهو وزير خارجية أعظم دولة في العالم، التي ضُربت في الصميم ذات 11 شتنبر 2001. لا شيء له مصداقيته في الخطاب، لكن باول يجب أن يقف صلبا في الصف، ويكفيه أن يضفي على خطابه نوعا من النبرة الصارمة وستتكلف وسائل الإعلام بالباقي. أربع ساعات بعد ذلك، وفي نهاية مرافعته، أصدر باول حكمه الذي سيغير مجرى تاريخ الشرق الأوسط حين قال: «واضح أن صدام حسين ونظامه لن يتوقفا في الطريق إذا لم نوقفهما نحن بأنفسنا». 14 فبراير 2003، بغداد مقهى الكرادة، وسط العاصمة العراقية، مملوءة عن آخرها. الجالسون يشرئبون بأعناقهم نحو التلفاز المعلق ليتابعوا آخر الأخبار. وفي انتظار وصول الأخبار، يتبادل الرواد مخططات وحيل النجاة من مصير مبهم. أحدهم، مقداد المهندس، يقول: «لقد بعت سيارتي. يجب أن نبيع كل شيء لأن أشياء رهيبة تتهيأ في الخفاء. صدام أطلق سراح سجناء الحق العام، فانتشر المنحرفون في الطبيعة بينما لا نعرف ما يريده الأمريكيون...». - أخي يرحل غدا رفقة أسرته، يهمس جاره. أتعرف كم يطلب سائق الطاكسي من أجرة مقابل المرور إلى سوريا؟». المحظوظون يتوجهون إلى المحطة الطرقية للرحيل إلى دمشق، التي يقصدها الفقراء بينما يقصد الأغنياء عمان الأردنية. على شاشة التلفاز ظهر دومنيك دوفيلبان بشعره ويديه الطويلتين وهو يقول: «لا أحد يمكنه أن يقول اليوم إن طريق الحرب أقصر من طريق عمليات التفتيش، كما أن لا أحد يمكنه أن يجزم بأن الطريق سينتهي إلى عالم آمن وعادل وأكثر استقرارا. لأن الحرب، دائما، هي تويج للفشل... واللجوء المبكر إلى خيار الحرب سيكون مثقلا بالنتائج الوخيمة... والتدخل العسكري يمكن أن يؤدي إلى نتائج تؤثر على استقرار تلك المنطقة الهشة، كما أنه سيقوي الشعور بالظلم، وسيزيد من التوترات، كما من شأنه أن يفتح الطريق لخلافات أخرى... إننا في معبد الأممالمتحدة ذاك بمثابة حراس للمثل السامية، حراس لنوع من الوعي. ويجب أن تقودنا مسؤوليتنا الثقيلة وشرف الاضطلاع بها إلى إعطاء الأولوية للعمل على نزع السلاح في إطار السلام...». لم يعد أي صوت يتردد في المقهى. وحده كان صوت «دومنيك دو فيلبان» يتردد في المقهى وترجمة ما يقوله تظهر على الشاشة. وفي الخارج، كان الشارع خاليا إلا من هدير محرك طاكسي، بين الفينة والأخرى، محملا بأغراض الراكبين الفارين، المسرعين لبلوغ الحدود قبل حلول الظلام. استمر صوت دوفيلبان يقول: «هذا كلام يقوله لكم اليوم بلد عريق مثل فرنسا، ينتمي إلى قارة عريقة مثل أوربا التي شهدت الحروب والاحتلال والوحشية. بلد لا ينسى ويعرف واجبه تجاه المقاومين من أجل الحرية الذين أتوا من أمريكا ومن خارجها والذي ظل واقفا أمام التاريخ وأمام الرجال. وفي إطار الوفاء لقيمها، تسعى فرنسا، مع كافة أفراد المجموعة الدولية، إلى القيام بما يمكن القيام به من أجل السلام...». تختفي الصورة وتظهر بدلها صورة صدام في بذلته الرسمية وهو يحدج بنظراته الوزراء العبيد، الجالسين مطأطئي الرؤوس حول الطاولة. خطب الرئيس في الجميع وقال: «الشعب يجب أن يعرف أن عليه تخزين المؤونة الكافية من صابون التنظيف. فالنظافة أساسية بالنسبة إلى شعبنا الذي سيعرف كيف يواجه المحتل وينتصر عليه...» - «أقفل التلفاز، صاح غاضبا مقداد؛ - هي، يا بني، رد شيخ يرتدي جلبابا مائلا إلى البياض، إننا ننتظر الأخبار. - أي أخبار؟ مرة أخرى سيعرضون علينا صورالقبائل المستعدة للموت من أجله !». فُتح الباب فجأة، فدخل رجل يتصبب وجهه عرقا إلى المقهى، ورمى بجسده فوق إحدى الموائد بالقرب من مقداد. - «رجال المخابرات قطعوا لسان أحد الفارين أمام الملأ في حي الحرية»، قال الرجل مذعورا. رمى المهندس بحزمة من الأوراق المالية العراقية التي تزن كثيرا لكنها لا تساوي شيئا، ثم سحب جسده إلى الشارع المقفر، الذي بدأت تتدفق إليه رياح الصحراء المعلنة على وشوك حلول الكارثة. 8 أبريل، بغداد، فندق فلسطين مدفع أمريكي يقصف الفندق الذي اجتمع فيه الصحافيون. أسفر القصف عن مقتل المصور التلفزيوني تاراس بروتسيوك وزميله الإسباني خوسي كوزو. وكان المبعوث الخاص ل«لونوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية، جون بول ماري، شاهدا مباشرا على «الخطإ»، وهو ما جعله يكرس كثيرا من الجهد، خلال عديد أشهر وسنوات، للتدليل على أن ما وقع في العراق كان كذبة دولة تغطي على جريمة كبرى. 13 أبريل 2003، المتحف الأثري نضال الأمين متولي تتجول، والدموع جارية على خديها، بين ركام التحف المهشمة، المتناثرة على الأرض. قبل أسبوع فقط، كانت مديرة لأحد أكبر وأهم المتاحف العالمية، التي تختزن خمسة آلاف قرن من تاريخ بلاد ما بين النهرين؛ آثار بابلية وأخرى سومرية، والكثير من التحف العريقة. كل شيء نُهب خلال يومين فقط، العاشر والحادي عشر من شهر أبريل. «لعنة الله عليهم، لعنة الله عليهم ...». وحده صوت المحافظة كان يمزق صمت المكان، بينما قلة من الصحافيين يصورون تارة قسمات وجه هذه المرأة الحزينة، وتارة أخرى يعودون إلى التحف المهشمة على الأرض. كان المتحف يوجد على لائحة المواقع الواجب المحافظة عليها، لكنه كان الثالث عشر في اللائحة بينما كانت وزارة النفط الأولى. الذهب الأسود قبل كنوز الذاكرة، طبعا! فقد كانت الدبابات الأمريكية، التي يُفترض فيها أن تحمي الحضارة وتوطد الديمقراطية، تتجه بأعداد كبيرة نحو هذا المبنى الاستراتيجي في خضم الفوضى التي سادت بغداد بعد سقوط المدينة في التاسع من أبريل. النهب الذي راح ضحيته المتحف الأثري العراقي تم على مرحلتين. فقد دخل فريق أول من الناهبين عبر مداخل لا يعرفها العموم، إلى القاعات التي جُمعت فيها، قبل أشهر، أهم القطع الأكثر شهرة لحمايتها من تداعيات القتال والقصف. ومما لا شك فيه أن خبراء هذا الفريق الأول سبق لهم أن خططوا لهذه العملية. وبعد استحواذهم على المسروقات غادروا المكان تاركين الأبواب مشرعة، لتبدأ المرحلة الثانية من النهب التي شارك فيها العامة دون أن يميزوا بين القيم وغير القيم من التحف والقطع الأثرية. أمواج بشرية هاجمت المكان وهشمت في طريقها الأسود الطينية، التي يعود تاريخها إلى أربعة آلاف سنة خلت، ونثرت رؤوس التماثيل الحجرية القديمة... حدث كل هذا أمام عيون أفراد المارينز الأمريكيين، الذين وجدوا في مشاهد النهب وتدافع الناهبين مناسبة حررت العراقيين «المتوحشين» مما كانوا عليه من حجر. ولما سُئل دونالد رامسفيلد في نيويورك عن رأيه في ما حدث بالمتحف العراقي أمام سيل مواقف الاستهجان العالمي، قفز الدبلوماسي الأمريكي على الحدث وقال: «يتعلق الأمر بأحداث من الطبيعي أن تقع مثل ما يقع من أحداث شغب في مقابلات كرة القدم!». 