صور : طارق الشامي وسط ردود عنصرية صادرة من التواجد الإسباني بمليلية اختتمت يوم أوّل أمس الخميس ببني انصار (12 كيلومترا من النّاظور)، مراسم الاحتفاء بمرور مائة سنة على انتصار المقاومة الريفية ضمن معركة "إِغْزَارْ نْ أُوشْنْ | وّادي الذئب" الوالجة ضمن أولى شرارات وقوف المغاربة في وجه الأطماع الاستعمارية برسم القرن الماضي، حيث أنّ الموعد الذي استمرّت فعالياته ليومين عمل على اعتماد مقاربات علمية للتخليد ذكرى هذه المعركة التي عرفها فجر المقاومة، غير بعيد من ثغر مليلية المحتلّ، والذي أسفر عن خسائر هامّة للعسكر الكولونيالي الإسبانيّ بفقده لأزيد من سبعمائة فرد من مختلف الرتب العسكرية إضافة لقطع عديدة من العتاد. إحياء الذكرى المائوية لمعركة "إِغْزَارْ نْ أُوشْنْ" جاءت بناء على فكرة للمجلس البلدي لبني انصار، وبتنظيم كلّ من المندوبية السّامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير و الكلّية المتعدّدة الاختصاصات لجامعة محمّد الأوّل، وشراكة مع مجلس بلدية بني انصار والمندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة بالنّاظور، واحتضن عددا كبيرا من الندوات التّاريخية العلمية بهدف التوثيق لهذا التاريخ المنسي من ملاحم الدفاع عن حوزة الوطن ضدّ التوغّلات الأجنبية عموما والإسبانية على وجه الخصوص. من بين الندوات التي عرفها الموعد نجد "مقاومة الشريف محمد أمزيان من خلال الأدب الشفوي الأمازيغي" لعبد المطلب الزيزاوي، و "حركة الشريف محمد أمزيان و المعركة الشاملة مع الاستعمار الاسباني" لعبد الوهاب المُعنونة، في حين تناول عبد الله كموني سيحاول مقاومة الشريف محمّد أمزيان عبر جريدة تلغراف الريف، ومصطفى الغديري انبرى للحديث عن محور ممتدّ "من مقتل الطاغية الجنرال خ.خ. مرغايو 28/10/1893 إلى مصرع المتهور الجنرال بينتوس27/يوليوز 1909م"، إضافة لبرمجة ندوة "حتمية تنمية الثقافة التاريخية" التي انيطت لحسن الفكيكي، و "المعادن ومقاومة الشريف محمد أمزيان ضمن المفاوضات المغربية الإسبانية لسنتي 1909- 1910" لرشيد يشوتي، وكذا "مساهمة قبائل الريف الأوسط بمقاومة المستعمر الى جانب الشريف محمذ أمزيان 1908-1912" لعبد الرحمان الطيبي، في حين قام ميمون أزيزا بتناول محور "المجتمع الريف في مواجهة الاحتلال الاسباني". المستشار البرلماني يحي يحي، رئيس بلدية بني انصار، قدّم رسالة قويّة بتفضيله التحدّث بالدارجة المغربية أثناء إلقاء كلمته الرسمية بالمناسبة، وهو المعروف بتعثر تعبيره بلغات دون الفرنسية والإسبانية، حيث أشار بأنّ ذكرى معركة "إِغْزَارْ نْ أُوشْنْ | وّادي الذئب" تعتبر حافزا لخوض معركة التنمية الحقيقية التي هي جهاد خاصّ بمغرب الألفية الثّالثة المراهن بكلّ قواه على المستقبل، مشيرا إلى أنّ الإعداد للموعد بتبنّي تناول علمي يعتبر تداولا احترافيا للمعركة التي ووجه بها الإسبان قبل قرن من الزّمن من لدن أجداد الرّيفيين، داعيا إلى توثيق تاريخ الرّيف والمغاربة في موجهة التحرّكات النّائلة منه، ومعلنا عن اختيار المنظمين لوضع نصب تذكاري للمعركة، وإنشاء متحف، زيادة على إطلاق أسماء المقاومين على مدارس مدينة بني انصار. وقد اغتنم يحي يحيى المناسبة أيضا من أجل الإعلان عن دعوة لمناصرة كافة قضايا الانعتاق من الاستعمار، ذاكرا القضيّة المصيرية للشعب الفلسطيني، وموردا ضرورة العمل على إعادة ثغري سبتة ومليلية لأحضان المغرب بأيّ طريقة كانت، معيدا التشديد على أنّ ذكرى معركة "إِغْزَارْ نْ أُوشْنْ | وّادي الذئب" هي موعد وطني وحدويّ يبعث على الفخر بالأجداد والنظر بأمل لبوّابة المُستقبل. الدكتور مصطفى لكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أكّد بأنّ هذا الموعد الذي يحضر عدد هائل من الأفراد والجماعات، من كافة المشارب الرسمية والغير حكومية، يعمل على إماطة اللثام عن الملاحم التي لم تنل حظّا من الدراسة والبحث والتحليل والتمحيص، من بينها معركة "إِغْزَارْ نْ أُوشْنْ | وّادي الذئب" الريفية الصّرفة، والتي كان أبناء رجالاتها معرض ثناء من بطل التحرير محمّد الخامس أثناء زيارته للمنطقة