ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة إلى مراجعة أحكام الطلاق
نشر في هسبريس يوم 25 - 09 - 2009


كل طلاق لا يوقعه القاضي لا يقع
اتصل بي بعض الإخوة قبل أيام، يسألون: ""
أحدهم قرر طلاق امرأته و نطق لسانه به و هو ناو لذلك و قام بكل الإجراءات، لكن قاضي الأسرة ألغى طلبه لعدم إيداعه المبالغ المحكوم بها داخل الأجل...
والآخر نطق بكلمة الطلاق ساعة غضب و ندم على ذلك...
وسأل بعضهم فأفتي أن الطلاق وقع رغم رفض القاضي "فالقاضي لا يمثل الشرع" و لم يجب المفتي عن سؤال أهم: و بعدها؟
وتذكرت أنني كنت نشرت دراسة في الموضوع على صفحات التجديد في غشت 2005، و أعيد نشرها –بتصرف يسير- إحياء للنقاش و لتعم الفائدة.
نشرت جريدة التجديد (العدد 1166) في صفحة "الدين و الحياة" فتوى للدكتور الزحيلي يجيب فيها عن سائل يسأله: "وقع شجار بين رجل و زوجته و حدث خلال هذا الشجار عدة تجاوزات أخلاقية من الزوجة، و رغم محاولة الزوج عدم الاندفاع خلف زوجته و محاولة السيطرة على انفعالاته، إلا و أنه بعد ساعات من الشجار المستمر نطق الزوج في وجه زوجته بأنها طالق، رغم أن قلبه لا يرضى بتطليقها، و لم تتجه نيته الى طلاقها، و لولا خروجه عن طبيعته ما كان نطف بكلمة الطلاق، فهل وقع الطلاق؟
ويجيب المفتي:"نعم وقع الطلاق، لان الطلاق يقع في الجد و الهزل، نواه الانسان أم لم ينوه اذا كان اللفظ صريحا بالطلاق أو الفراق أو السراح، و يحتاج لنيته في حال الكناية، مثل أنت بائن، الحقي بأهلك مثلا، فان لم تتوافر في الطلاقة بالكناية لم يقع، بعكس ألفاظ الطلاق الصريحة يقع بها الطلاق و لو من غير نية، و عليك مراجعة زوجتك ضمن العدة، فان انتهت وجب تجديد عقد الزواج.
لم أكن لاهتم بالموضوع لولا اتصال كثير من الإخوة يسالون، و من خلال أسئلتهم وجدتني أعيش في دوامة من الحيرة تمنعني حتى من النوم، وبغض النظر عن الأسئلة التي يبعثها جواب المفتي في نفوسنا كحكم طلاق الغضبان والهازل والمطلق دون نية، نرجع إلى الواقع المعاش، فمدونة الأسرة تلزم المطلق باللجوء إلى القاضي لاستصدار إذن بالطلاق ، فيجمع القاضي الزوجين في جلسة صلح ، فيفلح القاضي في الصلح بين الزوجين، فيعودا إلى منزلهما ولا يحرر الطلاق ...، وفي أكثر الأحيان يفشل القاضي في إصلاح ذات البين بين الزوجين و يحكم القاضي بالطلاق و بأداء الزوج لمبالغ مالية قد تفوق قدوته، و يحدد القاضي مهلة لأداء المبالغ مع القول أن عدم الأداء خلال الأجل يعتبر تراجعا عن الطلاق ، وسالت و ألححت في سؤال الكثير من الأخوة العدول وقضاة الأسرة كم من طلبات الطلاق تنتهي بالصلح؟ : وكم يلغى من طلبات الإذن بالطلاق لعدم إيداع المبالغ المحكوم بها؟ فيجيب الجميع الكثير، و اسأل ثم ماذا؟
فيجيب الجميع في أغلب الأحيان يعود الزوجان إلى حياتهما العادية وفي بعضها تبقى الزوجة لا هي بالزوجة ولا هي بالمطلقة؟، ثم أعود لأسأل والطلاق هل هو واقع؟ فيجيب الجميع في نظر القانون لا فقد ثم الصلح قبل الإذن بالطلاق أو تراجع الزوج عن رغبته في الطلاق، واسأل وشرعا:: فتصمت الأغلبية و يجيب البعض لا أدري.
