محمد يتيم الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في حوار مع "التجديد" : الحوار نضال على طاولة المفاوضة و الاحتجاج هو حوار على الساحة . كيف يمكن قراءة الإضراب الوطني الأخير الذي شمل عدة قطاعات في ظل استمرار الحوار الاجتماعي؟ الإضرابات التي عرفتها عدة قطاعات هو جزء من الدينامية الاجتماعية الطبيعية ، وكما أقول دائما إن الحوار هو نضال على طاولة المفاوضة في حين أن الاحتجاج هو حوار على الساحة . الإضراب هو لغة ورسالة ، ونحن حين نلجأ إلى الإضراب نلجأ إليه مكرهين ، ونحن في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب نقول دوما أبغض الحلال في وسائل النضال الإضراب ، وكما أن أحد شريكي العلاقة الزوجية قد يلجأ إلى الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله كذلك قد تلجأ التنظيمات النقابية إلى الإضراب ، وكما أن الطلاق قد يكون رجعيا أو بائنا بينونة صغرى أو كبرى فإن العلاقة بين الشركاء الاجتماعيين قد تصل إلى نوع من الطريق المسدود . نحن لا نلجأ إلى الإضراب إلا مكرهين ومضطرين أي إلا إذا وصد وجه الحوار في وجهنا أو إذا فقد مصداقيته وجدواه أو تحول إلى وسيلة للتسويف والتنكر للالتزامات السابقة . المشكل أنه هناك أزمة في الحوار الاجتماعي على المستوى القطاعي ، والقطاعات المذكورة فضلا عن عدم التزام بعضها بمقتضيات اتفاقات سابقة ، لم تلتزم بالورقة الإطار الموجهة للحوار الاجتماعي والتي تؤكد على مواكبة الحوارات القطاعية للحوار المركزي . وفي مثال التعليم تقدمت النقابات الأربع ،وهي الجامعة الوطنية لموظفي التعليم والنقابة الوطنية للتعليم والجامعة الحرة للتعليم والجامعة الوطنية للتعليم بعد الإضراب الإنذاري بطلب إلى السيد وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي من أجل عقد لقاء لعرض وشرح مطالب الشغيلة التعليمية ، وقدمت شخصيا خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة التربية الوطنية بلجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب نسخة من الطلب الذي كانت قد حررته النقابات الأربع في نفس اليوم أي قبل شهر أو يزيد ، وطالبت الوزير باستقبال النقابات ، وللأسف الشديد لم يحدث ذلك ، وهو مما سيزيد في تعقيد الوضع . الأكثر من ذلك أن الوزارة تعترف بمشروعية مطالب رجال ونساء التعليم ورفع السيد الوزير أحمد اخشيشن في ذلك رسالة إلى السيد الوزير الأول ، كما ان السيدة وزيرة التعليم المدرسي صرحت بأن المطالب المطروحة قابلة للحل . والواقع أنه لا يكفي أن ترفع وزارة التربية الوطنية رسالة إلى السيد الوزير الأول وكأن وزارة التربية الوطنية نقابة تعليمية فهي جزء من الحكومة تتحمل مسؤولية تضامنية ، ويجب أن تقدم أجوبة ملموسة وتلتزم من جهة بالالتزامات السابقة وعلى رأسها تتنفيذ اتفاق فاتح غشت 2007 الموقع في عهد الحكومة السابقة واستحقاقات الحوار الاجتماعي والورقة الإطار المنظمة له التي تقضي بمواكبة الحوارات القطاعية للحوار الاجتماعي. رهن وزير التشغيل والتكوين المهني جمال أغماني في تصريح في البرنامج الشهري "حوار" الذي بثته القناة التلفزية "الأولى" أخيرا الزيادة في الأجور بدراسة قال أنها ستكون جاهزة خلال السنة المقبلة وقال أنه سيتم على ضوئها تحسين نظام الأجور، ما تعليقكم على ذلك؟ هذه من النقاط الجوهرية للخلاف بيننا وبين الحكومة في الحوار الاجتماعي المركزي منذ جولة أبريل 2008 وخلال جولة أبريل 2009 . الحكومة تعتبر أن ما قدمته من عرض أحادي الجانب هو سقف الحوار ونهايته ، ونحن رفضنا ذلك وتحفظنا على العرض الذي كانت قد جاءت به خلال الجولة المذكورة ، ونحن في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب نحس أن الحكومة تريد ترحيل أي حوار عن الزيادة في الأجور وتحسين الدخل من الناحية العملية إلى القانون المالي لسنة 2011 أو إلى سنة 2012 وربما إلقاء تبعاته على الزمن الحكومي القادم . نحن تحفظنا على عدم إدراج نقطة تحسين الدخل والترقية الاستثنائية في جدول أعمال دورة أبريل من هذه السنة لأننا كنا نتمنى أن تبحثها الدورة المذكورة كي يكون قانون المالية لسنة 2010 هو المجال لتطبيقها . لكن الحكومة أصرت على ترحيلها لسنة 2010 وربطتها بصدور دراسة حول منظومة الأجور وهي الدراسة التي لا ندري متى ستصدر وعن أي نتائج ستسفر وربما قد تقدم للحكومة ذرائع إضافية لعدم الاستجابة لهذا المطلب الأساسي والطبيعي الذي يجد مشروعيته في التراجع المتواصل للقدرة الشرائية الشغيلة ، والارتفاعات المتواصلة في مؤشرات تكلفة العيش التي تأكل بسرعة الزيادات المحتشمة التي أقرتها الحكومة . وللأسف الشديد فقد صرح السيد وزير التشغيل خلال البرنامج الذي أشرتم إليه وأوحى للصحفيين بأنه وقع الاتفاق مع النقابات على تأجيل مطلب الزيادة في الأجور وترحيل البدء في نقاشه إلى سنة 2010 والواقع أننا أكدنا في محضر منهجية الاشتغال وجدول الأعمال وليس محضر الاتفاق كما رود على لسان السيد الوزير إلى تمسكنا بإدراج نقطة تحسين الدخل ومطلب الترقية الاستثنائية في جدول أعمال دورة أبريل 2009 ، ولو نظر الصحفي إلى المحضر الذي تحداه السيد الوزير بقراءته لوجد التحفظ المشار إليه . أما تعليقي على ذلك فأعتقد أن السيد الوزير على غرار الحكومة يخلط عن قصد أو غير قصد بين مطلب الزيادة في الأجور كوسيلة للحد ولو نسبيا من تدهور القدرة الشرائية ، وفي الحقيقة فهذا إجراء ينبغي أن يكون آليا من خلال آلية المقايسة أو السلم المتحرك للأجور الذي سبق للحكومة في عهد السيد ادريس جطو بأن وعدت بمدارسته وتفعيله ، وبين إصلاح منظومة الأجور الذي هو إصلاح بنيوي ، وربط الزيادة به هو مجرد تهرب من الاستجابة لمطلب اجتماعي موضوعي من أجل تحسين القدرة الشرائية للشغيلة ، فضلا عن أنه ضرورة اقتصادية وتنموية من شأنها تحسين الطلب الداخلي وإنعاش الدورة الاقتصادية . الإضرابات في قطاع التعليم تثير استياء الآباء كونها تزيد من تدهور التحصيل الدراسي لأبنائهم هل تفكر النقابات في إستراتيجية نضالية تكون أقل تكلفة على المواطنين عموما وفي قطاع التعليم والصحة بالخصوص؟ أولا تنبغي الإشارة إلى أن الإضراب ممارسة حضارية جاري بها العمل في كل الأمم الديمقراطية . الإضراب رغم ما له من تكلفة ، ونحن أول من يقدر هذه التكلفة ويشعر بها ، هو آلية من آليات تنشيط الحياة الاجتماعية والضغط من أجل تحقيق المطالب المشروعة بل والضغط من أجل أن يتم حوار جدي ومنتج ومسؤول . نحن عندنا عدة تجارب في عدة قطاعات مثل الفوسفاط والسكك الحديدية نسبيا حيث الحوار مهيكل ومنتج والشغيلة مطمئة على حقوقها ومن ثم ناذرا ما يتم اللجوء إلى الإضراب . ولهذا فنحن كما قلت لا نلجأ إليه إلا مضطرين . أما استياء الآباء أو المرتفقين فهذا أمر طبيعي وحاصل ، ونحن كذلك وعائلاتنا وأقاربنا مرتفقون نتضرر بما يتضرر به غيرنا ، ولا بد أن يحصل بعض الضرر من جراء الحركات الاحتجاجية كما يحدث مثلا في إضرابات قطاع النقل . لكن نحن فيما يتعلق ببعض القطاعات الحساسة مثل قطاع الصحة مع مبدأ تأمين الحد الأدنى من الخدمات ، ومع مبدأ تعويض التلاميذ بأشكال مختلفة يمكن لرجال ونساء التعليم أن يفكروا فيها ، لكن وجب أن نستحضر في حالة التعليم والصحة أمرين : أن الاحتجاجات الأخيرة لا ترتبط فقط بالمطالب المادية للشغيلة في هذه القطاعات بل بتحسين ظروف العمل بما يؤدي إلى جودة الخدمات المقدمة أي أنها أيضا دفاع عن حق التلاميذ في جودة التعليم وحق المرضى في جودة العلاج وجودة الاستقبال وجودة التأطير . القضية الثانية : أن الحكومة مسؤولة والقطاعات المعنية التي ترفض فتح الحوار أو تمارس حوارا مغشوشا أو تسوف في الاستجابة للمطالب المشروعة هي المسؤولة أولا وأخيرا عن تدهور التحصيل أو توقف بعض الخدمات الصحية خلال فترة الإضراب. في كل مناسبة تثار مسألة اقتطاع يوم الإضراب من أجرة المضرب، وتقول النقابات أنه مس بحق الإضراب الذي يكفله الدستور وهناك من يرى أن حق الإضراب يتعلق بتنظيم الإضراب في حد ذاته بينما اقتطاع الأجر يتعلق بخصم مقابل يوم العمل غير المنجز، ما تعليقكم على هذا ؟ هذا النقاش نقاش عقيم وهو يظهر كلما فشلت الحكومة أو أي من وزاراتها في إدارة الحوار والوصول به إلى بر النجاة ، حيث تبدأ الحكومة في التلويح والتهديد بالاقتطاعات . دلالة الاقتطاع أو التلويح به بغض النظر عن النقاش القانوني حول مشروعية أو عدم مشروعية الاقتطاع هو فشل الحكومة أولا في الاستجابة للمطالب وثانيا في إدارة الحوار وتوفير شروط سلم اجتماعي موضوعي . الاقتطاع هو قرار سياسي وعدم الاقتطاع هو أيضا قرار سياسي يؤشر على طبيعة الوجهة التي اختارتها الحكومة هل هي وجهة ديمقراطية اجتماعية أو وجهة تسلطية من أجل خدمة مصالح فئة محظوظة . هو مؤشر هل تتجه الحكومة في اتجاه دعم النقابات كشريك اجتماعي مسؤول أم تتجه إلى إقامة فراغ اجتماعي لن تملأه إلا الحركات العدمية أو الاحتجاجات الاجتماعية غير المؤطرة . بطبيعة الحال نحن نعتقد في ظل السياق المغربي أن الاقتطاع هو استهداف للعمل النقابي ، هو مس بحق دستوري في المحصلة . ومن الأمور التي يحتج بها بعض المسؤولين الحكوميين أن بعض الموظفين يضربون مع جميع النقابات ، وهذا إن كان يشير إلى أن المشهد النقابي له مشاكله الخاصة إلا