سنوات الخمسينيات من القرن العشرين، إذ اعتبرها حينذاك، ضمن خطاب مؤرّخ، بأنّها قلعة انطلاق روح الذود عن تراب الوطن وقدوة لباقي مناطق المغرب المُجاهدة. كما أضاف لكثيري بأنّ "إِغْزَارْ نْ أُوشْنْ | وّادي الذئب" هي محور موعد للتزوّد بقوّة الرّوح الوطنية والاعتزاز بالانتماء، أتيا ضمن سياق خطاب المسيرة الأخير الصادر عن الملك محمّد السّادس عاهل البلاد، مؤكّدا أنّ خيار المُنظّمين هدف إلى جعل بني انصار مركزا لصياغة أطروحات واجتهادات حول المعركة موضوع الاحتفاء، قبل العمل على نشرها وتعميمها، زيادة على تكريم باحثين وأكاديميين معتنين بالتاريخ الوطني إضافة لمقاومين وأفراد من أسرة المقاومة المغربية الباسلة. كما عرف الاحتفاء المائوي تكريم الأستاذ الباحث حسن الفكيكي عن إسهاماته الباحثة في تاريخ الريف والمقاومة، إضافة لتكريم أربع مقاومين ريفيين هم : المرحوم يحيى أحمد عمرو، والمرحوم محمّد الحموتي، إضافة إلى المقاوم الطاهر صبحي ومحند بنهدّي باش، تسلّم لوح تكريم المقاومين المرحومين الأوّلين أبناؤهما، وهم طارق يحيى عن المرحوم يحيى أحمد عمرو، وعبد القادر الحموتي وأحمد الحموتي عن المرحوم محمّد الحموتي، كما كانت المناسبة مستعرضة لسرد تاريخ المُجاهدين المُكرّمين ضمن جلب السّلاح من مليلية عن طريق الاقتناء من المال الخاص والتخزين والنقل وموافاة المقاومين الريفيين به، كلّ حسب مهمّته والكمّية التي وفّرها. كما تمّ استغلال نفس الاحتفاء من لدن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير لتوزيع منافع مالية على مستفيدين من قيمة مائة وعشرين ألف وثلاثمائة وواحد وثلاثين درهما وأربعة عشر سنتيما، وزّعت منها إثنان وسبعون ألف درهم على ستّ أفراد من أسرة المقاومة في إطار دعم التوفّر على سكن، إضافة لمبلغ ستّة عشر ألف درهم موزّعة على أربع مستفيدات أرامل كمصاريف للدّفن، ومبلغ ستّة آلاف وخمسمائة درهم لمستفيدة واحدة من شقّ التشغيل الذّاتي، ومجموع سبع وعشرين ألف وثمانمائة وثلاثة عشر درهما وأربعة عشر سنتيما استفاد منها ثمانية وثلاثون فردا ضمن باب التغطية الصحّية. وكأوّل ردّ فعل على هذا الحدث من داخل مدينة مليلية، أقدم عدد من الإسبان، يوم الأربعاء الماضي، على استهداف جدران المسجد المركزي بمدينة مليلية المحتلّة، حيث تمّ على أعتابه التعبير عن الكراهية تجاه المغاربة بتبنّي ألفاظ غير أخلاقية وحركات مشينة، قبل أنّ يَتمّ خطّ عبارات عنصرية من بينها "فْوِيرَا مُورُوسْ دِي مِيلِييَّا | أخرجوا المغاربة من مليلية" إضافة لعبارات مذكّرة بفضائع الجنرال "فرنكو" في حقّ الريفيين ورموز عنصرية أخرى، وهو تقريبا نفس الحادث الذي وقع بمسجد آخر، ويتعلّق الأمر بمسجد الحيّ، أو كما يطلق عليه بالإسبانية اسم "لاّ مِسْكِيتَا مَانْطِيليتِي" بالثغر السليب، حيث تمّ تضمين جدرانه عبارة "لِنِييَّا آلْ مُورُوس | الجحيم للمغاربة"، وهما الحدثان البارزان اللذان نالا فتح تحقيق عاجل من لدن الشرطة المحلّية بالثغر المحتل، والذي من المرتقب أن تلتحق به عدّة فرق أمنية أخرى. كما شهد النّادي العسكري الإسباني بالثغر المحتلّ عقد منتدى حوَاريّ من لدن مجموعة من الضبّاط الذين اختاروا التداول حول معركة "إِغْزَارْ نْ أوشْنْ | وَادي الذئب" ودواعي تخليد مائويتها من لدن المغاربة على بعد أمتار قلائل من مليلية، وهو الحوار الذي عرف شنآنا كبيرا بفعل وجود تيار يعتبر الأمر شأنا داخليا للمغرب باعتباره بلدا ذا سيادة، في حين يصارعه تيار متعصّب عنصري مقرّا بدونية المغاربة وتاريخ نضالاتهم. وقد أعلنت جمعية الريف الكبير لحقوق الإنسان في مواكبة منها لهذه الأحداث عن عزمها فضح أي ممارسة عنصرية تنال من المغاربة القاطنين بالثغر المحتل مشكّلين أغلبية ضمنها، حيث جاء على لسان رئيسها سعيد شرامطي بأنّه لا يمكن السكوت عن أي استهداف عنصريّ يطال من أيّ مغربي أينما كان، مطالبا من سلطات المدينة المحتلّة، ممثلة للمركز أو ذات نفوذ محلّي، العمل على الضرب بيد من حديد ضدّ أي محاولة من شأنها تعكير صفو استقرار المغاربة بوصفهم سكّانا أصليين بمليلية. * أخبار اليوم المغربية