و هنا يطرح أهم سؤال يجب أن نجيب عنه بلا مداراة أو نفاق، هل الكثير من العلاقات الزوجية القائمة حاليا بعد محاولة طلاق ألغيت بموجب المدونة علاقة زنا تحت ظل القانون؟
النساء أمهاتنا وأزواجنا وأخواتنا وبناتنا، ولا أرضى لأمي ولزوجتي ولأختي ولابنتي أن تعيش يوما خارج شرع الله، لأن القانون (أو فتاوى البعض من الفقهاء) أراد لها ذلك.
وانطلاقا من رفضي لكل وضع يمس بكرامة النساء من أسرتي وعامة النساء من المسلمات ويجعلهن خارج شرع الله، وهن المؤمنات القانتات العابدات، أرى أن علينا أن نراجع أحكام الطلاق، ونعيد النظر في الواقع المعاش، فإن كانت بعض فتاوى الفقهاء تجاوزها الزمن أو كانت تأويلا خاطئا لأحكام الشرع، فيجب علينا أن نرد عليها، ونبين الخطأ من الصواب وان كان الخطأ يكمن في القانون المتبع في بلادنا، فعلينا أن نعمل على تغييره ليوافق شرع الله، فنساؤنا أجل من رأي متأول أو رغبة مشرع .
دوافع البحث في الإشكال
و انطلاقا من إيماني العميق أن شرع الله رحب وان الإسلام دين يسر لا عسر. قررت أن أعيد قراءة كل ما جاء في كتاب الله و سنة نبيه في أحكام الطلاق علني بذلك اخرج نفسي من حيرة مبعثها تضارب آراء الفقهاء والمجتهدين ما بين غلو البعض وتيسير البعض الآخر، فلنجل معا في كتاب الله وسنة نبيه لنستخرج منهما أحكام ديننا الحنيف، مستعينين بما كتبه السلف، ولن أتطرق لمجمل أحكام الطلاق، بل سأكتفي بالإجابة على سؤال اعتبره جوهريا، وهو في حد ذاته بداية لنقاش أتمنى أن يتوسع، لكي يكون اللبنة الأولى لبداية مصالحة بين شرع الله ومدونة الأسرة التي لا تعدو في نظري إعادة لكتابة أحكام الشرع بطريقة ميسرة ليفهمها المواطن العادي قبل رجل القانون والباحث المهتم، متى وكيف يقع الطلاق؟ هل مجرد لفظ الرجل بكلمة الطلاق تجعل الطلاق نافذا؟
ماذا لو كان هازلا أو غاضبا أو مريضا؟
ماذا لو تراجع الرجل فور نطقه بالطلاق ؟
أسئلة نجدها موضوعا لكثير من الفتاوى، و يتغير الجواب باختلاف المجيبين، ولم أجد إلا في النزر اليسير جوابا يضع صاحبه نصب عينيه أن الأصل في ديننا اليسر لا العسر، وأن الأسرة هي عماد المجتمع وأن مسؤوليتنا الأساسية هي الحفاظ عليها لا تشتيتها.
