سمعت عن المراحيض الجميلة للدار البيضاء، ثم تعرفت على شكلها الخارجي والداخلي وتجهيزاتها الراقية، عبر بعض الفيديوهات في الإنترنيت، فأعجبني ذلك أيما إعجاب، لأن المراحيض العمومية في المدن شكل حضاري متقدم دال على حس مدني عال. علما أن تقاليدنا المغربية لا تريد تطوير هذا المرفق الحضري وترسيخه في عاداتها اليومية. كلنا نلجأ إلى مراحيض المقاهي والمطاعم بأداء وغير أداء. وفي أحوال كثيرة يتخذ بعضنا الحيطان المتوارية مراحيض مفتوحة لقضاء حاجاته البيولوجية. مدينة الدارالبيضاء وحدها اتخذت هذه المبادرة المحمودة في رفع الحرج عن المغاربة حين تشتد بهم رغبة الإفراغ، أما المدن المغربية الأخرى، ومنها الرباط العاصمة يا حسرة، لا تفكر في هذا الأمر المستعجل، أما مراكش عاصمة السياحة فمراحيضها قليلة لا تفي بحاجة السائحين قبل المواطنين. سمعت أيضا أن هذه المراحيض الراقية الجميلة ستكون مجانية، وإذا كان الأمر صحيحا فإننا نعرف مآل كل مرفق مجاني، إذ لا يمضي سوى وقت قصير حتى يدور به التخريب والهدم من كل جانب. لأن المجاني يكون في الغالب مفتوحا بلا حراسة، وكم يعز عليّ أن أرى الأشياء الجميلة تمحق بها قلة التربية وانعدام الحس الحضاري عند المغاربة. حين كان حسن أوريد واليا على مدينة مكناس، أعاد تهيئة "غابة الشباب" بمبلغ ضخم، حولها إلى منتزه جميل يسر الناظرين، وكان عشاق الجري والمشي أكثر المستفيدين من هذا الإنجاز، الذي بلغ من استحسان المكناسيين له، أن لقبوا الوالي "حسن جْريدة". لكن هذا المرفق لا يوجد في ملكية الولاية وإنما هو ملك للمجلس البلدي، وكان هو الذي من مهامه، الحفاظ عليه بالعناية المطلوبة، من سقي وبستنة وتشجير وغير ذلك. فما كاد الوالي يكمل ولايته حتى بدأت علامات الحرب الأهلية ترخي بظلالها على الغابة. لم يكن ذلك تخريبا عرَضيا من طرف مراهقين أو مجانين ولكن من طرف لصوص الخشب والمعادن، بحِرفية عالية، لأن بعض أعمدة الضوء العريضة العالية قطعت من الجذر وكانت كثيرة، ولا شك في أن آليات معقدة ساهمت في هذا العمل الإجرامي. هل تم ذلك في الليل أم النهار؟ لا أحد يدري، لكن التخريب ما كان له أن يقع دون إصدار أصوات مرعبة لتقطيع المعادن أو محركات الشاحنات الظاهرة للعيان. كما أن السياج الحديدي المحيط بالغابة سرق الكثير منه وكأن المدينة تحولت إلى كائنات من الأحجار لا تسمع ولا ترى ولا تحس. أقترح إذن على المعنيين بالحفاظ على المراحيض الجديدة أن تضح حارسا لكل مرحاض، على أن يُقفل بعد غروب الشمس، وبذلك يبقى محفوظا، وأن يتم الحرص على عدم ابتزاز الحراس لمستعملي هذه المراحيض من خلال فرض الأداء بطرق مباشرة أو ملتوية، وقد يتحول الحراس أنفسهم إلى مخربين، لذلك وجب محاسبتهم عن كل تقصير. كما بالإمكان تجهيز المراحيض الجديدة بكاميرات مراقبة من الداخل والخارج. هذا اجتهاد لا يكلف سوى أجرة الحراس، وإذا ظهر أن الأمر يضغط على ميزانية المدينة فلا بأس أن يكون هناك أداء رمزي لا يتجاوز درهمين أو ثلاثة، يتم معه تعيين منظف أو منظفة لهذه الغاية. ولا أزال أذكر في إحدى زياراتي لمدينة باريس كم كانت المراحيض كثيرة لا يفصل بينها سوى مئة أو مئتيْ متر. كما كانت هناك المراحيض الأوتوماتيكية، التي تُفتح بفرنكين فرنسيين آنذاك، ثم تقوم بتنظيف نفسها ثم تنفتح للمستعمل التالي. لقد سبق لي أن تكلمت عن شكل استقبال المغاربة لمباريات كأس العالم، وأكدت على الجوانب الحضارية التي يجب أن تتسرب إلى سلوك المغاربة، ونحن نعرف أن بعض الفساد يستعمل السرقات المادية التي من كثرتها تتحول إلى ثروة، مثل ذلك الميسور الذي تزعم عصابة لسرقة نحاس المكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الوطني للكهرباء بجهة الغرب، من خلال ثروة من الأسلاك الكهربائية، بعشرات الكلومترات. فما بالك بسرقة تجهيزات المراحيض الجميلة.