أنه يشير إلى أن المطالب المعبرعنها مطالب حقيقية وموضوعية . كما ينبغي أن لا ننسى أنه جزء من الحالة العامة ، ويتأثر هو الآخر بحالة التردي العامة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي ، وضعف التأطير وكما أنه يسائل النقابات فهو يسائل هذه الوضعية العامة فضلا عن الاستهداف الذي تعرض له العمل النقابي والحريات النقابية منذ عقود فضلا عن الإساءات التي تعرض لها من طرف بعض المحسوبين عليه . يلاحظ أن النقابات الأربع تخوض إضرابات "وحدوية" هل يمكن اعتبار ذلك استراتيجية نضالية بينها أم مجرد تلاقي يفرضه تخوف بعض النقابات من فشل المبادرات المنفردة؟ سواء كان الأمر يتعلق بالأولى أم بالثانية فإن المحصلة والنتيجة واحدة وهي الأهم أي الالتقاء في الدفاع عن المطالب الأساسية للشغيلة . نحن في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ننطلق في ذلك من قناعة مبدئية تنص عليها بوضوح رؤيتنا النقابية حيث تؤكد على وحدة الطبقة العاملة بجميع معاني الوحدة سواء وحدة الإطار الذي يبدو اليوم في المغرب صعبا لأسباب تاريخية أم بوحدة النضالات على قاعدة وحدة المطالب أو تقاطعها على الأقل , وكنا سباقين إلى الدعوة إلى تنسيق المواقف ، كما أن التقاءنا على مائدة الحوار الاجتماعي عزز التقارب بيننا الذي تحول إلى تنسيق خلال السنة الماضية على المستوى المركزي بينما كان التنسيق القطاعي متقدما في كثير من القطاعات . لكن التنسيق لا يمليه الخوف من فشل المبادرات المنفردة فقد نقدر في لحظة من اللحظات اللجوء إلى مبادرات منفردة إذا وقع اختلاف في تقييم الوضع الاجتماعي وفي تقدير الإجراءات النضالية المناسبة في مرحلة من المراحل . التنسيق اليوم يمليه الالتقاء في المطالب وفي تقييم الوضع الاجتماعي ، كما يمليه التعارف والثقة المتزايدة بين الأطراف واليقين بأن العمل الوحدوي يعطي لمطالب الشغيلة زخما ومصداقية أكبر. ما رأيكم اتهام النقابات المضربة بتسييس العمل النقابي؟ السياسة ليست تهمة بل هي فضيلة حين تستخدم لأهداف نبيلة ، والعمل النقابي هو وجه من أوجه ممارسة السياسة بمعناها النبيل أي باعتبارها سعيا إلى المصلحة العامة ، وحتى بالمعنى التقني فإن العمل النقابي يمارس السياسة . النقابات مثلا ممثلة في مجلس المستشارين الذي يناقش السياسات الحكومية ويراقبها ويمارس صلاحيات تشريعية وهذا من صميم السياسة وتدبير الشأن العام . وكل إضراب له هذا البعد أيضا أي من حيث هو احتجاج على سياسة معينة ومطالبة بمراجعتها . أما إذا كان المقصود هو توظيف مطالب الشغيلة من أجل تحقيق أهداف سياسية لحزب معين أو ضد حزب معين فهذا نرفضه ، ولهذا فإن الفيصل في الحكم على إضراب معين ليس هو اتهامه من هذه الجهة أو تلك بأنه إضراب سياسي بل هو مدى مشروعية الملف المطلبي الذي تمت الدعوة على أساسه إلى الإضراب . ولا يضر آنذاك أن يتضرر منه طرف سياسي أو يستفيد منه طرف آخر . بطبيعة الحال بهذا المعنى الذي أشرت إليه كل إضراب هو إضراب سياسي ، وعدم الإضراب حين يتوجب الإضراب هو أمر سياسي أيضا. *يومية "التجديد"