في رحاب القرآن
يقول الله تعالى عز و جل في محكم كتابه
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
يفتتح الله عز وجل سورة الطلاق بتوجبه النداء إلى النبي (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)، وذهب اغلب المفسرين أن الخطاب لا يعدو أن يكون تعظيما للرسول وتشريفا و تكريما له ، غير أني أرى أن الخطاب في الآيات لم يأت لمجرد التعظيم، فالله عز و جل خاطب رسوله بصفته إمام الأمة والمسئول عن تطبيق ما جاء في سورة الطلاق من أحكام وهو بذلك يخاطب كل من تولى السلطة التنفيذية من بعده، ف (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)، فان كان الزواج أمرا شخصيا يختص به صاحباه، فالطلاق يدخل في النظام العام لما يحمله للمجتمع من تبعات تهم المرأة المطلقة و أبنائها، و لا يمكن .أن يترك لهوى الشخص يتصرف فيه كما يشاء، فخاطب الله رسوله في بدابة سورة الطلاق محملا إياه مسؤوليتي التبليغ والتنفيذ، بصفته السلطة التنفيذية لأحكام الله ومن ثم يحمل مسؤولية التنفيذ كل من تولى الأمر بعده.
بعد هذه التوطئة يقول عز وجل (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)، فهو ينتقل من خطابه للنبي صلى الله عليه وسلم إلى خطابه للأمة ليبين أحكام الطلاق، التي جعل النبي عليها شاهدا ولها مبلغا و مسؤولا عن تنفيذها، وهنا تستوقفنا بلاغة الآية وروعة اختيار العبارات، ونسأل : لم جاء لفظ الطلاق مرتين، الأولى بصيغة الماضي ́ ́طلقتم ́ ́ و الثانية بصيغة الأمر ́ ́طلقوهن ́ ́؟، السياق يجعل الطلاق مرحلتين مرحلة العزم على الطلاق والنطق به، تتلوها مرحلة التنفيذ الفعلي للطلاق طبقا لشكليات معينة وقواعد محكمة يبينها الله عز وجل لعباده، فطلاق النساء لا يمكن أن يكون إلا وهن مستقبلات لعدتهن (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)، و استدل جمهور الفقهاء على منع الطلاق في غير طهر بحديث ابن عمر: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه طلق امرأته وهي حائض، على عهد رسول الله وسلم صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مره فليرجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء .أمسك بعد، وان شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" .
الطلاق الواقع
واختلف الفقهاء -وفي اختلافهم رحمة بالأمة - في وقوع الطلاق غير المستوفي لشرط الطهر، بل وسمى البعض منهم هذا الأخير بالطلاق البدعي، ورغم اتفاقهم على حرمة هذا الطلاق فقد اختلفوا على وقوعه، و يرجع الاختلاف أصلا الى الروايات المتعددة لحديث ابن عمر، إذ زاد البعض أنها احتسبت له طلقة دون الإشارة إلى أنها من صلب الحديث .
والصواب أن كل طلاق يخرق القواعد التي نصت عليها الآية لا يقع، ف (تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه )، ونستدل على هذا الرأي بما أخرجه أبو داود (طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض، قال عبد الله بن عمر: (فردها علي رسول الله ولم يرها شيئا)) . وقد روى ابن حزم بإسناد صحح عن ابن عمر (انه سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض، فقال لا يعتد بطلاقه) ، ومن العلماء الذين قالوا بعدم وقوع الطلاق في غير طهر الشوكاني في (نيل الاوطار) والصنعاني في (سبل السلام ) و الإمام ابن تيمية إذ يقول: "و الطلاق هو مما أباحه الله تارة، وحرمه أخرى، فإذا فعل على الوجه الذي حرمه الله ورسوله لم يكن لازما نافذا كما يلزم ما أحله الله ورسوله، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها،عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ́ ́من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"
ومن ما سبق يتبين لنا أن الطلاق يمكن التراجع عنه، ولا يعتبر طلاقا إلا إذا احترمت شروطه و أولها الطلاق في طهر.