15 ألف قطعة أثرية سُرقت، استُرجعت منها خمسة آلاف بفضل إصرار وشجاعة العراقيين. أما بقية القطع فيتم تداولها، سرا، بين الولاياتالمتحدة وأوربا واليابان وتركيا وإيران. بعد أيام قليلة، تعرض متحف الفن العصري، بدوره، للنهب والسرقة وسط لامبالاة الجميع. فمن كان ليأبه لما جمعه الانطباعيون في بغداد من أعمال؟ ومن كان ليعرف أن الفن العربي في القرن العشرين وُلد في بغداد؟ بعد وقت قصير، أقام الجيش الأمريكي قاعدة من قواعده الجديدة في بابلون، وجعل فيها مهبطا لطائرات الهليكوبتر. وهو الأمر الذي أثار حفيظة مدير قسم الآثار القديمة الشرقية في المتحف البريطاني، جون كورتيس، وأدلى بالمقارنة الآتية: «الأمر كان كما لو أن أهرامات مصر أصبحت معسكرا حربيا!». 19 أبريل 2003، نيويورك في ظرف شهر واحد، أسفرت الحرب عن سقوط 300 2 ضحية من المدنيين حسب منظمة Body Count الأمريكية التي تعارض التدخل الأمريكي في العراق». 2 أكتوبر 2003، واشنطن دافيد كاي، الذي يشرف على فريق المحققين في العراق، المعينين من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، يقدم تقريرا أول يقول فيه: «لم نعثر على أسلحة الدمار الشامل في العراق». دافيد كاي هذا استقال من عمله في 23 يناير 2004، رافضا أن يستمر في المشاركة في لعبة كذب كبيرة مهدت للحرب على العراق. 28 مارس 2004، عمان التلفزيون يعرض صورا متواصلة لسجناء أبو غريب، وهم عراة، وعلى رؤوسهم أكياس بلاستيكية، يُكرهون على القيام بإيحاءات جنسية بينما لفت أعناقهم بحلقة جلدية كما لو كانوا كلابا من قبل جندية أمريكية وهي تبتسم. في الشقة الصغيرة التي اكترتها أسرة قاسم، القادمة من العراق قبل شهرين، بثمن خيالي، ظلت عينا الأب لا تفارق شاشة التلفزيون برغم توسلات زوجته، بشرى، له: - «أطفىء الجهاز، ستُجن يا قاسم.. - لقد جُننا، فعلا. فصدام بدأ العمل والأمريكيون آخذون في إنهائه». 19 ماي 2004، القائم أسر عراقية كانت تحتفل بزفاف أحد أفرادها في مدينة القائم، بالقرب من الحدود السورية. وبعد غروب الشمس بقليل، رأى المحتفلون طائرات تحلق فوق القرية. استبد بهم القلق، فقرروا وقف الاحتفالات. في عز الليل، بدأ القصف، وأصابت أولى القنابل خيمة كان ينام فيها 5 رجال. كانت الساعة تشير إلى حوالي الثانية وخمس وأربعين دقيقة صباحا. بعد ذلك، انطلق قصف كثيف استمر إلى غاية طلوع الشمس. خلف الهجوم 41 ضحية، من بينهم 10 أطفال، ينتمون كلهم إلى قبيلة أبو فهد، بينما برر القائد العام للقوات الأمريكية رتشارد مايرس ما وقع بأن الهجوم استهدف تجمعا لجهاديين ينتمون إلى القاعدة. إلا أن التحقيق وتصريحات الشهود أثبتت كذب هذا التبرير. أكتوبر 2004، لندن أوردت المجلة الطبية الإنجليزية The Lancet خبرا يقول إن الحرب خلفت 000 100 ضحية من المدنيين. 31 غشت 2005، بغداد 1000 ضحية تسقط فوق قنطرة على نهر دجلة إثر شيوع خبر حول وجود رجل انتحاري تسبب في ازدحام كبير. وكان جل الضحايا نساء كن في مسيرة حجيج نحو ضريح الكاظمية. في ظرف وجيز، كان سطح النهر قد غص بعبايات النساء الضحايا وصارت تبدو كما لو كانت أكفان سوداء. 19 نونبر 2005، مدينة حديثة فيلق مارينز يقتل 24 مدنيا عراقيا انتقاما لهجوم تعرض له موكبهم. 