تعيش المدن المغربية بدون استثناء على إيقاع ما يشبه حالة حظر التجول الذي تفرضه الأنظمة العسكرية عندما تسوء الأحوال الأمنية بالبلد، والذي يجعل المواطنين ممنوعين من مغادرة بيوتهم والتجول بعد الدقيقة الأولى لمنتصف الليل. "" في المغرب ليست الدولة هي التي فرضت حظر التجول على المغاربة، وإنما اللصوص وقطاع الطرق والمجرمون هم الذين أرغموا الناس على ملازمة بيوتهم بعد أن يشرع الظلام في إسدال أولى خيوطه بعد مغرب الشمس، بل حتى في واضحة النهار أصبح التجول في الشارع محفوفا بالمخاطر، بعدما صارت "سلطة" اللصوص وقطاع الطرق أقوى من سلطة البوليس. في الشارع وفي الأسواق العمومية وداخل الحافلات وفي كل مكان صار التعرض للسرقة واردا في أي لحظة، وأمام الشبابيك البنكية صار الناس يخافون من ظلهم أثناء سحب النقود من الشباك الأوتوماتيكي. الكارثة أن الخوف وصل بالمغاربة إلى درجة أن لا أحد يستطيع أن يقدم لك يد العون والمساعدة عندما يراك في ورطة أمام أحد اللصوص، فقد مضى ذلك الزمن الذي كان يكفي فيه أن تصرخ " وااالشفّار آعباد الله" في أحد الأسواق حتى تنهال على اللص أسراب من الحجارة و"الكيلوات" والركلات من كل جانب إلى أن يسقط أرضا، أما اليوم ما كاين غير يا راسي يا راسي، عملا بمقولة : " ماتدير خير ما يطرا باس. لكن، وعلى الرغم من كل هذه "السيبة" التي يقف وراءها هؤلاء الخارجون على القانون، فلا يجدر بنا أن نلقي بكامل المسؤولية على رقابهم، لأن الدولة بدورها لها نصيب من المسؤولية في كل ما يجري، بل إنها هي من يتحمل المسؤولية في هذا الوضع المزري. فماذا يمكن أن ننتظر من شاب وصل إلى ثلاثين أو أربعين عاما، دون أن يتوفر على شغل كريم ولا راتب شهري، بل لا يجد حتى مكانا لائقا لقضاء أوقات فراغه الطويلة؟ طبعا لن ننتظر من أمثال هؤلاء الشباب سوى الوقوف في منعطفات الدروب والأزقة لتدخين السجائر ولفافات الحشيش وسائر أنواع المخدرات التي تجعلهم قادرين على اقتراف أبشع الجرائم من أجل الحصول على ما يكفي من المال لشرائها. ولكي نفهم لماذا يفشل المسؤولون المغاربة في علاج المشاكل العويصة التي يتخبط فيها المغرب يكفي أن نعود إلى ما قاله السيد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، عندما نصح الحكومة بعدم الإقدام على الزيادة في الحد الأدنى للأجور، بذريعة أن ذلك سيفرغ خزائن بنك المغرب من السيولة النقدية، والحال أن الذي يفرغ خزائن بنك المغرب ليست هي أجور المياومين والعمال البسطاء، بل الأجور الخيالية التي يتلقاها الموظفون السامون للدولة والوزراء والبرلمانيون وغيرهم. ولو كان السيد الجواهري يريد أن يفعل خيرا لطالب الحكومة بتقليص الأجور السمينة لهؤلاء في مقابل تحسين أجور العمال الصغار حتى يحدث نوع من التوازن بين فئات المجتمع، وتتقلص الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء، وهذا بالضبط ما فعله الرئيس البوليفي إيفو موراليس عندما وصل إلى الحكم في بلاده، حيث بدأ من نفسه أولا وخفض الراتب الشهري المخصص له إلى النصف، وامتد قراره ليشمل وزراء حكومته وباقي المسؤولين والموظفين الكبار في الدولة. لذلك فالقضاء على الانفلات الأمني الخطير الذي يعيشه المغرب اليوم لن يتم حتى ولو تم تخصيص شرطي واحد لكل لص أو مجرم، فما دامت الظروف الاجتماعية للأغلبية الساحقة من المغاربة تسير من سيء إلى أسوأ، فلا يمكن أن نحلم بتقلص وتيرة الجريمة، لأن الأوضاع الاجتماعية المزرية تفضي دوما إلى تكاثر المجرمين واللصوص وقطاع الطرق. حْمدو الله بْعدا هاد العام كاينة الصبا، ولو استمر الجفاف لكانت حالتنا أسوأ بكثير. فابحثوا إذن أيها السادة المسؤولون عن حلول أخرى موازية للحل الأمني، وإلا فإنكم ستضرون لإدخال ثلثي المغاربة إلى السجن! [email protected]