وتستمر الرحلة في رحاب سورة الطلاق (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)، ويحمل الله عز وجل الرجال مسؤولية إحصاء العدة، فالمطلقة لم تخرج بعد عن عصمته فهو المسؤول عنها، و إن انقطعت أواصر الزواج يراعيها وينفق عليها ولا تخرج المرأة المعتدة من بيت الزوجية، بل تبقى فيه، وان رفض الزوج فعليه هو المغادرة، و أعجب من أمر رجال تطيب نفوسهم بإلقاء المرأة، التي عاشرتهم السنوات الطوال إلى الشارع وفي اغلب الأحيان لا أهل لها أو باعت أهلها لمرضاته، فتجد نفسها بين عشية وضحاها فقدت الزوج بعد .أن فقدت الأهل معرضة لشماتة الصديق قبل العدو .
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
و استوقفتني الكلمة الأخيرة في هذه الآية (بُيُوتِهِنَّ) ينسب الله البيوت للمطلقات، لم لم يقل بيوت أزواجهن؟
دور الزوجة في إنشاء بيت الزوجية
في رحاب سورة الطلاق استوقفتني الكلمة الأخيرة في هذه الآية (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)، إذ ينسب الله البيوت للمطلقات، لم لم يقل بيوت أزواجهن وبحثت في التفاسير وكتب الفقهاء ولم أجد ما يشفي الغليل، فأغلبهم لم يعر الكلمة أدنى اهتمام والبعض الآخر لم يهده فكره إلى أكثر من ألا يخرجن خلال العدة، اختيار الكلمات في القرآن لا عبث فيه، فللزوجة حق في بيت الزوجية يجب أن تأخذه مطلقة كانت أو وارثة، فما كان لرجل أن يبني بيتا لولا زوجة صالحة تحمل عنه همه، وتمنحه الطمأنينة و الاستقرار، وهما أمران لا تستقيم بغيرهما حياة، فالزوجة صابرة قنوع، والبيت يبنى بمقدار تقشف الزوج على زوجته وأولاده، فهو آخذ من الزوجة بعض حقها في أن تعيش حياة أمثالها، وتتحول الأموال، التي كانت يجب أن ينفق القسط الأكبر منها على الزوجة، إلى إسمنت وحديد وبيت تمنى الزوجة نفسها بالاستقرار فيه بعد طول عناء ويتحول الحلم الوردي إل كابوس مزعج وينطق الزوج بالطلاق غاضبا أو هازلا أو لمجرد أن الملح في الطعام زاد عما ألفه.
ونسأل أهل المال والاقتصاد، و نستقرىء الإحصائيات، ونبحث عن عوامل نجاح الرجال في ميادين التجارة والأعمال، ونسأل عن عامة الشعب، كيف يتملك أحدهم مسكنا؟، وما دور الزوجة ؟
ويأتينا الجواب صريحا، لولا الزواج لما استطاع اغلب الرجال من بناء أو شراء مسكن، ولو بقوا عزبا ما استطاعوا أن يقتنوا مترا مربعا واحدا ولضاعت رواتبهم بين أجر الخادم وأكل المطاعم، فالزوجة عامل اقتصاد أساسا، ثم عامل اطمئنان وبعدها عامل تحفيز وأمل، فتحية مني صادقة نابعة من أعماق القلب إلى زوجاتنا اللائي لولاهن لتوقف بنا المسير منذ زمن طويل ...
والآية تشير إلى أن المطلقة تعتد في بيت الزوجية شاء الرجل أم أبى، إلا إذا تبين للقضاء فسادها و إصرارها على الطلاق دون سبب، فللقاضي أن يحكم بغير ذلك بناء على بينة لا غبار عليها. و لا يصح إخراج المطلقة إلا إذا أتت فاحشة بينة لا لمجرد الشك في سلوكها (وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).
ويبقى النقاش مفتوحا حول من يتولى بيت الزوجية، هل تخرج الزوجة أم الزوج، وفي هذا أرى أن القضاء يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مدى مساهمة الزوجة في بنائه أو تملكه، سواء كانت عاملة أو لا، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار لا العائد المادي، الذي قد تأتي به الزوجة، بل مقدار ما استطاعت أن توفره على زوجها من نفقة، ومقدار ما كان لهذا الرجل أن ينفق لولا انه متزوج ..
