كونوا صرحاء في النقاش، علينا طرح مقترحات وتجنب لغة المجاملات"، عنوان ضمن عناوين أخرى، ميّزت مداخلة أحمد عبادي، أمين عام الرابطة المحمدية للعلماء في افتتاح أشغال الجمع العام الرابع للمجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء الذي انعقد يوم السبت 11 يوليو 2009 بالرباط، وتوقف الجمع على الخصوص عند تقديم حصيلة عمل الرابطة خلال الأشهر الماضية، كما استهدف أيضا رسم استراتيجيات عملها في المرحلة المقبلة. "" وأكد عبادي أن العمل الرئيس الذي قامت به الرابطة ارتكز خصوصا عند إرساء هياكلها، في إطار التأسيس المستأنف بعد صدور الظهير الشريف رقم 1.05.210 (الصادر في 14 فبراير 2006). الذي أعطى للرابطة صفة مؤسسة ذات منفعة عامة بدل جمعية. على أن "أسباب نزول" هذا التوضيح مردها على الخصوص للتأخير الحاصل في انعقاد هذا الجمع العام، وسبق أن أشرنا في أكثر من مناسية إلى بروز بعض العراقيل التي شابت أداء المؤسسة، دونما خوض في التفاصيل، قبل أن يأتي لقاء السبت الماضي، ليتطرق أمين عام الرابطة بشكل صريح لموضوع الأزمة المادية التي طالت صناديق مؤسسة مرت ب"فترة الضيق في مجال ذات اليد" كما صرّح حرفيا، إلى درجة أنه لم يكن مقدورا على إدارة المؤسسة تنظيم لقاءات المجلس الأكاديمي أو عمل اللجان وهذا هو السبب الرئيس وراء تأخر انعقاد أشغال الجمع العام الرابع للمجلس الأكاديمي للرابطة، لولا الألطاف الإلهية والتدخل الملكي التي أزاحت هذه الغمة المادية على مؤسسة، شرفها الملك شخصيا بأن أضاف إسمه لها، وأصبحت تحمل إسم "الرابطة المحمدية للعلماء"، بعد أن كانت تحمل إسم "رابطة علماء المغرب"، وهذا معطى ألح عليه بشكل جلّي عبادي في مداخلته، كما أشار إلى أن الملك الذي رفع الهيئة من جمعية إلى مؤسسة (fondation)، يتابع عمل المؤسسة بشكل وثيق، فيما اعتُبِر رسالة إلى من يهمهم الأمر من الذين، على ما يبدو، يضايقهم أداء الرباطة المحمدية على عهد أحمد عبادي. السؤال والمكاشفة والمصارحة بعد هذه التلميحات و"الإشارات" الدالة، انتقل عبادي إلى تمرير إشارات إلى علماء المؤسسة، وقد نوجزها في خريطة طريق تحمل عنوان الانتقال من لغة الخشب وخطاب الطمأنينة والارتياح نحو قلق السؤال والمكاشفة والمصارحة، كما جسدها تأكيده العلني بتمرير مقترحات صريحة بعيدة عن لغة المجاملات، إن كان لرجال المؤسسة الرغبة الحقيقية في تغيير أداء مهمة العالِم التي أصبحت أكثر من معقدة اليوم، من كثرة وهول التحديات المحلية والإقليمية والعالمية، وذات العلائق الدينية والمذهبية والإيديولوجية والقيمية طبعا، ولهذه الأسباب، أو قلاقل "الظرفية المخصوصة" كما وصفها عبادي، كان بدهيا أن يفتتح مداخلته بالآية الكريمة: "أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم"، مؤكدا بداية أن مواجهة التحديات التي تفرضها هذه الظرفية المخصوصة، تتطلب استحضار لائحة من المقتضيات، على الصعيدين الفردي والجماعي. فعلى الصعيد الفردي، على العالِم أن يستقيم كما أُمر، عمل وإرادة ومحبة، تماما كما هو مطلوب منه أن يكون كالغيث، حيث ما حلّ نفع بعون الله، وأن يكون قاطرة تجر المجتمع نحو السير سويا على ذلك الصراط المستقيم، وهذا معطى له مقتضيات أخرى رهينة بالمقتضيات الجماعية، لأنه يفرض على