11 أكتوبر 2006، لندن بينت نتيجة تحقيق جديد أجرته مجلة The Lancet، بتعاون مع أطباء أمريكيين وعراقيين، أن عدد ضحايا الحرب في العراق بلغ 000 655 ضحية في صفوف المدنيين منذ مارس 2003. 5 مارس 2007، بغداد سيارة مفخخة تنفجر في سوق الكتب بزنقة المتنبي، القلب النابض للثقافة العراقية فيما قبل الحرب. أدى الانفجار إلى سقوط 38 قتيلا و65 جريحا. وفوق الجثث المتناثرة في مكان الانفجار حلقت آلاف الصفحات وسط غمامة كثيفة من الرماد واحترقت الكلمات مع الجثث. ولم يكن هذا الانفجار سوى واحد من حمامات الدم الكثيرة التي كان تقف وراءها إما القاعدة أو الشيعة أو الأمريكيين في نقط التفتيش العديدة. 13 يوليوز 2007، دمشق السابعة صباحا بالمركز الجديد للأمم المتحدة للاجئين العراقيين بضاحية العاصمة السورية؛ أعداد كبيرة من المواطنين العراقيين الفارين من هول الحرب والتطاحنات العرقية. أكثر من مليوني عراقي اختاروا المنفى. مليونان ونصف المليون منفيون داخل بلادهم، فارون من المناطق التي تشهد تصفيات على خلفية التعصب للانتماء العرقي. عن مجلة «ماريان» بتصرف. مليون ضحية من المدنيين 28 يناير 2008، لندن المعهد البريطاني Opinion research يجري دراسة مع معهد عراقي مستقل ويخلصان إلى أن الحرب في العراق خلفت، إلى حدود ذلك التاريخ، مليون ضحية من المدنيين، بينما تعمدت وسائل الإعلام الأمريكية التغاضي عن هذا التقرير رغم الجدية والموضوعية المعروف بهما المعهد البريطاني، الذي سبق له أن أجرى عددا من التحقيقات والتقارير لمصلحة المحافظين البريطانيين ومحطة «بي بي سي». 23 أبريل 2008، بغداد أدت معركة مدينة الصدر، التي قادتها القوات العراقية والأمريكية ضد أتباع مقتدى الصدر في الحي الشيعي الأكثر بؤسا في بغداد، إلى مقتل 1000 شخص. 19 أكتوبر 2008، واشنطن كولن باول يعلن دعمه لباراك أوباما، ويجيب عن سؤال طرحه عليه صحافي من محطة «سي إن إن» حول ما إذا كان دعمه لأوباما يعبر عن رفضه للحرب في العراق التي أسهم في اندلاعها، بأن «التدخل كان شيئا رائعا إلى حدود 9 أبريل 2003، اليوم الذي سقط فيه تمثال صدام. بعد ذلك لم نعد نفهم شيئا مما يجري، ولم نكن مستعدين... وكل شيء انتهى إلى الأسوأ...». 20 أكتوبر 2008، باريس مقداد العراقي يقلب بعض صوره ويقول: «هذه هي مدينة الجدران. هذه مدينتي، بغدادي اليوم وإن كانت لا تشبه أي مدينة ولا بغداد». مرت السنون الخمس الأخيرة مرورا ثقيلا. كانت أطول وأثقل من قرن من الزمن بالنسبة إلى مهندس مقهى الكرادة هذا. أمضى جزءا من هذا الزمن متنقلا بين أوربا، التي له بها بعض الأصدقاء، ودمشق وعمان ووطنه المعذب. مقامه في العراق صار أخطر من أي وقت مضى، فقد ورد اسمه في إحدى اللوائح السوداء لأنه شيعي علماني. صور مقداد تظهر فيها عشرات التحصينات الإسمنتية بعد أن باتت بغداد مقسمة إلى قطاع شيعي وآخر سني وثالث مسيحي. وكما كل يوم، انفجرت السيارة الأولى في صبيحة هذا اليوم بالعاصمة بغداد، وانفجرت أخرى في الموصل بالشمال العراقي، فيما آلاف المسيحيين يهربون من المجازر التي تهدد حياتهم. توقف مقداد عن النظر إلى صور المتاريس الإسمنتية وسرح بنظره في صور الأشلاء الآدمية التي تبثها الجزيرة قبل أن يمرر يديه على وجهه كما لو كان يترحم على جميع موتى العراق.