الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد: عباد الله: الحق جل جلاله قال في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} (183-184) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ }النداء للمؤمنين والمؤمنات الذين قال لهم الله أسلموا قالوا أسلمنا، وكل واحد منكم قال: أسلمت لرب العالمين، فأجيبوا نداء الله وقولوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة 285). {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} المعنى: فرض الله عليكم أنتم أيها المؤمنون "الصيام" لتكونوا به من المتقين المهتدين بهذا القرآن الكريم، مثل الذين آمنوا بالأنبياء من قبلكم. {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} هي أيام شهر رمضان كما جاء معيناً في الآية الأخرى من قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185البقرة). عباد الله: إن من صفات المؤمنين والمؤمنات الحاصلين (اقتناص الفرص) والاستفادة من المناسبات، بما يحقق أهدافهم الإيمانية والإنسانية في الحياة، فالفرق بين التاجر الناجح في تجارته والآخر الفاشل، هو أن الأول يقتنص الفرصة ويستفيد من المناسبة، وطالما أننا في شهر رمضان المبارك فعلى كل مؤمن ومؤمنة اغتنام فرصته والاستفادة منه في تغيير الحياة نحو الأفضل... أخي الكريم: إن المدقق في شهر رمضان المبارك، يرى أن كل شيء في الكون والأرض يتغير، ولهذا فان كل الكتب السماوية والتي غيرت من وجه الأرض وأوضحت للناس طريق الحق، نزلت في رمضان، التوراة والإنجيل، والزبور، وآخرها القرآن، بل أن السماء في رمضان تتغير فتصفد الشياطين وينادي مناد: (يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)، فالجوّ كله مهيأ للتغيير، ويساعد على ذلك وضع الناس، فالمساجد تتغير، والمصاحف يكثر قراءها، وأخلاق الناس تتغير، والمعاصي تقل والطاعات تكثر، ويكون للروح شفافية ولهذا حذرنا النبي عليه الصلاة والسلام عدم اغتنام الفرصة والاستفادة من هذا الشهر والتغيير فيه عندما قال: ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر)) فالصائم هنا لم يغير شيئا من صفاته السلبية ولم يستبدلها بصفات إيجابية. فاحرصوا عباد الله على أن لا يمر بكم وقت بغير عمل صالح، وإذا غفلتم فاستدركوا، فقد لقي حنظلة t أبا بكر الصديق، فقال: يا أبا بكر لقد رأيت حالي في حال المنافقين، فقال: ولم؟ قال حنظلة ألسنا حين نكون مع رسول الله e ترق أرواحنا وترق نفوسنا، فإذا انصرفنا عنه تبدل الحال غير الحال؟ فقال أبو بكر: هلم بنا إلى رسول الله e .. فقال: رسول الله e لو كنتم كما عندي لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة. فعلاج الغفلة التذكر والتبصر والاتصال بالله تبارك وتعالى..{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[الأعراف201] فإذا مس الشيطان قلوبنا بمسيس الغفلة، وفوت علينا نصيباً من الخير فعلينا أن نجد السير ونبذل الجهد، ونقبل على الله{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ(25)}[الشورى 25. عباد الله: رمضان شهر نستدر فيه ما فات ونستثمر فيه ما قل، ونتغير في حياتنا نحو الأفضل، يقول نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم: [إذا أقبل رمضان غلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين، ونادى مناد من قبل الحق تبارك وتعالى: يا بغي الشر أقصر، ويا بغي الخير هلمّ] المطلوب عمله ثلاثة أشياء: الشيء الأول: كل واحد يرجع إلى حياته قبل رمضان، فيجمع مواضع الانزلاق إلى الشر والعصيان ويصنفها، ويضع خطته في رمضان هي التقليل منها ثم الابتعاد عنها إلى الأبد طول الحياة قدر المستطاع، وبالخصوص الكبائر وهذا ما نادى به المناد من قبل الحق تبارك وتعالى[يا بغي الشر أقصر] الشيء الثاني: حصر العبادات اليومية طوال السنة مثل: الصلوات الخمس، والصلاة في المسجد، وزكاة المال، وتلاوة القرآن، وصلة الأرحام، وطلب العلم، والاهتمام بالأسرة، والإطعام في سبيل الله... يزيد حرصك على أداء الصلوات الخمس في وقتها، ويزداد حضورك في المسجد، وتكثر صدقتك المالية، وتزيد حصتك في تلاوة القرآن الكريم، وتتصل بأفراد عائلتك بوسائل الاتصال وتسأل عنهم وتزورهم- إن كان بإمكانك- أكثر، وتعد نفسك للجلوس في دروس رمضان، في المسجد، والبيت أمام التلفاز، وفي كل مكان، وأن تعقد في بيتك بينك وأفراد أسرتك جلسة إيمانية أو قيام ليل، ولا تنسى الوالدة والوالد المتوفي منهم بالمغفرة والرحمة، والحي منهم بالإحسان والعطاء وكثرة الاتصال لطلب المسامحة والرضا، كما لا تنسى أولادك وخصوصاً العاصي منهم، بالدعاء لهم عند الإفطار وفي السجود وفي ركعة قبل السحور. الشيء الثالث: استثمار خصوصيات رمضان النهارية منها والليلية مثل: في رمضان تقل واجبات الطعام، فالأولوية إنفاق ثمنها اليومي طول شهر رمضان اقتداء بالحبيب صلى الله عليه والسلام. الصائم أثناء صومه في عبادة، فالأولوية لتلاوة القرآن وذكر الله وكثرة الاستغفار، فالصوم والقرآن يشفعان لصاحبهما. أفضل الصدقة في رمضان إفطار الصائم، فالأولوية أن تساهم بأكبر حصة في مشروع الإفطار التي تقوم به المؤسسات الخيرية. صلاة التراوح خاصية من خاصية رمضان تجمع بين التواجد في المسجد وقيام الليل وصلاة الجماعة، فالأولوية في وقتها عدم الاهتمام بغيرها إلا ما كان عند الله في حينها أفضل منها، مثل إسعاف مريض، أو القيام بحراسة المسجد، أو الذهاب في قضاء حاجة أخيك، أو خدمة المصلين. صلاة التهجد وهي تبدأ بعد نصف الليل وبالخصوص في الثلث الأخير، فالأولوية، أن تصلي في بيتك، أو في المسجد ولو رٌكَيْعَات فإنها ساعة الإجابة. الاعتكاف وبالخصوص في العشر الأواخر، فالأولية، ترك كل الأعمال الذي لها وقت آخر للجلوس في المسجد لذكر الله وتعلم العلم وتلاوة القرآن الكريم. ليلة القدر، الموجودة ضمن ليال العشر الأواخر، فالأولوية، شد الهمة في لتهجد وكثرة الدعاء فإنها فرصة لتعويض ما فات وتحصيل ما لا عين رأت فإنها خير من ألف شهر. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.