العالِم أن يكون منتجا لهذه البصيرة بهدف التصدي للتحديات التي تفرضها اليوم، أزمات اقتصادية خانقة، وأزمات بيئية وأمراض فتاكة، وغيرها من التحديات. الصبر والمعرفة والمنهج وأحصى عبادي جملة من المقتضيات/الشروط والتي من المفروض أن تتوفر لدى عالِم اليوم في المجال التداولي المغربي على الأقل، كان أولها الصبر (أو الصبر على منهجية وجب أن تشكل هيئة العلماء من أجل أن يكون العالِم مؤثرا في المجتمع، حتى يُنتج الخطاب المهم والمُخَلِّص والمبدع في آن، مستشهدا مثلا بالكم الهائل من الدراسات التي تنتج في الحقول الإسلامية بالمعاهد والجامعات المغربية، دونما مرور عبر أي تنسيق أو "تلاقح" بين خلاصات هذه الدراسات، والحلان يضيف عبادي، "من الذي سيقوم بوظيفة الهندسة الفكرية إن لم تقم بها هيئة العلماء؟")، ومن بين هذه المقتضيات أيضا، نجد المعرفة (لأنه على العالِم أن يكون عارفا بمناهج التفكير)، ومنهجية العمل (ضرورة الاشتغال بطريقة جماعية، وعدم الاقتصار على لقاءات تكاد تكون روتينية)، آلية السؤال (مصداقا للآية الكريمة: "عمّ يتساءلون"، شرط ألا تكون الأسئلة إجمالية وإنما تفصيلية تراعي العقدة والمفاصل من أجل إثمار الأجوبة التي يحتاج إليها المجتمع والعالم)، وأخيرا، قنوات التصريف بين العالِم والمجتمع (على العلماء أن يتبنون دور "القنوات الواصلة من حيث الشكل والمضمون"، والإحالة هنا على لائحة من المشاريع الإعلامية للمؤسسة، تطوير موقع الرابطة على شبكة الإنترنت، "الإحياء" الذي تمر منه فصلية "الإحياء"، الإعلان عن الانتقال بجريدة "ميثاق الرابطة" من الزمن الورقي إلى الزمن الرقمي حيث تم بالمناسبة عرض الصيغة الرقمية الجديدة لها، والتي سيصدر عددها الرقمي الأول عما قريب، إضافة طبعا إلى ما سيتم نشره وطبعه من أبحاث علمية في التراث المالكي، ودراسات شرعية في مجال الدراسات الإسلامية، في مركز الأبحاث والدراسات وإحياء التراث التابع للمؤسسة). نقد ذاتي وعوائق موضوعية بالمحصلة، يصطدم علماء المؤسسة ("الرابطة المحمدية للعلماء") بتحديات جمّة اليوم، ومطالبون بتقويم و"مساءلة مناهج أعمالنا وطرائق إنجازنا وهياكل المؤسسة، وطرائق تواصلنا مع الناس"، بتعبير عبادي، على أن هذه المهمة التي تمر بداية من ممارسة النقد الذاتي، بالشكل الذي اطلعنا عليه في لقاء السبت الماضي، تتطلب إزالة لائحة من العوائق الموضوعية، خارج طاقات الرابطة، ونتحدث عن تعاطي باقي المؤسسات (وفي مقدمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومعها المجلس العلمي الأعلى، ودار الحديث الحسنية)، دون الحديث عما يصدر عن إسلاميي الساحة، ويكفي الاطلاع على التعاطي الإعلامي مع لقاء السبت حتى نستشف بعض معالم هذا التعاطي الذي يبعث صراحة على القلق أكثر ما يُبشر بالارتياح. حتى نطرق بيت القصيد، وبحكم أن الرابطة أصبحت مؤسسة تحظى بعناية ملكية وتتبع ملكي مباشر، كان متوقعا صدور متابعات إعلامية في القناة الأولى وفي موقع وكالة المغرب العربي للأنباء، مقابل طبق الصمت في السواد الأعظم من المنابر الإعلامية الورقية، حزبية كانت أم "مستقلة"، بما فيها طبعا، يومية "التجديد" الإسلامية، التي ترفع شعار الدعوة والوسطية والاعتدال والإصلاح من الداخل والتدافع من أجل إقامة الدين في المجتمع!