تشهد العلاقات الجزائرية الدولية توتراً متصاعداً نتيجة مواقف الجارة الشرقية المتشنجة وسياستها التصعيدية، خاصة تجاه فرنسا وإسبانيا عقب موقفهما المتقدم من قضية الصحراء المغربية. ويعكس هذا النهج عزلة دبلوماسية متزايدة، في ظل إدانات دولية لانتهاكات الجزائر لحقوق الإنسان ورفضها احترام القوانين الدولية، ما يضعها في مواجهة مع الرأي العام العالمي والقيم الدبلوماسية المتعارف عليها. واستدعت الجزائر، الثلاثاء، السفير الفرنسي ستيفان روماتي للاحتجاج على ما وصفتها ب"المعاملة الاستفزازية" لبعض الجزائريين في مطارات باريس. ويرى خبراء أن الجارة الشرقية تتبنى سياسة تصعيدية تضر بعلاقاتها الدولية وتزيد من عزلتها الدبلوماسية. وفي هذا الإطار قال أحمد نور الدين، خبير العلاقات الدولية، إن "هذه الحادثة تؤكد مرة أخرى أن الدبلوماسية الجزائرية فقدت البوصلة بسبب التخبط في مواقفها وتكرار سحب سفيريها من فرنسا وإسبانيا لأسباب يمكن تصنيفها ضمن التدخل في القرارات السيادية للدول، مثل ما حصل مع مدريدوباريس عند تغيير موقفهما من ملف الصحراء من أجل دعم وحدة أراضي المملكة المغربية وسيادتها". وأضاف نور الدين ضمن تصريح لهسبريس: "إذا رجعنا إلى حادثة استدعاء السفير الفرنسي المعتمد لدى الجزائر يبدو أن الأمر يدخل في إطار ردود الفعل المتشنجة للنظام الجزائري على قرار البرلمان الأوربي الذي أدان التضييق على حرية الرأي على الكاتب والمثقف الفرنسي من أصول جزائرية بوعلام صنصال، الذي تعرض للاعتقال في الجزائر بسبب تصريحاته حول الحدود الحقة والتاريخية للمغرب الذي كان يضم أجزاء شاسعة من خارطة الجزائر الحالية". وحسب الخبير ذاته "زاد توتر قادة الجزائر بعد بلاغ الخارجية الفرنسية الأخير الذي أعلنت فيه رفض السلطات الجزائرية السماح للمصالح القنصلية الفرنسية بزيارة مواطنها المعتقل بوعلام صنصال، وفقا لما تسمح به القوانين الدولية، وخاصة اتفاقية فيينا المتعلقة بتنظيم العمل القنصلي للدول". وأردف المتحدث نفسه بأن "هذا سبب اضطرابا وهيجانا لدى الجزائر التي برهنت على أنها دولة مارقة لا تحترم القانون الدولي، ولا تحترم الحريات الفردية أو حتى حقوق المعتقلين في الاتصال بقنصليات بلدانهم من أجل الحصول على الدعم المعنوي والقانوني والاستفسار عن حالتهم الصحية، خاصة حينما يتعلق الأمر بمواطن له مكانة علمية دولية، وفوق ذلك قارب إكمال الثمانين خريفا من عمره". من جانبه قال عبد الفتاح فاتيحي، خبير العلاقات الدولية، إن "الجزائر تصر اليوم على خوض حرب ضد طواحين الهواء، عبر اختيار التصعيد والتوتر سبيلا لتحقيق مكاسب جيوسياسية راديكالية". وأوضح فاتيحي ضمن تصريح لهسبريس أن "نظام الحكم في الجزائر يزيد من تعميق عزلته الدبلوماسية في سياق تتزايد فيه قناعة الرأي العام الدولي بأن الجارة الشرقية دولة مارقة لا تعير أدنى اهتمام للقيم الإنسانية المشتركة، ولا الأعراف الدبلوماسية المرعية ولا لمبادئ حسن الجور والوفاء بالالتزامات والتعهدات". وأردف المتحدث: "تحاول الجزائر إيجاد مشجب لسلوكات التصعيد تجاه مخالفيها الرأي والقناعة، إلا أنها تثبت بذلك أنها دولة غير موثوق في تعهداتها والتزاماتها، ولا تجنح إلى الحوار لترتيب الخلافات مع شركائها الفرنسيين، بل تتشدد في فرض وجهة نظرها أحادية الجانب". كما أشار الخبير ذاته إلى أن "التصعيد الكامن في سلوك نظام الحكم الجزائري في حق مواطنيه وشركائه الدوليين، كفرنسا والمغرب ودول الاتحاد الأوربي ودول الجوار في الساحل، يكلفه الكثير من تسويد صورته باعتباره غير موثوق في التزاماته وتعهداته؛ لاسيما أن الجزائر تستوعب بحق فشل سياستها، إلا أنها استمرارها في مسلسل التصعيد تتوخى منه الحصول على فرصة لإمكانية التفاوض للتغطية على خيباتها الدبلوماسية". وزاد فاتيحي: "إن ما تقوم به الجزائر ضد مواطنيها وضد المواقف السيادية لفرنسا في علاقاتها الدولية لن يثني الأخيرة عن التزاماتها وتعهداتها. كما أن الزيادة في التصعيد كرد فعل على مواقف فرنسا من انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر أسلوب يأتي بتبعات دبلوماسية كارثية". واعتبر المتحدث أن "الجزائر اليوم تضع نفسها في مواجهة الرأي العام الدولي وقيمه الإنسانية، ولن تحصل على مكاسب بسلك أسلوب التصعيد والتوتر مع فرنسا والاتحاد الأوربي، أو مع المغرب ودول الساحل والصحراء، انطلاقا من إصرارها على التدخل في الشؤون الداخلية للدول".