شيء ما منع فرنسا من النظر إلى مستعمراتها السابقة بشكل موضوعي واضح بعيدا عن عواطف المستعمر المتعالي الذي يحمل مفاتيح أقفال الماضي البئيس، فلم تستطع تغيير واقع الاستعمار بواقع المِلكية بحيل جديدة، كالتبعية الثقافية والاستثمار دون منافس والمزاحمة في اتخاذ القرارات الوطنية في الإمبريالية القديمة. بعد استقلال المغرب، تعمدت فرنسا ترك مسامير جحا لغايات مقبلة، ساعدها في ذلك نخبة من المتفرنسين المغاربة المنبطحين بلا شروط، وبما أن العلاقات الدبلوماسية لم تعرف رجة كبيرة فقد بقيت "التقية" الفرنسية تشتغل بدهاء، بين مد وجزر لا يصل حد التعارض التام. حتى استرجع المغرب صحراءه وطُلب من المستعمر السابق توضيح موقفه والاصطفاف إلى جانب بلد اشتغل بحسن النية إلى أبعد الحدود. آنذاك فضح التاريخ اللؤم الفرنسي. نسجل لفرنسا أنها اعترضت بقوتها الدبلوماسية على كل انحراف دولي نحو المسخ الجزائري لجغرافيا المغرب، منذ 1975 لكن في الخفاء لم نكن نعلم ما الذي يقع في إفريقيا وأماكن أخرى، وكيف صوتت الأغلبية في منظمة الوحدة الإفريقية لجمهورية الوهم سنة 1982. ليتبين أن فرنسا صنعت هذا الوضع الغامض، الذي يقتضي عدم استقلال أي كيان عن المغرب لكن مع الاعتراض على كل اعتراف صريح بمغربية الصحراء، إلى أن جاء الموقف الأمريكي في ولاية ترامب فتجاوز الخبث الفرنسي دافعا بالأمور إلى توتر متزايد بين المغرب وفرنسا. يقول البعض إن تيار أعداء وحدتنا الترابية في فرنسا قوي ومتشعب، يجمع اليسار إلى الإيكولوجيين إلى الشيوعيين إلى المواقف الشخصية لبعض الصحافيين المرتشين أو غير المرتشين. لكن إسبانيا أكثر عداء من فرنسا، لأنها يسارا ويمينا تعادي بلادنا في قضايا كثيرة، الصحراء واحدة منها. يضاف إلى ذلك الجمعيات والبلديات المسعورة، ومع ذلك اختار التحالف الإسباني مصلحة البلاد على العواطف الجمعوية والسياسية. حتى أننا نتعجب لرئيس الحكومة سانشيز كيف أخرس أنصار البوليساريو في حكومته، وما أكثرهم. وإذا قسنا مصالح فرنسا المهددة في المغرب فإننا نجدها أكبر وأوسع وأخطر من مصالح إسبانيا (على الأقل قبل اعتراف سانشيز بالحكم الذاتي حلا وحيدا)، لنتساءل كيف خاطر الفرنسيون بعلاقة بلدهم بالمغرب من أجل خريطة مستحيلة لا يمكن أن تتحقق أبدا؟ ودون أن نتهمهم بتحريك جمر الصحراء منذ البداية في الخفاء عن طريق دماهم المتحركة في الجزائر نقول إن فرنسا غير قادرة على رؤية جميع ألوان قضيتنا الوطنية. اليوم، يرجع اليسار قويا إلى فرنسا، وتحتل الجبهة الشعبية الجديدة الصدارة، وليس من المستبعد ان تسير البلاد بتحالف صعب أو قريب من المستحيل، ونحن نعرف أن فرنسا الأبية والحزب الاشتراكي والألوان الراديكالية الفرنسية لا تضع المغرب في قلبها، ومن يراهن على ميلانشون ابن طنجة في تغيير مسار هذا العداء إنما هو واهم، ليتبين لنا أن الصديق الوحيد للمغرب في هذا البلد هي المصالح الاقتصادية الكبيرة لفرنسا بالمغرب والتي تعد بالملايير. الأوراش المغربية قبل كأس العالم أكبر من عمى الألوان، من سيستثمر في البنيات التحتية الواسعة المتعددة، في كل مكان في المغرب؟ من يتأخر عن الاستثمار في الصحراء المغربية التي ستتحول إلى محور اقتصادي لشمال ووسط إفريقيا كلها؟ من يفرط في هذا الكنز غير المنتهي إلا البلداء الذين يرون بربع عين واحدة؟ إذا كان الإسبان أذكياء، وضعوا السحر الإيديولوجي جانبا وتحولوا إلى براغماتيين متعطشين، فإن القطار المغربي غير قادر على انتظار بلاهة فرنسية، وضع عليها ماكرون خاتمه الرسمي، قبل أن يضيع خاتمه وحكمه إلى الأبد.