الإشهاد على الطلاق
وننتقل بفضل من الله ورعايته - إلى الآية الثانية من سورة الطلاق لنستخرج منها الحكم الثالث من الأحكام العامة للطلاق، إذ يقول عز وجل (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)، واختلف الفقهاء في تفسير هذه الآية، بل و ذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد، لأن الطلاق من حقوق الرحل ولا يحتاج إلى بينة كي يباشر حقه، وأنه لم برد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد وربط من درس منهم هذه الآية من كتاب الله الإشهاد بالرجعة لا بالطلاق .
غير أننا نجد أقوالا أخرى توجب الإشهاد على الطلاق تارة وعلى الطلاق والرجعة تارة أخرى، تقل عن ابن عباس : أنه فسرها بالطلاق والرجعة ، وقال السيوطي: .أخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: النكاح بالشهود، والطلاق بالشهود والمراجعة بالشهود، وسئل عمران بن حصين عن رجل طلق ولم يشهد، وراجع ولم يشهد؟ قال : بئس ما صنع طلق في بدعة، وارتجع في غير سنة فليشهد على طلاقه ومراجعته و.ليستغفر الله .
وقال القرطبي: قوله تعالى (وأشهدوا) أمرنا بالإشهاد على الطلاق، وقيل : على الرجعة، والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق. ثم الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كقوله : (وأشهدوا إذا تبايعتم ) وعند الشافعي واجب في الرجعة .
وأرى أن سياق الآية يوجب الإشهاد على الطلاق والرجعة معا، فسورة الطلاق تبين أحكام الطلاق في الدرجة الأولى، فتبتدئ بعد النداء الموجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعال (إذا طلقتم النساء) ويبين الله بعدها شروط الطلاق وأحكامه من وجوب الطهر و إحصاء العدة وعدم إخراج المعتدة من بيتها، ثم يأمرنا الله عز وجل بإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان حال بلوغ النساء أجلهن، وهنا ينتهي القسم الأول من أحكام الطلاق، وتستمر الآية بوجوب الإشهاد والأقرب إلى الفهم أن الإشهاد راجع على الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، أي على الرجعة أو المفارقة، ومن جهة أخرى وانطلاقا من أن السورة تبين أحكام الطلاق فكل ما ورد فيها مرتبط به، ولا يمكن اعتباره عائدا على الرجعة التي لم تذكر إلا كنتيجة للطلاق.
و اتفق الفقهاء على وجوب الإشهاد على الزواج ولم .أجد لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يلزمه وأصابوا في ذلك، لما لهذا الإشهاد من أهمية للحفاظ على حقوق الزوجين من نسب و ارث، ولا أرى أي سبب ظاهر للخلاف على وجوب الإشهاد على الطلاق، وهو أخطر على الأسرة والمجتمع .
والظاهر أن أغلب الفقهاء - إلا من هدى ربك- ظنوا أن الإشهاد على الطلاق يمس رجولتهم ويزيل منهم حقا ظنوا أنهم مالكوه .
جاء في صحح البخاري في مقدمة كتاب الطلاق "والطلاق السني أن يطلقها طاهرا دون جماع، وأن يشهد شاهدين"، و تنص الآية على أن شاهدي الطلاق والرجعة يجب .أن يكونا شاهدي عدل، وذهب اغلب العلماء في وقتنا الحاضر، أنه نظرا لاستشراء الفساد وصعوبة الاطلاع على أحوال الخلق والتمييز بين العدول وغيرهم، فالأمر يعود إل السلطان ليعين العدول المنتصبين للشهادة و تلقيها بعد بحث وتمحيص (بهذا كان يفتي والدي الأستاذ سيدي امحمد العثماني طوال حياته )، جاعلا إياهم تحت رقابة القضاء.
