منّ الله علينا سبحانه وتعالى في الآونة الأخيرة بأمطار غزيرة أنبتت الزرع وملأت الضرع بعد أن توجه المؤمنون بالتضرع والدعاء في المساجد أن يسقي عباده وينشر رحمته ويحيي بلده الميت. وكان من لطيف البشائر أن سقانا الله في شهر رمضان الفضيل شهر الطاعات والصيام والقيام والجود وتلاوة القرآن وتصفيد الشياطين وإقبال الناس عن الخير وإدبارهم عن الشر فكانت طاعاتنا إلى الله صاعدة وخيره إلينا نازلا ورأينا في الواقع مصداق قوله تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) وقوله تعالى في سياق الآيات التي نزلت بشأن رمضان (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليؤمنوا بي وليستجيبوا لي لعلهم يرشدون) فيما سألناه لما استجبنا له فيما أمرنا به أي لما ترجمنا إيماننا إلى طاعات وإلى أعمال. وإذا كان من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيته للمطر الغزير قوله: (اللهم حوالينا ولا علينا) وقوله: (اللهم صيبا نافعا) فإن من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا نركن فقط إلى الدعاء فقد أمر رجلا جاء يسأله الدعاء (أعني على نفسك بكثرة السجود) ومعناه أن الدعاء ينبغي أن يسبقه الأخذ بالأسباب. لكن مياه الرحمة التي شملت بلادنا في الأيام الأخيرة قد تحولت إلى كوارث في عدة مناطق من المغرب بسبب الفيضانات التي ارتبطت بها، وهي الفيضانات التي سببها الأول غياب بعض البنيات الأساسية مثل السدود التلية وهشاشة ما هو قائم منها مثل ارتفاع قنوات الصرف وضيق بعضها الآخر وعدم إنجاز قنوات بعض الوديان وضعف صيانة بعض مجاري الأودية الموسمية وتنقيتها والسماح بالبناء في مجاريها وعدم الاهتمام بتصريف المياه وتوجيهها عند بناء المشاريع الكبرى كما هو الشأن بالنسبة للطريق السيار الرابط بين برشيدوسطات، وعدم بناء جدران واقية على الوديان الموسمية مما يؤدي إلى اجتياحها للمساكن والأراضي الفلاحية... وهلم جرا... مما يتأكد معه أن الفيضانات الأخيرة وإن كنا لا ننفي أنها في المقام الأخير من قدر الله، لأن كل شيء في الإسلام هو من قدره، هي ناتجة عن تقصير بشري، أي عن تقصير في العناية بالتجهيزات المذكورة وإقامة ماهو ضروري منها، بل والغش في الإنجاز حتى إن بعضها قد تضرر من الأمطار الأخيرة ولما تمر على إنشائه أسابيع قليلة. المسؤولية البشرية إذن قائمة في الفيضانات الأخيرة ونقصد بالذات هنا مسؤولية المجالس البلدية ووزارة الداخلية ووزارة التجهيز ومصالحها المركزية والخارجية.. هذا مع العلم أن بعض الفيضانات قد تكررت في بعض الأقاليم مثل إقليمسطات وبني ملال وكانت هناك تحذيرات متواصلة من المخاطر التي تتهدد السكان من جراء الأمطار الموسمية. في أقل من شهر إذن تعرض المغرب لعدة كوارث ذهب ضحيتها عشرات الضحايا بدءا بحريق سجن الجديدة ومرورا بالفيضانات الأخيرة وانتهاء بالحريق المهول الذي عرفه لاسامير بالمحمدية وفي الدول الأوروبية يستقيل المسؤولون عند اتضاح المسؤولية البشرية مثل هذه الكوارث. وحتى لا نذهب بعيدا ففي مصر استقال وزير النقل عند نشوب حريق مهول في قطار، أما في المغرب فمهما تكررت الكوارث وسقطت الأرواح فإنه لا شيء يتغير ويغدو ويروح المسؤولون إلى مكاتبهم ويجلسون مطمئنين على كراسيهم بل إنهم يكرمون بترقيتهم إلى مناصب رفيعة مهما ارتكبوا من كوارث ومهما أظهروه من فشل في تدبير قطاعات حكومية وفي الخوصصة ووزارتها السابقة الخبر اليقين، وبما أنه لا حياة لمن تنادي ولا نأمل في أن نرى وزيرا من الوزراء الجدد أو القدامى مقدما على الاستقالة مؤسسا لثقافة تحمل المسؤولية، فلا أقل من أن تفتح الحكومة تحقيقا في الأحداث الأخيرة لتحديد المسؤوليات ومعاقبة الذين تسببوا بالغش في التجهيزات أو عدم أخذ التحذيرات مأخذ الجد في سقوط عشرات الأرواح وفي الخسائر المادية الجسيمة فمن هنا نبدأ الإصلاح. رحم الله الموتى وأحيا الله روح المسؤولية في المسؤولين القدامى والجدد.