غريب أمر بعض الوزراء عندنا ، تقع كوارث حقيقية تدخل في نطاق مسؤولياتهم يروح ضحيتها ناس أبرياء بسبب الإهمال والتهاون والتقصير ثم يأتون إلى التلفزيون ووكالات الأنباء وعوض الاعتذار لأهالي الضحايا تراهم يحاولون تبرئة أنفسهم وزملائهم ومرؤوسيهم من كل مسؤولية وإلصاق التهمة لعوامل أخرى خارجة عن إرادة البشر . كل الوقائع وشهادات الشهود في فاجعة سقوط صومعة مسجد باب البردعاين بمكناس تفيد بأن تحذيرات أطلقها قبل وقوع الكارثة بعض المصلين من سكان الحي ومنهم المؤذن القيم على هذا المسجد الذي سبق له إشعار السلطة المحلية بالخطر المحدق بالناس ، ورغم ذلك يظهر وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة ساعات بعد وقوع الكارثة ويستبعد أمام الملأ كل مسؤولية بشرية ، مستبقا بذلك نتائج التحقيق في الحادث ومصدرا حكمه قبل أن ينتهي رجال الإنقاذ من انتشال آخر الجثث للقتلى والجرحى من تحت الأنقاض ، وقبل تشكيل أي لجنة تقنية للتحقيق في الأسباب المختلفة للحادث ملصقا وملبسا التهمة لأحوال الطقس . وإذا ما سايرنا الوزير خالد الناصري في طرحه وتفسيره لما جرى وإقحامه للعوامل الطبيعة في أمور هي من صميم التدبير البشري ، وتدخل في إطار ما يعرف بتسيير الشأن العام المحلي والوطني ، فلا نستغرب إذا ما فاجأنا في يوم من الأيام وزير الداخلية مثلا وأصدر مذكرة تقضي بحبس وتغريم كل شخص خرج إلى الشارع بلباس صيفي في عز فصل الشتاء وفي يوم بارد وماطر بتهمة الاستهتار بأحوال الطقس ، وهذا أمر غير مستبعد ما دام لأحوال الطقس كل هذا الاعتبار في منطق وزرائنا ونمط تفكيرهم السوريالي . صحيح أن ما وقع لمسجد مكناس هو قضاء وقدر ونحن نؤمن بقضاء الله وقدره ، لكننا لا نقبل أن يأتينا في كل مرة تقع كارثة من يلقي باللائمة على السماء وعلى سوء الأحوال المناخية ، ويغسل أيدي الحكومة من كل أثر لمسؤوليتها ، وكأن الوزراء لا يتقاضون أجورهم ولا تخصص الدولة لوزاراتهم ميزانيات ضخمة للقيام بالمهام المنوطة بهم على أفضل وجه من أجل السهر على شؤون المواطنين وأمنهم وسلامتهم . كان على الوزير خالد الناصري وهو المحامي والحقوقي إعطاء تفسير تقني وعلمي لما جرى بعيدا عن منطق غطي علي نغطي عليك ، وكان يفترض فيه كقيادي سياسي ينتمي لحزب تقدمي محسوب على معسكر اليسار أن يقف إلى جانب الشعب وإلى جانب المستضعفين والضحايا والمتضررين ، لا إلى جانب المستهترين بحياة وصحة المواطنين ومن تطوق مسؤولية ما وقع رقابهم وأعناقهم بشكل أو بآخر إلى يوم الدين ، حتى ولو كانوا زملاء في حكومة صاحب الجلالة. والحقيقة التي لا غبار عليها أن مسؤولية وزير الأوقاف وأطر وزارته ومندوبه الجهوي بمنطقة مكناس تافلالت ثابتة ثبوت هلال شهر رمضان في ليلة قمرية ، لكنه رفض الإقرار بمسؤولية وزارته وأصر على صم أذنيه تجاه الأصوات المنادية بتقديم استقالته على الأقل تعبيرا منه عن أسفه لما وقع وتضامنه وتعاطفه مع أسر الضحايا ، وأبى إلا أن يتشبث بمنصبه وكرسيه الوثير كما تشبث إمام أحد المساجد بفاس بموقعه كخطيب جمعة عندما عبر له عدد كبير من المصلين من سكان الحي الذي يوجد به ذلك المسجد عن عدم رغبتهم في إمامته لهم لأسباب متعددة . ولما رفض التنحي التجأ الناس إلى القائمين على الشأن الديني محليا واشتكوا للسلطات المحلية من الإمام وطالبوا بإبعاده وتعيين بديل له فوعدوا خيرا بحل هذا المشكل . إلا أنهم يفاجؤون في يوم الجمعة من ذلك الأسبوع بنفس الإمام المشتكى به يعتلي المنبر ضدا على رغبة ومساعي عدد هائل من المسلمين ، والطامة الكبرى أنه خصص جزءا كبيرا من خطبته لتلك الجمعة لتقطير الشمع على المعترضين على إمامته وتحديه لهم وتشفيه فيهم ، ولسان حاله يقول للمصلين من سكان الحي " أنا هنا في هذا المنصب بت نبت شاء من شاء منكم وأبى من أبى ، موتوا بغيظكم أيها الحاسدون واللي ما عندو سيدو عندو للاه ، متجاهلا بذلك كل الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص الإمام الذي يؤم الناس في الصلاة وهم له كارهون . وعندما يقول أحمد التوفيق لوسائل الإعلام بأن فاجعة مسجد مكناس وقعت بشكل مباغت و لم يكن بالمستطاع توقع حدوثها ، فكأنما يريد أن يقول لكل الضحايا ما عندنا ما نديرو لكم أنتم الذين أتيتم إلى المسجد قبل أن تعلمنا الصومعة بأمر سقوطها وانهيارها شوفو مع أحوال الطقس وارفعوا دعوى قضائية ضدها . وهذا العتاب من وزير أوقافنا يحتم على كل الذين ماتوا تحت أنقاض سقف وصومعة مسجد السيدة خناتة بنت بكار الخروج من قبورهم ليقولوا له من جهتهم اسمح لنا يا معالي الوزير على كل ما تسببنا لكم فيه من مشاكل وإزعاج ، ولو كنا نعلم بأن صومعة المسجد ستقع على رؤوسنا وتنهي حياتنا لما كنا أتينا للصلاة في ذلك اليوم ولما غادرنا فراشنا بالمرة . لو خرج هؤلاء الشهداء من أجداثهم وقدموا هذا الاعتذار الجميل للسيد الوزير فسيكونون بكل تأكيد أروع وأنبل من ذلك الرجل القروي الذي لدغ ابنه الصغير ثعبان ، فنقله على وجه السرعة إلى مستوصف البلدة ولم يتأخر دقيقة واحدة ، لكنه لما وصل رفض الطبيب والممرض التعامل مع حالة ابنه وتقديم الإسعاف الضروري له بدعوى أنه تأخر كثيرا ولم يأت به في الوقت المناسب ، فقال لهم أنا أعتذر لكم واسمحوا لي لو كان يسحابني هكذا وكان جبتو ليكم قبل ما يعضو الحنش!. [email protected]