الطلاق الأقرب إلى الشرع
أشرنا فيما سبق أن الطلاق من النظام العام، الذي أسند الله في محكم كتابه تطبيق أحكامه إلى السلطة التنفيذية في البلد، فلها أن تنظم الإشهاد على الطلاق، و أن تشترط من الشروط ما يتفق مع المقاصد الشرعية، فتقديم طلب الإذن بالطلاق إلى القاضي المعمول به حاليا هو أقرب إلى الشرع من فتاوى الفقهاء، فالقاضي يدرس مدى مطابقة الحالة لشرع الله، و يحدد الحقوق والواجبات، فإن استوفى الطلاق شروطه الشكلية والموضوعية، أمر به فكتب و إلا فلا يعتبر طلاقا، ومسطرة الصلح الواجبة سلكها قبل الإذن بالطلاق توافق شرع الله ومقاصد الشريعة إذ يأمرنا عز و جل في محكم كتابه، إن خفنا شقاقا بينهما أن نلجأ إلى التحكيم قبل التفريق بين الأزواج .
خلاصة القول
بعد هذه الجولة الممتعة في كتاب الله و هدي نبيه،أرى أن نستنج الأحكام الأساسية للطلاق، فالطلاق طبقا لشرع الله هو من النظام العام يجب على من تولى أمور المسلمين تنظيمه طبقا لشروط محكمة، فهو لا يقع إلا إذا كانت المرأة طاهرة، وبإشهاد عدلين منتصبين للشهادة طبقا لشكليات يحددها المشرع، وخارج هذين الشرطين فهو لا يقع بلفظ صريح ولا بكناية، نواه الرجل أم لم ينوه، والنقاش الذي استغرق أكثر وقت الفقهاء عن طلاق الغضبان والهازل إلى غير ذلك نقاش عقيم ينافي شرع الله وسنة نبيه، و لي اليقين أنه حان الوقت لإلغاء المقولة المشهورة (وكم من باطل اشتهر)، أن كل طلاق أوقعه القاضي بائن لنرفع شعارا أبسط و أقرب إلى كتاب الله وسنة نبيه أن كل طلاق لم يوقعه القاضي لا يقع.
و بذلك يكون المفتي في إجابته المنشورة بجريدة "التجديد" الغراء، بإيقاع طلاق الغضبان والهازل والمطلق دون نية، جانب الصواب في جوابه وخالف السنة، وان رأيه فيه غلو كبير وظلم شديد للمرأة والرجل على السواء.
حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري أن يعقوب بن إبراهيم حدثهم قال حدثنا أبي عن ابن إسحق عن ثور بن يزيد الحمصي عن محمد بن عبيد بن أبي صالح، الذي كان يسكن إيليا قال : خرجت مع عدي بن عدي الكندي حتى قدمنا مكة فبعثني إلى صفية بنت شيبة وكانت قد حفظت عن عائشة قالت : سمعت عائشة تقول سممت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . لا طلاق ولا عتاق في إغلاق قال أبو داود: الإغلاق أظنه في الغضب
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله :قال شيخنا: و الإغلاق انسداد باب العلم والقصد عليه يدخل فيه طلاق المعتوه والمجنون والسكران والمكره والغضبان الذي لا يعقل ما يقول، لان كلا من هؤلاء قد أغلق عليه باب العلم والقصد، والطلاق إنما يقع من قاصد له، عالم به . والله أعلم .
و قد أخذت مدونة الأسرة بهذا الرأي ونصت في المادة 90 علي أنه لا يقبل طلب الإذن بطلاق السكران الطافح والمكره وكذا الغضبان إذا كان مطبقا.
* الأستاذ فريد زين الدين العثماني، خريج كلية الشريعة، مهندس إعلاميات، خبير في الدراسات المالية والاقتصادية، مستشار قانوني، أستاذ بيولوجيا سابقا.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.